حكايات برهان (3) – طفولة معذبة ووحدة قاتلة (2/2) !!

[احمد برهان]

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
إخوتي الكرماء أخواتي الفضليات ... كيف الحال ؟
يارب خير و تكونوا بأحسن و أتم صحة..
لنكمل موضوع الأمس ، كنت أقول أن الحياة كانت تسير بي و تعذبني بقسوتها و تضمني إليها في قوة حتي تكاد ضلوعي أن تتهشم من قوة و عظم ما أمر به من آلام و أحزان...
لم يكن مجموعي في الإعدادية يؤهلني لدخول مدرسة من الطراز الرفيع لذلك فقد دخلت في أولي ثانوي مدرسة من أسوأ مدارس الإسكندرية علي الإطلاق .. يكفي أن أخبركم أن في إختبارات الشهر يكون المجموع الكلي 280 و أنا قد نجحت و مجموعي 165 درجة و رغم ذلك كنت الأول علي الفصل !
لقد كنت ألقي سخرية و إستهزاء لا قبل لي بهما علي الإطلاق و كان خالي أو أخي يقومون بتوصيلي للمدرسة ! حيث أنها كانت بعيدة و تتطلب حوالي ثلث الساعة من المشي المتواصل حتي أصل إليها و طبعاً هذا كان يعرضني للمزيد من الحرج و سخرية الآخرين ..!
لقد كانت حياتي وقتها بائسة للغاية و كنت أجلس في الشرفة و أنا أتأمل تلك الشجرة الخضراء المورقة الجميلة و أتوه بذهني في عالم غير العالم و أتخيل أنني قد تخلصت من كل مشاكلي في الحياة... لكن هذا التخيل لم يكن ليدوم طويلاً ، فقد كانت تلك الذكريات المؤلمة تجرح روحي و تضغط علي قلبي و تكتم انفاسي...
أحياناً كنت أجلس علي السرير و أنظر للسقف و أنا أشعر بأنني مجرد جثة هامدة لا حياة فيها و أنني من فرط التركيز في السقف أشعر أنه يكاد أن ينطبق فوق صدري حتي يأخذ منه الحياة... كانت نفسيتي حساسة للغاية و ما كنت اتعرض له كان فوق مستوي تحمل نفسي المرهفة...
مضت الأيام و شعوري بالوحدة و الإغتراب يتزايد بقوة و أشعر أنني في قوقعة صلبة للغاية محال أن تخدش و طبقت بعد ذلك القول الذي سمعته " تذئب من أجل انت تحيا وسط الذئاب "...
و منذ الصف الثاني الثانوي تحولت لشخصية جديدة حتي أقدر أن أواجه كل هذه الآلام التي كانت تعتصر حياتي من سخرية و إستهزء و عدم تقدير .. لكن ثانية ثانوي تحتاج إلي موضوع آخر ، لقد وضعت موضوع عن ثانية ثانوي و لكن الكلام عنها يحتاج إلي موضوع ثانٍ..
ربما شعرت بالراحة في هذه السنة و لكن أيضاً كانت وحدتي هي رفيقتي و تأبي أن تفارقني كما لو كانت زوجة غيورة تأبي أن يخطو زوجها خطوة دون ان تكون معه كظلة أو كطفلة صغيرة تتشبث بأبيها و لا تخرج من حضنه أبداً.. لكنه حضن أليم كئيب لا يورث سوي العذاب و الحسرة...
تعرفت علي كاهانا أول صديق لي و لكن كانت فرحتي منقوصة ، فكيف لمن عاش حياة مثل حياتي أن يقدر علي الفرح من قلبه أو البسمة بكل روحة أو حتي أن يضحك ضحكة صافية حقيقية ؟
كانت تحدث لي لحظات أسميها بلحظة الأنهيار... حينما أشعر أنني زهقان و ملول من كل شئ في هذا الكون و أني صدري منطبق علي قلبي و أن الحزن يتغلغل في داخل ثنايا وجداني و نفسي و روحي و أشعر برجفة في فؤادي أكاد ألا أحتملها...
كنت أجلس في الظلام وحيداً ، أشعر بأنني في تلك اللحظات أسترجع كل معاني الألم و الحرمان التي عشتها في حياتي .. أجلس في الظلام و ربما فرت من عيني دمعتين أبتا أن تبقيا في جسدي الحزين هذا ... فهذه الدمعة التي سوف تنتهي حياتها في دقائق قليلة و تتبخر لكنها تفضل هذا الموت السريع علي أن تبقي في جسدي و تتعذب و تموت في كل لحظة مائة مرة مثلما كان يحدث لي ...
لقد خرجت من قوقعتي الصلبة و لو حتي بصورة جزئية و لكنني لم أكن سعيداً بأي حال ، نعم ذهبت للجامعة و التي كانت من أحلك و اقسي الأيام في حياتي و تعرفت علي هذا و قابلت ذاك.. و لكن كانت سعادة زائفة و زائلة دوماً ...
حتي في لحظات السعادة الكبيرة لم أكن قادراً علي الشعور بها.. أذكر انه عندما أشتريت الحاسب لأول مرة كان أخي الكبير جالساً و قال لي في دهشة " لماذا لا تبتسم يا أحمد ؟ لقد حصلت أنت أخيراً علي الحاسب الذي كنت تتمناه ؟ ألا تقدر علي ان تشعر بالفرح ؟".. كلا يا أخي ... لا أقدر !
كان لي 5 أصدقاء و الترتيب حسب مدي القرب مني .. كاهانا .. كربووف .. كنفوش ... تفتوف .. النجروشي..
كاهانا تركته لأسباب كثيرة سوف أفسرها حينما اتناول حكايته معي هنا في هذه السلسلة... كربووف سافر بورسعيد و أستقر هناك...كنفوش ليس صديق بالمعني الحقيقي و لكن حتي هو إبتعد عني ... تفتوف ..كان زميلي في المكتب و لكنه لم يتقرب مني لدرجة الصداقة التي كنت أبغيها .. النجروشي تزوج و أختفي من الدنيا !
و هكذا اعيش وحيداً تماماً.. ربما أتكلم مع بعضهم هاتفياً لكن هذا لا يغني و لا يسمن من جوع ..
الحكاية عن الوحدة طويلة جداً و لا تنتهي و يكفي ما عرضته عليكم في هذا المجال ، أنا لم أقل ما يمثل حتي ربع الحزن و الوحدة التي أنا فيها... لانني لو أكثرت لأصابكم هم و غم شديدين... فصداقتي مع الوحدة و عشقها الأثير لي أبداً لا ينتهي..
مرة سألتني اختي .." ماذا كنت تتمني أن تصبح ؟ " .. قلت لها الجواب الذي أنا مقتنع به تماماً.. " أتمني لو لم أكن موجود !"
ألقيت نظرة الآن علي الفتاة المنشار .. و لدهشتي وجدت في عينيها بعض التأثر!
أتمني أن يكون أسلوبي قد راق .
و أراكم في حكاية جديدة بإذن الله
ربما غداً أو بعد غد و ربما لا يكون هناك حكاية أخري علي الإطلاق !
و حتي ذلك الحين... دمتم بحفظ الرحمن