« كتاب أحكام الدماء الخارجة من رحم المرأة »

[د. محمد الرمادي]

أود أن انبه هنا أنه

لا يصح أن يعيب احد على آخر؛ أو يتهم آحدنا أخاه على تبنيه لرأي مخالف له. طالما أنها مسألة خلافية؛ ولم يستقر السادة العلماء أو أفاضلنا الفقهاء على قول واحد فيها.

ولكن تتبقى مسألة :

إذا قالت دار الإفتاء بالمملكة وقررت ونشرت وأذاعت وبينت ووضحت مخالفتها لسنة النبي عليه السلام ؛ فينبغي على المعتمر الإلتزام برأيها وقولها دون أدنى حرج أو ضيق ؛ أما إذا صدرت فتوى من عالم -داخل المملكة أو خارجها - ففتواه تخصه وتخص من يراه أهلا للفتوى دون غيره أو غيرهم .

[د. محمد الرمادي]

«اخْتَلَفَ» الْفُقَهَاءُ فِي مَسْأَلَةٍ مَبْنِيّةٍ عَلَى قِصّةِ عَائِشَةَ وَهِيَ أَنّ الْمَرْأَةَ إذَا أَحْرَمَتْ بِالْعُمْرَةِ فَحَاضَتْ وَلَمْ يُمْكِنْهَا الطّوَافُ قَبْلَ التّعْرِيفِ فَهَلْ تَرْفُضُ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ وَتُهِلّ بِالْحَجّ مُفْرَدًا، هذا هو الْقَوْلُ الْأَوّلُ

أَوْ

تُدْخِلُ الْحَجّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَتَصِيرُ قَارِنَةً؟ . هذا هو الثاني .

فَقَالَ بِالْقَوْلِ الْأَوّلِ فُقَهَاءُ الْكُوفَةِ، مِنْهُمْ أَبُوحَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ؛

وَ

بِالثّانِي: فُقَهَاءُ الْحِجَازِ. مِنْهُمْ: الشّافِعِيّ وَمَالِكٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَدِيثِ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَتْبَاعِهِ.

قَالَ الْكُوفِيّونَ:

ثَبَتَ فِي الصّحِيحَيْنِ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا قَالَتْ :« أَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ فَقَدِمْتُ مَكّةَ وَأَنَا حَائِضٌ لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ فَقَالَ اُنْقُضِي رَأْسَك، وَامْتَشِطِي، وَأَهِلّي بِالْحَجّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ». قَالَتْ فَفَعَلْتُ فَلّما قَضَيْتُ الْحَجّ أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَ عَبْدِالرّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إلَى التّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرْتُ مِنْهُ. فَقَال: « هِذِه مَكَانُ عُمْرَتِك ».

قَالُوا: فَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّهَا كَانَتْ مُتَمَتّعَةً وَعَلَى وَأَحْرَمَتْ بِالْحَجّ لِقَوْلِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ « دَعِي عُمْرَتَكِ »؛ وَلِقَوْلِهِ « اُنْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي »؛ وَلَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً عَلَى إحْرَامِهَا، لَمَا جَازَ لَهَا أَنْ تَمْتَشِطَ وَلِأَنّهُ قَالَ لِلْعُمْرَةِ الّتِي أَتَتْ بِهَا مِنْ التّنْعِيمِ: « هَذِهِ مَكَانُ عُمْرَتِكِ» . وَلَوْ كَانَتْ عُمْرَتُهَا الْأُولَى بَاقِيَةً لَمْ تَكُنْ هَذِهِ مَكَانَهَا، بَلْ كَانَتْ عُمْرَةً مُسْتَقِلّةً.

[د. محمد الرمادي]

قَالَ الْجُمْهُورُ :

" لَوْ تَأَمّلْتُمْ قِصّةَ عَائِشَةَ حَقّ التّأَمّلِ وَجَمَعْتُمْ بَيْنَ طُرُقِهَا وَأَطْرَافِهَا، لَتَبَيّنَ لَكُمْ أَنّهَا :

قَرَنَتْ ؛

وَلَمْ تَرْفُضْ الْعُمْرَةَ .

فَـــ

فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ :

« أَهَلّتْ عَائِشَةُ بِعُمْرَةٍ حَتّى إذَا كَانَتْ بِسَرِفٍ عَرَكَتْ ثُمّ دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى عَائِشَةَ فَوَجَدَهَا تَبْكِي، فَقَالَ :

« مَا شَأْنُكِ؟ »؛ قَالَتْ :

" شَأْنِي أَنّي قَدْ حِضْت وَقَدْ أَحَلّ النّاسُ وَلَمْ أَحِلّ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَالنّاسُ يَذْهَبُونَ إلَى الْحَجّ الْآنَ "؛ قَالَ :

« إنّ هَذَا :

[1.] " أَمْرٌ قَدْ كَتَبَهُ اللّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَــ

[2.] اغْتَسِلِي، ثُمّ

[3.] أَهِلّي بِالْحَجّ ».

