القرآن يعلمنا / خصائص الحوار/ وقفات تربوية من سورة الكهف

[اسيل الفلسطينية]

- خصائص الحوار القرآني في قصص سورة الكهف - أوّلاً: التلطف: ويتضح ذلك في وصية الفتية لصاحبهم عند خروجه لشراء الطعام بقولهم: (.. فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا) (الكهف/ 19)، ففي هذه الوصية بالتلطف "التفات ذكي منهم إلى أهمية اللطف واليسر والسماحة في الحياة، وفي الإتصال بالناس والتعامل معهم، وفي البيع والشراء، وهي ضرورية لكل مسلم.. إن حياته لن تستقيم إلا بالتلطف، وإن علاقته مع الآخرين لن تتوثق إلا بالتلطف، وإن تعامله معهم في مختلف مجالات العمل ومرافق الحياة، لن ينجح إلا بالتلطف" . ومن الأمثلة على التلطف في الحوار في السورة، تلك العبارة التي نطق بها موسى (عليه السلام) من قوله للخضر: (.. هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) (الكهف/ 66)، ففيها من التلطف في الطلب من العلماء ما يغنيا عن إطالة الحديث عن التلطف وصوره ثانياً: العناية في انتقاء الموضوعات والألفاظ: وتعد القدرة على انتقاء الموضوعات والألفاظ من مستلزمات الحكمة، التي تعرف بأنّها: "الكلام الذي يقلّ لفظه ويجل معناه"، ولا يخفى على أحد ما للحكيم من قدرة عالية في التأثير وتعديل السلوك. وعند العودة للآيات للنظر إلى التوجيهات التي حوتها حول هذا المفهوم نجد بأنّها أوردت أمثلة متعددة منها: 1- الموضوعات التي احتوتها عبارات المؤمن في حواره مع صاحب الجنتين، الذي تكبر على الله سبحانه – صاحب الفضل عليه – فدخل مزهواً بفسه قد قُلبت الموازين عنده من شدة تكبره فغدا كافراً محضاً. يقول الله سبحانه في وصف حالته تلك: (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا) (الكهف/ 35-36)، فما كان من المؤمن إلا أن اختار أفضل العلاج للتكبر الذي أصاب صاحبه بأن ذكّره: أ‌) بأصل خَلْقِه الوضيع – الذي لا يدع للتكبر نصيباً في قلب الإنسان؛ من تراب ثمّ من نطفة، فأين سبب التكبر والغطرسة وعلام هذا الموقف الذي لست أهلاً له، فوجه له الحديث قائلاً: (أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ). ب‌) ثمّ انظر إلى العناية في اختيار لفظ "أكفرت" الذي يلقي بظلال الرهبة والخوف في نفس الإنسان عند مصارحته بهذه الحقيقة، فيكون لها أكبر الأثر في الوقوف مع النفس لمراجعتها وتقويمها. ت‌) ثمّ تابع قوله باختيار موضوع من شأنه أن يجلي الحق فذكّر صاحبه بفضل الله عليه من أنّه هو سبحانه سبب خلقه وتكوينه وتسويته بالصورة التي هو عليها فقال: (ثُمَّ سوَّاكَ رَجُلاً)، لعل هذا الكافر أن يعود إلى السلوك القويم بفعل المطلوب منه من شكر الله سبحانه على النعم التي أنعم بها عليه. ث‌) ثمّ هز كيانه بالموضوع الآخر الذي طرحه عن نفسه قاصداً به الإنسان السوي، وهو إعلان الوحدانية لله والتبرؤ مما سواه من القوى والغايات الزائلة الزائفة وإعلان توحيد الله في الوهيته وربوبيته. فقال له: (لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا)، ولا يخفى ما لهذا التوحيد من تأثير بالغ في تغير الإنسان العاصي إلى تائب عند وجود صدى لها في النفس. ج‌) ثمّ اختار أن يذكره بالواجب عليه نحو الله فيصحح موازينه ويوجهها نحو وجوب ذكر الله سبحانه عند رؤية النعم، وأن يتبرأ من كل قوة غير قوة الله لأنّ القوة المطلقة إنّما هي لله: (وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالا وَوَلَدًا) (الكهف/ 39). ح‌) وختم انتقاء الموضوعات باختيار ما يرهب الإنسان في هذه الحالة التي تعلق بها في قوة