..{ فع‘ــآآليـآآت المنتــدى }..



آخر 12 مواضيع
تعالى نستيقظ على نداء الحب
الكاتـب : العاشق الذى لم يتب - مشاركات : 0 -
ذات صبـــــــاح
الكاتـب : ~♥ Queen sozan♥~ - آخر مشاركة : ساحر الأحزان - مشاركات : 1 -
همس الروح،،،،
الكاتـب : همس الحنين - آخر مشاركة : نجم الحبيب - مشاركات : 4 -
بدون مداد
الكاتـب : يحيى الفضلي السودان - آخر مشاركة : ~♥ Queen sozan♥~ - مشاركات : 4 -
شِرَوَقً شِمٌسِ
الكاتـب : يحيى الفضلي السودان - آخر مشاركة : ساحر الأحزان - مشاركات : 3 -
الدعاء مستمر ل بحر القمر ربنا يرحمه
الكاتـب : كريم عاصم - آخر مشاركة : إيلاانا - مشاركات : 9 -
البقاء لله والدة فرح في ذمه الله
الكاتـب : نجم الحبيب - آخر مشاركة : إيلاانا - مشاركات : 14 -
تنشيط قسم المطبخ
الكاتـب : ~♥ Queen sozan♥~ - آخر مشاركة : JUST AHMED - مشاركات : 25 -
مسابقه لقسم الخزعبلات
الكاتـب : ~♥ Queen sozan♥~ - آخر مشاركة : كريم عاصم - مشاركات : 7 -
نتيجة تنشيط قسم عالم الطفل 2
الكاتـب : 7laa - آخر مشاركة : ساحر الأحزان - مشاركات : 6 -
توقع من يفوز الاهلي ام العين الإماراتي
الكاتـب : ساحر الأحزان - مشاركات : 6 -
عندما يأتي المساء ...
الكاتـب : جعلوني تيتشرا - مشاركات : 9 -

الإهداءات


هدف المؤمن في الحياة: رضوان الله

منتدى الاسلاميات والقرأن الكريم


موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم منذ /01-03-2010, 04:30 AM   #1

مشرف القسم الإسلامي سابقا

 

 رقم العضوية : 32168
 تاريخ التسجيل : Oct 2009
 الجنس : ~ رجل
 المكان : مصراوي
 المشاركات : 4,501
 النقاط : ناصرعبده has a spectacular aura aboutناصرعبده has a spectacular aura aboutناصرعبده has a spectacular aura about
 درجة التقييم : 243
 قوة التقييم : 1

