قصــــــة أختــــــــــي !!!!

[عمر عيسى محمد أحمد]

بسم الله الرحمن الرحيم


:760:

قصة قصيرة
فقط من محض الخيــال

أخـتـــــــــــي

هي كعادتها ومنذ نعومة أظفارها تحب المكايدة .. ومنذ أن فتحت عيني على الحياة وجدتها أمامي تردد صدى كل شي بعكس مرامي .. فإذا قلت لها شرقاً قالت بل غرباً .. وإذا بكيت أنا وجدتها تضحك .. وإذا ضحكت وجدتها تبكي ! .. عجيب أمرها فكأنها وجدت في حياتي لتعكر صفوها .. وكأنها خلقت من أجل مكايدتي وتنقيص راحتي ! .. فقط ولد وبنت حصيلة الأسرة .. وهي تكبرني بعامين .. وأبي يفضلها علي كما اعتقدت بحكم جهالتي.. وهي بحكم جهالتها تظن أن أمها تفضلني عليها .. فإذا تشاجرنا كما يحدث عادة بين أخ وأخت كانت أمي تقف بجانبي وكان أبي يقف بجانبها .. سنة الحياة بين أطفال الأسرة الواحدة أن تكون هناك مناكفة ومنافسة ومجادلة بين الصغار .. وعلى الأخت أن تغير على الأخ .. وعلى الأخ أن يغير على الأخت .. وهي معركة قد تستمر لسنوات الجهالة كلها .. ولكنها مع إشراقة بوادر النمو العقلي تبدأ في الانحصار .. أما أنا وأختي فكانت معركتنا قوية ... وقوية بالدرجة التي كنا نظن أننا يجب أن يتخلص أحد من الأخر .. فكم من مرات مزقت لها كتبها المدرسية وجعلتها تبكي وتولول وحتى يعود أبي ثم يبدأ في تأديبي بعلقة ساخنة ... ثم تتدخل أمي الحبيبة .. وتدافع عن ولدها المدلل !! .. وكم من مرات أخفت أختي ملابسي للمدرسة وجعلتني أبكي وقد تأخرت عن الذهاب للمدرسة .. وعدم حضور طابور الصباح يعني علقة أخرى ساخنة وهي ما تتمناها أختي ..! فهكذا كانت حياتنا معركة مستمرة مبنية على الكره الشديد .. وتفعيل المكايدات للبعض .. حتى أنني كنت أكره كل شي لها صلة بها كأصحابها وأترابها .. وهي أيضاً كانت تكره كل شي يخصني .. ثم دارت الأيام وكبرنا .. فبدأ بيننا نوع من الجفاء وعدم الاكتراث .. وعدم الاهتمام بهموم الأخر .. فكأنها ليست بأختي وكأنني لست بأخيها ..!

ثم شاءت الأقدار وسمحت الظروف أن أفكر في الزواج .. فكانت الإجراءات والمراسيم خطوة بخطوة .. وكنت استشير أبي وأمي وأهلي في كل صغيرة وكبيرة حتى تتم مراسيم الزواج على ما يرام .. ولم أحاول يوماً أن أشرك أختي في الرأي أو المشورة .. أبتعد عنها وكأن الأمر ليس من حقها .. ثم سارت الأمور كما ينبغي .. ويوم العرس تجمع الأهل والأحباب .. وتزينت الجدران بالزينات .. وأبدع أهل الطرب في الغناء .. وزين الحفل براعم الأطفال بروعة البراءة والطهر والجمال .. والكل في حبور وسرور .. ثم حان وقت الزفة وتقدمت ومسكت بيد عروستي .. ومن خلفها تجر وشاح الجمال كالطاووس .. و تحمل أطراف ثوب الزفاف بنان أطفال كالملائكة .. ثم تقدمت والعروسة في موكب رهيب نحن السيارة التي كانت تنتظر .. وقد تم تزينها بالورود الجميلة .. والزينة الكهربائية .. ولكن توقف الركب عندما تقدمت أختي فجأة ووقفت أمامي .. وهي في أبهى حلل الزينة والجمال .. وقد سرقت أنظار الجميع في لحظات .. وقفت أمامي مباشرة وفي يدها باقة ورد جميل .. ثم نظرت إليها ونظرت إلي .. ولأول مرة تلتقي عيني بعين أختي في لحظة محيت كل الماضي .. ثم مدت يدها لتمسك بكفي وتهديني باقة الورد .. ثم غلبت عليها لحظة عابرة من السعادة الممزوجة بالدموع .. فنظرت إلى الأرض لتخفي أمر سعادتها باستحياء شديد .. فرفعت رأسها لأرى عينيها .. فوجدت أغلى دمعة تزرف من عين أختي .. وأنا قاومت لأثبت قوتي ولكن خذلتني عيني فجرت الدموع .. وفي تلك اللحظة ولأول مرة أعرف أن لي أجمل وأغلى وأحلى وأعز إنسانة في الدنيا وهي أختـي !! .. ثم مسكت بيد أختي .. وبالأخرى مسكت بيد عروستي .. ثم تقدم الركب نحو السيارة .. وهناك ودعت أختي وأهلي ثم ركبت السيارة مع عروستي .. فانطلقت السيارة وغادرت الساحة .. وفيها شريكة حياتي التي نسيتها للحظات فصورة أختي لا تفارق الخيال .. وقد سيطرت على كل مشاعري وأحاسيسي .. وتلك خطوات قليلة مشتها أختي معي نحو السيارة تعادل عندي كل خطوات حياتي الماضية التي لم أضحك فيها معها .. وقد حرمتها من لحظات سعيدة كنت أتمنى لو أن الحياة الماضية لم تكن بتلك الصورة .. ثم تسيل الدموع من عيني مرة أخرى وعروستي تحسبها دموع الفرح !.. وهي في الحقيقة دموع حسرة وندامة على إنسانة بريئة حرمتها من خنان الأخوة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قصة من الخيال : تأليف الكاتب السوداني / عمر عيســى محمــد أحمــد