من كتاب شهر رمضان شهر التربية وتزكية النفوس بقلم خلدون مكتوم

[خلدون مكتوم]

فضل قيام الليل في رمضان :
فهيا الى القيام في رمضان
فعن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله سلم انها قالت (( كان الرسول صلى الله عليه و آله و سلم اذا دخل رمضان شد مئزره ثم لم يأت فراشه حتى
ينسلخ ))
قيام رمضان من الايمان و مغفرة لسالف الذنوب قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم (( من قام رمضان ايمانا و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه )) وزاد مسلم في اوله كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يرغب في قيام رمضان من غير ان يامرهم بعزيمة ثم يقول (( من قام رمضان ايمانا و احتسابا ...)) قال الخطابي ((ايمانا و احتسابا )) اي نية و عزيمة و هي ان يقومه على التصديق و الرغبة في ثوابه طيبة به نفسه و قال البغوي ((احتسابا )) اي طلبا لوجه الله ((غفر له)) قال النووي المعروف انه يختص بالصغائر و به جزم امام الحرمين و عزاه عياض لاهل السنة و قال بعضهم و يجوز ان يخفف من الكبائر اذا لم يصادف صغيرة و قال الحافظ في الفتح ((ظاهره يتناول لصغائر و الكبائر ))وبه جزم ابن المنذر
فضل الصيام :
الصيام عبادة من اجل العبادات و قربة من اعظم القربات و هو داب الصالحين و شعار المتقين يزكي النفس و يهذب الخلق و يباعد عن النار و هو مدرسة التقوىو دار الهدى من صامه بنية صادقة و اتباع صحيح كان ن الناجحين في الدنيا الفائزين في الاخرة و عليه وفلا غرابة ان ترد في فضله نصوص كثيرة تبين عظيم اثاره و كثير اجره و ما اعده الله لاهله و تحث المسلم على الاستكثار منه و تهون عليه ما قد يجده من عناء و مشقة في ادائه فعاقبته التقوى كما قال علي بن ابي طالب رضي الله عنه عن ((التقوى))هي الخوف من الجليل و العمل بالتنزيل و القناعة بالقليل و الاستعداد ليوم الرحيل
1- ومن اول فضائل الصوم انه موصل الى التقوى : قال البغوي : ((لعلكم تتقون )) عني بالصوم لان الصوم موصل الى التقوى لما فيه من قهر النفوس و كسر الشهوات و قال ابن كثير رحمه الله تعالى لان الصوم فيه تزكية للبدن و تضييق لمسالك الشيطان اللهم اعصمنا من الشيطان الرجيم و هكذا فالصيام يورث التقوى وذلك ان فيه قمعا للشهوات و كسرا للاهواء يردع المسلم من الوقوع في المحرمات و ذلك لما يحدثه في الانسان من تقوية للارادة و تعويد على الصبر مع ان الرغبة في الطعام و الشراب و الجماع من اشد الرغبات في الانسان فاذا استطاع تركها و تعود على ذلك كان تركه لبقية الرغبات اسهل و اخف و اهون عليه ان شاء الله
2- ومن فضائل الصيام انه جنة يحفظ صاحبه باذن الله تعالى من الاثام و الوقوع في الحرام عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (( قال الله:كل عمل ابن ادم له الا الصيام فانه لي وانا اجزي به و الصيام جنة و اذا كان يوم صوم احدكم فلا يرفث و لا يصخب فان سابه احد او قاتله فليقل اني امرؤ صائم 000الحديث))
و عن عثمان بن ابي العاص رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ((الصيام جنة من النار كجنة احدكم من القتال ))
قال ابن عبد البر و الجنة:الوقاية و لستر من النار و حسبك بهذا فضلا للصائم
وقال القاضي عياض جنة:اي ستر و مانع من الرفث و الاثام او مانع من النار و ساتر منها او مانع من جميع ذلك
قال ابن العربي :انما كان الصوم جنة من النار لانه امساك عن الشهوات و النار محفوفة بالشهوات
قال ابن حجر:فالحاصل انه اذا كف نفسه عن الشهوات في الدنيا كان ذلك ساترا له من النار في الاخرة
3-ومن فضائل الصيام ان يكرم الصائم بفرحتين فهو يفرح عند فطره و يفرح بفضل الله و رحمته عندما يلقى ربه و هو راض عنه و بذلك يكون الصوم سببا في سعادة الدارين ففي الحديث المتفق عليه عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ((للصائم فرحتان يفرحهما اذا افطر فرح و اذا لقي ربه فرح بصومه))
قال القاضي عياض:اما فرحته عند لقاء ربه فبينة لما يراه من الثواب و حسن الجزاء و اما عند افطاره فلتمام عبادته و سلامتها من الفساد وما يرجوه من ثوابها و قد يكون معناه لما طبعت النفس عليه من الفرح باباحة لذة الاكل و ما منع منه الصائم و حاجته الى ذهاب الم الجوع منه