ناصرعبده غير متواجد حالياً

أوسمة العضو
افتراضي هدف المؤمن في الحياة: رضوان الله




هدف المؤمن في الحياة: رضوان الله
السؤال بعدة طرق؛ فقد يرجعون هذا الاختلاف إلى النواحي الثقافية والأخلاقية، وقد يقولون أنه يعود إلى ''الاختلاف في الرؤية العالمية'' أو القيم التي يرفضونها تماماً· وبشكل مغاير قد يعتبر البعض أن الاختلافات تعود في جذورها إلى اختلاف الإيديولوجيات التي يعتنقها المسلمون· إلا أن جميع هذه الاختلافات هي اختلافات ''ظاهرية'' ناتجة عن اختلافات أكثر أصولية· ولكن غالباً ما يفشل هؤلاء في إدراك الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذه الاختلافات· (لا عجب أن يفشلوا في إدراكها عندما يكونون غير مسلمين .(
يجب أن نركز على نقطة معينة قبل المضي في عرضنا للخاصية الرئيسية التي تميز المسلم وتجعله مختلفاً: عندما نتكلم عن ''المسلم'' فنحن لا نشير إلى ذلك الذي يحمل هوية كتب عليها ''مسلم''، بل المسلم هو اللقب الذي أسبغه الله على أولئك الذين يلتزمون بدينه· الصفة الرئيسية التي يشير إليها القرآن الكريم في تمييزه للمسلم عن غيره هو أنه يدرك عظمة الله اللامتناهية· إلا أن إدراك عظمة الله اللامتناهية لا يرتبط بالضرورة بالإقرار بالعبودية لله الواحد· فهناك من يعترف بوجود الله الأحد إلا أنه لا يخشاه· يعرض لنا القرآن الكريم هذه الحقيقة كالتالي :
قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُون فَذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّا تُصْرَفُونَ . يونس 31-32 ·
السؤال المطروح في الأيات السابقة موجه إلى أولئك الذين يقرون بوجود الله ويعرفون صفاته وبالرغم من كل هذا فهم لا يخشونه ويشيحون بوجوههم عن الحق؛ (فالشيطان نفسه لم ينكر وجود الله ·(
إن إدراك عظمة الله ليست مسألة اعتراف باللسان· فالمؤمنون الذين يدركون وجود الله وعظمته، هم الذين ''يفعلون ما أمرهم وهم مخلصون''، ويعملون بناء على هذه الحقيقة التي أصبحت واضحة أمامهم· الآخرون، من جهة أخرى، هم إما أولئك الذين ينكرون وجود الله، أو الذين لا يقرون بعبوديتهم لله عز وجل بالرغم من اعترافهم بوجوده جل وعلا، وهم الذين أشار إليهم الله عز وجل في الآية السابقة ·
ويبقى هؤلاء غافلين عن الله، خالق البشرية، طوال حياتهم· إنهم يتجاهلون أي سؤال قد يطرح نفسه عليهم في مسألة الخلق، مثل: من خلقهم وكيف ولماذا هيئت لهم أسباب الحياة على هذه الأرض، ولا يهتمون بإيجاد أي جواب عليها· إنهم يتصورون حياة بعيدة تماماً عن الله ودينه، والآية التالية تعطينا فكرة من خلال المقارنة التي تعقدها عن حياة هؤلاء الفارغة والتي تقوم على أسس بالية، فاسدة مآلها إلى الهلاك :
أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين .التوبة 109 ·
وكما تخبرنا الآية السابقة، فإن حياة هؤلاء الذين يفتقرون إلى الإيمان قائمة على ''شفا جرف هار''· لإن الهدف الأول الذي يعيشون من أجله هو تحقيق السعادة والأمن في ''هذه الحياة الدنيا''· ومن هذا المنطلق فإن الغاية الأسمى التي تحكم حياتهم هي كيف يصبحون أغنياء· إنهم يبذلون كل ما بوسعهم من محاولات جسدية وعقلية في سبيل تحقيق هذا الهدف· هذا بالنسبة للبعض، أما البعض الآخر، فإن الشهرة والسمعة هي الهدف من وراء الحياة الدنيا التي يحيونها،وهؤلاء مستعدون للتضحية بأي شيء من أجل الحصول على تأييد الرأي العام· إلا أن كل هذه المكاسب الدنيوية، لن تلبث أن تزول حالما يهال التراب فوق رؤوسهم، ويصبحون وحيدين في قبورهم ·
أما المؤمن فهو إنسان يعرف الله الذي خلقه، يؤمن بوجوده وعظمته؛ يعرف لماذا أوجده خالقه في هذه الحياة وماذا يريد منه، لذلك يكون هدفه في هذه الحياة العمل على كسب رضوان الله وتحقيق عبوديته· إنه يحاول توظيف كافة السبل والوسائل في سبيل تحقيق هدفه هذا، فهو يدرك حقيقةالحياة كما يدرك حقيقة الموت، فالموت بالنسبة للمؤمن ليس نهاية وإنما مرحلة جديدة توصله إلى الدار الآخرة، دار الخلود ·
لكفار، من جهة أخرى يرون أن الموت، الذي يعتبرونه مجرد حادث، هو نهاية حياتهم، تماماً كما يرون أن الحياة قد نشأت عن طريق المصادفة وبشكل تلقائي·· والحقيقة -التي لا تنتظر موافقة أو إنكار أحد- هي أن الحياة من خلق الله، هو مالكها، وهو الذي يأخذها· أما الموت، الذي لا يمكن أن يكونمصادفة بأي حال من الأحوال، فهو حادث تحكمه القوانين الإلهية، وهو أولاً وأخيراً قدراً حتمي قدره الله على عباده بالزمان والمكان ·
المسلم هو ذلك الإنسان الذي يؤمن بقدرة الله على كل شيء وأن الموت ليس هو النهاية، بل هو مرحلة ينتقل فيها الإنسان من دار الفناء إلى دار البقاء· إنه بإدراكه هذه الحقيقة، يتجنب أن يبني حياته على ''شفا جرف هار''، بل يقبل على الله خالق ومالك الحياة والموت وما وراءهما· إنه يدرك أن الثروة والمنزلة الإجتماعية أو المظهر الحسن في هذا النظام الذي خلقه فأبدع ليس مقياس النجاح؛ إنها وسائل فحسب لتفعيل الأسس التي وضعها الله عز وجل، ولكنها وسائل سريعة الزوال ·
إن مفتاح النظام الذي خلقه الله هو رضوان الله، ذلك لأن الله يهدي الذين ينشدون مرضاته :
يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم . المائدة 16 ·
يكون المسلم مسلماً عندما يتبع رضوان الله، وهذه هي أكثر الصفات التي تميزه عن غيره من الخلائق، وهو يعتبر الدين وسيلة لتحقيق عبوديته لله، بينما يعتبره الآخرون نظاماً عقائدياً يحتل مكانه على هامش حياتهم ·
ومن هذه النقطة بالذات ينشأ الفرق بين المسلم الحقيقي والمنافق · فالمسلم يعتنق الإسلام كسبيل للإهتداء إلى تحقيق العبودية والحصول على رضوان الله، أما المنافقين فيتخذ من الدين وسيلة لتحقيق مصالحه ومآربه· ولهذا السبب يصف الله عز وجل المنافقون في صلاتهم بأنهم ''يراؤون''، أما المؤمنون فهم في صلاتهم ''خاشعون''؛ وكذلك الأمر بالنسبة للإنفاق، فبينما ينفق المسلم ماله في سبيل الله، ينفقه المنافق في سبيل التأثير على الناس وكسب مديحهم وثنائهم ·
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ . البقرة 264 ·
الجهاد في سبيل رضوان الله
يجاهد الإنسان في هذه الحياة للحصول على المكتسبات الدنيوية واضعاً في اعتباره أنها هي هدفه الأسمى في هذه الحياة، فهو يسعى جاهداً للحصول على الرفاهية والسعادة الدنيوية التي يصفها القرآن الكريم ''ثمناً قليلاً''(التوبة/9) · هذا الثمن، الذي يستنفذ فيه كل طاقاته، لا يلبث أن ينفلت من بين يديه· أما المسلم فيجاهد في سبيل الحصول على الجزاء الأوفى وهو جنة الله ورضوانه· ويخبرنا الله عن هذه المفارقة في هذه الآية الكريمة :
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا . الإسراء 18-19 ·
يجاهد المسلم ''حق الجهاد'' في سبيل الحصول على مرضاة الله والفوز بالدار الآخرة· إنه ''يبيع'' نفسه وماله لله، هذه هي صفات المؤمنين التي يذكرها لنا القرآن الكريم :
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . التوبة 111 ·
والمسلم لا يأبه للصعوبات التي يواجهها في جهاده سبيل الله، ولا يتوجه إلى أي شيء خارج مرضاة الله فقد باع نفسه وماله لله، فمرضاة الله هي التي يسعى إليها فقط· ولأنه يعرف أنه ليس هو المالك الحقيقي لما يتصرف به من ممتلكات في هذه الدنيا بما فيها نفسه،وأن الله هو المالك الحقيقي لروحه وماله فهو يضعهما ويسخرهما لله ولا ينصت لصوت الهوى والنفس ·
من جهة أخرى، يتم اختبار مدى جدية سعي الإنسان وعمله ·وعلى المسلم ألا يخشى شيئاً عند جهاده· أما المنافقون، فهم في سبيل الفوز بما قال عنه القرآن الكريم (عرضاً قريباً أو سفراً قاصداً) يتظاهرون بالعمل الذي يشبه في مظهره أعمال المؤمنين ولكنه يختلف عنها في باطنه تماماً، فنيتهم الحقيقية هي ''العرض القريب ''·
لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمْ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوْ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ . التوبة 42 .
لذلك فإن المعيار الوحيد لتحقيق حقيقة الإيمان، هو النية الخالصة في الجهاد في سبيل الله وعدم التواني عن تقديم أي تضحية يتطلبها هذا الجهاد ) إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار (ص 46 ·
لا يسعى المؤمن للحصول على أي منفعة مادية تبتعد عن رضوان الله· إنه في النهاية يبتغي رحمة الله وجنته :
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا . النساء 124 ·
وكما رأينا، فإن القرآن الكريم يعطينا صورة واضحة عن المؤمنين· الجنة هي جزاء ''الموقنين'' بالله واليوم الآخر والذين يجاهدون ''في سبيل الله حق جهاده''· ويصف لنا الله تعالى في المقابل جزاء من ''يعبد الله على حرف''، ويضع المصالح الدنيوية في مقابل مرضاة الله تعالى :
