رواية الرجل المشرقي

[د. محمد الرمادي]

«المدرسة الفرنساوي »

أراد أبوه أن يلحقه بروضة الأطفال كي يُعد بعد ذلك لدخول المدرسة الفرنساوي " سانت يوسف " الإبتدائية خلف مدرسة " الصوري " الحكومية ليتمكن من الفرنسية ثم يكمل تعليمه بكلية " سانت مارك " بالرمل متجها بعد التخرج إلى فرنسا ليدرس الحقوق ثم ينخرط في سلك المحاماة ، هذا ما أراده الوالد .
إدارة المدرسة قبلت أوراقه قبل إتمامه سن الخامسة وصار طفلا في روضة الأطفال ، وكانت المدرسات راهبات فرنسيات ـ كما تروي أمه له ، وهو لا يذكر هذه القصة بالمرة ـ
**

[د. محمد الرمادي]

**

« المحمدي .. في مدرسة الراهبات الفرنسيات »

وفي صباح آحدى العطلات وعلى مائدة فطور العائلة وأمام جدته لأبيه قام بأداء الصلاة قبل تناول الطعام كما تعلمها في الروضة الفرنساوي الملحقة بالمدرسة ، صلاة النصارى ، صلاة الشكر ثم قدس نفسه بالتصليب ، وأخذ يترنم بكلمات فرنسية ، جُمل مما حفظها على مائدة الراهبات الفرنسيات ليقولها قبل تناول الطعام ولا تفهمها والدة أبيه فاشارات بيدها إليه ووجهت القول لأمه :
" شوفي .. ياعايشة ـ اسم أمه ـ الولد مش راح يعرف عربي ، حيتكلم فرنساوي ذي الخواجات ، وبيصلي صلاة النصارى وأحنا في بيت مسلم ، لازم يسيب المدرسة دي!؟ ، وشوفي كمان يا عائشة سحنة وشّه عامله ازاي ، ذي عُبَّاد الصليب !؟ ، وأل آيه اسمه مصطفى !!" .
ودون نقاش يذكر ـ كما أخبرته أمه ـ سمع الوالد كلام الجدة وترك الغلام الروضة الفرنسية ، وهو غصن أخضر وعود طري لا يفقه مما قالته جدته لأبيه حرفاً أو معنى ، بيد أن أمه تذكره دوماً بقولها له :
" إنها غلطة ! ، أن تترك هذه المدرسة ، ربنا يسامح جدتك ، كان مستقبلك حيكون حاجة تانية " .
هذا القول قد يكون الخلفية الذهنية في رغبته أن يتمم تعليمه العالي في بلاد الفرنجة ـ كرغبة الوالد ـ والتي منعته جدته في طفولته من الإقتراب من أهلها على كامل التراب المصري .
**

[د. محمد الرمادي]

«صفحة رقم ٨٣؛ رواية الرجل المشرقي»
** ** * ** ** ** ** ** **
[استدراك]

لم أتوقف عن كتابة "رواية الرجل المشرقي" ؛ أو مراجعتها... أو إن شئت فسأقول .. معايشتها.. إذ أنني كما يقول القريب مني؛ عني :" شرقي حتى النخاع".
كل ماهنالك .. ضيق الوقت وعدم التفرغ.. فأنا لست من أهل كتابة الروايات والمقالات والأبحاث؛ ففارق كبير بين مجال عملي وتخصصي وبين ما أقوم به في وقت أظنه وقت فراغ.
ولأنني أكتب لكِ .. قررت إعادة ترتيب أفكاري لأكمل لكِ .. روايتي الأولى:
«الرجل المشرقي»
الاثنين 23 جمادى الأولى 1435

[د. محمد الرمادي]

معلمهُ الأول بالمدرسة الإبتدائية الحكومية يدعى الأستاذ " فؤاد " ، الأن لا يذكر عنه سوى اسمه ، بلى ـ .. يتذكر رفيقي ويكمل القول ـ بل أذكرُ أيضا هيئته ، بدلته ، مشيته ، هدوئه ، أدبه الجم ، تعلمتُ منه الكثير ، تعلمتُ منه كيف أتحدثُ بهدوء ، وأنظرُ إلى عينيّ محدثي ، والعرب تحسن الحديث بضوضاء فنحن نتحدث بصوت عال كخطباء الجمع وفرسان المنابر وزعماء الأمم وثوار الساحات والباعة في الميادين ، وجنرالات المقاهي ، وجمهور مباريات كرة قدم الدرجة الثالثة ، الأستاذ " فؤاد " كان مسيحيا - ولم نكن وقتها - نفرق بين مسلم ومسيحي في “Egypt„ إلا إذا وجد الأفرنجي بيننا ، ولم نلحظ ونحن تلاميذ الإبتدائي أي تدخل أو توجيه منه ـ قصد رفيقي الأستاذ فؤاد ـ في طريقة إيماننا ، ولم يتحدث مطلقا عن السيد المسيح غير أن ما في القلوب من إيمان وكره وحب يظل في القلوب ، وهذا ما أظهرته الأيام الحوامل من مصريي المهجر والعديد من الأحداث التي تمت في الداخل والخارج.

