يــــقـــــــــين وهــــــــــروب فاجأت ريم أختها التؤام وهى جالسة بغرفتها فقفزت لتجلس بجانبها ، ثم جذبت الكتاب الذي بيدها قائلة.....
- ماذا تقرئين اليوم ؟؟؟ ثم قرأت العنوان بصوت مرتفع قائلة...
-التذكرة في أحوال الموتى للقرطبى . فتنهدت موجهة الحديث لأختها ...
-أتمنى أن أرى بيدك يوما رواية رومانسية أو حتى قصة بوليسية ، ربما تزور البسمة وجهك المكفهر دوما هذه الأيام .
فتحدثها أختها قائلة...
- سامحك الله ، لمتى ستظلى مهرجة هكذا ؟؟ ألن تعقلي قليلا ؟؟
فتضحك ريم قائلة...
- دقيقة ونصف هي الفاصلة بيننا ، فلا يجعلك ذلك تظني بأنكى الكبيرة ، كما أنى أخشى أن أقول أن أمي قد أخطأت ، فهي أبدا
لم تكن تميز بيننا حتى وقت قريب ، فربما قد اختلط عليها الأمر كعادتها معنا وأكون أنا الكبيرة .
فتضحك أختها كثيرا وتضمها إليها قائلة...
- إذا أنتي الكبيرة . فهل أطمع أن تعقلي قليلا..؟؟.
فتنظر ريم إليها بابتسامتها المشرقة وتقول...
- سأفعل إن شاء الله. ولكن أخبرينى أولا ماذا بكى ؟؟ فأنا أراكي منذ فترة على غير عادتك ، حتى ونحن بالعمل تكونين معنا
ولستى معنا فماذا يشغلك لهذا الحد ؟؟؟
فترد أختها قائلة...
- لا أدرى ، ولكني أشعر بالألم من كثرة ما أراه حولي .
فتبتسم ريم وتضيق حدقة عينيها بطريقة مضحكه قائلة...
-وهل ترين شئ لا أراه أنا ؟؟؟!!!
فترد أختها قائلة...
- أنتي لا فائدة منكى ، ولن تأخذي شئ بجدية أبدا ، لذا لن أتحدث معكى .
فتعتذر ريم إليها ...فتستطرد أختها قائلة....
- ألم ترى ما حدث لزميلنا بالعمل وموته المفاجئ بحادث سيارة مؤلم ، وزميلة دراستنا التي فاضت روحها وهى تضع مولودها
الأول ، وجارنا الذي يصارع المرض الخبيث بالمستشفى الآن ، وكلهم لم يصلوا بعد إلى الثلاثين من عمرهم وغيرهم وغيرهما الكثيرين...؟؟
فتتنهد ريم قائلة...
- أعلم وحزنت عليهم كثيرا ، ولكن هل أدع الحزن يسيطر على باقي عمري ولا أحياه ؟؟؟
فتجيبها أختها قائلة....
- لا أقول هذا ولكن فقط نحاول أن نقف قليلا مع أنفسنا ، نحاسبها ، نلومها ، نقومها ، ونذكرها بأن النهاية قريبه ، كما تذكرنا هي في كل وقت ومع كل من حولنا...
فترد ريم قائلة...
- ولكني أرى أنكى تقسين على نفسك كثيرا ، فنحن والحمد لله مواظبات على فروض ديننا ، ولا نأذى أحد ، ونساعد من يحتاجنا
على قدر استطاعتنا ، ونراعى والدينا وذوى أرحامنا.. فماذا بعد ذلك ؟؟؟
فترد أختها قائلة...-
- أعلم وأتمنى أن يقبل الله أعمالنا . ولكني أشعر أننا لا نفعل شئ بجانب أوزارنا التي نحملها كل يوم و’نحملها لغيرنا من جراء النظر إلينا .
فترد ريم سريعا....
- ولكننا محجبات ومنذ عدة سنوات ، فلماذا نحمل أوزار نظراتهم وإعجابهم بنا ؟؟؟!!!
فترد أختها قائلة....
- عندما تظل الفتنه متعلقة بوجهك يجب أن تداريه ، وليس لكي عذر الحجاب هنا ، طالما لم يمحو النظر إليكى والإفتتان بكى .
فتهب ريم واقفة وتمشى بزهو أمام أختها قائلة...
- وماذا نفعل لو أن الله قد أودعنا جمالا" وسحرا" ’نحسد عليه ؟؟ ألا يجب أن نحمده ونكون سعداء بما وهبنا الله ، أم ننكره ونقعد مكفهري الوجه هكذا ؟؟؟
فتبتسم أختها من طريقتها في التحدث وتقول...
- بالطبع يا حبيبتي يجب أن نحمد الله .. ولكن ما أقوله ليس إنكار لنعمة الله علينا على الإطلاق ، بل هو محاولة للمحافظة على تلك النعمة والزود بها عن أن تنقلب لنقمه بأوزار نجنيها بها ...
فترفع ريم حاجبيها مندهشة من حديث أختها وتقول...
- ماذا تقصدين ؟؟؟ أنا لا أفهمك .
فترد أختها قائلة....
- ببساطة شديدة أريد أن أقول لكي أننى قد فكرت كثيرا ، واستخرت الله أيضا ، ونويت أن أرتدي النقاب .
فتبحلق ريم بأختها فاغرة فمها لثواني ثم تقول....
- النقاب !!!!!! لا لا أنتي من تهرجين الآن.
فترد أختها باسمة...
- لا يا ريم ، أنا لا أهرج .
فترد ريم...
