تذكر قبل أن تُسَوِّف.....!!

[أمةالله]

الحمد لله رب العالمين، وصلاةً وسلاماً على أشرف الخلق، وسيد المرسلين، وعلى آله وصحبه الغُر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ثم أما بعدُ..

فإنه قد انقضى من شهر الخير والبركات ما يقارب من الثلثين، فهل جددت –أخى المسلم/ أختي المسلمة- توبتك إلى ربك، وهل عملتَ لعتقك من ناره، أم ما زلت بين الغافلين؟! – أعاذنى الله وإياكَ من ذلك -.
لأجل هذا أستحلفك بربك: إن لم تكن قد وقفت مع نفسك وقفة للتوبة بعد، فلا تتردد –رحمك الله- فى الإسراع إليها، وأما إن كنتَ ممن يسرها الله -عز وجل- لهم ووفقهم إليها، فاحمد ربك على فضله، ثم احرص على تجديدها، والعمل لها، عسى الله أن ينفعك بها، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنونَ، إلا من أتى الله بقلب سليم – نسأل ربنا سبحانه أن يجعلنا منهم-.

أخى المسلم/ أختي المسلمة.. كثير منا يعانى من قسوة القلب؛ سواء يرى ذلك من نفسه أو من غيره، حتى إنك لتقول لصاحب المعصية: "اتق الله.. قد تموت الآن على معصيتك هذه"، فتجده ينظر إليك نظر المغشىّ عليه من الموت، قائلاً: "إن شاء الله سأتوب" .. "أنا مازلت صغيرا.. لا (تُبشر) عليَّ".... ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وما ذلك إلا للجهل بأحداث الموت، والرحلة إلى الدار الآخرة الذى أصاب جُلِّ المسلمين – إلا من رحم ربى-، ظانين أن الميت لا يشعر بشىء، ولا يحدث له أى شىء فى خلال رحلته، فقط يموت الإنسان فيوضع فى قطعة قماش بيضاء، وينام فى قبره نومة المستريح من كل تعب ونصب إلى قيام الساعة، ولا يعلم هؤلاء أن من مات قامت قيامته [1].. نعم، فالميت يعرف مآله ومصيره منذ ساعة احتضاره، ثم يكون قبره عليه إما روضة من الجنة، أو حفرة من حفر النار – نعوذ بالله من ذلك- .

وقد أوصانا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- بالإكثار من ذكر الموت والآخرة، وقال: ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها ) [صحيح]، وقال: ( فزوروا القبور فإنها تُذكِّر الموت ) [رواه مسلم] وما ذلك إلا لأن هذه الأمور من أنفع الطرق لصلاح القلوب، ومن ثم الأعمال.

ولما كان رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- قد أوتى جوامع الكلم، فقد رأيت أنَّ خير من تكلم عن هذه الرحلة إلى دار القرار بإيجاز شديد؛ لا يدفع على الملل، ولا سبيل فيه إلى الكذب، هو الصادق الذى لا ينطق عن الهوى -صلى الله عليه وسلم-، فإليكَ – أخى الفاضل/ أختي الفاضلة- هذا الحديث، فاعرضه على قلبكَ، عسى الله أن ينفعكَ بما فيه...

