الحمد لله رب العالمين يارب نسألك السلامةَ من كل إثم والغنيمةَ من كل بر والعصمةَ من كل ذنب لا تدع لنا في هذا اليوم العظيم ذنباً إلا غفرته ولا كرباً إلا فرجته ولا عيباً إلا سترته ولا حاجةً هي لك رضا ولنا صلاح إلا قضيتها يا أرحم الراحمين وأشهد قال لخليله تَعَالَى ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ ﴾ الْأَذَانُ فِي اللُّغَةِ: الْإِعْلَامُ : وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿ وأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ﴾ وَالْحَجُّ فِي اللُّغَةِ: الْقَصْدُ وَكَثْرَةُ الِاخْتِلَافِ وَالتَّرَدُّدِ ، تَقُولُ الْعَرَبُ : حَجَّ بَنُو فُلَانٍ فُلَانًا : إِذَا قَصَدُوهُ وَأَطَالُوا الِاخْتِلَافَ إِلَيْهِ وَالتَّرَدُّدَ عَلَيْهِ . وَ الرِّجَالُ : فِي الْآيَةِ : جَمْعُ رَاجِلٍ ، وَهُوَ الْمَاشِي عَلَى رِجْلَيْهِ ، وَ الضَّامِرُ : الْبَعِيرُ وَنَحْوُهُ ، الْمَهْزُولُ الَّذِي أَتْعَبَهُ السَّفَرُ. وَ قَوْلُهُ " يَأْتِينَ " يَعْنِي : الضَّوَامِرَ الْمُعَبَّرَ عَنْهَا بِلَفْظِ : كُلِّ ضَامِرٍ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى : وَعَلَى ضَوَامِرَ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ " كُلِّ " صِيغَةُ عُمُومٍ ، يَشْمَلُ ضَوَامِرَ كَثِيرَةً ، وَ الْفَجُّ : الطَّرِيقُ ، وَجَمْعُهُ : فِجَاجٌ . وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ [ 21 \ 31 ] ﴾ ؛ وَ الْعَمِيقُ : الْبَعِيدُ ، وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ الْعُمْقُ فِي الْبُعْدِ سُفْلًا ، تَقُولُ : بِئْرٌ عَمِيقَةٌ ؛ أَيْ : بَعِيدَةُ الْقَعْرِ ، وَ الْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ﴾ 22 \ 27 ] لِــــ إِبْرَاهِيمَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنَ السِّيَاقِ . وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ ، خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْخِطَابَ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى إِبْرَاهِيمَ وَسَلَّمَ ، وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ الْحَسَنُ ، وَمَالَ إِلَيْهِ الْقُرْطُبِيُّ ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى : ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ﴾ ؛ أَيْ : وَأَمَرْنَا إِبْرَاهِيمَ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ؛ أَيْ : أَعْلِمْهُمْ ، وَنَادِ فِيهِمْ بِالْحَجِّ ؛ أَيْ : بِأَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ حَجَّ بَيْتِهِ الْحَرَامِ . وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ رَبُّهُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ قَالَ : يَا رَبِّ ، كَيْفَ أُبَلِّغُ النَّاسَ وَصَوْتِي لَا يُنْفِذُهُمْ ، فَقَالَ : نَادِ وَعَلَيْنَا الْبَلَاغُ ، فَقَامَ عَلَى مَقَامِهِ . وَقِيلَ : عَلَى الْحَجَرِ . وَقِيلَ : عَلَى الصَّفَا . وَقِيلَ : عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ ، وَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ رَبَّكُمْ قَدِ اتَّخَذَ بَيْتًا فَحُجُّوهُ ، فَــ يُقَالُ : إِنَّ الْجِبَالَ تَوَاضَعَتْ ، حَتَّى بَلَغَ الصَّوْتُ أَرْجَاءَ الْأَرْضِ وَأَسْمَعَ مَنْ فِي الْأَرْحَامِ وَالْأَصْلَابِ ، وَأَجَابَهُ كُلُّ شَيْءٍ سَمِعَهُ مِنْ حَجَرٍ وَمَدَرٍ وَشَجَرٍ ، وَمَنْ كَتَبَ اللَّهُ أَنَّهُ يَحُجُّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ . وَعَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ الَّذِي ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّ الْخِطَابَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْحَجِّ ، وَعَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ ، فَوُجُوبُ الْحَجِّ بِهَا عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا ، كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ ، مَعَ أَنَّهُ دَلَّتْ آيَاتٌ أُخَرُ عَلَى أَنَّ الْإِيجَابَ الْمَذْكُورَ عَلَى لِسَانِ إِبْرَاهِيمَ وَقَعَ مِثْلُهُ أَيْضًا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَــ قَوْلِهِ تَعَالَى : ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾[ 3 \ 97 ] ، وَ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ [ 2 \ 196 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾ 2 \ 158 ] .
|