الحكمة من مشروعية الحج

[Fatma eissa]

أهلت عليها أشهر الحج، واستعد الحجاج للسفر والقدوم إلى بيت الله الحرام بمكة المكرمة، و إذا دخلت الأشهر الحرم، بدأت الأعداد تتزايد وتتنافس لحج بيت الله الحرام، والتي بدأت مع دخول شهر ذي القعدة، فلماذا يقبل الناس على فريضة الحج، على الرغم من كثرة الأعباء المادية، والتكاليف البدنية، بل ويقبل كبار السن أكثر من غيرهم ويتنافسون للوصول لمغفرة الذنوب، وأداء هذا الركن الخامس من أركان الإسلام.
وقد شرع الله تعالى لعبادة فرائض ونوافل يتقربون بها إلى الله تعالى، ولا يقبل منهم أن يبتدعوا عبادات من عندهم يتقربون بها إليه سبحانه، وهذا رأفة المولى سبحانه الغفور الرحيم لإتاحة الفرصة لعباده المذنبين ليغفر لهم ذنوبهم، ويفتح لهم باب التوبة، بل ويغفر لهم جميع ما سبق وتقدم من ذنوب، فالحج يجب ويهدم ما قبله، كما ورد في قصة إسلام عمرو بن العاص رضي الله عنه، وجاء فيها: "فلما جعل الله الإسلام في قلبي، أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك. فبسط يمينه. قال فقبضت يدي. قال: "مالك يا عمرو؟" قال قلت: أردت أن أشترط. قال: "تشترط بماذا؟" قلت: أن يغفر لي. قال "أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله ؟ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها ؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله؟ "رواه مسلم.

وإذا اجتهد الحاج وحاول أن يكون حجه مبرورا، فيراعي شروط هذه العبادة العظيمة، من نية خالصة لله، مع الحرص على النفقة الطيبة، و يقوم بأداء المناسك طاعة لله تعالى ويؤديها كما أداها و فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، فسوف يكون حجه مبرورا مقبولا، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.

فقد شرع الله تعالى الحج رحمة لعبادة، ومغفرة لذنوبهم، وجعله ركنا خامسا من أركان الإسلام، وفريضة تؤدى في العمر مرة واحدة، وذلك لما فيه من الأجر العظيم والمنافع الكثيرة والفوائد العديدة والمصالح الدينية والدنيوية, التي تعود على الفرد والجماعة بالخير والفلاح.

فالحج مؤتمر إسلامي كبير، يلتقي فيه المسلمون حين يأتون إليه من كل فج عميق, من سائر أرجاء الدنيا، من جنسيات مختلفة وألوان متعددة ولغات كثيرة. يلبسون لباساً واحداً متشابها، يقفون على صعيد واحد يوم عرفة اليوم المشهود، والجميع يؤدون عبادة واحدة، ويدعون الله وحده، ويتوجهون إليه سبحانه بنداء واحد، لبيك اللهم لبيك، نداء التوحيد بصدق وإخلاص، ويتوجهون لرب واحد, لا فرق بين كبير وصغير, ولا غني وفقير ولا أسود وأبيض، فكلهم أمام الله تعالى سواسية، لا تفاضل بينهم إلا بالأعمال الصالحة والتقوى.

جاء الحجاج لتحقيق الوحدة و الأخوة الإسلامية, والتعاون في العمل على حل مشكلات المسلمين, وتكبدوا مشاق السفر لمحو الذنوب كما قال رسول الله e : "مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"متفق عليه، وقد قدموا للقيام بأفضل الأعمال ــ بعد الإيمان والجهاد ــ وهو الحج المبرور للوصول إلى الجنة, كما في الحديث: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ e: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ: "إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ. قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ : جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قِيلَ :ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ: "حَجٌّ مَبْرُورٌ" متفق عليه. فالحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.