4-ومن فضائل الصوم انه من اعظم اسباب مغفرة الذنوب و تكفير السيئات لكن المغفرة مقيدة بهذا الشرط : ((ايمانا و احتسابا ))اي ايمانا بالله جل و علا و برسوله صلى الله عليه و سلم و عملا بشريعته و احتسابا للاجر و الثواب بان يصومه خالصا لوجه الله جل و عز بنية خالصة لا رياء و لا تقليدا و لا تجلدا لئلا يخالف الناس او لغير ذلك من مقاصد لا يراد بها وجه الله تعالى و يضاف طلب مغفرة الذنوب للصائم او القائم باداء الواجبات و ترك المحرمات لحديث ابو هريرة رضي لله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال (( الصلوات الخمس و الجمعة الى الجمعة و رمضان الى رمضان مكفرات لما بينهن اذا اجتنبت لكبائر ))
و في الصحيحين عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه و سلم قال ((من صام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))ىاي ايمانا بان الله فرض صوم شهر رمضان على كل مسلم و مسلمة و احتسابا للاجر والمثوبة منه سبحانه و تعالى
5-ومن فضائل الصيام انه يقي الصائم من النار يوم القيامة و ذلك اذا اتى به كاملا من غير نقص مع بقية العبادات الاخرى و ان يفعل المسلم ما امره الله تعالى و امره به رسوله صلى الله عليه و سلم و اجتنب ما نهى الله تعالى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم و قد قال رسول الله صلى الله عليه في فضل الصوم ((ما من عبد يصوم يوما في سبيل اللهالا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا )) و عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ((فتنة الرجل في اهله و ماله وولده و جاره تكفرها الصلاة و الصوم و الصدقة))
6- ومن فضائل الصيام ان رائحة فم الصائم عند الله قيل في الدنيا و قيل يوم القيامة اطيب و افضل عند الله من ريح المسك فرب مكروه عند الناس محبوب عند الله تعالى و العكس قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ((والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم اطيب عند الله من ريح المسك))
قال ابن الاثير:الخلفة:بالكسر:تغير ريح الفم و اصلها في النبات ان ينبت الشئ بعد الشئ لانها راحة حدثت بعد الرائحة الاولى يقال خلف فمه يخلف خلفة و خلوفا
و قال ابن عبد البر : و معنى قول رسول الله صلى الله عليه و سلم ((لخلوف فم الصائم اطيب عند الله من ريح المسك))يريد ازكى عند الله و اقرب اليه و ارفع عنده من ريح المسك و هذا في فضل الصيام و ثواب الصائم
7- ومما ورد في فضل الصوم ايضا انه يكسر ثوران الشهوة في النفس بل و يهذبها فالصوم يؤدي دور التحصين و الوقاية و التطهير من الشوائب التي قد تعلق بالنفس و البدن لذلك ارشد رسول الله صلى الله عليه و سلم الشباب الذين لا يستطيعون الزواج ان يستعينوا بالصوم ليحد من شهواتهم فعن ابن مسعود ان النبي صلى الله عليه و سلم قال ((يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه اغض للبصر و احصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء)) و هنا تتجلى للعبد المسلم الدرجة العالية التربوية للصوم فهو نوع من العلاج السلوكي الذي يقوم الاعوجاج و يهذب السلوك التربوي عن طريق الصوم المحصن الخالص لله رب العالمين فالصوم لله جل و علا و الجزاء منه تبارك و تعالى عظيم وكثير و كبير فلا يعلم عظم جزاء اجر الصائم الا الله الذي له الصوم جل في علاه و الذي امتن به بفضله وكرمه تعالى و تقدس
8-ومن فضائل الصيام ان الله تعالى اضاف الصيام عليه تعالى وتبارك لعلو مكانة الصيام و عظم اجره فمن فضائله ان يوفى للصائمين اجورهم بغير حساب فالاعمال الصالحة تضاعف في الاجر الى اضعاف كثيرة و الله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم فالصابر على مشاق الصيام يوفى اجره كاملا غير منقوص قال الله تعالى ((انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب))
قيل هم الصائمون و ثواب الصيام مطلق غير مقيد اذ يعطى الصائم اجره بغير حساب ففي الصحيحين عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((قال الله تعالى كل عمل ابن ادم له الا الصيام فانه لي و انا اجزي به000الحديث))و في رواية لمسلم ((كل عمل ابن ادم يضاعف الحسنة بعشر امثالها الى سبعمائة ضعف قال الله عز وجل الا الصوم فانه لي و انا اجزي به يدع شهوته و طعامه من اجلي 000الحديث))فاختص الله جل و علا الصوم له من بين سلئر الاعمال لشرفه عندهو لانه سر بين العبد و بين ربه لا يطلع عليه الا الله عزوجل الذي يعلم السر و اخفى و الذي خلقنا لعباته و الذي امرنا بسؤاله فهو الذي بيده ملكوت كل شئ كما جاء في الحديث عن الرسول صلى الله عليه و سلم قال ((فاذا سالت فاسال الله واذا استعنت فاستعن بالله و اعلم ان ما اخطاك لم يكن ليصيبك و ما اصابك لم يكن ليخطئك و اعلم ان النصر مع الصبر و ان الفرج مع الكرب و ان مع العسر يسرا ))
