عرض مشاركة واحدة
قديم منذ /05-08-2012, 06:04 PM   #1

القمر الباكي
موقوف
 

 رقم العضوية : 83041
 تاريخ التسجيل : Apr 2012
 العمر : 31
 الجنس : ~ امرأة
 المكان : سورية بلد الياسمين
 المشاركات : 5,419
 الحكمة المفضلة : ربما كان من الخير أن تحب بعقل وروية، ولكن من الممتع حقا أن تحب بجنون...
 النقاط : القمر الباكي has a reputation beyond reputeالقمر الباكي has a reputation beyond reputeالقمر الباكي has a reputation beyond reputeالقمر الباكي has a reputation beyond reputeالقمر الباكي has a reputation beyond reputeالقمر الباكي has a reputation beyond reputeالقمر الباكي has a reputation beyond reputeالقمر الباكي has a reputation beyond reputeالقمر الباكي has a reputation beyond reputeالقمر الباكي has a reputation beyond reputeالقمر الباكي has a reputation beyond repute
 درجة التقييم : 28266
 قوة التقييم : 0

القمر الباكي غير متواجد حالياً

أوسمة العضو

249 

افتراضي هل نحتاج إلى تربية جديدة لأنفسنا ؟!!


هل نحتاج الى تربيه جديدة لأنفسنا ؟!!!

إذا راجعنا أدبيات التربية الذاتية و التربية الغيرية التي سادت في حقب متطاولة من تاريخنا ، وجدنا أنها لم تعد ملائمة لزماننا.
فعلى صعيد التربية الذاتية نجد كتب التربية و الزهد و التصوف مملوءة بالأخبار التي تدل على أن الخط العام في التعامل مع الذات كان يرتكز على القمع و الكبت ، و ليس على التنمية و التوجيه و التوظيف …
إن مربين كثيرين كانوا يعتقدون أن الارتقاء بالنفس لا يتم إلا من خلال حرمانها مما تشتهيه و إبعادها عن الأضواء و مواطن الشهرة ، و لذا كانوا يعدون أن من أمارات (الولاية) الجوع و العزلة و الصمت .
و نجد في تراجم كثير من الزهاد و العباد و طلبة العلم أخباراً تدل على انفعالهم بهذا الخط ، فهذا يلبس الثياب المرقعة حتى يذل نفسه و يحول بينها و بين الكبر ، و هذا يغادر البلد الذي اشتهر فيه حتى لا يصيبه الغرور بسبب إقبال الناس عليه ، و العابد الفلاني ظل سنوات لا يأكل في اليوم الواحد سوى عشر تمرات ، و الزاهد الفلاني ظل شهوراً يأكل قشر البطيخ الذي يجده على شواطئ دجلة و الفرات …
و مع أن قمع النفس بهذه الأساليب قد يكون مفيداً ، و قد يكون شيئاً لا بديل عنه في بعض الحالات و لدى بعض الناس ، لكن الضرر البالغ يأتي من خلال تصوير ذلك على أنه صفة ٌُلصيقةٌ بالسلوك القويم للمسلم النموذجي ، حيث يفضي ذلك أن يصبح خيار الأمة مهمشين و بعيدين عن دوائر التأثير، فالمسلم الجائع لا يَتصدّق و لكن يُتصدّق عليه ، و المسلم المنعزل يُقاد و لا يقود ، و المسلم الصامت يتأثر و لا يُؤثر …
و آنذاك ينتشر النموذج الذي يجمع بين الاستقامة و العجز ،كما يكثر النموذج الذي يجمع بين القوة و الفجور،و قد كان عمر رضي الله عنه يقول :أشكو إلى الله جَلَد الفاجر و عجز الثقة!
إن طبيعة العصر الذي نعيش فيه باتجاهاته و محاوره و فرصه و تحدياته توجب علينا أن نبلور رؤى لتربية جديدة تتشكل داخل إطار عام ينبثق من قول الله – جل و علا – (إن خير من استأجرت القوي الأمين ) القصص / 26 .
إن الأمانة بمدلولها الواسع تعني الالتزام و الاستقامة و الصدق و الإحسان إلى الناس ، إنها الصلاح في المفهوم الشرعي .
أما القوة فإنها بمدلولها الواسع تعني الكفاءة و الفاعلية و المهارة و الإنتاجية العالية و القدرة على الاستمرار في بذل الجهد و تحمل المشاق ، إنها النجاح في المفهوم الإداري الحديث .
و تحقيق هذين الأمرين في حياتنا لا يأتي على نحو جوهري من خلال الانكماش و العزلة و قمع الذات و تخفيض الطاقة إلى الحد الأدنى ، و إنما من خلال النشاط و الحركة و الاتصال و التدريب و المثابرة و العطاء و الانخراط في تيار الأحداث العامة .
و المشكلة التي تواجهنا في هذا الشأن تتعلق بالتوازن المطلوب لتحقيق الصلاح و النجاح ، حيث أن معظم الناس مصابون بالتطرف و الميل إلى أحدهما على حساب الآخر .
و إذا راجعنا مفردات الخطاب الإسلامي القديم ، وجدنا أنه يركز على الصلاح على نحو لافت ، و لا يعطي النجاح إلا قليلا ً من الاهتمام ، أما اليوم فإن الخطاب الإعلامي يتمركز على نحو جوهري على التفوق و النجاح و لا يتحدث عن الصلاح إلا عرضاً .
المسلم الصالح الذي لا يقدم نموذجاً في التفوق لا يستطيع في عصر العولمة أن يحيا الحياة الطيبة بل لا يستطيع أن يحافظ على صلاحه بالمفهوم الحضاري الإسلامي ، و المسلم الذي ينجح بعيداً عن مبادئه لا يحقق سوى نجاح موهوم و مؤقت.
و علينا أن ننبه أولئك الذي يعدون النجاح و التفوق سفينة النجاة التي على جميع أبناء الأمة أن يبحروا بها ، علينا أن ننبههم إلى أن الخط الفاصل بين النجاح و اللصوصية ، و الفردية و الأنانية ، و الحرية و الفوضى هو خط ضيق جداً ، و إن من السهل أن يتجاوز المرء ذلك الخط ليتحول من إنسان ناجح إلى إنسان خاسر و مخرب .!

د. عبد الكريم بكار







  رد مع اقتباس