الأستاذ " فؤاد " عيَّن - رفيقي - أحد قضاة الصف الدراسي ، والدمرداش ـ والذي صار بعد ذلك طبيباً - أيضاً - جاء لزيارتنا مرة وعمل بدون آجر في المستشفى „AKH“ الفيّناوي ، والقاضي الثالث لا يذكر اسمه الأن ـ أصبح بعد ذلك ضابطا في الشرطة ومن رجال الأمن ، وهو مسيحي ، ثم يخبرني رفيقي بقوله :" كانت ثلاثتنا قضاة الصف ، فمن يخطأ من التلاميذ نصدر حكما عليه وكنا نرتدي وشاحا أخضرا علامة على أننا القضاة وكنا بالطبع نفتخر بهذا " .

[د. محمد الرمادي]

« عيسى »

أختارَ أصدقاءُ وزملاء والده في العمل ؛ له أسماً آخراً غير اسمه الحقيقي ، فـ كانوا ينادونه في أروقة المحكمة ومكاتب القضاة وصالات المحاكمات بـ
" عيسى " إثناء وجوده معهم في العطلة الصيفية ، وسبب التسمية تصادف مولده في نفس اليوم الذي يحتفل نصارى الغرب بـ مولد السيد المسيح ابن العذراء البتول سيدة نساء الجنة ، دون نصارى المشرق ؛ فـ كنيسة الروم الكاثوليك بـ روما تحتفل بـ يوم ٢٥ ديسمبر من كل عام بـ يوم المولد ؛ أما الكنيسة الشرقية ؛ المرقسية ؛ بـ الإسكندرية ؛ ثغر المتوسط فـ تحتفل بـ يوم الـ ٧ من يناير ؛ وهكذا منذ مولده ؛ أُريد له أن يرتبط بالغرب قلباً وقالباً ؛ عقلًا وفكراً ؛ صورة وشكلاً ، وفي هندامه وملابسه في طريقة حديثه ثقافته مراجعه ؛ حتى الأفلام التي يراها يوم العطلة الإٍبوعية من المدرسة ينبغي أن تكون أجنبية : هوليودية : فرنسية غربية ، فقد كان التخطيط له دراسة القانون ليتخرج من جامعة السوربون بـ فرنسا ؛ باريس مدينة النور وأرض الثقافة والإنفتاح ؛ ولكنه ؛ رفيقي أتجه إلى طريق آخر في الدراسة والتعليم في المجال الذي نبغ فيه الأن ؛ رفيقي ارتبط بالغرب ـ هكذا أُريد له ـ وإن كان هو المشرقي حتى النخاع ؛ هنا تأتي إشكالية حضارية مازالت تعيشها النخبة والصفوة العربية الليبرالية منها وحتى الإسلامية المحافظة ؛ فـ النخبة العربية ومنها الصفوة المصرية مازالت تقلد الغرب وبشكل أعمى ؛ وتضع حلول مشاكلها على عاتق الغربيين ؛ انظر للمشكلة الفلسطينية مثلاً ؛ أنظر إلى المشكلة السورية – هنا يأتي الشرق ؛ اقصد روسيا ؛ أنظر إلى تقييم الثورات العربية وأخذ المباركة من الغرب الأمريكي أو الإنجليزي .. الفرنسي ؛ التاريخ الحديث يثبت لتلك الصفوة والنخبة ما أثبته عميد الأدب العربي طه حسين بـ خط يده ؛ إذا يقول :"علينا ان نسير سيره الاوروبيين ، ونسلك طريقهم ، لـ نكون لهم اندادا ، ولـ نكون لهم شركاء فى الحضاره ، خيرها وشرها ، حلوها ومرها ، وما يحب منها وما يكره ، وما يحمد منها وما يعاب " . " وان نُشعر الاوروبى : اننا نرى الاشياء كـ ما يراها ، ونقوم الاشياء كما يقومها ، ونحكم على الاشياء كـ ما يحكم عليها "... هذا ما خطه بـ يمناه وزير المعارف المصرية في الحقبة الملكية في كتابه :"مستقبل الثقافه فى مصر".