- حقا !!! ولكن لماذا ؟؟؟ لماذا تفعلين ذلك ؟؟؟
فتجيبها أختها قائلة....
- لأني أريد أن أنال رضاء خالقى أكثر . وأشعر أنه بعد الرؤى الكثيرة التي رأيتها طوال الأيام الماضية ، أن الله عز وجل يقربنى منه ، وأنا أريد أن أقترب أكثر وأكثر وأعلم أن فتنة مظهري تبعدني عن هذا ، لذا فيقيني بالنقاب يزداد يوما بعد يوم .
فترد ريم ولم تزل مندهشة من حديث أختها ، وزاد اندهاشها عندما شعرت بصدق وجدية كلماتها ، فقالت....
- وهل أنتي قادرة على تنفيذ أحكامه ؟؟؟ وهل نسيتى مجال عملنا كمرشدات ، وصعوبة بل استحالة ارتداء النقاب ، وأن صاحب العمل حتما سيفصلك ...
فتبتسم أختها وتجيبها قائلة....
- أحدثك عن مرضاة رب العالمين ، وتحدثينني عن صاحب العمل ، العبد الذي لاحول له ولا قوة .
فتدنو ريم من أختها وتقول هامسة ...
- وأمن الدولة ، لا حول له ولا قوة أيضا ؟؟؟
فتضحك أختها كثير من طريقتها في إلقاء سؤالها وتقول ....
- ومال أمن الدولة ونقابي !!! فأنا لست منتمية لأي جماعه محظورة كانت أم ملعونة . فنقابي لإرضاء الله وحده وليس لإرضاء أي جماعة كانت .
فترد ريم في محاولة أخيره منها لتردها عن تنفيذ ما تريد....
- وهل ستستطيعين أن تتحملي التجاهل ، وإحساسك بأنكى موجودة ولستى موجودة ، أي تصيري مهمشة بين الناس ، بعد كل هذا الاهتمام والإعجاب الذي حظينا به دوما ؟؟؟
ولكن أختها لم تجيبها ، بل ردت عليها سائلة إياها ....
- ريم أخبرينى ما معنى النقاب عندك ؟؟؟ فلو كنتى فهمتي شيئا مما قلته لكي ما كنتى سألتى هذا السؤال .
فترد ريم سريعا....
- معناه أنى أصبحت مشفره وكود فك الشفرة كلمة ِمحرم .
فلا تتمالك أختها نفسها من الضحك قائلة....
- لا تهرجي ، أخبرينى بصدق الآن .
فترد ريم قائلة....
- النقاب عندي معناه موتى ، فعندما أريد الموت وأنا مازلت أتنفس سأرتدي النقاب ، لأني لا أتخيل أن أعيش ولا يراني الناس.
وأثناء حديثيهما سمعت الأختان صوت صراخ وعويل بالخارج ، فجرت ريم نحو الشرفة ، وعلمت أن جارهما الشاب المريض بالمستشفى قد وافته المنية . فنظرت إلى أختها فوجدتها ترتجف ووجهها شاحب بشده . فأمسكت بها قائلة ....
- ما بكى ، فقد كنا جميعا نتوقع موته بين وقت وآخر .
فقالت لها أختها وهى ترتجف....
- أشعر بخوف شديد من الموت ومحاسبة الله لي ، وماذا أقول على ذنوب فاقت احتمالي . وأخذت تبكى بشده ، ثم نظرت إليها وقالت....
- لا ، لن أنتظر دقيقة بعد الآن .
ثم جرت نحو دولاب ملابسها ، وأخرجت منه نقاب ، ثم ارتدته وسط دهشة أختها . وسمعتها ريم وهى تشهق ، فجرت نحوها قائلة...
- ما بكى الآن ؟؟؟
فأخبرتها أنها تشعر بإحساس لم تشعر به من قبل ، بفرحة بداخلها ، وكأنها ترتدي طرحة زفافها التي لم ترتديها بعد ، فرحة جعلتها تشهق . ثم احتضنت ريم داعية لها بأن تشعر بما تشعر هي به الآن . ثم أخذت تردد ...
- ربى افردنى لما خلقتني له ، ولا تشغلني بما تكفلت لي به .
ولا تحرمني وأنا أسألك ، ولا تعذبني وأنا أستغفرك .
اختلطت دموع ريم بماء المطر المنهمر على وجهها ، وهى تتذكر هذا الحديث أثناء عودتها من جنازة أختها
التي لم يمضى على نقابها سوى شهرين .
دخلت ريم البيت سريعا ، ثم جرت نحو غرفة أختها ، وارتمت على سريرها ، وأخذت تبكى وتبكى وكأنها لن تتوقف يوما عن البكاء . فيرن صوت أختها بأذنيها وكأنها جاءت لتمسح دمعها ، وتخبرها أنها بخير فلا تحزن عليها هكذا .
وتستشعر وجودها حولها بالغرفة ، فتنهض وتستدير ، فترى وجه أختها أمامها ، فتجرى عليها ، ثم تكتشف أنه ليس سوى
وجهها هي بالمرآة . فيزداد بكائها ، وتضرب المرآة بيدها وتتساءل ، كيف ستحيا بدونها ؟؟ وكيف سترى وجهها دون أن تتذكر وجه أختها ؟؟ ولماذا لم تمت معها كما ولدت معها ؟؟
فترفع وجهها وتنظر طويلا بالمرآة ، ثم تمسح دموعها المنسابة ، وتتجه نحو دولاب أختها ، وتخرج منه نقابها وترتديه ...
|