حب الدنيا المتمثل في حب جنته المطلق، فذكره بمصيرها إن هو أصر على ما هو عليه من إهلاكها وضياعها وزوالها. فقال: (فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا) (الكهف/ 40-41). - وفي اختيار الكلمات من الخضر توجيه لنا نحو الاعتناء في اختيار الألفاظ المعبرة، ففي موقعين من رحلة موسى عليه السلام معه طبق قاعدة "لكل مقام مقال" باعتبارها من القواعد الأساسية في الحوار الناجح، فبعد أن اعترض موسى عليه السلام على قتل الغلام – وهو الفعل الثاني الذي وقع منه الاعتراض عليه – زاد الخضر في مبنى الجملة التي ذكّره فيها بعدم قدرته الصبر على ما سيرى، عن الجملة التي تلت الاعتراض الأوّل، إذ زاد لفظة "لك" في الثانية (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا) (الكهف/ 75)، عن الأولى التي خلت منها. (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا)، وذلك كي يكون أقوى في التوجيه بعد تكرار وقوع الخلل من موسى عليه السلام في مخالفته ووعده له، وليكون أقوى في الرد على موسى عليه السلام الذي استخدم هذا الأسلوب – انتقاء الكلمات – في الاعتراض، فبعد الفعل الأوّل انتقى كلمة "إمراً" أمّا بعد الفعل الثاني فاستخدم "نكراً" لأن فعل القتل – خاصة عندما يكون على هذه الشاكلة لغلام لم يبلغ الحلم ولم يفعل منكراً – يحتاج إلى تغليظ في الإنكار أشد من التغليظ على خرق السفينة. فكان من الحكمة في الرد الواقع من الخضر أن يزيد المبنى كما زاد موسى قوة التعبير. - ثالثاً: واقعية الحوار وبعده عن الجدل فقد نهى الله سبحانه نبيه (ص) عن الجدل في شأن فتية الكهف فقال له: (.. فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا) (الكهف/ 22)، أي "لا تجادل أهل الكتاب وغيرهم في شأن أهل الكهف، إلا جدالاً ظاهراً غير متعمق فيه، أو جدالاً سهلاً ليناً، فإنّ الأمر لا يترتب عليه كبير فائدة، وهكذا شأن المسلم في كل أمر من هذا القبيل، لا يجادل فيه إلا ضمن حدود". - رابعاً: الدفاع عن الحق والبعد عن الإثارة للدفاع عن الذات: إنّ تحرك الحوار لأجل الدفاع عن الذات؛ غالباً ما يخرج بصاحبه عن ضبط النفس ليتحول الحوار إلى حلقة مفرغة من طلب الحق والبحث عنه، فالحوار التربوي الإسلامي لا يثأر لذاته، حتى لو وصل الأمر حد التطاول، بل يضبط نفسه ليعمل على إيجاد جو انفعالي إيجابي ليصل إلى الهدف الذي يسعى لتحقيقه، فها هو النبي (عليه الصلاة والسلام) لم تكن ذاته هي المحرك لحواره بل كانت رسالته هي التي تفرض نفسها على الجو في بدايته ونهايته.. وبهذا كانت المصلحة هي ما يستهدفه النبي (عليه الصلاة والسلام) من اللمسات الأخيرة التي كان يضعها لنهايات الحوار، وها هي الآيات القرآنية تتحدث عن ذلك في رد المؤمن على الكافر المتكبر فتظهر لنا هذا المعنى؛ إثبات الحق وعدم إقحام الذات في الحوار، فبالرغم من استهزاء الكافر وتعييره له بفقره لم يبدأ حواره معه بعبارات يرد فيه عليه معززاً فيه نفسه التي تعرضت للهجوم – لأنّ النفس المؤمنة أعلى وأسمى من ذلك بل بدأ بعبارات من شأنّها أن تجلي الحق وتبعد الوهم الذي كان يحيى به ذلك الكافر، وتصحح الموازين وتوحدها على معايير الحق سبحانه. فقال له: (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ...) (الكهف/ 37-39). - خامساً: الثقة بالنفس: لا تنفك ثقة المؤمن بنفسه قيد أنملة وهو يحاور أهل الباطل ويسعى لتحقيق غايته من الوصول فيمن يحاورهم إلى الهدى والإيمان، فها هم الفتية قاموا متحدّين بحوارهم طغاة عصرهم، مصرين على الثبات على الحق لا