فَـ

فَعَلَتْ وَوَقَفَتْ الْمَوَاقِفَ كُلّهَا، حَتّى إذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَبِالصّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثُمّ قَالَ :

« قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجّكِ وَعُمْرَتكِ »؛ قَالَتْ :

" يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي أَجِدُ فِي نَفْسِي أَنّي لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتّى حَجَجْتُ ". قَالَ :

« فَاذْهَبْ بِهَا يَا عَبْدَ الرّحْمَنِ فَأَعْمِرْهَا مِنْ التّنْعِيمِ ».

[د. محمد الرمادي]

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: مِنْ حَدِيثِ طَاوُسٍ عَنْهَا: « أَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ وَقَدِمْتُ وَلَمْ أَطُفْ حَتّى حِضْتُ فَنَسَكْتُ الْمَنَاسِكَ كُلّهَا، فَقَالَ لَهَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ النّفْرِ ؛ يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجّكِ وَعُمْرَتِكِ ».

[د. محمد الرمادي]

فَهَذِهِ نُصُوصٌ صَرِيحَةٌ أَنّهَا كَانَتْ فِي :

«1.» حَجّ وَ

«2.» عُمْرَةٍ ؛

لَا فِي حَجّ مُفْرَدٍ .

وَ

صَرِيحَةٌ فِي أَنّ الْقَارِنَ يَكْفِيهِ :

«*» طَوَافٌ وَاحِدٌ ؛ وَ

«*» سَعْيٌ وَاحِدٌ ؛

وَصَرِيحَةٌ فِي أَنّهَا لَمْ تَرْفُضْ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ بَلْ بَقِيَتْ فِي إحْرَامِهَا كَمَا هِيَ لَمْ تَحِلّ مِنْهُ.

وَ

فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ « كُونِي فِي عُمْرَتِك، فَعَسَى أَنّ اللّهَ يَرْزُقُكِيهَا » ؛ وَ

لَا يُنَاقِضُ هَذَا قَوْلَهُ « دَعِي عُمْرَتَكِ ». فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ رَفْضَهَا وَتَرْكَهَا، لَمَا قَالَ لَهَا :« يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجّك وَعُمْرَتِكِ » ؛ فَــ

عُلِمَ أَنّ الْمُرَادَ دَعِي أَعْمَالَهَا لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ رَفْضَ إحْرَامِهَا.

وَ

أَمّا قَوْلُهُ « اُنْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي »؛ فَــ

هَذَا مِمّا أَعْضَلَ عَلَى النّاسِ وَلَهُمْ فِيهِ أَرْبَعَةُ «4» مَسَالِكَ:

«1.» أَحَدُهَا: أَنّهُ دَلِيلٌ عَلَى رَفْضِ الْعُمْرَةِ كَمَا قَالَتْ الْحَنَفِيّةُ.

«2.» الْمَسْلَكُ الثّانِي: إنّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَمْشُطَ رَأْسَهُ وَلَا دَلِيلَ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنّةٍ وَلَا إجْمَاعٍ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ وَلَا تَحْرِيمِهِ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِ.

«3.» الْمَسْلَكُ الثّالِثُ تَعْلِيلُ هَذِهِ اللّفْظَةِ وَرَدّهَا بِأَنّ عُرْوَةَ انْفَرَدَ بِهَا، وَخَالَفَ بِهَا سَائِرَ الرّوَاةِ وَقَدْ رَوَى حَدِيثَهَا طَاوُوسٌ وَالْقَاسِمُ وَالْأَسْوَدُ وَغَيْرُهُمْ فَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ هَذِهِ اللّفْظَةَ.

قَالُوا: وَقَدْ رَوَى حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ حَدِيثَ حَيْضِهَا فِي الْحَجّ فَقَالَ فِيهِ :" حَدّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَهَا :« دَعِي عُمْرَتَكِ وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي ». وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ...

قَالُوا: فَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّ عُرْوَةَ لَمْ يَسْمَعْ هَذِهِ الزّيَادَةَ مِنْ عَائِشَةَ.

