الاشكال الشعرية والمجتمع (2) العصور الوسطى العربية

[لمضـ خالصـ]

بسم الله الرحمن الرحيم


بقدر حيوية المجتمع ينمو الوعى باحتياجاته الحقيقة على كل المستويات

وبستجيب الفن لتلك الاحتياجات استجابة جمالية

لكن اذا تجمد المجتمع انكمش داخل تقاليده

وفقد الوعى بما هو خارج دائرة التقاليد ويبدو ان المجتمع العربى

عانى هذا الانكماش طويلا

فتمسك بتقاليده

وفى هذه الحالة يستجيب الفن لهذا الموقف باعادة انتاج نفسه

فلا يحدث من التجديد الا الهامشى والفردى

هكذا تمسك الشعر العربى باوزانه القديمة وانظمة قوافيه

وحدث نفس الشئ للنثر

فمثلا بعد ان ابدع بديع الزمان الهمذانى المقامات

وتابعه فى ذلك الحريرى ليكمل تقاليد هذا الفن

يظل الناثرون العرب يدورون فى فلك تلك التقاليد حتى مطالع القرن العشرين

اذا بحثنا عن تجديد هنا او هناك

فهو يتعلق بطرق موضوع جديد او معالجة احداث استجدت وفرضها الواقع على الشعراء والناثرين

وهكذا حاصرت التقاليد الاشكال الادبية فى ثوبها القديم

ما عدا حالات معدودة سنشير اليها فى السطور الاتية

[لمضـ خالصـ]

التى تتناول المرحلة الكلاسكية من تارخنا الادبى

والتى امتدت من العصر السابق للاسلام

وسبق الحديث عنه

وحتى بزوع الكلاسيكية الجدية فى القرن التاسع عشر فى العصر الحديث

وكان العصر الاموى من اهم اطوار المرحلة الكلاسيكية العربية

حيث تمت اعظم الفتوحات الاسلامية

وبدا العرب الفاتحون ينصهرون فى المجتمعات المفتوحة ويتصاهرون معها

لتنشا تقاليد جديدة وحياة مختلفة

وتستجيب اللغة العربية لهذا فتصميبها حيوية خارقة يراها التيار المحافظ لحنا وشعوبية

ولكن

الشعراء يبداون استلهامها

والتخلى عن الجزالة والمواضيع المكروة

فتنشا حداثة تودى بالدولة الاموية نفسها

ولعل بداية تلك الحداثة كانت مع شاعر الحب العظيم

( عمر بن ابى ربيعة)

الذى انصرف عن الصورة التقليدية للمحبوبة المنحوتة من جمال مطلق

والصورة المكررة للعاق الذى يفخر بنفسه وقومه كما انصرف عن اللغه الجزلة المسرفة فى الكلاسيكية

وتكرار لغة الشعر السابق ايضا ضرب القصيدة الطويلة باقساامها الثلاثةفى مقتل

انه صاحب مذهب فى العشق يتغزل فيه الرجل بوسامته وذوبان الناسء امام صورته

[لمضـ خالصـ]

كما تتحدث المراة عن عواطفها

وعن علاقتها بالرجل حديثا جريئا تحقق به ذاتها

لقد صنع علاقة انسانية بين انسان(رجل) وانسان اخر(امراة)

لكن حياة الصحراء المتحركة الجوالة انقلبت الى ثقافة

( رغم استقرار الساعر وقبيلته فى مكة)

من ثم اصبح التنقل من محبوبة الى اخرى

اشبه بالتنقل من وطن طلل جف الى وطن جديد به ماء

ان تعدد المحبوبات والتنقل عن واحدة الى اخرى

قد ظهر قبل ذلك عند امرئ القيس

لكن بقيم عدوانية

( تعكس ايام العرب)

تحولت الى قيم حضارية او حداثية عند ( عمر بن ابى ربيعة)

والذى مثل مدرسة للحداثة بمفهومها الشائع

وهو التمرد على التقليد وابتداع الجديد فى استلهام لواقع جديد

[لمضـ خالصـ]

وتصل الحداثة الى ذروتها فى العصر العباسى الاول على يد ( مسلم بن الوليد_ وابى نواس_ وابى العتاهية)