يخافون في الله لومة لائم، وها هو المؤمن الفقير قام في وجه الكافر محاوراً، دون أن يكون الفقر مانعاً عن بيان الحق، أو غنى ذاك مانعاً لإبطال الباطل، فثقة المسلم بنفسه وثقته بالحق الذي يدافع عنه، واستصغاره للباطل، يجعل منه نموذجاً يحتذى به في الثقة الحوارية التي لن ينجح المحاور في التغيير إلا بعد أن يكون قد امتلأ بها، ليشعر من يحاوره بوجودها فيكون دليل صدقه وإيمانه بالفكرة التي يدعو الناس إليها، فيتأثر به. - سادساً: تعدد الأساليب: الأمر الذي يظهر تمكّن المربِّي من الموضوع من خلال قدرته على عرضه بأكثر من طريقة، ثمّ إن ذلك يجعل مهمته الحوارية أقرب للنجاح، ذلك أنّ القدرة على طرح الفكرة بأساليب مختلفة يمهد الطريق أمام المحاور للاقتناع، فربّما لم يفلح معه أسلوب، فيقنعه بآخر، وقد يستخدم عبارات متنوعة ذات تأثير بالغ في المُحاوَر، ومثال ذلك: العبد المؤمن الذي تنوع في أساليبه مع الكافر وفي عباراته كذلك، فشد المستمع إلى النص الحواري بأسلوب متميّز فنجده: 1- تارة قد استخدم الأسلوب العقلي في الحوار. 2- وتارة وعظه فذكره بنعم الله عليه. 3- وأخرى رهبه من خلال الاستفهام الاستنكاري الذي أطلقه (أَكَفَرْتَ..)، ومن خلال الوعيد بالعذاب الواقع به إن هو استمر على ما هو عليه. ومن خلال توبيخه في قوله له: (وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالا وَوَلَدًا) (الكهف/ 39)، فكلمة "لو لا" "للتوبيخ ووصية من المؤمن للكافر ورد عليه"، بأسلوب جديد لعله يرتدع ويعود. - سابعاً: إتقان فن الاستماع: فلابدّ للداعية من أن يفهم كلام من تقدم لحواره، فيرتب الأفكار ويصنفها ليشرع في الرد، ولا يتأتى ذلك إلا عن طريق القدرة في الاستماع دون مداخلة سريعة قد تشوه وتعكر جو الحوار، وقد تؤدي إلى انتهائه بسرعة، ألم تلحظ كيف استمع المؤمن بإنصات لذاك الكافر ليبدأ بعد ذلك بتنفيذ آرائه بأن رد عليها رداً مفحماً. وفي إستماع موسى (عليه السلام) للخضر واستماعه لموسى (عليه السلام)؛ دلالة واضحة على ذلك، وإن شئت أيضاً أن تنظر إلى استماع ذي القرنين إلى أولئك الذين طلبوا منه أن يبني لهم سداً لتلمس تحقق هذه الخاصية بوضوح في قصص سورة الكهف التي يدعونا فيها الله سبحانه إلى الالتزام بهذا الفن الذي يعد من أهم أدبيات الاختلاف ذات التأثير البالغ – عند وجودها – في إضفاء جو الإيجابية على الحوار والبعد به سمواً عن السلبية. الأمر الذي يتجلى فيه الحق ليكون أدعى في الإتباع والإنصات بكسب ثقة واحترام المُحاوَر والجمهور له. ومما يُعانى منه – في هذه الأيام – عدم تحقق هذه الصفة في حوار بعض المربين الإسلاميين، سواء مع بعضهم، أو مع غيرهم أو حتى مع من يربون، ليعود ذلك سلباً على علاقاتهم مع أنفسهم ومع بعضهم ومع غيرهم، ومع أتباعهم، والأنكى من ذلك تشويه وضياع الحق. فهذا كتاب ربنا يعلمنا ويربينا فمن اهتدى به فقد نال خيرا كثيرا في حياته وبعد مماته, وبالفعل من طبق الآداب وأخذ العبرة والعظة من سورة الكهف كانت له نور وبصيرة يكون عليها من الجمعة إلى الجمعة.لأنه يعيش على هدى من الله العليم الحكيم.

[سنابل مجروحة]

بارك الله فيك
وجعلها في ميزان حسناتك

[اسيل الفلسطينية]

شاكرة مرورك العطر اختي
بارك الله فيك

[شاعر واسير الحب]

تسلم الايادي
جزاك الله كل خير
شكرا علي المجهود
دمت بخير

[اسيل الفلسطينية]

كل الشكر لك ولهذا المرور الجميل
الله يعطيك العافيه يارب

[Lamees]

في ميزان حسناتك اسيل
بارك الله فيك

[اسيل الفلسطينية]

تسلمي غاليتي على مرورك العطر
بارك الله فيك