ولعل جدة رفيقي لأبيه لعبت دوراً مغايراً لما خطط له.

ورفيقي كان عمله هذا إثناء العطلة الصيفية في المحكمة عقاباً له ، لـ أنه لعب مع بنت جيران خالته " أم حسن " دور الطبيب وهي قامت بـ دور المرأة التي على وشك الولادة ـ فـ رفيقي من صغره يحلم أن يكون طبيب نساء ...ـ قفشهما عم الطفلة " الحامل " على سطح بيت عائلة أمه وهو يمارس " مهنته " الإنسانية ، وحادثة " طبيب التوليد " هذه كانت في نهاية مرحلة الإبتدائي وفق نظام وزارة التربية والتعليم المصري القديم ...
**

[العاشق الذى لم يتب]

انتقاء رائع
واختيارموفق
تسلم الايادى والتميز
وودى يسبق ردى

[د. محمد الرمادي]

« عتاب رقيق -كعادته؛ وقت لا أنفذ له ما يرغب أو يريد- .... عتاب رقيق هو وأنا لحظة أن نغوص في البحيرة المتوسطية؛ كأنه يريد أن يقول أعاتبك ولكن ماء البحر سيغسل عتبي ... لا تقلق أو تحزن ...

.. أقول عتاب رقيق بـ مذاق كوب المانجو المثلج و نكهة طبق الفول بالزيت الحار والتحبيشة وقطع الفلافل قائلاً :

" صديقي لما لم تكمل روايتي!!! .. قصد رواية الرجل المشرقي" ...
.. تلعثمتُ قليلاً واردتُ الرد فقال :" كـ اعادتك مع الجميع توجد لنفسك الأعذار ؛ ويجب على الآخرين قبولها .. أما أنت فلا تسمع أو تقبل عذر أحد .. هذه هي شخصيتك ... ولكنك أمامك بعض الوقت قبل السفر .. أسعى -يا صديقي-لإنهاءها ... فأنا اريد أن اقرأ ما تكتب عني ..........
.. غصتُ تحت الماء لمدة أطول قبل الإجابة .... وحين ظهرت على سطح الماء ... قال بـ صوت حنون :
" خشيت عليك أن تغرق .. وأنت لم تنته بعد من تسطير نهاية روايتي ...
.. أليست هي روايتي أنا ، وأنت الكاتب الخصوصي عندي .. لكن دون آجر ...



ونحن بين أمواج المتوسط ...وعدته أن أكملها ...
.. ولحظتها جاء الصغار يلعبون معنا فقد علموا أن تمساح النيل يزحف على البحيرة المتوسطية .... »

[د. محمد الرمادي]

« [ رامون ] » أو رحلة الغرب :


سافر إلى فرنسا في الراحة الصيفية لعام جامعي مضى ، فـ لم يجد عملا إلا غسيل الصحون في المطاعم أو ما يشبه هذا أو يقاربه ؛ فـ شهران فقط هي مدة العطلة الصيفية ويجب أن يعود ليتم دراسته في جامعته . . .

هذه المرة لم يجد عملا في العاصمة باريس ؛ قِبلة الشباب المصري وقتها أو يريطانيا .. لندن ... أهل هي هجرة مؤقتة أم هروب وقتي ، أم الإطلاع على الآخر .. توجد إشكالية في الفهم والتفكير .

القِبلة للشباب وأصحاب التخصصات العالية والذي يملكون عقولا كانت الغرب : أمريكا أو أوروبا الغربية ؛ والمتواضع مَن يذهب إلى دول النفط والبراميل .. فقط لمدة سنوات ليعود وتنتهي رحلة العذاب أما الآخرين فكانوا يرون الغرب هو المستقر .....