ثم تافل تلك الحداثة تحت ضغط اتجاه محافظ يتفاقم

وينتهى بطرد الموسيقار زرياب

الذى يهاجر فى رحلة طويلة الى الاندلس

ليحمل معه جرثومة الحداثة التى تجد جوا ملائما يقود فيه زرياب وعبد الرحمب الاوسط الامير الاموى تيارها

لخلق مجتمع يقوم على التعدد وينبذ التعصب

لقد شلمت الحداثة الاندلسية العمارة وتصميم الحدائق والملابس ونظام مائدة الطعام

بل وصلت الى تسريحة الشعر ليس عند النساء فحسب

بل عند الرجال ايضا

الذين خلعوا العمامة وساروا عراة الراس

يرتدون القلنسوة الاندلسية فى المناسبات فحسب

وابتدع الاندلسيون وسائل لديناميكية التعدد داخل الوحدة فى مجتمع يموج بالاجناس والاديان واللغات

وكانت احدى تلك الوسائل تبنى كل طرف لاعياد الاخر الدينية

وغير الدينية

[لمضـ خالصـ]

وقد احتاج ذلك الى غناء مشترك

ونزول الادب الى حياة الناس

والتقاط لغتهم بدلا من الاعتماد على الموروث اللغوى الادبى دون غيره


وحدث نفس الشئ على مستوى الموسيقى والاداء الغنائى

لقد اختلطت الموسيقى العربية

( التى تفتحت لاستيعاب الجديد على يد ابراهيم بن المهدى الاستاذ الحقيقى لزرياب)

بالموسيقى الكنسية وكلاهما معا

امتزج بالموسيقى الشعبية

وبظهور هذه الموسيقى المركبة تركيبا مزجيا استجابة للتعدد ظهرت الحاجة

الى كلمات شعرية مركبة

( تركيبا مزجيا اذا اخذنا بوصف حازم القرطاجنى للشعر الاندلسى خاصة عند ابن خفاجة شاعر الطبيعة)

وهكذا انبثق فن التوشيح انعكاسا تقنيا لحياة التعدد واطارا لالتئام المتفرق

[لمضـ خالصـ]

الموشحة قصيدة مقطوعية

( تتعدد فيها المقطوعات لتتراوح بين خمس وسبع مقطوعات )


كل مقطوعة تتكون من ثلاثة اجزاء

1_ مطلع يتكرر من اول الموشحة الى اخرها ويتصدر كل مقطوعة ونطلق عليه القفل اللازمة

2_ غصن

3_ قفل يتغير من مقطوعة الى اخرى وتنتهى به كل المقطوعة

فالمقطوعة ايصا متعددة الاجزاء

ثم القفل

( سواء كان القفل اللازمة)

صدر كل مقطوعة

او القفل العادى

( خاتمة كل مقطوعة)

افقى يتكون من عدة تتعدده الشعرى يلتئم موسيقيا فى ايقاع يحتاج الى (96 ستة وتسعين نقرة على الطبل)

يقابلها مجموع

( 96 ستة وتسعين مقطعا لغويا لكل مقطوعة)

وحيث ان النقطوعات فى العادة بقل مجموع مقاطعها اللغوية عن 96 كثيرا

فان الحاجة الى زيادة الالفاظ او تكرار القوافى

كما سبق القول

حاجة حتمية لخلق تماثل بين ميزان الشعر وبين ميزان المقام الموسيقى اثناء الغناء


وهكذا فتحت الحداثة فى الاندلس ابوابا لاتيعاب التعدد داخل اطار من التماثل

ومنها شكل الموشحة الذى ازدحم بمظاهر التعدد على المستوى الوجودى للمجتمع

( افقية التعدد)

ثم بمظاهر الماثل على مستوى الحياة اليويمة والاحتفالية

(راسية التماثل)

ولدينا القفل الاخير من موشحة( يطلق اسم(الخرجة) على كل قفل اخير)

يكشف راسية التماثل وافقية التعدد وهو


اشتى ديا, البا ديا (هذا اليوم يوم فجرى)


ديا ديل العنصر حقا ( يوم العنصر وهو عيد قديس مسيحى)


بشتريه ثوبى المدبج (سالبس ثوى الجديد)

ونشق الرمح شقا ( تعبير عربى عن البهجة)

