الشجره والسور

[محبه الرحمن]

كانت شجرة توت صغيرة زرعت بحديقة ( فيلا ) فاخرة بجانب السور الأنيق .. فكان هذا السور رفيق دربها من يوم ضربت جزورها التربة السمراء الخيرة .. شجرة صغيرة جزعها نحيف تتمايل مع نسمات الريح كراقصة بالية رشيقة وتتثامر مع زهور الحديقة .. شجرة صغيرة سعيدة كانت هى
وكان دائما السور الضخم يراقبها مبتسما بينما هى تشب شجرة صغيرة تلهو تحت أشعة الشمس الممتعة .. فشجرة شابة يانعة تغازلها نسمات الرياح
يرقبها مبتسما .. الا انها ضاقت به ذراعا.. وهى صغيرة كانت لا تلحظ وجوده فهو دائما هنا لم تكن تفكر ابدا ماذا لو لم يكن موجود ؟
ولكنها بدأت يوما بعد يوم تمل وجوده وتشعر به يخنقها.. ضخما .. كريها.. يحجب عنها العالم الخارجى .. بل يحجب عنها متعة الحياة وبدأت تحلم بما وراء السور .. تحلم باليوم الذى تشب فيه شجرة كبيرة يتخطى جزعها السور الكرية فترى ما وراء السور .. فلقد ملة زهور وأشجار الحديقة حفظتهم زهرة.. زهرة ..ونبته.. نبته
طالما مضت ليلها تعد قطع القرميد الذى يمهد طريق وسط الحديقة
كانت تنام تحلم بصورة زاهية الألوان رسمها خيالها لما وراء السور الذى حفظت كل خدش على جداره الضخم .. ترى متى يأتى هذا اليوم السعيد .
* * *

اليوم هى شجرة كبيرة ضخمة تمتد فروعها فى السماء ولها أوراق كثيفة جميلة .. وقد عبرت فروعها السور الضخم فرأت عينيها ما وراء السور الذى طالما كرهت وجوده .. ولكنها رغم ذلك لم تزل تعيسة .. فلم يكن ما وراء السور كما توقعته ما هو الا عالم متبلد قيبح يغطى أرضه الأسفلت .. وتظلل سمائه غيوم الأتربة والدخان
كانت حزينة.. فقد حال حلمها الى كابوس.
وتذكرت السور وكيف كان يمنع عنها هذا العالم القبيح يظللها من الغيوم السوداء .. يصم أذنيها عن صرخات العربات .. يرحمها من حجارة الصبية الصغار الحالمين ببعض ثمرات التوت الناضجة .
لطالما كرهته وهو يحبها
ولهذا كان عليها أن ترد الجميل فاليوم السور عجوز تشقق جداره .. وأفسدت الأمطار أطارة العلوى .. وقد أوشك على السقوط
نظرت الى السور العجوز وسالت دموعها حارة ولم تشعر الا وهى تنحنى بفروعها فوق السور لتظلله بأوراقها الشابة الكثيفة .