هنا يجب أن نقول أن شباب الجامعة المصرية كان يريد أن يثبت الذات ويريد أن يحضر بعض قطع الملابس التي ليس لها وجود في المحلات أو الأسواق أو بعض الأجهزة الكهربائية ... خاصة وأن الأفلام الأمريكية أو الفرنسية الإيطالية كانت تغزو السوق المصري بكثافة .. شقروات الغرب .. فتيات أوروبا ... يراها الشاب فقط على الشاشة الفضية .. هو .. الشاب المصر ي يفكر متى يمكنه أن يلمس هذه ا لشقراء ذات العيون الزرقاء ... أحلام شباب ..طيش شباب .. فشل شباب ... طموح شباب .. قُل ما تريد ... إنه يعلم أنه عمل مع والده عقاباً له ؛ لأنه كان يفكر منذ صغره أن يكون طبيب توليد طبيب نساء ... تمكن من أن يقنع بعضهن ... الصغيرات السن أنه طبيب ماهر ... ولم يكن يحصل على مردود جيد أو متوسط


تركيبة عجيبة لهذا الجيل .... أنه قال ذات مرة .. عندماتخرج من الجامعة وكان يحاضر في آحدى القاعات ينبه للتعارض والتناقض في الشخصية العربية / المصرية أن الشاشة الفضية لعيت دورا في تكوين الشخصية المصرية والعربية ..

تقريباً الكم الهائل من الأفلام المصرية كانت أغان ورقص وحب ... الكاريوكا ؛ السيدة تحية الكاريوكا أثرت في الشباب ... تلتها السيدة نعيمة عاكف ـ تلتها السيدة ليلى مراد تلتها السيدة هند رستم تلتها السيدة ..... كلهن يملكن قدراً هائلا من الأنوثة العابثة في عقول الشباب وقتها ... ثم جاءت موجة جديدة من الفن او الروايات التي تتحول لفيلم سينمائي ؛ القدير نجيب محفوظ أستطاع بالفعل أن يجسد المجتمع المصري في الثلاثينيات أفضل تصوير فجاءت أفلامه بتعبير أدق رواياته ...

قناة روتانا اليوم في عام 2014 تقدم يومياً أفلام كلاسيك .. الأفلام القديمة لجيلنا الحالي الذي لم يعلم شيئا عن هذه الأفلام ...
كأنها مؤامرة ... سنفسد الجميع الشيوخ والشباب ... أعتذر عن سوء التعبير أنه فن .


إذاً ما يحدث اليوم من تحرش نتيجة سنوات عجاف من عري يدخل البيت وتذهب أنت له إلى السينما ...

نترك البر الشرقي ونتجه إلى الجنوب الأوروبي .. فرنسا


بين حقول جنوب فرنسا لكروم العصر لصناعة النبيذ ؛ ، سماه العجوز الإسباني الذي كان يعمل معه أسما جديدا يناسب أسماء الأسبان ، حين سافر في العطلة الصيفية إلى فرنسا إثناء الدراسة في جامعة حلوان فرع الإسكندرية ، إذ لم يجد فرصة عمل مناسبة له أو غير مناسبة في عاصمة النور " باريس " فعلم أن موسم قطف العنب على وشك القدوم ، وليس أمامه من حل سوى أن يقطف العنب في موسمه ليغطي مصاريف الرحلة حيث أن العطلة الصيفية أوشكت على الإنتهاء وحتى لا يعود فاشلاً غادر باريس في إتجاه الجنوب ليجمع بعض الفرنكات ليثبت أمام الوالد الذي كان يرفض سفره ، أنه ... رجل ، و " « [ رامون ] » هو الإسم الذي كان يستخدمه حين يتعرف على بنات الغرب وخاصة السيدة ضفيتنا منذ حين .... أنه بحق الذئب الذي يحسن كيفيه التعامل مع الأنثى النعجة .

يخبرني -صديقي؛ صاحب الرواية - أنه كان يخطط لإيقاع الأنثى في حبائله .. لابد أن تقع .. بمزاجها .. هكذا تعلم مثلا من أفلام جيمس بوند البريطاني ؛ وهنا يأتي التناقض الفج بين تربية إسلامية محافظة أو كنائسية مرقسية شرقية وبين المجتمع الذي في داخله ويحمل في ثناياه التناقض .

[د. محمد الرمادي]

الشاشة الفضية

« السينما »

لعبت السينما دورا غير مباشر في تكوين شخصية رفيقي ، سواء النصف النفسي منها أو العقلي ؛ والأدق أن أقول العقل الباطني .. السينما لعبت دوراً مهماً في شخصيته بشكل تلمسه إن اقتربت منه ، أو جالسته أو بدأت الحديث معه ؛ فهو يتصنع المواقف ويخلق الأحداث ويخرج المشاهد ... خاصة عندما يكون كيان المتحدث أنثى تروق له وتعجبه .. فـ السينما رفعت نسبة الخيال في ذهنه بل جنح بخياله في كثير من العلاقات والتصورات غير الواقعية وشكلت بصورة أو آخرى جزءً من شخصيته أو بعض أجزاء ؛ وفي نفس الوقت أقنعته بوجود حلول سحرية ومخارج من الورطات في كل لحظة ووقت - تماماً - كم يحدث في معظم الأفلام ، وهناك العديد من الروايات والقصص التي قدمتها الشاشة الفضية أثرت في شخصيته وتقمص دور البطل أحيانا ، أو قلده .... ثم - أخيراً - أوجد لنفسه شخصيته الحالية - المستقلة - التي نعرفها ونحن زملاء في الجامعة .