كما حضر الحُجاج وجاءوا وتكبدوا الصعاب وتحملوا المشاق لمحو الذنوب، ونفي الفقر وتكفير السيئات وقال رَسُولَ اللَّهِ e: "تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ" رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه، وصححه عدد من العلماء منهم الألباني.
والحجاج والعمار وفد الله، و ضيوف الرحمن، وفدوا على بيت الله تعالى؛ فاستحقوا التكريم والمغفرة واستجابة الدعاء, فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "وَفْدُ اللَّهِ ثَلَاثَةٌ الْغَازِي وَالْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ"رواه النسائي وابن حبان وغيرهما, وصححه الألباني. وفي رواية عند ابن ماجة: "الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ وَإِنْ اسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ".

لماذا نقصد بيت الله الحرام: كان ذلك أولا استجابة لدعاء خليل الله إبراهيم عليه السلام بعد تركه لأم إسماعيل في وادي لا زرع فيه ولا ضرع ثم قال: (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) سورة إبراهيم :37 .
ففي التفكر في قصة بناء البيت العبر والدروس والفوائد، منها: درس طاعة الزوجة لزوجها، واستسلامها لأمر ربها، لما علمت أنه سبحانه وتعالى أمر زوجها بهذا، فأحسنت التوكل على الله، وأيقنت أنها لن تضيع هي وطفلها في هذا المكان الموحش، فإن الله عز وجل معهما، ولذا قالت بلغة الواثق من قدرة الله تعالى على كل شيء : "إذن لن يضيعنا " بعد ما سألت زوجها (إبراهيم عليه السلام) سؤالا واحدا: "آالله أمرك بهذا ".
وببركة هذا الاستسلام فجر الله تعالى في هذا المكان بئر زمزم المبارك، وجعله مكاناً آمنا، وصارت قلوب الناس تهواه وتحب زيارته، وترتاح نفوسها بعد أداء هذه الشعائر التي شرعها الإسلام، وجاءت متوافقة مع ملة أبي الأنبياء، وهي تقرب المسلم من خالقه وتزيده إيمانا وإحساناً.
ونجد أن درس الاستسلام يتكرر من الابن الذي توليت تربيته الأم المستسلمة لأوامر الله، فيطيع إسماعيل أباه ـ عليهما الصلاة والسلام ـ لما أمره بأن يفارق زوجته التي لا تحمد الله ولا تعرف القناعة بعد زيارته للمكان ليتفقد تركته، ثم ينفذ الابن البار أمره والده، ويشتركا في رفع القواعد من البيت، ثم يعلن استسلامه التام في امتحان شاق وشديد، ويسلم نفسه لوالده الذي نجح هو الآخر في هذا الاختبار الصعب، ويرجم شيطانه، وينفذ الجميع أمر الله، فتأتي المكافئة اللائقة ويظهر النجاح المشرف من أسرة أعلنت استسلامها لأوامر الله تعالى والانقياد له بالذل والطاعة.

وَأَذِّن في النَّاسِ بِالْحَجِّ: و لأن الله سبحانه أمر إبراهيم عليه السلام أن يعلن في الناس التوجه لزيارة المسجد الحرام لأداء شعائر الحج والعمرة لما في ذلك من تعظيم لشعائر الله تعالى: (وَأَذِّن في النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ لِّيَشْهَدُواْ مَنَـفِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ في أَيَّامٍ مَّعْلُومَـتٍ)سورة الحج 27,28 ، وأيضا لأخذ الدروس والمواعظ، وتذكر التاريخ العظيم لمن بنى البيت ورفع قواعده. ففي هذه الرحلة الإيمانية المباركة، يزداد المسلم قربا من خالقه ومولاه، ويتعلم دروساً تربوية عديدة، وترتفع درجة إيمانه، وتحل مشكلاته النفسية أو المعنوية و المادية أيضا.

[ياسمينة ❤]

موضوع قيم جزاك الله خيرا

[nourtamer]

الحمد لله دائما وابدا