قال ابن عبد البر :كفى بقوله((الصوم لي)) فضلا للصيام عن سائر العبادات فالله الله في صيانة الصيام و ادائه على الوجه الاكمل و قال ايضا فان قال قائل وما معنى قوله ((الصوم لي و انا اجزي به))وقد علم ان الاعمال التي يراد بها وجه الله تعالى كلها لله و هو يجزي بها فمعناه و الله اعلم ان الصوم لا يظهر من ابن ادم في قول و لا عمل و انما هو نية ينطوي عليها صاحبها و لا يعلم بها الا الله و ليست مما تظهر فتكتبها الحفظة كما تكتب الذكر و الصلاة و الصدقة و سائر الاعمال لان الصوم في الشريعة ليس الامساك عن الطعام و الشراب فحسب بل كل ممسك عن الطعام و الشراب اذا لم ينوي بذلك وجه الله و لم يرد اداء فرضه او التطوع لله به فليس بصائم في الشريعة فلهذا قيل انه لا تتطلع عليه الحفظة و لا تكتبه لكن الله يعلمه و يجازي به على ماشاء من التضعيف اي اضعاف الجزاء الاوفى
9-ومن فضائل الصيام انه يشفع لصاحبه يوم القيامة فقد روى الامام احمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص عنه ان النبي صلى الله عليه و سلم قال ((الصيام و القرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام:اي رب منعته الطعام و الشهوات بالنهار فشفعني فيه و يقول القرآن :منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال :فيشفعان))و القول من الصيام و القران يجرى على ما عليه النص هذا هو المنهج القويم و الصراط المستقيم فان العقول البشرية تتلاشى و تضمحل عن ادراك العوالم الالهية ولا سبيل لها الا الاذعان له و الايمان به
10-ومن فضائل الصيام انه من اسباب اجابة الدعاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حتى يفطر و الامام العادل و دعوة المظلوم))و قال المولى سبحانه و تعالى في سياق ايات الصيام((واذا سالك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان فليستجيبوا لي و ليؤمنوا بي لعلهم يرشدون))
11-ومن فضائل الصيام ان الله اختص اهله بباب من ابواب الجنة لا يدخل منه احد غيرهم ففي الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه و سلم قال ((ان في الجنة باب يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لايدخل منه احد غيرهم يقال اين الصائمون فيقومون فيدخلون فاذا دخلوا اغلق فلم يدخل منه احد))
12-ومن فضائل شهر رمضان ان فبه ليلة القدر هي خير من الف شهر و قيام موجب للغفران لقول النبي صلى الله عليه وسلم ((ان هذا الشهر قد حضركم و فيه ليلة خير من الف شهر فمن حرمها فقد حرم الخير كله و لا يحرمه الا محروم))وقوله صلى الله عليه و سلم ((من قام ليلة القدر ايمانا و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))
13-ومنها انها تفتح فيها ابواب الجنة لكثرة الاعمال الصالحة المشروعة فبرحمة الله تكون سببا لدخول الصائم الجنة وانه تغلق فيه ابواب النار لقلة المعاصي و الذنوب الموجبة لدخول النار و فيه تغلق و توثق الشياطين فتعجز عن اغواء الناس و صرفهم عن العمل الصالح قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ((اذا جاء رمضان فتحت ابواب الجنة و غلقت ابواب النار و صفدت الشياطين))
14-ومنها ان لله تعالى في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء من النار لقوله صلى الله عليه و سلم ((ان لله تعالى عند كل فطر عتقاء من النار وذلك في كل ليلة ))عتقاء كل ليلة من النار انه الفوز العظيم ة الفضل الكبير و العطاء الجزيل و الجائزة السامية اللهم اجعلنا من عتقائك من النار اللهم امين فهذه بعض فضائل الصوم ومنزلته العظيمة و هي في مجموعها موصلة العبد الى الغاية التي من اجلها شرع الله الصوم وهو تحصيل التقوى لينال رضا الله في الدنيا و الاخرة
واسال الله لي و للجميع ان يجعلنا من عتقائه و ممن يدخلون من باب الريان فتستقبلهم الملائكة اللهم امين والحمد لله رب العالمين و الصلا و السلام على اشرف الانبياء و المرسلين محمد عليه الصلاة و السلام