الوالد اراد له بصورة غير مباشرة أن يعرف العالم الآخر من خلال أفلام هوليوود ، فإذا حصل على درجة جيدة في مواد الدراسة كُفِءَ بالذهاب إلى السينما الحفلة الصباحية ، وحفلة الثالثة بعد الظهر كانت ترويحا عن أمه فكان يرافقها لترى الفيلم العربي ، وإختلاف نمطية العيش - الغربي أو العربي - والحبكة الدرامية والإخراج والإمكانيات المتاحة وقدرات الأبطال في التمثيل والإقناع بين فيلم الصباح " الغربي " الهوليودي وبين فيلم الثالثة بعد الظهر " العربي " والمصنع مصرياً ، جعلت رفيقي يميل بالطبع للأفلام الغربية ويجد في نساء الغرب الشقراوات ؛ وهذا الدلال والغنج وأسلوب الغزل وكيفية تصيد المرأة وإيقاعها في شباك الرجل العاشق وجد من كل هذا المدرسة العملية لرجل الغد . فأضيفت إلى تربيته واسلوب تعليمه مدرسة يشاهدها عملياً كل إسبوع بجوار مدرسة الرجال أصحاب الياقات البيضاء والملابس الفاخرة والزي المنمق والعطر الخاص ... ونعلم أن حالة أسرته المادية وهي ميسورة الحال ساعد على السير قدماً في طريق لابد أن يسير فيه .. نجاح في الحياة العملية - يجب أن يحصل عليه - فـ رفيقي لم يذق ابداً مرارة الإخفاق ولم تمر من بين شفتيه قطرات علقم فشل ؛ وعنده بداخله قوة تدفعه لتحقيق ما يريد وقت ما يبغي وحين ما يرغب ... فهو قادر ويستطيع ...
ولكن من مساوئ هذه المدرسة أن حصلت عنده إزدواجية في القياس وإضطراب في القيم وفساد في المبادئ ... فهو يميل بحكم الأفلام المصرية إلى الفرجة على راقصات البطن خاصة مَن يملكن مفاتن وفي نفس اللحظة يكرههن و بتعبير أدق يحتقرهن ويرى أنها بضاعة لمن يريد أن يدفع لحظة سكره وعربدته ؛ وما أكثر راقصات البطن في صناعة الترفية في المجتمع الشرقي ففي حين يعجب بالفرجة وفي نفس الحين يدعي أنهن من اسباب فساد أخلاق المجتمع المشرقي .

وهو ذاته الذي يعجب بالمرأة الغربية التي تظهر كافة م***************ا ظناً منها أنها متحررة وفي نفس اللحظة حين يرافقها هي نفسها يلزمها أن تسير بجواره وفق مزاجه ورغبته.

يرى الخمر يقدم على موائد أفلام مصر ولا يرفع كأساً يحتسيه ... كان يرى ويجالس رجال مدرسته العظماء يشربون أغلى أنواع الخمور المستوردة ويرفض أن يرتشف رشفة في غربته أو مع رفاقه...

رياضي ذو قوام رشيق يخاف على صحته وفي نفس اللحظة لديه نهم إلى مراقصة فتيات اللهو والسهر إلى قبيل الفجر ...

مرة ثانية الحياة المشرقية بين جدته المرأة المحافظة التقليدية " الحاجة " الثرية .. داخل الأسرة والتي تعده ليكن رجلاً لها أو رجلا للعائلة ؛ وبين المجتمع المفتوح وإن علت المأذن وارتفعت أصوات المؤذنين خمس مرات في اليوم الليلة وتسمع أجراس الكنائس وترصع نهود الفتيات والنساء صلبان علق عليها المفتدى .


تلك هي مدينته ... بــ فسيفساء خاص .. نادر الوجود بل يتعذر وجوده في مجتمع مثل مصر ؛ ويخصص مثل مدينته الإسكندرية ...