روى الإمام أحمد – رحمه الله- عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- : قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فى جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولمَّا يُلحَّد، فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وجلسنا حوله، كأن على رءوسنا الطير [2]، وفى يده عود يَنْكُتُ [3] به فى الأرض، فرفع رأسه فقال: ((استعيذوا بالله من عذاب القبر))، مرتين أو ثلاثاً، ثم قال: ((إن العبد المؤمن إذا كان فى انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط [4] من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مَدَّ البصر، ثم يجىء ملك الموت[5]، حتى يجلس عند رأسه، فيقول: "أيتها النفس المطمئنة اخرجى إلى مغفرة من الله ورضوان" ))، - قال:- ((فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فِى السِّقَاء [6]، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها فى يده طَرفَة عَين حتى يأخذوها، فيجعلوها فى ذلك الكفن، وفى ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الريح الطيبة؟!، فيقولون: "فلان بن فلان" بأحسن أسمائه التى كانوا يسمونه بها فى الدنيا، حتى ينتهوا به إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له، فيُفتَح له، فيشيِّعه من كل سماء مُقَرَّبوها إلى السماء التى تليها، حتى تنتهى بها إلى السماء السابعة، فيقول الله -عز وجل- : "اكتبوا كتاب عبدى فى عليين، وأعيدوه إلى الأرض، فإنى منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى")). قال: ((فتُعاد روحه، فيأتيه مَلَكان، فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟!، فيقول: ربى الله، فيقولان له: ما دينك؟!، فيقول: دينى الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذى بعث فيكم؟!، فيقول: هو رسول الله r، فيقولان له: وما عملك؟!، فيقول: قرأت كتاب الله –تعالى-، فآمنتُ به وصدَّقت. فينادى منادٍ من السماء أن "صَدَقَ عبدى، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة "، فيأتيه من ريحها وطِيبِهَا، ويُفسَح له فى قبره مد البصر))، قال(ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيِّب الريح، فيقول له: من أنت؟!، فوجهك الوجه الذى يجىء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة، حتى أرجع إلى أهلى ومالى)).
قال: (( وإن العبد الكافر إذا كان فى انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المُسُوح [7]، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجىء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجى إلى سخط من الله وغضب)). قال: ((فَتُفَرَّقُ فى جسده، فينتزعها كما يُنتَزَع السَّفُّود من الصوف المبلول[8]، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها فى يده طرفة عين، حتى يجعلوها فى تلك المُسُوح، ويخرج منها كأنتن ريح جِيفَة وُجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟!، فيقولون: فلان بن فلان، بأقبح أسمائه التى كان يُسمى بها فى الدنيا، حتى ينتهى بها إلى السماء الدنيا، فيستفتح فلا يفتح له)). ثم قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ﴿ لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابَ اْلسَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ اْلجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ اْلجَمَلُ فِى سَمِّ اْلخِيَاطِ﴾، فيقول الله -عز وجل- : "اكتبوا كتابه فى سِجِّين فى الأرض السفلى"، فيطرح روحه طرحاً))، ثم قرأ: ﴿ وَمَن يُّشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ اْلسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ اْلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ اْلرِّيْحُ فِى مَكَانٍ سَحِيْقٍ ﴾، (( فتُعاد روحه فى جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟!، فيقول: هااه.. هااه، لاأدرى، فيقولان: ما دينك؟!، فيقول: هااه.. هااه، لا أدرى، فيقولان: ما هذا الرجل الذى بُعِثَ فيكم؟!، فيقول: هااه.. هااه ، لا أدرى. فينادى منادٍ من السماء أن كذب عبدى، فأفرشوه من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حَرِّهَا وسَمُومِهَا، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه[9]، ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، مُنتن الريح، فيقول: أبشر[10] بالذى يسوؤك، هذا يومك الذى كنت توعد، فيقول: من أنت؟، فوجهك الوجه الذى يجيء بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: ربِّ لا تُقِمِ الساعة)).
[الحديث رواه الإمام أحمد فى مسنده، والحاكم فى المستدرك، وابن أبى شيبة فى مصنفه، وهو صحيح].

أخى/أختي فى الله.. إذا دعتكَ نفسك إلى معصية الله، فتذكر الموت، وتذكر الحساب، قل لها: إذا قُبضَت روحى الآن على المعصية.. كيف سأقف بين يدى الملك -جل جلاله- وأنا على معصيته؟!!، وماذا سأقول له؟!
وبالجملة احرص على اجتناب كل ما لا يَسُرُّك أن تُسأل عنه، أو تراه فى صحائفك يوم القيامة.

ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا فى أمرنا، وارزقنا بفضلك وكرمك خشيتك فى السر والعلن، ولا تخرجنا من شهرنا هذا إلا وقد أعتقت رقابنا من النار، فأنت القائل يا رباه: ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ اْلنَّارِ وَأُدْخِلَ اْلجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا اْلحَيَاةُ اْلدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ اْلغُرُورِ﴾.

[1] ورد حديث بلفظ: ( من مات فقد قامت قيامته ) وضعفه الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة ( 3/309 ).

[2] مثل معروف عند العرب، معناه أنهم جلسوا لا يتحركون ولا يتكلمون، كمن يفعل ذلك مخافة أن يطير ذلك الطير الذى على رأسه.
[3] يَنْكُتُ به: أى يُحَرِّكه.
[4] الحَنُوط: طِيب يُخلط للميت خاصّة.
[5] مَلَك الموت: هكذا، ولم يرد فى تسميته حديث صحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، لا عزرائيل ولا غيره، وإنما قال عنه الله ورسوله: ملك الموت.
[6] أى كما يسيل الماء من فم القربة، أو الزجاجة، أو ما شابَهَ ذلك، إشارة إلى سرعة خروجها.
[7] المِسْحُ: الكساء من الشَّعَر، والجمع القليل أَمْساح، والكثير مُسُوح.
[8] أى: كما لو نزعت غصناً مليئاً بالشوك من الصوف المبلول، فإنه يمزقه تمزيقاً شديداً -نعوذ بالله من ذلك-.
[9] أى: تصبح أضلاعه اليمنى فى الجهة اليسرى، واليسرى فى الجهة اليمنى.
[10] البشارة فى لغة العرب تكون بالخير أو بالشر، قال تعالى: ﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ ﴾، وقال: ﴿ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾.

[غالي الأثمان]

جزاك الله كل خير

[أشتاق الى وطنى بجنون]

جزاكم الله عنا خير الجزاء
وعشتم بفضله من السعداء
وحشرتم برحمة مع الاتقياء