شهر رمضان والانابه الى الله

[رحيق الجنه]

شهر رمضان والإنابة إلي الله‏

‏1‏ـ ما أحوجنا ونحن مقبلون علي أفضل شهور السنة‏,‏ شهر رمضان المعظم‏,‏ أن نبدأ بالرجوع الي الله تعالي والإنابة إليه‏,‏ حتي إذا ما دخل علينا شهر الصوم يجدنا وقد أنابت قلوبنا الي الله تعالي‏,‏ واستعدت لتلقي النفحات الإلهية والمنح الصمدانية‏,‏ فيقبلنا الله سبحانه عنده بقبول حسن‏,‏ والعطاء إنما يكون لصاحب الحاجة‏,‏ ولذلك قال عز وجل‏:‏ إنما الصدقات للفقراء والمساكين‏[‏ التوبة‏:60]

فإذا استشعرنا حاجتنا الي رحمات الله ومغفرته ورضوانه أغدق الله علينا الفضل وجاد علينا بالكرم‏,‏ فالعطايا الإلهية تستمطر بافتقار القلوب الي الله تعالي والشعور بالخضوع له سبحانه‏,‏ كما قال موسي عليه السلام‏:‏ رب إني لما أنزلت الي من خير فقير‏[‏ القصص‏:24],‏ وكما قال تعالي‏:‏ يا أيها الناس أنتم الفقراء الي الله والله هو الغني الحميد‏[‏ فاطر‏:15],‏ فافتقار الإنسان الي الله سبب للاستغناء به عما سواه‏.‏

‏2‏ـ وقد أمر الله عز وجل عباده بالإنابة إليه‏,‏ ووصف بذلك انبياءه وعباده الصالحين‏,‏ فأضاف الإنابة الي حبيبه المصطفي ونبيه المجتبي صلي الله عليه وآله وسلم ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب‏[‏ الشوري‏:10],‏ ووصف بها ابراهيم عليه السلام إن إبراهيم لحليم أواه منيب‏[‏ هود‏:75],‏ وداود وسليمان عليهما السلام وخر راكعا وأناب‏[‏ ص‏:24],‏ وألقينا علي كرسيه جسدا ثم أناب‏[‏ ص‏:34],‏ وشعيبا عليه السلام وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب‏[‏ هود‏:88],‏

وجاء الأمر الإلهي بإتباع طريق المنيبين في قوله سبحانه‏:‏ واتبع سبيل من أناب الي‏[‏ لقمان‏:15],‏ ووعد الله تعالي صاحب القلب المنيب بالجنة فقال‏:‏ هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ‏*‏ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب‏[‏ ق‏:32‏ ـ‏33].‏

‏3‏ ـ والمسلم مأمور بالإمعان في تدبر آيات القرآن‏,‏ والتعامل مع كلام الله عز وجل كلمة كلمة‏,‏ والوقوف عندها تفكرا ونظرا‏,‏ وعليه أن يتفاعل مع الأوامر الإلهية بعمل برامج لتنفيذها‏,‏ فإذا قرأ قوله سبحانه وتعالي‏:‏ وأنيبوا الي ربكم وأسلموا له‏[‏ الزمر‏:54]‏ فعليه أن يقف مع نفسه ومع ربه ليضع برنامجا لكيفية الإنابة الي الله تعالي‏,‏ ولذلك كما كانت الإنابة الي الله تعالي حالة ينبغي للعبد أن يكون عليها مع ربه فإنها أيضا عند أهل الله تعالي مرحلة من مراحل الطريق الي الله سبحانه‏.‏ وهذه المرحلة تأتي بعد اليقظة‏,‏ والتوبة‏,‏ والمحاسبة‏,‏ وأصل الإنابة في اللغة يدل علي الرجوع‏,‏ وهي تدور في كلام أهل الله علي أربعة معان‏:‏ المحبة‏,‏ والخضوع‏,‏ والإقبال علي الله‏,‏ والإدبار عما سوي الله‏.‏

