دموع في القريه

[2hlaoy4ever]

في القرية البعيده , وعلى ضوء خافت يطل من باب المنزل الصغير الملاصق لمنزلي , ثلاثة أطفال يلعبون في الرمل . وبإصابعهم النحيله يخطون شيء ما 00

أوقفت السياره وترجلت منها وأنزلت حقائبي فهرع الثلاثه لمساعدتي والسلام علي

كان ( عاصي ) أكبرهم عمرا وأشدهم نحولا وأكثرهم لطفا أيضا

من عينيه الحزينتين تطل ألف حكايه , وعلى شفتيه تتردد ألف كلمه

سألته بعفويه 00

لا أرى سواكم في شارعنا !

لماذا لم تسافروا كبقية الناس ياعاصي؟

أين نذهب ؟

كان جوابه حاسما وبليغا لدرجة أنني لم أنطق حرفا واحد ولم أشكره على مساعدته 00

في القرية المنسيه

يقطن عاصي وأشقائه الصغار في منزل حكومي كئيب برفقة والدتهم المريضه وشقيقتهم الوحيده , يعيشون بالقرب من خط الفقر بعد أن هجرهم ذلك الفحل الكريم ( تقول الناس أنه رجل كريم ) المتزوج من إمرأة ثالثه في منطقة أخرى بالإظافه لزوجته الثانيه التي تعيش في قرية مجاوره برفقة أطفالها أيضا , هو رجل كريم كما تقول الناس 00 لكن هؤلاء الصغار لايعتقدون ذلك ؟

ولا أعتقد ذلك أيضا 00

وضعت حقائبي فوق السرير وأ فرغتها من محتواياتها ولازال صوت ذلك الصبي يحاصرني

أين نذهب ؟؟

ليتني لم أسأله ذلك السؤال الغبي

حقا أين يذهبون ؟

لهم بعض الاقارب في الرياض والمنطقه الشرقيه لكنهم لايستطيعون الذهاب

ولهم أقارب حتى في تبوك القريبه لكنهم لايستطيعون الذهاب أيضا

أغمضت عيناي و لازال صوته يؤنبني بشده

أين نذهب أيها الغبي المغرور ؟

ألا تعرف أن أبي لم يدخل منزلنا منذ شهرين كاملين ؟

ألا تعرف أنني حاولت أن أبلغه بنجاحي ولم استطع ذلك ؟

ألا تعرف أن والدتي تتألم ولاتجد من يأخذها للطبيب !

ألا تعرف أننا نتسول الطعام من الجيران أيها اللاهي في الملذات وفي الفنادق الفخمه والمطاعم الراقيه ؟

رجل كريم

الجميع يمتدحه

يقسم وقته وراتب التقاعد بين قطيع من الإبل وزوجة شابه في منطقة أخرى !

الجميع يمتدح لبن نياقه 00

وسخائه وكرمه وحسن خلقه 00

لكنني لا أضن أن عاصي يمتدحه رغم شوقه الكبير للقائه 00

وسيدة حزينه تتألم بصمت وتتسول قطع الآثاث وبعض الطعام والثياب من جاراتها

اللطيفات وزميلاتها في صفوف محو الأميه وحصص تحفيظ القرآن الكريم

ثم تبكي في الظلام 00

هي عاجزه عن فعل أي شيء في هذا المجتمع الذي لا يرحم

لاتستطيع أن تطلب من جار أن يوصلها لطبيب

ولاتستطيع أن تراجع المدرسه لترى أطفالها وتناقش مشاكلهم

ولاتستطيع أن تعمل عملا شريفا يؤمن لها لقمة عيش كريمه دون الإستعانه برجل

وفتاة صغيره تنزوي في عتمة المنزل الخالي , وتحلم بفستان جميل وفسحة بسيطه

وزيارة عائليه كبقية صديقاتها المسافرات 00

لا ياسيدي العزيز

أنت رجل بخيل

ورجل لئيم

ورجل يخلو قلبه من الرحمه

وأنا رجل عابث

ورجل أحمق

ورجل مغرور

ورجل أعمى

لإنني سألت ذلك السؤال السخيف

أين تذهب عقول هؤلاء البشر وأين تغيب ضمائرهم ؟

في هذه المجتمعات الشرقيه يحاول الجميع أن يرضي الناس بشتى الطرق والوسائل

هناك من يتصف بالكرم الشديد لدرجة التسول ودخول السجن وبيته خالي لايرى الطعام إلا عند قدوم الضيوف 00

وهناك من يبتسم في وجوه الناس ويعاملهم بالرفق واللين والحكمه وينقلب الى وحش كاسر بين أهله وأطفاله وأقاربه

وهناك من يصلي الفجر مع الجماعه ويصفه الناس بشديد التدين وهو رحل لئيم يكره الخير لزملائه ويتعمد أحيانا كثيره أن يضرهم حتى في لقمة عيشهم

الحقيقه أنني ولكثرة مارأيت من هذه النماذج لم أعد أحكم على الناس ؟

لا أحكم على لص بإنه رجل سيء

ولا أحكم على مؤذن بإنه رجل صالح

وكلمة الظاهر لم تعد تقنعني

رأيت مايكفي لنبذ هذه النظريه

يجب أن نرضي الله أولا

ثم نرضي أنفسنا وضمائرنا وأهلنا

وإذا تبقى لنا وقت

لنرضي الناس قدر إستطاعتنا

تحياتي 0000