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ . الحج 11 ·
المؤمنون يؤمنون باليوم الآخر· لقد وعد الله المؤمنين بحياة خالدة رغيدة في الآخرة ، وحياة سعيدة هنيئة في الدنيا أيضاً· إلا أن هذا لا يعني بحال من الأحوال أنهم لن يلاقوا مصاعب ومتاعب في هذه الحياة· فالفتن التي يتعرضون لها هي امتحانات تزيد من نضجهم الشخصي ·
تبدو المصاعب التي يواجهها المؤمن في ظاهرها صعبة وشاقة، إلا أنه ما إن يقابلها بالتسليم والخضوع للمشيئة الإلهية حتى يريحه الله عز وجل من كل هذه المتاعب ويهونها عليه· على سبيل المثال، عندما حاول قوم إبراهيم(ع) إلقاءه في النار بسبب إيمانه بالله وعقيدته السليمة، كان جوابه متميزاً؛ لقد رفض أن يتحول عن معتقده وفضل أن يلقى في النار· إن الإلقاء في النار هو قمة العذاب الجسدي الذي يمكن أن يستشعره أي إنسان في العالم· إلا أن إبراهيم(ع)، الذي واجه هذا الامتحان من الله بالكثير من التسليم والخضوع للمشيئة الربانية، نجا من هذه النار بفضل الله، ولم يمسه من سوئها شيء بإذنه ·
قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الْأَخْسَرِينَ . الأنبياء 66-70 ·
ويخبرنا الله عز وجل من خلال آيات القرآن الكريم، أن الأذى لن ينال أولئك الذين لا يخافون من خسارة أي شيء وهم يجاهدون في سبيل الله، وأنهم سيفوزون بالكثير من الجزاء الروحي والمادي· تخبرنا الآية التالية عن حال المؤمنين وهم في أكثر الأوضاع حرجاً، على وشك أن يخسروا المعركة :
الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيم إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ .
آل عمران 173-177 ·
وهكذا، فإن المؤمن الذي يبتغي مرضاة الله ويتبع أوامره وينتهي عن نواهيه لا يصيبه نصب ولا وصب· ويتضح هذا من خلال مجرى الأحداث التي يمتحن الله عز وجل من خلالها صبر المؤمن وثباته وخضوعه لخالقه قد تبدو هذه الأحداث صعبة ومتعبة في ظاهرها، إلا أنها عندما تلتقي مع الصبر والتسليم ، فإنها تبصر الفرد برحمة الله· ومع ذلك فإن الله رؤوف بعباده لا يكلفهم مالا يطيقون· يقول عز وجل :
لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ . البقرة 286 ·
إن الله عز وجل لا يعاقب مؤمن يعبده بإخلاص، سواء في الدنيا أو في الآخرة· بل على العكس إنه يجزيه عن عبادته في الدنيا ويدخر له الجزاء الأوفى في الآخرة :
وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِين . النحل 30-31 ·
وينذر الله عز وجل الذين لا يقرون بعبوديتهم لله ولا يقرون بقدره ويغفلون عن السعي لمرضاته، وإنما يعيشون لأهوائهم ورغباتهم بشيء من العذاب والمتاعب· عندما يبتلى المؤمن بأنواع البلاء، يدرك أن هذا الامتحان رحمة من الله باعتباره إنذاراً من الله ودرساً عليه أن يتعلم منه فيتوب عن ذنوبه ويصلح من مسيرته· أما الكافر فلا يتعظ أبداً من المحن التي يتعرض لها ، مما يجعله مستحقاً للعذاب الذي ينتظره في الدار الآخرة ·
معرفة النفس
هناك معلومة أخرى على جانب كبير من الأهمية يخبرنا بها القرآن الكريم فيما يخص ''النفس'' الإنسانية '' ،
كما يستخدمها القرآن، وهي تعني الذات، أو ''شخصية الإنسان ''·
يصف القرآن الكريم الجانبين المتناقضين للنفس: الجانب الشيطاني والذي يوحي بالأفعال السيئة، والجانب الرحماني الذي يوحي للإنسان بالأفعال الخيرة ويحذره من الإيحاءات الشريرة· يصف الله عز وجل النفس في سورة الشمس :
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا .الشمس 7-10
· يمكننا أن نستنتج من خلال الآية السابقة أن الجانب الشيطاني موجود في النفس الإنسانية، إلا أن من ينقي روحه ويصفيها سيفوز بالنجاة؛ فالمؤمنون لا يسلمون أنفسهم للشيطان، إنهم يتجنبون هذا ببساطة بهداية من الوحي الإلهي، كما يقول سيدنا يوسف عليه السلام :
وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيم . يوسف 53 · وهذا إنما يعرض لأسلوب التفكير القويم عند المؤمن ·
وحيث أن النفس ''أميل إلى السلوك الشيطاني'' فعلى المؤمن أن يكون يقظاً دائماً · فكما يخبرنا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أن الجهاد الأكبر هو جهاد النفس· إن النفس لا تفتأ تغوي الإنسان ولا تكسبه شيئاً من مرضاة الله، وهي في إغوائها هذا تعرض له البدائل المغرية· إلا أن المؤمن، وبفضل خشيته من الله عز وجل، لا ينخدع بهذا التزيين الزائف الذي تعرضه عليه نفسه· إنه دائماً يتطلع إلى الصحيح والصواب من العمل ليجعل منه مرشداً له في حياته فيما يتوافق مع إرادة اللله· وهنا يتباين موقف العاقل من موقف الغافل، أو الأحمق وهو ما وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بـ ''العاجز''· يقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : ''الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أَتبَعَ نفسه هواها وتمنَّى على الله·'' رواه الترمذي - الجامع الصحيح ·
الابتعاد عن الشرك
باختصار شديد، الشرك هو إشراك مخلوقات أو جمادات أخرى في العبادة مع الله· ومع هذا التعريف ترتفع إحتجاجات الكثيرين في أنهم لا ''يشركون بالله شيئاً'' بالرغم من أن الحقيقة تثبت إشراكهم· ويعود سبب إحتجاجهم هذا إلى إخفاقهم في تحديد حقيقة الشرك ومعناه· ويروي لنا الله عز وجل حالات العديد من البشر الذين يشركون بالله ومع ذلك يرفضون الاعتراف بشركهم هذا، وإحدى هذه الحالات ما تعرضت لها في سورة الأنعام :
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمْ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِين . الأنعام 22-23 ·
يجب أن لا يدعي أحد أنه بعيد عن الشرك تماماً، بل عليه أن يدعو الله دائماً بأن يبعده عنه· فالشرك ذنب عظيم، ولقد قال لنا رسول الله عز وجل عندما سئل عن أعظم الذنوب ''أن تشرك بالله'' · وفي القرآن الكريم يخبرنا الله عز وجل أن الله عز وجل يغفر الذنوب جميعاً إلا الشرك بالله :
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا . النساء 48 .
إن النقطة الأولى التي يبدأ منها الشرك، ''الإثم والذنب العظيم''، هي نسب صفات الله عز وجل أو بعضها إلى غيره من مخلوقاته· صحيح أن المخلوقات الأرضية تتصف بصفات مثل الجمال، القوة ، الذكاء وغيرها، إلا أن هذه الصفات لا تعود إليها بمطلقها، وإنما هي منحة من الله، مالكها، إلى خلقه، وهي ستزول بزوال هذا المخلوق الذي وهبت له· ومن هنا كانت نسبة هذه الصفات إلى المخلوق الأرضي تعني جعله نداً لله واتخاذه إلهاً· إن الله عز وجل متفرد بصفاته، واحد أحد :
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَد لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ· الإخلاص 1-4 .
فالله عز وجل هو المعيل لكل إنسان، وكل إنسان يحتاجه في البقاء في هذه الحياة· عندما ينكر أحدهم هذه الحقيقة، وعندما يبدأ بعض الأشخاص بالتفكير بأن هناك بعض المخلوقات يمكن أن توجد نفسها بإرادتها دون معونة من الله، يطفو الشرك على السطح· ومع هذه العقلية، ينسى الإنسان أن كل مخلوق في هذا الكون، إنما هو في ظل الله وحكمه، وهنا تنشأ العقيدة الخاطئة حول وجود مخلوقات مستقلة عن المشيئة الإلهية، وبالتالي يؤدي الإدعاء بوجود مخلوقات كهذه بالإنسان إلى اتخاذها كآلهة فيسألها العون ويدين لها بالولاء فيطبق أحكامها ويستمع لقوانينها · وفي المقابل، فإن الإنسان المؤمن الذي لا يدعو مع الله إلهاً آخر، لا يلتفت لأحد غيره لأنه يعرف أنه هو الحاكم في كل شيء المهيمن على كل شيء· فالمؤمن يعيش وشعاره :
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ . الفاتحة: 4
. إن المشركين الذين يتخذون مع الله إلهاً آخر، إنما يشركون به من لا يملك لهم ضراً ولا نفعاً، ذلك لأن هذه المخلوقات التي يتخذونها كآلهة، ما هي إلا عباد ضعاف، يخبرنا الله عن ذلك بقوله عز وجل :
أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ . الأعراف 191- 194 ·
ولذلك يكون الشرك من أعظم الآثام، وخدعة كبيرة وموقفاً في غاية الحمق· يخبرنا الله عز وجل عن الوهن العقلي لأولئك الذين يتخذون مع الله إلهاً آخر من خلال مثل في غاية البلاغة ضربه الله عز وجل لهم :
يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز . الحج 73-74
· وللشرك بالله أشكال عديدة· فعندما يتخذ الإنسان آلهة أخرى مع الله، يسعى إلى مرضاتهم، ويعلق عليهم الآمال، ويتخذ أحكامهم على محمل الصواب الذي لا يقبل الخطأ· وهكذا يصبح الإنسان عبداً لآلهة خيالية· إنه يأمل أن يجد لديهم الراحة والخلاص، وهم لا يعدون أن يكونوا خلقاً مثله لا يفوقونه أهمية· المشرك بالله يجد نفسه دائماً في مأزق، وخسارته كبيرة جداً، فالشرك ظلم وظلمات يوم القيامة :
وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ . لقمان 13
· والمشرك ظالم لنفسه أولاً :
إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُون . يونس 44 ·
يرجعون هذا الاختلاف إلى النواحي الثقافية والأخلاقية، وقد يقولون أنه يعود إلى ''الاختلاف في الرؤية العالمية'' أو القيم التي يرفضونها تماماً· وبشكل مغاير قد يعتبر البعض أن الاختلافات تعود في جذورها إلى اختلاف الإيديولوجيات التي يعتنقها المسلمون· إلا أن جميع هذه الاختلافات هي اختلافات ''ظاهرية'' ناتجة عن اختلافات أكثر أصولية· ولكن غالباً ما يفشل هؤلاء في إدراك الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذه الاختلافات· (لا عجب أن يفشلوا في إدراكها عندما يكونون غير مسلمين .(
يجب أن نركز على نقطة معينة قبل المضي في عرضنا للخاصية الرئيسية التي تميز المسلم وتجعله مختلفاً: عندما نتكلم عن ''المسلم'' فنحن لا نشير إلى ذلك الذي يحمل هوية كتب عليها ''مسلم''، بل المسلم هو اللقب الذي أسبغه الله على أولئك الذين يلتزمون بدينه· الصفة الرئيسية التي يشير إليها القرآن الكريم في تمييزه للمسلم عن غيره هو أنه يدرك عظمة الله اللامتناهية· إلا أن إدراك عظمة الله اللامتناهية لا يرتبط بالضرورة بالإقرار بالعبودية لله الواحد· فهناك من يعترف بوجود الله الأحد إلا أنه لا يخشاه· يعرض لنا القرآن الكريم هذه الحقيقة كالتالي :
قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُون فَذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّا تُصْرَفُونَ . يونس 31-32 ·
السؤال المطروح في الأيات السابقة موجه إلى أولئك الذين يقرون بوجود الله ويعرفون صفاته وبالرغم من كل هذا فهم لا يخشونه ويشيحون بوجوههم عن الحق؛ (فالشيطان نفسه لم ينكر وجود الله ·(
إن إدراك عظمة الله ليست مسألة اعتراف باللسان· فالمؤمنون الذين يدركون وجود الله وعظمته، هم الذين ''يفعلون ما أمرهم وهم مخلصون''، ويعملون بناء على هذه الحقيقة التي أصبحت واضحة أمامهم· الآخرون، من جهة أخرى، هم إما أولئك الذين ينكرون وجود الله، أو الذين لا يقرون بعبوديتهم لله عز وجل بالرغم من اعترافهم بوجوده جل وعلا، وهم الذين أشار إليهم الله عز وجل في الآية السابقة ·
ويبقى هؤلاء غافلين عن الله، خالق البشرية، طوال حياتهم· إنهم يتجاهلون أي سؤال قد يطرح نفسه عليهم في مسألة الخلق، مثل: من خلقهم وكيف ولماذا هيئت لهم أسباب الحياة على هذه الأرض، ولا يهتمون بإيجاد أي جواب عليها· إنهم يتصورون حياة بعيدة تماماً عن الله ودينه، والآية التالية تعطينا فكرة من خلال المقارنة التي تعقدها عن حياة هؤلاء الفارغة والتي تقوم على أسس بالية، فاسدة مآلها إلى الهلاك :
أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين .التوبة 109 ·
وكما تخبرنا الآية السابقة، فإن حياة هؤلاء الذين يفتقرون إلى الإيمان قائمة على ''شفا جرف هار''· لإن الهدف الأول الذي يعيشون من أجله هو تحقيق السعادة والأمن في ''هذه الحياة الدنيا''· ومن هذا المنطلق فإن الغاية الأسمى التي تحكم حياتهم هي كيف يصبحون أغنياء· إنهم يبذلون كل ما بوسعهم من محاولات جسدية وعقلية في سبيل تحقيق هذا الهدف· هذا بالنسبة للبعض، أما البعض الآخر، فإن الشهرة والسمعة هي الهدف من وراء الحياة الدنيا التي يحيونها،وهؤلاء مستعدون للتضحية بأي شيء من أجل الحصول على تأييد الرأي العام· إلا أن كل هذه المكاسب الدنيوية، لن تلبث أن تزول حالما يهال التراب فوق رؤوسهم، ويصبحون وحيدين في قبورهم ·
أما المؤمن فهو إنسان يعرف الله الذي خلقه، يؤمن بوجوده وعظمته؛ يعرف لماذا أوجده خالقه في هذه الحياة وماذا يريد منه، لذلك يكون هدفه في هذه الحياة العمل على كسب رضوان الله وتحقيق عبوديته· إنه يحاول توظيف كافة السبل والوسائل في سبيل تحقيق هدفه هذا، فهو يدرك حقيقةالحياة كما يدرك حقيقة الموت، فالموت بالنسبة للمؤمن ليس نهاية وإنما مرحلة جديدة توصله إلى الدار الآخرة، دار الخلود ·
لكفار، من جهة أخرى يرون أن الموت، الذي يعتبرونه مجرد حادث، هو نهاية حياتهم، تماماً كما يرون أن الحياة قد نشأت عن طريق المصادفة وبشكل تلقائي·· والحقيقة -التي لا تنتظر موافقة أو إنكار أحد- هي أن الحياة من خلق الله، هو مالكها، وهو الذي يأخذها· أما الموت، الذي لا يمكن أن يكونمصادفة بأي حال من الأحوال، فهو حادث تحكمه القوانين الإلهية، وهو أولاً وأخيراً قدراً حتمي قدره الله على عباده بالزمان والمكان ·
المسلم هو ذلك الإنسان الذي يؤمن بقدرة الله على كل شيء وأن الموت ليس هو النهاية، بل هو مرحلة ينتقل فيها الإنسان من دار الفناء إلى دار البقاء· إنه بإدراكه هذه الحقيقة، يتجنب أن يبني حياته على ''شفا جرف هار''، بل يقبل على الله خالق ومالك الحياة والموت وما وراءهما· إنه يدرك أن الثروة والمنزلة الإجتماعية أو المظهر الحسن في هذا النظام الذي خلقه فأبدع ليس مقياس النجاح؛ إنها وسائل فحسب لتفعيل الأسس التي وضعها الله عز وجل، ولكنها وسائل سريعة الزوال ·
إن مفتاح النظام الذي خلقه الله هو رضوان الله، ذلك لأن الله يهدي الذين ينشدون مرضاته :
يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم . المائدة 16 ·
يكون المسلم مسلماً عندما يتبع رضوان الله، وهذه هي أكثر الصفات التي تميزه عن غيره من الخلائق، وهو يعتبر الدين وسيلة لتحقيق عبوديته لله، بينما يعتبره الآخرون نظاماً عقائدياً يحتل مكانه على هامش حياتهم ·
ومن هذه النقطة بالذات ينشأ الفرق بين المسلم الحقيقي والمنافق · فالمسلم يعتنق الإسلام كسبيل للإهتداء إلى تحقيق العبودية والحصول على رضوان الله، أما المنافقين فيتخذ من الدين وسيلة لتحقيق مصالحه ومآربه· ولهذا السبب يصف الله عز وجل المنافقون في صلاتهم بأنهم ''يراؤون''، أما المؤمنون فهم في صلاتهم ''خاشعون''؛ وكذلك الأمر بالنسبة للإنفاق، فبينما ينفق المسلم ماله في سبيل الله، ينفقه المنافق في سبيل التأثير على الناس وكسب مديحهم وثنائهم ·
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ . البقرة 264 ·
الجهاد في سبيل رضوان الله
يجاهد الإنسان في هذه الحياة للحصول على المكتسبات الدنيوية واضعاً في اعتباره أنها هي هدفه الأسمى في هذه الحياة، فهو يسعى جاهداً للحصول على الرفاهية والسعادة الدنيوية التي يصفها القرآن الكريم ''ثمناً قليلاً''(التوبة/9) · هذا الثمن، الذي يستنفذ فيه كل طاقاته، لا يلبث أن ينفلت من بين يديه· أما المسلم فيجاهد في سبيل الحصول على الجزاء الأوفى وهو جنة الله ورضوانه· ويخبرنا الله عن هذه المفارقة في هذه الآية الكريمة :
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا . الإسراء 18-19 ·
يجاهد المسلم ''حق الجهاد'' في سبيل الحصول على مرضاة الله والفوز بالدار الآخرة· إنه ''يبيع'' نفسه وماله لله، هذه هي صفات المؤمنين التي يذكرها لنا القرآن الكريم :
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . التوبة 111 ·
والمسلم لا يأبه للصعوبات التي يواجهها في جهاده سبيل الله، ولا يتوجه إلى أي شيء خارج مرضاة الله فقد باع نفسه وماله لله، فمرضاة الله هي التي يسعى إليها فقط· ولأنه يعرف أنه ليس هو المالك الحقيقي لما يتصرف به من ممتلكات في هذه الدنيا بما فيها نفسه،وأن الله هو المالك الحقيقي لروحه وماله فهو يضعهما ويسخرهما لله ولا ينصت لصوت الهوى والنفس ·
من جهة أخرى، يتم اختبار مدى جدية سعي الإنسان وعمله ·وعلى المسلم ألا يخشى شيئاً عند جهاده· أما المنافقون، فهم في سبيل الفوز بما قال عنه القرآن الكريم (عرضاً قريباً أو سفراً قاصداً) يتظاهرون بالعمل الذي يشبه في مظهره أعمال المؤمنين ولكنه يختلف عنها في باطنه تماماً، فنيتهم الحقيقية هي ''العرض القريب ''·
لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمْ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوْ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ . التوبة 42 .
لذلك فإن المعيار الوحيد لتحقيق حقيقة الإيمان، هو النية الخالصة في الجهاد في سبيل الله وعدم التواني عن تقديم أي تضحية يتطلبها هذا الجهاد ) إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار (ص 46 ·
لا يسعى المؤمن للحصول على أي منفعة مادية تبتعد عن رضوان الله· إنه في النهاية يبتغي رحمة الله وجنته :
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا . النساء 124 ·
وكما رأينا، فإن القرآن الكريم يعطينا صورة واضحة عن المؤمنين· الجنة هي جزاء ''الموقنين'' بالله واليوم الآخر والذين يجاهدون ''في سبيل الله حق جهاده''· ويصف لنا الله تعالى في المقابل جزاء من ''يعبد الله على حرف''، ويضع المصالح الدنيوية في مقابل مرضاة الله تعالى :
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ . الحج 11 ·