‏4‏ـ وأعظم ما تتجلي الإنابة في الصلاة‏,‏ ولذلك جعلها النبي صلي الله عليه وآله وسلم عمود الأمر وأهم شيء فيه‏,‏ وقال في شأنها‏:‏ العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة‏,‏ فمن تركها فقد كفر رواه الترمذي من حديث بريدة رضي الله عنه وقال‏:‏ حديث حسن صحيح غريب‏,‏ وإنما لم يقل‏(‏ فهو كافر‏)‏ رأفة بالأمة‏,‏ فلو قالها لخرج تارك الصلاة من الملة‏,‏ لكنه قال‏:‏ فقد كفر‏,‏ أي‏:‏ ارتكب عملا فظيعا شنيعا من أعمال الكفار‏,‏ وقال تعالي في عظم شأن الصلاة‏:‏ واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا علي الخاشعين‏[‏ البقرة‏:45],‏ ولذلك جمع الإمام الحافظ محمد بن نصر المروزي‏[‏ ت‏294‏ هـ‏]‏ الأحاديث الدالة علي تعظيم شأن الصلاة في كتابه القيم تعظيم قدر الصلاة‏.‏

‏5‏ـ وشهر رمضان هو شهر الصلاة وشهر القيام حيث كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم يرغب الناس في قيام رمضان ويقول‏:‏ من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‏,‏ وقد سن سيدنا عمر للأمة في رمضان هيئة صلاة التراويح وكيفيتها‏,‏ فهي سنة نبوية في أصلها‏,‏ عمرية في كيفيتها‏,‏ وهي من الأدلة المتكاثرة علي أنه ليس كل ما لم يفعله النبي صلي الله عليه وآله وسلم يكون بدعة‏,‏

بل البدعة منقسمة الي بدعة محمودة وبدعة مذمومة‏,‏ كما قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم‏:‏ من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده‏,‏ من غير أن ينقص من أجورهم شيء‏,‏ ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده‏,‏ من غير أن ينقص من أوزارهم شيء رواه مسلم من حديث جرير بن عبدالله رضي الله عنه‏.‏

‏6‏ـ والصلاة دليل الإنابة‏,‏ وهذه الدلالة تظهر في استقبال القبلة‏,‏ فإن ذلك يذكرك بالإقبال علي الله وأنت فيها‏,‏ حيث جعل الله لك وجهة تتوجه إليها فلا تصلي الي أي مكان‏,‏ وكان من الممكن أن تكون القبلة في اتجاه آخر‏,‏ كما كان من الممكن أن تكون صحيحة في أي اتجاه‏,‏ ولكنه سبحانه وتعالي جعلها الي جهة الكعبة وحدها‏,‏ إشارة الي الإقبال والتوجه‏,‏ فالصلاة تلفتك بالاستقبال الي الإقبال‏.‏

وفي الوقت نفسه وأنت مستقبل القبلة تكون مستدبرا العالم‏,‏ وعندما تقول‏:‏ الله أكبر يحرم عليك الكلام والأكل والشرب والعبث واللعب وقوموا لله قانتين‏[‏ البقرة‏:238]‏ يعني ساكتين‏,‏ فكما قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم‏:‏ إن هذه الصلاة لايصلح فيها شيء من كلام الناس‏,‏ إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن أخرجه مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي‏.‏

لقد أشارت الصلاة الي المحبة بالعطاء‏,‏ وأشارت الي الخضوع بالسجود‏,‏ وأشارت الي الإقبال بالاستقبال‏,‏ وأشارت الي التبري مما سوي الله بالإدبار‏,‏ وهذه هي حقيقة الإنابة‏.‏

ـــــــــــــــــــــ

كتبه...‏ علي جمعة
مفتي مصر بجريدة الأهرام

[زمردة الحياة]

مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه

[رحيق الجنه]

اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زمردة الحياة





مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه


شكرا على مرورك

[فتى المدينة المنورة]

الله يجزاك كل خير على هالموضوع<

وجعل الله ذلك في موازين حسناتك<

وكل عام وانت بخير ورمضان كريم<