«4.» الْمَسْلَكُ الرّابِعُ أَنّ قَوْلَهُ « دَعِي الْعُمْرَةَ »، أَيْ دَعِيهَا، بِحَالِهَا لَا تَخْرُجِي مِنْهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَرْكَهَا،

قَالُوا: وَيَدُلّ عَلَيْهِ وَجْهَانِ:

«1.» أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ « يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجّكِ وَعُمْرَتِك »؛

«2.» الثّانِي: قَوْلُهُ « كُونِي فِي عُمْرَتِك ».

قَالُوا: وَهَذَا أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى رَفْضِهَا لِسَلَامَتِهِ مِنْ التّنَاقُضِ.

قَالُوا: وَأَمّا قَوْلُهُ « هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ » ؛ فَعَائِشَةُ أَحَبّتْ أَنْ تَأْتِيَ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ فَأَخْبَرَهَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ طَوَافَهَا وَقَعَ عَنْ حَجّتِهَا وَعُمْرَتِهَا، وَأَنّ فَصَارَتْ قَارِنَةً فَأَبَتْ إلّا عُمْرَةً مُفْرَدَةً كَمَا قَصَدَتْ أَوّلًا، فَلَمّا حَصَلَ لَهَا ذَلِكَ قَالَ « هِذِه مَكَانَ عُمْرَتِك » .

وَفِي سُنَنِ الْأَثْرَمِ، عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ ؛ قُلْتُ : " لِعَائِشَةَ « اعْتَمَرْتِ بَعْدَ الْحَجّ؟ » ؛ قَالَتْ :

" وَاَللّهِ مَا كَانَتْ عُمْرَةً ؛ مَا كَانَتْ إلّا زِيَارَةً زُرْتُ الْبَيْتَ " .

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ :" إنّمَا أَعْمَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَائِشَةَ حِينَ أَلَحّتْ عَلَيْهِ ؛ فَقَالَتْ « يَرْجِعُ النّاسُ بِنُسُكَيْنِ وَأَرْجِعُ بِنُسُكِ؟ » ؛ فَــ

قَالَ « يَا عَبْدَ الرّحْمَنِ أَعْمِرْهَا فَنَظَرَ إلَى أَدْنَى الْحِلّ فَأَعْمَرَهَا مِنْهُ »

الاثنين 3 ذو القعدة 1436 .

[د. محمد الرمادي]

من العدل والإنصاف والحق أن نستعرض أجوبة السادة أهل العلم ؛ حيث جاءهم السؤال التالي :

" بعض المعتمرين بعد أن ينتهوا من عمرتهم يرجعون الى مسجد التنعيم ( مساجد عائشة ) ويحرمون من هنالك ويأتون بعمرة ثانية بل وثالثة ورابعة..... وهكذا .

السؤال :" فهل هذا الفعل مسنون؟؛

والسؤال الذي يليه :" وهل هذا فعل السلف رحمهم الله؟
الجواب :

"

[د. محمد الرمادي]

يجوز للحائض أن تسعى بين الصفا والمروة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع الحائض إلا من الطواف فقال لعائشة -رضي الله عنها- لما حاضت : « افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت » .

**

الثلاثاء 17 ذو القعدة 1436

[د. محمد الرمادي]

﴿الكريمة الفاضلة العفيفة الشريفة صاحبة الذيل الطاهر والثوب النقي : القارئة لصفحات منتدى (بنات مصر) .. لكِ مني التحية ؛ أنا محمد فخر الدين الرمادي؛ من الثغر المتوسط المطل على البحيرة المتوسطية؛ مدينة الإسكندرية ...... عذراً للتوقف بعض الزمن وسنعاود البحث في الأحكام المتعلقة بمسألتنا ﴾

محمد فخر الدين الرمادي ؛ من الإسكندرية

السبت 6 ربيع الثاني 1437~ 16 يناير 2016

[د. محمد الرمادي]

[«[﴿««« عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " إِنَّ هَذَا مِنْ شَأْنِ بَنَاتِ آدَمَ " . " يَعْنِي الْحَيْضَ " . »»»]]﴾

المصدر :"» تاريخ دمشق لابن عساكر»"

[د. محمد الرمادي]

قول : عائشة رضي الله عنها:
[1.] (( ما من امرأة تحيض إلَّا كان حيضها كفَّارة لما معها من ذنوب))، كذب
وإن قالت عند حيضها:
[ 2.] (( الحمد الله على كلِّ حال، وأستغفرك من كل ذنب )) - كتب لها براءة من النار، وأمان من العذاب. كذب .

يسعى الكاتب على قدر الإستطاعة؛ أن يجعل هذا الكتاب الذي خصّ به منتديات بنات مصر أن يكون موسوعة كاملة شاملة لموضوع الكتاب. والله تعالى ذكره وراء القصد .