المؤمنون يؤمنون باليوم الآخر· لقد وعد الله المؤمنين بحياة خالدة رغيدة في الآخرة ، وحياة سعيدة هنيئة في الدنيا أيضاً· إلا أن هذا لا يعني بحال من الأحوال أنهم لن يلاقوا مصاعب ومتاعب في هذه الحياة· فالفتن التي يتعرضون لها هي امتحانات تزيد من نضجهم الشخصي ·
تبدو المصاعب التي يواجهها المؤمن في ظاهرها صعبة وشاقة، إلا أنه ما إن يقابلها بالتسليم والخضوع للمشيئة الإلهية حتى يريحه الله عز وجل من كل هذه المتاعب ويهونها عليه· على سبيل المثال، عندما حاول قوم إبراهيم(ع) إلقاءه في النار بسبب إيمانه بالله وعقيدته السليمة، كان جوابه متميزاً؛ لقد رفض أن يتحول عن معتقده وفضل أن يلقى في النار· إن الإلقاء في النار هو قمة العذاب الجسدي الذي يمكن أن يستشعره أي إنسان في العالم· إلا أن إبراهيم(ع)، الذي واجه هذا الامتحان من الله بالكثير من التسليم والخضوع للمشيئة الربانية، نجا من هذه النار بفضل الله، ولم يمسه من سوئها شيء بإذنه ·
قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الْأَخْسَرِينَ . الأنبياء 66-70 ·
ويخبرنا الله عز وجل من خلال آيات القرآن الكريم، أن الأذى لن ينال أولئك الذين لا يخافون من خسارة أي شيء وهم يجاهدون في سبيل الله، وأنهم سيفوزون بالكثير من الجزاء الروحي والمادي· تخبرنا الآية التالية عن حال المؤمنين وهم في أكثر الأوضاع حرجاً، على وشك أن يخسروا المعركة :
الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيم إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ .
آل عمران 173-177 ·
وهكذا، فإن المؤمن الذي يبتغي مرضاة الله ويتبع أوامره وينتهي عن نواهيه لا يصيبه نصب ولا وصب· ويتضح هذا من خلال مجرى الأحداث التي يمتحن الله عز وجل من خلالها صبر المؤمن وثباته وخضوعه لخالقه قد تبدو هذه الأحداث صعبة ومتعبة في ظاهرها، إلا أنها عندما تلتقي مع الصبر والتسليم ، فإنها تبصر الفرد برحمة الله· ومع ذلك فإن الله رؤوف بعباده لا يكلفهم مالا يطيقون· يقول عز وجل :
لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ . البقرة 286 ·
إن الله عز وجل لا يعاقب مؤمن يعبده بإخلاص، سواء في الدنيا أو في الآخرة· بل على العكس إنه يجزيه عن عبادته في الدنيا ويدخر له الجزاء الأوفى في الآخرة :
وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِين . النحل 30-31 ·
وينذر الله عز وجل الذين لا يقرون بعبوديتهم لله ولا يقرون بقدره ويغفلون عن السعي لمرضاته، وإنما يعيشون لأهوائهم ورغباتهم بشيء من العذاب والمتاعب· عندما يبتلى المؤمن بأنواع البلاء، يدرك أن هذا الامتحان رحمة من الله باعتباره إنذاراً من الله ودرساً عليه أن يتعلم منه فيتوب عن ذنوبه ويصلح من مسيرته· أما الكافر فلا يتعظ أبداً من المحن التي يتعرض لها ، مما يجعله مستحقاً للعذاب الذي ينتظره في الدار الآخرة ·
معرفة النفس
هناك معلومة أخرى على جانب كبير من الأهمية يخبرنا بها القرآن الكريم فيما يخص ''النفس'' الإنسانية '' ،
كما يستخدمها القرآن، وهي تعني الذات، أو ''شخصية الإنسان ''·
يصف القرآن الكريم الجانبين المتناقضين للنفس: الجانب الشيطاني والذي يوحي بالأفعال السيئة، والجانب الرحماني الذي يوحي للإنسان بالأفعال الخيرة ويحذره من الإيحاءات الشريرة· يصف الله عز وجل النفس في سورة الشمس :
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا .الشمس 7-10
· يمكننا أن نستنتج من خلال الآية السابقة أن الجانب الشيطاني موجود في النفس الإنسانية، إلا أن من ينقي روحه ويصفيها سيفوز بالنجاة؛ فالمؤمنون لا يسلمون أنفسهم للشيطان، إنهم يتجنبون هذا ببساطة بهداية من الوحي الإلهي، كما يقول سيدنا يوسف عليه السلام :
وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيم . يوسف 53 · وهذا إنما يعرض لأسلوب التفكير القويم عند المؤمن ·
وحيث أن النفس ''أميل إلى السلوك الشيطاني'' فعلى المؤمن أن يكون يقظاً دائماً · فكما يخبرنا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أن الجهاد الأكبر هو جهاد النفس· إن النفس لا تفتأ تغوي الإنسان ولا تكسبه شيئاً من مرضاة الله، وهي في إغوائها هذا تعرض له البدائل المغرية· إلا أن المؤمن، وبفضل خشيته من الله عز وجل، لا ينخدع بهذا التزيين الزائف الذي تعرضه عليه نفسه· إنه دائماً يتطلع إلى الصحيح والصواب من العمل ليجعل منه مرشداً له في حياته فيما يتوافق مع إرادة اللله· وهنا يتباين موقف العاقل من موقف الغافل، أو الأحمق وهو ما وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بـ ''العاجز''· يقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : ''الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أَتبَعَ نفسه هواها وتمنَّى على الله·'' رواه الترمذي - الجامع الصحيح ·
الابتعاد عن الشرك
باختصار شديد، الشرك هو إشراك مخلوقات أو جمادات أخرى في العبادة مع الله· ومع هذا التعريف ترتفع إحتجاجات الكثيرين في أنهم لا ''يشركون بالله شيئاً'' بالرغم من أن الحقيقة تثبت إشراكهم· ويعود سبب إحتجاجهم هذا إلى إخفاقهم في تحديد حقيقة الشرك ومعناه· ويروي لنا الله عز وجل حالات العديد من البشر الذين يشركون بالله ومع ذلك يرفضون الاعتراف بشركهم هذا، وإحدى هذه الحالات ما تعرضت لها في سورة الأنعام :
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمْ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِين . الأنعام 22-23 ·
يجب أن لا يدعي أحد أنه بعيد عن الشرك تماماً، بل عليه أن يدعو الله دائماً بأن يبعده عنه· فالشرك ذنب عظيم، ولقد قال لنا رسول الله عز وجل عندما سئل عن أعظم الذنوب ''أن تشرك بالله'' · وفي القرآن الكريم يخبرنا الله عز وجل أن الله عز وجل يغفر الذنوب جميعاً إلا الشرك بالله :
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا . النساء 48 .
إن النقطة الأولى التي يبدأ منها الشرك، ''الإثم والذنب العظيم''، هي نسب صفات الله عز وجل أو بعضها إلى غيره من مخلوقاته· صحيح أن المخلوقات الأرضية تتصف بصفات مثل الجمال، القوة ، الذكاء وغيرها، إلا أن هذه الصفات لا تعود إليها بمطلقها، وإنما هي منحة من الله، مالكها، إلى خلقه، وهي ستزول بزوال هذا المخلوق الذي وهبت له· ومن هنا كانت نسبة هذه الصفات إلى المخلوق الأرضي تعني جعله نداً لله واتخاذه إلهاً· إن الله عز وجل متفرد بصفاته، واحد أحد :
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَد لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ· الإخلاص 1-4 .
فالله عز وجل هو المعيل لكل إنسان، وكل إنسان يحتاجه في البقاء في هذه الحياة· عندما ينكر أحدهم هذه الحقيقة، وعندما يبدأ بعض الأشخاص بالتفكير بأن هناك بعض المخلوقات يمكن أن توجد نفسها بإرادتها دون معونة من الله، يطفو الشرك على السطح· ومع هذه العقلية، ينسى الإنسان أن كل مخلوق في هذا الكون، إنما هو في ظل الله وحكمه، وهنا تنشأ العقيدة الخاطئة حول وجود مخلوقات مستقلة عن المشيئة الإلهية، وبالتالي يؤدي الإدعاء بوجود مخلوقات كهذه بالإنسان إلى اتخاذها كآلهة فيسألها العون ويدين لها بالولاء فيطبق أحكامها ويستمع لقوانينها · وفي المقابل، فإن الإنسان المؤمن الذي لا يدعو مع الله إلهاً آخر، لا يلتفت لأحد غيره لأنه يعرف أنه هو الحاكم في كل شيء المهيمن على كل شيء· فالمؤمن يعيش وشعاره :
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ . الفاتحة: 4
. إن المشركين الذين يتخذون مع الله إلهاً آخر، إنما يشركون به من لا يملك لهم ضراً ولا نفعاً، ذلك لأن هذه المخلوقات التي يتخذونها كآلهة، ما هي إلا عباد ضعاف، يخبرنا الله عن ذلك بقوله عز وجل :
أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ . الأعراف 191- 194 ·
ولذلك يكون الشرك من أعظم الآثام، وخدعة كبيرة وموقفاً في غاية الحمق· يخبرنا الله عز وجل عن الوهن العقلي لأولئك الذين يتخذون مع الله إلهاً آخر من خلال مثل في غاية البلاغة ضربه الله عز وجل لهم :
يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز . الحج 73-74
· وللشرك بالله أشكال عديدة· فعندما يتخذ الإنسان آلهة أخرى مع الله، يسعى إلى مرضاتهم، ويعلق عليهم الآمال، ويتخذ أحكامهم على محمل الصواب الذي لا يقبل الخطأ· وهكذا يصبح الإنسان عبداً لآلهة خيالية· إنه يأمل أن يجد لديهم الراحة والخلاص، وهم لا يعدون أن يكونوا خلقاً مثله لا يفوقونه أهمية· المشرك بالله يجد نفسه دائماً في مأزق، وخسارته كبيرة جداً، فالشرك ظلم وظلمات يوم القيامة :
وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ . لقمان 13
· والمشرك ظالم لنفسه أولاً :
إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُون . يونس 44 ·
الفصل الأول :

