«.. وتَرجَّلَ أميرُ الأمراءِ »
الوالد الدكتور محمد فريد سليمان
تيتمتُ في كهولتي وشيبتي فأنتَ كنت لي والدي أصابني الدهرُ في مقتلٍ حين افتقدتك سيدي اليتمُ ذقته مرةً تلو مرة وتركتني كطفل في المهدِ
أبكي لفقدك بدمعِ عينٍ وآخرى لبعادك تسهدي
ما ظننتُ فراقاً قادما ًففراقك كخلع من موضعه كبدي
وبعدُك كقلع عينٍ من محجرها وبعدُك كبترِ الساعد من يدي
جئتُك حافياً من الأفكار فكسوتني ثوبَ الطالبِ المجدِ
أضاءْتَ طريقَ العي أمثالي بشموع علمٍ ونثرت بذور الفقه في مَهْدي
درسُك الأول لنا في محيط الكعبة وعند روضة محمدِ
أولُ من حج من فيينا منظماً فسيَّر للحجيج الوفد
وأخذتني للقاء ابن بازٍ{1} زائراً فقال نِعمَ الطبيبَ الوافد
وببصيرةٍ نظر لكلانا وأمسك المعصمَ ولمس منا الوريد
وهمسَ قائلا لنا أنت طبيب الأرواح وأنت طبيب الجسد
عودا لأوروبا وأعلما انكما ومن شابهكما على ثغر وحدود
فلايؤتين من قبلكم أحد
ساعدت أهل البوسنة في محنة ومن كان في محنة فأنت المساعد
تُجمعُ الدواء والغطاء والكساء وتُأمِرُ أحدنا عليك وأنت السيد
ماظننتُ فراقا فأنت معلمي ولم تنهي الدرس في المسجد
فما أنا فاعلٌ ياويلتي
أين معلمي
أين استاذي
أين مرشدي
درسك لم ينتهي
علمك لن ينتهي
ما كنت تؤجل عمل اليوم إلى الغد
تموت الخلائق أجمعين وتفنى وأنت تحيا بين عظام أعمالك ومجد
يموت المرءُ أذا انقضى عمره وعمر الرجال لا يواريه اللحد
تركتَ خلفك عطرا اريجا بين المحبين فكان منك الود
يبلل المزنُ العفيف الطاهر مرقدك لعل تنبت النهضة من المرقد
تبكيك سحائبُ الرحمنِ أيها الرجل طَاوَلتْ قامتَه موضع الملآئكة السُجَدِ
يرحمك المليك الذي له فعلت
ووقفت
وجبهتك تلازم المسجد
لنْ ابكيك يا فريد الدهر فأنت حي ترزق في قلوبنا
وفي سجلات السؤددِ
ستبقى كما كنت نبراسَ ضوءٍ تضئ حالكات الأزقة لمن يجئَ مِنْ بعدِ
ما مات محمد صلى الله عليه وسلم؛
ما مات محمد بل أختار الرفيق الأعلى وهل يموت مَنْ يخلد
الرمادي ~ فيينا ٣١/٣/٢٠١٠_ ١٥ربيع ثاني١٤٣١
{1} حج عام ١٣١٠/١٩٩٠
****
مازلت ابكيه لا اجد كلمة تكفيه والدمع وإن تحجر في مقلتي
فالقلب يبكيه
ترحل الرجال عنا وتراب القبر لا يواريه
28 . 4. 2010