فلسطين... والبليون السابع

[رقة BaNOTa]

فلسطين... والبليون السابع
الإثنين, 07 نوفمبر 2011

عبده وازن


حدثان لا بد من التوقف عندهما: انضمام فلسطين إلى منظمة اليونيسكو وبلوغ البشرية بليونها السابع. الحدث الفلسطيني يعني العرب أكثر من الحدث الثاني الذي يتقاسم العالم أجمع تبعاته، أياً تكن. لكنّ الحدثين اللذين كان من المفترض بهما أن يحملا بشرى جميلة إلى الجميع حالت دون اكتمالهما مواقف وأرقام.
انضمت فلسطين أخيراً إلى منظمة اليونيسكو العالمية. هذا حلم طالما راود الفلسطينيين والعرب، فهو يعني أولاً اعترافاً دولياً بحق فلسطين في حماية تراثها العظيم الذي سعت إسرائيل – وتسعى دوماً – إلى تهويده بلا هوادة. ثم يعني ثانياً انضمام فلسطين إلى منظومة «الملكية الفكرية العالمية» التي تمنحها الحق في صون صورتها الثقافية التي كانت وما زالت مهددة دوماً وعرضة لـ «القرصنة « الإسرائيلية. أصبح لفلسطين كرسيّ في اليونيسكو إلى جانب كراسي الدول الأخرى وهو سيجعل فلسطين حاضرة بشدة داخل هذا «البرلمان» – إن جاز التعبير – الدولي الذي يرعى ثقافات الشعوب وحضاراتها ويدافع عن حقوقها الثقافية كافة.




الرفض الإسرائيلي لانضمام فلسطين إلى اليونيسكو كان متوقّعاً وقد عجزت إسرائيل تمام العجز عن إقناع الدول «الصديقة» في عدم التصويت لفلسطين وفشلت حملتها العدائية السافرة ضدها فشلاً ذريعاً، فحصدت فلسطين مئة وسبعة أصوات مقابل أربعة عشر صوتاً ضدها، علاوة على بضع دول امتنعت عن التصويت. هذا انتصار تحققه فلسطين بسلام وهدوء، مع أنّ من حقها أن تنضم إلى اليونيسكو من دون منّة أحد. خابت إسرائيل فانسحبت وأعلنت عدولها عن تسديد المستحقات المتوجبة عليها، ومثلها فعلت الولايات المتحدة الأميركية فأوقفت دعمها المالي للمنظمة وهو يبلغ نسبة 22 في المئة من موازنة اليونيسكو. حمل الموقف الأميركي الكثير من الخيبة والاستفزاز وقد استنكره مثقفون أميركيون وعالميون ووصفوه بـ «المنحاز» و «غير البريء». ولم يكن هذا الموقف مستغرباً فالولايات المتحدة الأميركية تدّعي التزامها قانوناً كان أصدره الكونغرس يقضي بمقاطعة أي منظمة دولية تحصل فيها فلسطين على عضوية تامة. ترفض السلطات الأميركية أن تعطي فلسطين حقها التام دولياً، تريدها أن تظل صوتاً ناقصاً أي معطَّلاً. أما إسرائيل فلا تريد لفلسطين أن توجد مطلقاً لا كعضو تام ولا كعضو ناقص. إنها تحلم بإلغائها نهائياً عن الخريطة وإلغاء اسمها وذاكرتها. وهذا ما دأبت على فعله منذ عقود من خلال سياسة التهويد الشاملة، للأسماء والمناطق والأحياء.
بدا انضواء فلسطين تحت لواء اليونيسكو صدمة كبيرة لإسرائيل. بل قد يكون بمثابة هزيمة ثقافية. أضحت فلسطين الآن قادرة على فضح أي جريمة ترتكب ضدّ تراثها العظيم، تراثها المسيحي والإسلامي، وضدّ ذاكرتها الشعبية العامة والإرث الكبير الذي منحها إياه تاريخها. وهي لن تكف بعد اليوم عن المناداة بحقها الثقافي ومواجهة سياسة التهويد علانية انطلاقاً من موقعها في اليونيسكو.
الحدث الثاني الذي حمل إلى العالم أجمع بشرى البليون السابع لم يلق الكثير من الارتياح على رغم طابعه الحيّ. الولادات المتوالية مدعاة للسرور والأمل. إنها الحياة التي تنبض وسع الكرة العملاقة التي هي أرضنا. وكم بدت جميلة تلك الصور التي عممتها الفضائيات انطلاقاً من بلوغ البشر سبعة بلايين. إحدى الصور ضمّت عدداً لا يحصى من المواليد الجدد على أسرّتهم الصغيرة أو مهودهم وقد جمعوا في لقطة بديعة تصخب بالأمل وتبشر بربيع الشعوب.




إلا أن الأرقام التي رافقت هذه الصور لم تكن مدعاة للتفاؤل. بل هي على خلاف الصور الجميلة تدفع إلى بعض التشاؤم وربما الألم والأسى: أناس، هم أطفال ورجال ونساء، شباب وعجائز، يتخطى عددهم البليون، ينامون جائعين ويستيقظون جائعين ويقضون نهاراتهم ولياليهم بحثاً عن لقمة تردّ عنهم غائلة الجوع. ملايين من البشر يتبادلون الأسرّة، بعضهم ينام في النهار وبعضهم في الليل لأن لا أسرّة تكفي ولا غرف تكفي ولا منازل. أطفال يسقطون بالآلاف يوماً تلو يوم لأنهم لا يملكون أدوية تقيهم أخطار الأوبئة. مشرّدون بالآلاف يعيشون في الهواء الطلق، بين الخرائب وتحت الجسور. أطفال لا يذهبون إلى المدارس وأجيال لن تتمكن من مرافقة الثورة التكنولوجية الجديدة. جنوب يزداد فقراً وبؤساً وشمال يزداد ثراء وغطرسة واضطراباً. حروب تندلع وسع الخريطة. نزوح وتهجير بالآلاف. مجازر ومعتقلات... ناهيك عن الكوارث التي تهدد الطبيعة والبيئة والهواء...
قد لا يكون من الملائم أن نتشاءم غداة بلوغ البشر بليونهم السابع. سنقنع أنفسنا بأن الحياة جميلة على رغم ما يحيط بها من أخطار وكوارث. وما دامت الشمس تشرق وتغيب، سنظل نتفاءل رغماً عن الأرقام التي تسقط علينا كمطر من حجارة.




منقول من جريده دار الحياة