هدف المؤمن في الحياة: رضوان الله
السؤال بعدة طرق؛ فقد يرجعون هذا الاختلاف إلى النواحي الثقافية والأخلاقية، وقد يقولون أنه يعود إلى ''الاختلاف في الرؤية العالمية'' أو القيم التي يرفضونها تماماً· وبشكل مغاير قد يعتبر البعض أن الاختلافات تعود في جذورها إلى اختلاف الإيديولوجيات التي يعتنقها المسلمون· إلا أن جميع هذه الاختلافات هي اختلافات ''ظاهرية'' ناتجة عن اختلافات أكثر أصولية· ولكن غالباً ما يفشل هؤلاء في إدراك الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذه الاختلافات· (لا عجب أن يفشلوا في إدراكها عندما يكونون غير مسلمين .(
يجب أن نركز على نقطة معينة قبل المضي في عرضنا للخاصية الرئيسية التي تميز المسلم وتجعله مختلفاً: عندما نتكلم عن ''المسلم'' فنحن لا نشير إلى ذلك الذي يحمل هوية كتب عليها ''مسلم''، بل المسلم هو اللقب الذي أسبغه الله على أولئك الذين يلتزمون بدينه· الصفة الرئيسية التي يشير إليها القرآن الكريم في تمييزه للمسلم عن غيره هو أنه يدرك عظمة الله اللامتناهية· إلا أن إدراك عظمة الله اللامتناهية لا يرتبط بالضرورة بالإقرار بالعبودية لله الواحد· فهناك من يعترف بوجود الله الأحد إلا أنه لا يخشاه· يعرض لنا القرآن الكريم هذه الحقيقة كالتالي :
قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُون فَذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّا تُصْرَفُونَ . يونس 31-32 ·
السؤال المطروح في الأيات السابقة موجه إلى أولئك الذين يقرون بوجود الله ويعرفون صفاته وبالرغم من كل هذا فهم لا يخشونه ويشيحون بوجوههم عن الحق؛ (فالشيطان نفسه لم ينكر وجود الله ·(
إن إدراك عظمة الله ليست مسألة اعتراف باللسان· فالمؤمنون الذين يدركون وجود الله وعظمته، هم الذين ''يفعلون ما أمرهم وهم مخلصون''، ويعملون بناء على هذه الحقيقة التي أصبحت واضحة أمامهم· الآخرون، من جهة أخرى، هم إما أولئك الذين ينكرون وجود الله، أو الذين لا يقرون بعبوديتهم لله عز وجل بالرغم من اعترافهم بوجوده جل وعلا، وهم الذين أشار إليهم الله عز وجل في الآية السابقة ·
ويبقى هؤلاء غافلين عن الله، خالق البشرية، طوال حياتهم· إنهم يتجاهلون أي سؤال قد يطرح نفسه عليهم في مسألة الخلق، مثل: من خلقهم وكيف ولماذا هيئت لهم أسباب الحياة على هذه الأرض، ولا يهتمون بإيجاد أي جواب عليها· إنهم يتصورون حياة بعيدة تماماً عن الله ودينه، والآية التالية تعطينا فكرة من خلال المقارنة التي تعقدها عن حياة هؤلاء الفارغة والتي تقوم على أسس بالية، فاسدة مآلها إلى الهلاك :
أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين .التوبة 109 ·
وكما تخبرنا الآية السابقة، فإن حياة هؤلاء الذين يفتقرون إلى الإيمان قائمة على ''شفا جرف هار''· لإن الهدف الأول الذي يعيشون من أجله هو تحقيق السعادة والأمن في ''هذه الحياة الدنيا''· ومن هذا المنطلق فإن الغاية الأسمى التي تحكم حياتهم هي كيف يصبحون أغنياء· إنهم يبذلون كل ما بوسعهم من محاولات جسدية وعقلية في سبيل تحقيق هذا الهدف· هذا بالنسبة للبعض، أما البعض الآخر، فإن الشهرة والسمعة هي الهدف من وراء الحياة الدنيا التي يحيونها،وهؤلاء مستعدون للتضحية بأي شيء من أجل الحصول على تأييد الرأي العام· إلا أن كل هذه المكاسب الدنيوية، لن تلبث أن تزول حالما يهال التراب فوق رؤوسهم، ويصبحون وحيدين في قبورهم ·
أما المؤمن فهو إنسان يعرف الله الذي خلقه، يؤمن بوجوده وعظمته؛ يعرف لماذا أوجده خالقه في هذه الحياة وماذا يريد منه، لذلك يكون هدفه في هذه الحياة العمل على كسب رضوان الله وتحقيق عبوديته· إنه يحاول توظيف كافة السبل والوسائل في سبيل تحقيق هدفه هذا، فهو يدرك حقيقةالحياة كما يدرك حقيقة الموت، فالموت بالنسبة للمؤمن ليس نهاية وإنما مرحلة جديدة توصله إلى الدار الآخرة، دار الخلود ·
لكفار، من جهة أخرى يرون أن الموت، الذي يعتبرونه مجرد حادث، هو نهاية حياتهم، تماماً كما يرون أن الحياة قد نشأت عن طريق المصادفة وبشكل تلقائي·· والحقيقة -التي لا تنتظر موافقة أو إنكار أحد- هي أن الحياة من خلق الله، هو مالكها، وهو الذي يأخذها· أما الموت، الذي لا يمكن أن يكونمصادفة بأي حال من الأحوال، فهو حادث تحكمه القوانين الإلهية، وهو أولاً وأخيراً قدراً حتمي قدره الله على عباده بالزمان والمكان ·
المسلم هو ذلك الإنسان الذي يؤمن بقدرة الله على كل شيء وأن الموت ليس هو النهاية، بل هو مرحلة ينتقل فيها الإنسان من دار الفناء إلى دار البقاء· إنه بإدراكه هذه الحقيقة، يتجنب أن يبني حياته على ''شفا جرف هار''، بل يقبل على الله خالق ومالك الحياة والموت وما وراءهما· إنه يدرك أن الثروة والمنزلة الإجتماعية أو المظهر الحسن في هذا النظام الذي خلقه فأبدع ليس مقياس النجاح؛ إنها وسائل فحسب لتفعيل الأسس التي وضعها الله عز وجل، ولكنها وسائل سريعة الزوال ·
إن مفتاح النظام الذي خلقه الله هو رضوان الله، ذلك لأن الله يهدي الذين ينشدون مرضاته :
يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم . المائدة 16 ·
يكون المسلم مسلماً عندما يتبع رضوان الله، وهذه هي أكثر الصفات التي تميزه عن غيره من الخلائق، وهو يعتبر الدين وسيلة لتحقيق عبوديته لله، بينما يعتبره الآخرون نظاماً عقائدياً يحتل مكانه على هامش حياتهم ·
ومن هذه النقطة بالذات ينشأ الفرق بين المسلم الحقيقي والمنافق · فالمسلم يعتنق الإسلام كسبيل للإهتداء إلى تحقيق العبودية والحصول على رضوان الله، أما المنافقين فيتخذ من الدين وسيلة لتحقيق مصالحه ومآربه· ولهذا السبب يصف الله عز وجل المنافقون في صلاتهم بأنهم ''يراؤون''، أما المؤمنون فهم في صلاتهم ''خاشعون''؛ وكذلك الأمر بالنسبة للإنفاق، فبينما ينفق المسلم ماله في سبيل الله، ينفقه المنافق في سبيل التأثير على الناس وكسب مديحهم وثنائهم ·
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ . البقرة 264 ·
الجهاد في سبيل رضوان الله
يجاهد الإنسان في هذه الحياة للحصول على المكتسبات الدنيوية واضعاً في اعتباره أنها هي هدفه الأسمى في هذه الحياة، فهو يسعى جاهداً للحصول على الرفاهية والسعادة الدنيوية التي يصفها القرآن الكريم ''ثمناً قليلاً''(التوبة/9) · هذا الثمن، الذي يستنفذ فيه كل طاقاته، لا يلبث أن ينفلت من بين يديه· أما المسلم فيجاهد في سبيل الحصول على الجزاء الأوفى وهو جنة الله ورضوانه· ويخبرنا الله عن هذه المفارقة في هذه الآية الكريمة :
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا . الإسراء 18-19 ·
يجاهد المسلم ''حق الجهاد'' في سبيل الحصول على مرضاة الله والفوز بالدار الآخرة· إنه ''يبيع'' نفسه وماله لله، هذه هي صفات المؤمنين التي يذكرها لنا القرآن الكريم :
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . التوبة 111 ·
والمسلم لا يأبه للصعوبات التي يواجهها في جهاده سبيل الله، ولا يتوجه إلى أي شيء خارج مرضاة الله فقد باع نفسه وماله لله، فمرضاة الله هي التي يسعى إليها فقط· ولأنه يعرف أنه ليس هو المالك الحقيقي لما يتصرف به من ممتلكات في هذه الدنيا بما فيها نفسه،وأن الله هو المالك الحقيقي لروحه وماله فهو يضعهما ويسخرهما لله ولا ينصت لصوت الهوى والنفس ·
من جهة أخرى، يتم اختبار مدى جدية سعي الإنسان وعمله ·وعلى المسلم ألا يخشى شيئاً عند جهاده· أما المنافقون، فهم في سبيل الفوز بما قال عنه القرآن الكريم (عرضاً قريباً أو سفراً قاصداً) يتظاهرون بالعمل الذي يشبه في مظهره أعمال المؤمنين ولكنه يختلف عنها في باطنه تماماً، فنيتهم الحقيقية هي ''العرض القريب ''·
لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمْ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوْ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ . التوبة 42 .
لذلك فإن المعيار الوحيد لتحقيق حقيقة الإيمان، هو النية الخالصة في الجهاد في سبيل الله وعدم التواني عن تقديم أي تضحية يتطلبها هذا الجهاد ) إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار (ص 46 ·
لا يسعى المؤمن للحصول على أي منفعة مادية تبتعد عن رضوان الله· إنه في النهاية يبتغي رحمة الله وجنته :
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا . النساء 124 ·
وكما رأينا، فإن القرآن الكريم يعطينا صورة واضحة عن المؤمنين· الجنة هي جزاء ''الموقنين'' بالله واليوم الآخر والذين يجاهدون ''في سبيل الله حق جهاده''· ويصف لنا الله تعالى في المقابل جزاء من ''يعبد الله على حرف''، ويضع المصالح الدنيوية في مقابل مرضاة الله تعالى :
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ . الحج 11 ·