[لمضـ خالصـ]

فالوشاح المسلم ( الرجل)

يروى اغنية عن لسان فتاة ( المراة)
عن عيد مسيحى

فالمسلم والمسيحى ( تعدد) والرجل والمراة ( تعدد)

والعيد المسيحى يحتفل به المسيحى والمسلم (تماثل)

وان تركيب اللغه العربية واللاتينية

( وهذا تعدد)

فى بنية نحوية واحدة

( تتماثل فى العربية واللاتينية)

تماثل وكان الحداثة كانت اكتشافا للتماثل فى التعدد

ثم صياغة لهذا التعدد والتماثل تقوم على جماليات الشعر والموسيقى معا

[لمضـ خالصـ]

موشحة





شطت باحبابنا ديار فلا فرار ولا منام

يالائمى فى البكاء دعنى بالله لا تكثر الملام

تا الله مافى البكاء عار لنازح الاهل والوطن

ابيت والقلب مستطار فلا نديم ولا سكن

يا قلب لا خانك اصطبار هل ينفع الوجد والشجن ؟

وقد طمت بيننا بحار وقد علت بيننا اكام

فعلل النفس بالتمنى فكل شئ له تمام

يا صاح عمر النوى طويل على الفتى الهائم المشوق

انى على العهد لا احول لا عاش من ضيع الحقوق

قلبى بنار الهوى يجول لو ان دمعى هنا طليق

فكلما هاجنى اذكار حصدت فى ريشها الحمام

على ديار الحبيب منى يا صاحبى اطيب السلام

ما اعذب الوصل والتلاقى لو لم يكن يخلق الفراق

هل يعلم اليوم ما الاقى من قد اذاب الحشا اشتيا ق

قد بلغت نفسى التراقى فهل لداء الفراق راق


اصبحت لا صاحبا ازار ولا الاقى اخا زمام

[لمضـ خالصـ]

يا موت عدنى ولا تعدنى

قد طاب لقياك يا حمام

لله ايامنا الخوالى


والعيش احلى من الامان

نقطعها والؤاد سالى

عن كل ما يحدث الزمان

كل نعيم الى زوال

وكل شئ تراه فان

هيهات ما للفتى اختيار

والصبر من عادة الكرام

يا بين رفقا على انى

متيم القلب مستهام

لله لله ما اقاسى

يا قلبى من لوعة البعاد

قد ذبت شوقا الى كناس

نلت بها غاية المراد

فظلت اشدو لكل ناس

مغناه والدمع فى اطراد

سقى ربا مرسيه القطار

وجاد اعلامها الغمام

دار حمائمها تغنى

حى على اكوس المدام

[لمضـ خالصـ]

وفى ظل تدهور سياسى اصاب الاندلس انهارت الدولة الاموية

وحل محلها عدد من الامراء والملوك تقاسموا

بل وتشاجروا على

الاندلس الذى تمزق

وفى ظل هذا الوضع اعتمدت شرعية هؤلاء الامراء والملوك على فتاوى الفقهاء

فازداد نفوذ الفقهاء

وفرضوا التقليد على المجتمع

فانسحبت الحداثة الى الظل

والتهميش على المستوى الرسمى لكن روحها مازالت تسيطر على نظام الحياة

بين عامة والشعب

وهكذا اصبحت هذه الروح فى حاجة الى فن يعبر عنها وخاصة ان الموشحة ازداد الصاقها بقصور الحكام الجدد

فمالت عن تحررها الى شئ من المحافظة والتقليد

فكتب الشعراء لهذه الجماهير

فنا بالعامية على نمط الموشحة

وقريب فى مجمله من روح الغناء الشعبى اسمه ( الزجل)

ونمثل له بزجل مطلعه


هجرت حبيبى هجره


وانا لس بعد صبر


وفيه كما نرى يستخدم ادوات الخياطة واجزاء القميص مادة

لاستعاراته

لس حبيبى والا ودود

قطع لى قميص من صدود

وخاط بنقض العهود وحبب الى السهر

كان الكستبان من شجون

والابر من سهام الجفون

وكان المقص المنون

والخيط القضا والقدر

وتكشف الابيات عن صور شعبية تتصف بالطراقة والظرف