المؤمنون يؤمنون باليوم الآخر· لقد وعد الله المؤمنين بحياة خالدة رغيدة في الآخرة ، وحياة سعيدة هنيئة في الدنيا أيضاً· إلا أن هذا لا يعني بحال من الأحوال أنهم لن يلاقوا مصاعب ومتاعب في هذه الحياة· فالفتن التي يتعرضون لها هي امتحانات تزيد من نضجهم الشخصي ·
تبدو المصاعب التي يواجهها المؤمن في ظاهرها صعبة وشاقة، إلا أنه ما إن يقابلها بالتسليم والخضوع للمشيئة الإلهية حتى يريحه الله عز وجل من كل هذه المتاعب ويهونها عليه· على سبيل المثال، عندما حاول قوم إبراهيم(ع) إلقاءه في النار بسبب إيمانه بالله وعقيدته السليمة، كان جوابه متميزاً؛ لقد رفض أن يتحول عن معتقده وفضل أن يلقى في النار· إن الإلقاء في النار هو قمة العذاب الجسدي الذي يمكن أن يستشعره أي إنسان في العالم· إلا أن إبراهيم(ع)، الذي واجه هذا الامتحان من الله بالكثير من التسليم والخضوع للمشيئة الربانية، نجا من هذه النار بفضل الله، ولم يمسه من سوئها شيء بإذنه ·
قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الْأَخْسَرِينَ . الأنبياء 66-70 ·
ويخبرنا الله عز وجل من خلال آيات القرآن الكريم، أن الأذى لن ينال أولئك الذين لا يخافون من خسارة أي شيء وهم يجاهدون في سبيل الله، وأنهم سيفوزون بالكثير من الجزاء الروحي والمادي· تخبرنا الآية التالية عن حال المؤمنين وهم في أكثر الأوضاع حرجاً، على وشك أن يخسروا المعركة :
الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيم إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ .
آل عمران 173-177 ·
وهكذا، فإن المؤمن الذي يبتغي مرضاة الله ويتبع أوامره وينتهي عن نواهيه لا يصيبه نصب ولا وصب· ويتضح هذا من خلال مجرى الأحداث التي يمتحن الله عز وجل من خلالها صبر المؤمن وثباته وخضوعه لخالقه قد تبدو هذه الأحداث صعبة ومتعبة في ظاهرها، إلا أنها عندما تلتقي مع الصبر والتسليم ، فإنها تبصر الفرد برحمة الله· ومع ذلك فإن الله رؤوف بعباده لا يكلفهم مالا يطيقون· يقول عز وجل :
لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ . البقرة 286 ·
إن الله عز وجل لا يعاقب مؤمن يعبده بإخلاص، سواء في الدنيا أو في الآخرة· بل على العكس إنه يجزيه عن عبادته في الدنيا ويدخر له الجزاء الأوفى في الآخرة :
وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِين . النحل 30-31 ·
وينذر الله عز وجل الذين لا يقرون بعبوديتهم لله ولا يقرون بقدره ويغفلون عن السعي لمرضاته، وإنما يعيشون لأهوائهم ورغباتهم بشيء من العذاب والمتاعب· عندما يبتلى المؤمن بأنواع البلاء، يدرك أن هذا الامتحان رحمة من الله باعتباره إنذاراً من الله ودرساً عليه أن يتعلم منه فيتوب عن ذنوبه ويصلح من مسيرته· أما الكافر فلا يتعظ أبداً من المحن التي يتعرض لها ، مما يجعله مستحقاً للعذاب الذي ينتظره في الدار الآخرة ·
معرفة النفس
هناك معلومة أخرى على جانب كبير من الأهمية يخبرنا بها القرآن الكريم فيما يخص ''النفس'' الإنسانية '' ،
كما يستخدمها القرآن، وهي تعني الذات، أو ''شخصية الإنسان ''·
يصف القرآن الكريم الجانبين المتناقضين للنفس: الجانب الشيطاني والذي يوحي بالأفعال السيئة، والجانب الرحماني الذي يوحي للإنسان بالأفعال الخيرة ويحذره من الإيحاءات الشريرة· يصف الله عز وجل النفس في سورة الشمس :
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا .الشمس 7-10
· يمكننا أن نستنتج من خلال الآية السابقة أن الجانب الشيطاني موجود في النفس الإنسانية، إلا أن من ينقي روحه ويصفيها سيفوز بالنجاة؛ فالمؤمنون لا يسلمون أنفسهم للشيطان، إنهم يتجنبون هذا ببساطة بهداية من الوحي الإلهي، كما يقول سيدنا يوسف عليه السلام :
وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيم . يوسف 53 · وهذا إنما يعرض لأسلوب التفكير القويم عند المؤمن ·
وحيث أن النفس ''أميل إلى السلوك الشيطاني'' فعلى المؤمن أن يكون يقظاً دائماً · فكما يخبرنا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أن الجهاد الأكبر هو جهاد النفس· إن النفس لا تفتأ تغوي الإنسان ولا تكسبه شيئاً من مرضاة الله، وهي في إغوائها هذا تعرض له البدائل المغرية· إلا أن المؤمن، وبفضل خشيته من الله عز وجل، لا ينخدع بهذا التزيين الزائف الذي تعرضه عليه نفسه· إنه دائماً يتطلع إلى الصحيح والصواب من العمل ليجعل منه مرشداً له في حياته فيما يتوافق مع إرادة اللله· وهنا يتباين موقف العاقل من موقف الغافل، أو الأحمق وهو ما وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بـ ''العاجز''· يقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : ''الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أَتبَعَ نفسه هواها وتمنَّى على الله·'' رواه الترمذي - الجامع الصحيح ·
الابتعاد عن الشرك
باختصار شديد، الشرك هو إشراك مخلوقات أو جمادات أخرى في العبادة مع الله· ومع هذا التعريف ترتفع إحتجاجات الكثيرين في أنهم لا ''يشركون بالله شيئاً'' بالرغم من أن الحقيقة تثبت إشراكهم· ويعود سبب إحتجاجهم هذا إلى إخفاقهم في تحديد حقيقة الشرك ومعناه· ويروي لنا الله عز وجل حالات العديد من البشر الذين يشركون بالله ومع ذلك يرفضون الاعتراف بشركهم هذا، وإحدى هذه الحالات ما تعرضت لها في سورة الأنعام :
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمْ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِين . الأنعام 22-23 ·
يجب أن لا يدعي أحد أنه بعيد عن الشرك تماماً، بل عليه أن يدعو الله دائماً بأن يبعده عنه· فالشرك ذنب عظيم، ولقد قال لنا رسول الله عز وجل عندما سئل عن أعظم الذنوب ''أن تشرك بالله'' · وفي القرآن الكريم يخبرنا الله عز وجل أن الله عز وجل يغفر الذنوب جميعاً إلا الشرك بالله :
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا . النساء 48 .
إن النقطة الأولى التي يبدأ منها الشرك، ''الإثم والذنب العظيم''، هي نسب صفات الله عز وجل أو بعضها إلى غيره من مخلوقاته· صحيح أن المخلوقات الأرضية تتصف بصفات مثل الجمال، القوة ، الذكاء وغيرها، إلا أن هذه الصفات لا تعود إليها بمطلقها، وإنما هي منحة من الله، مالكها، إلى خلقه، وهي ستزول بزوال هذا المخلوق الذي وهبت له· ومن هنا كانت نسبة هذه الصفات إلى المخلوق الأرضي تعني جعله نداً لله واتخاذه إلهاً· إن الله عز وجل متفرد بصفاته، واحد أحد :
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَد لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ· الإخلاص 1-4 .
فالله عز وجل هو المعيل لكل إنسان، وكل إنسان يحتاجه في البقاء في هذه الحياة· عندما ينكر أحدهم هذه الحقيقة، وعندما يبدأ بعض الأشخاص بالتفكير بأن هناك بعض المخلوقات يمكن أن توجد نفسها بإرادتها دون معونة من الله، يطفو الشرك على السطح· ومع هذه العقلية، ينسى الإنسان أن كل مخلوق في هذا الكون، إنما هو في ظل الله وحكمه، وهنا تنشأ العقيدة الخاطئة حول وجود مخلوقات مستقلة عن المشيئة الإلهية، وبالتالي يؤدي الإدعاء بوجود مخلوقات كهذه بالإنسان إلى اتخاذها كآلهة فيسألها العون ويدين لها بالولاء فيطبق أحكامها ويستمع لقوانينها · وفي المقابل، فإن الإنسان المؤمن الذي لا يدعو مع الله إلهاً آخر، لا يلتفت لأحد غيره لأنه يعرف أنه هو الحاكم في كل شيء المهيمن على كل شيء· فالمؤمن يعيش وشعاره :
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ . الفاتحة: 4
. إن المشركين الذين يتخذون مع الله إلهاً آخر، إنما يشركون به من لا يملك لهم ضراً ولا نفعاً، ذلك لأن هذه المخلوقات التي يتخذونها كآلهة، ما هي إلا عباد ضعاف، يخبرنا الله عن ذلك بقوله عز وجل :
أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ . الأعراف 191- 194 ·
ولذلك يكون الشرك من أعظم الآثام، وخدعة كبيرة وموقفاً في غاية الحمق· يخبرنا الله عز وجل عن الوهن العقلي لأولئك الذين يتخذون مع الله إلهاً آخر من خلال مثل في غاية البلاغة ضربه الله عز وجل لهم :
يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز . الحج 73-74
· وللشرك بالله أشكال عديدة· فعندما يتخذ الإنسان آلهة أخرى مع الله، يسعى إلى مرضاتهم، ويعلق عليهم الآمال، ويتخذ أحكامهم على محمل الصواب الذي لا يقبل الخطأ· وهكذا يصبح الإنسان عبداً لآلهة خيالية· إنه يأمل أن يجد لديهم الراحة والخلاص، وهم لا يعدون أن يكونوا خلقاً مثله لا يفوقونه أهمية· المشرك بالله يجد نفسه دائماً في مأزق، وخسارته كبيرة جداً، فالشرك ظلم وظلمات يوم القيامة :
وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ . لقمان 13
· والمشرك ظالم لنفسه أولاً :
إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُون . يونس 44 ·







 
قديم منذ /01-03-2010, 11:12 AM   #2

عضو ذهبي

 

 رقم العضوية : 34286
 تاريخ التسجيل : Nov 2009
 المكان : EgYpT
 المشاركات : 939
 النقاط : banota 3asola will become famous soon enough
 درجة التقييم : 76
 قوة التقييم : 0

banota 3asola غير متواجد حالياً

أوسمة العضو
افتراضي

شكرا على الموضوع الجميل







 
قديم منذ /01-05-2010, 03:09 AM   #3

مشرف القسم الإسلامي سابقا

 

 رقم العضوية : 32168
 تاريخ التسجيل : Oct 2009
 الجنس : ~ رجل
 المكان : مصراوي
 المشاركات : 4,501
 النقاط : ناصرعبده has a spectacular aura aboutناصرعبده has a spectacular aura aboutناصرعبده has a spectacular aura about
 درجة التقييم : 243
 قوة التقييم : 1

ناصرعبده غير متواجد حالياً

أوسمة العضو
افتراضي

شكراًلمرورك







 
قديم منذ /01-05-2010, 12:38 PM   #4

عضو ذهبي

 

 رقم العضوية : 39138
 تاريخ التسجيل : Jan 2010
 المكان : حبك خارطتي
 المشاركات : 1,200
 النقاط : فتاه من الزمن الجميل will become famous soon enough
 درجة التقييم : 50
 قوة التقييم : 0

فتاه من الزمن الجميل غير متواجد حالياً

أوسمة العضو
افتراضي

ناااصر شكرا لجهودك لكن حبذا لو جزات الموضوع لعدة اجزاء

فللاسف ياسيدي نحن امة اقرا اللتي لاتقرا

بارك الله بك وبطرحك







 
قديم منذ /01-06-2010, 02:14 PM   #5

مشرف القسم الإسلامي سابقا

 

 رقم العضوية : 32168
 تاريخ التسجيل : Oct 2009
 الجنس : ~ رجل
 المكان : مصراوي
 المشاركات : 4,501
 النقاط : ناصرعبده has a spectacular aura aboutناصرعبده has a spectacular aura aboutناصرعبده has a spectacular aura about
 درجة التقييم : 243
 قوة التقييم : 1

ناصرعبده غير متواجد حالياً

أوسمة العضو
افتراضي

اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فتاه من الزمن الجميل





ناااصر شكرا لجهودك لكن حبذا لو جزات الموضوع لعدة اجزاء

فللاسف ياسيدي نحن امة اقرا اللتي لاتقرا

بارك الله بك وبطرحك


عندك حق انا عارف إن الموضوع طويل لكن بعض المواضيع رغم انها طويلة بتكون مهمه للمسلم







 
قديم منذ /01-07-2010, 12:28 AM   #6

مراقبة الأقسام العامة سابقا

 

 رقم العضوية : 33462
 تاريخ التسجيل : Oct 2009
 الجنس : ~ أنثى
 المشاركات : 9,723
 الحكمة المفضلة : إأن لم تستطع إأسعآدي فلآ تعكر مزآجي :)
 النقاط : حياتي ذكريات has a reputation beyond reputeحياتي ذكريات has a reputation beyond reputeحياتي ذكريات has a reputation beyond reputeحياتي ذكريات has a reputation beyond reputeحياتي ذكريات has a reputation beyond reputeحياتي ذكريات has a reputation beyond reputeحياتي ذكريات has a reputation beyond reputeحياتي ذكريات has a reputation beyond reputeحياتي ذكريات has a reputation beyond reputeحياتي ذكريات has a reputation beyond reputeحياتي ذكريات has a reputation beyond repute
 درجة التقييم : 69078
 قوة التقييم : 35

حياتي ذكريات غير متواجد حالياً

أوسمة العضو

35 7 

افتراضي

ماشاء الله تبارك الله
موضوع رائع سلــمت يداك أخي
ناصر على الموضوع
دامت لنا مواضيعك المميزة







 
قديم منذ /01-07-2010, 12:42 AM   #7

مميز قسم الخواطر

إبتسامة الحياه

 

 رقم العضوية : 39566
 تاريخ التسجيل : Jan 2010
 المكان : قلب حبيبى
 المشاركات : 3,324
 النقاط : أميرة الأحلام has much to be proud ofأميرة الأحلام has much to be proud ofأميرة الأحلام has much to be proud ofأميرة الأحلام has much to be proud ofأميرة الأحلام has much to be proud ofأميرة الأحلام has much to be proud ofأميرة الأحلام has much to be proud ofأميرة الأحلام has much to be proud ofأميرة الأحلام has much to be proud of
 درجة التقييم : 1115
 قوة التقييم : 1

أميرة الأحلام غير متواجد حالياً

أوسمة العضو
افتراضي

جزاك الله خير







 
قديم منذ /01-07-2010, 12:54 AM   #8

عضو جديد

 

 رقم العضوية : 39408
 تاريخ التسجيل : Jan 2010
 الجنس : ~ بنوتة
 المكان : melhoo00
 المشاركات : 173
 الحكمة المفضلة : work hard play hard
 النقاط : ملكة بدون مملكة will become famous soon enough
 درجة التقييم : 50
 قوة التقييم : 0

ملكة بدون مملكة غير متواجد حالياً

أوسمة العضو
افتراضي

شكراااااااااااااااااااااااا







 
قديم منذ /01-09-2010, 02:12 AM   #9

مشرف القسم الإسلامي سابقا

 

 رقم العضوية : 32168
 تاريخ التسجيل : Oct 2009
 الجنس : ~ رجل
 المكان : مصراوي
 المشاركات : 4,501
 النقاط : ناصرعبده has a spectacular aura aboutناصرعبده has a spectacular aura aboutناصرعبده has a spectacular aura about
 درجة التقييم : 243
 قوة التقييم : 1

ناصرعبده غير متواجد حالياً

أوسمة العضو
افتراضي

اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حياتي ذكريات





ماشاء الله تبارك الله
موضوع رائع سلــمت يداك أخي
ناصر على الموضوع
دامت لنا مواضيعك المميزة

اشكرك اختي الكريمه علي مرورك الكريم







 
قديم منذ /01-09-2010, 02:13 AM   #10

مشرف القسم الإسلامي سابقا

 

 رقم العضوية : 32168
 تاريخ التسجيل : Oct 2009
 الجنس : ~ رجل
 المكان : مصراوي
 المشاركات : 4,501
 النقاط : ناصرعبده has a spectacular aura aboutناصرعبده has a spectacular aura aboutناصرعبده has a spectacular aura about
 درجة التقييم : 243
 قوة التقييم : 1

ناصرعبده غير متواجد حالياً

أوسمة العضو
افتراضي

اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أميرة على





جزاك الله خير

شكراً اميرة علي مرورك الكريم







 
موضوع مغلق

« اعتبر ولا تكن عبرة ؟؟؟ | توبة أشهر عارضة أزياء فرنسية »

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

Posting Rules
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
موسوعة الصحابة رضوان الله عليهم موسوعة الصحابة رضوان الله عليهم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغ Aya 7ekaya الخلفاء و قصص الأنبياء 20 04-21-2014 07:25 PM
محمد صلى الله عليه وسلم كما وصفه لنا الصحابة رضوان الله عليهم mīĐŏ ǺĻ ƒâηâη السيرة النبوية 10 02-19-2012 06:38 PM
السبيل الي رضوان الله ناصرعبده منتدى الاسلاميات والقرأن الكريم 6 09-25-2010 01:52 PM
هل فكرت ان تتعطرى بعطراستعملة الرسول صل الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم الايمان منتدى الاسلاميات والقرأن الكريم 9 01-02-2010 01:30 PM
أم سلمة ( رضوان الله عليها ) ليال شخصيات بارزه فى عالمنا 2 12-03-2009 03:37 PM


الساعة الآن 07:38 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 RC 1
منتديات بنات مصر . منتدى كل العرب

a.d - i.s.s.w


elMagic Style.Design By:۩۩ elMagic ۩۩