شاطئ بحيرة يطل على الشمال الأوروبي الغربي .. وجيران من أهل الكفور والنجوع وزملاء تربوا على يد الأغا ... وهو يريد أن يكون نموذجاً خاصة .. وهنا صعوبة الإختيار وإستحالةالتوفيق .

[د. محمد الرمادي]

« قصة عذاب وآلام السيد المسيح عليه السلام »

**

جرت العادة أن يحضر بمفرده كل عام في سينما " فؤاد " بشارع الملك فؤاد الأول، طريق قناة السويس لاحقا .. في احتفالات شم النسيم وعيد الفصح فيلم " حياة وآلام السيد المسيح " في نسخته القديمة؛ برغبة من والده وقناعة منه.


والد رفيقي كان يربي فَتَاهُ عن بُعد .. فهو يريد أن تتحرك قوى عاقلة بداخله كيف يفهم الحياة .. قد تسمى طريقة التربية عن طريق المعايشة دون المحاكاة والتقليد .. طريقة قد تثمر من تكرار التجار بالنظرية ورؤيتها لمن عنده عقل وإدراك وفهم ؛ ومن يملك مقياسا أو مقاييس سليمة للحكم على الأشياء أو مجموعة من القيم الصحيحة تساعده على الحكم ومفاهيم راسخة ذات مدلولات في الحياة العامة ، ورفيقي كان يريد أن يستعيد ذاكرته بعد عام لما حدث للسيد المسيح ؛ خصوصاً ولا توجد ملموسات حسية عن حياة السيد الجليل محمد؛ نبي الإسلام ... ولعل أحداث الفيلم لعبت دورا غير مباشر في شخصيته فيما بعد .

حياة السيد المسيح تقترب من شخصية رفيقي كثيراً؛ فهو – السيد المسيح – ولد وحيداً ليس له إخوة ؛ ولعل هذا الشبه الأولى بينهما كي يقترب كثيراً من قصته ؛ وينظر بعين غير العين التي يرى بها بقية أبطال الشاشة الفضية ؛ فــ الرجل هنا يلهث خلف النساء الجميلات ليقعن في حبال شراكه كصيد ثمين .. هكذا كان الدرس الأساسي : رجل يبحث عن امرأة جميلة أنثى صارخة حواء كل الأزمان بمقاييس صناعية هوليودية لا وجود لها ربما على أرض الشارع أو فوق رمال بلاجات الإسكندرية .. لتقع في حبه ويغزل لها نسيج الشباك بدقة متناهية .. يتذكر أن في الماضي كان هنا فيلم اسمه " إلى الحجيم .. يا حبيبتي " بطولة توني كيرتس – هكذا يذكر لي – : رجل وسائقه يصنعا قصة وهمية ليتعرف هذا الرجل على المرأة الأرملةالثرية ليتزوجها ثم إحكام قضية التخلص منها لـــ يرثها .


بيد أن قصة السيد المسيح حقيقة جسدتها الصناعة السينمائية بشكل جيد ، ثم يأتي الدور الثاني:

اي تلك الآلام والعذابات مقابل ما يحمل من فكر في ذهنه ؛ لعل رفيقي لم يفهم جيداً المسألة – أقصد مسألة العذاب ومن ثم الصلب – وهذا ما دعاه في شبابه ورجولته أن يقرأ كثيراً عنه .

بدءَ منطلقاً من قاعدة إسلامية بحكم مولده ونشأته الأسرية ؛ وتبني الرأي الإسلامي الصريح الواضح وهو ما يخالف ما يقوله أتباع المسيحية اليوم ؛ ثم من منطلق علمي بحكم دراسته في الغرب وقد أقترب من نساء كثيرات بحكم القارة الأوربية المسيحية – الروم الكاثوليك : وسط أوروبا : ألمانيا ؛ وأيضا الكنيسة الأرثوذكسية القديمة : كرواتيا – رفيقي تعرف على المرأة المسيحية التقليدية بحكم مولدها؛ كما تعرف على المرأة التي تربت على الكهنوتية المسيحية الحقة؛ ورفيقي من رجالات المحاورات والمناقشات ... ولعل المرأة الغربية قد فتحت له افاق جديدة لم يعهدها من قبل في الحوار أو البحث في مسألة غالباً يتحرج المسلم العربي أن يتحدث فيها بصراحة أو وضوح مع المسيحي الشرقي .


هو لا يذكر جرأة أنثوية عربية المصدر إلا تلك الفتاة التي تعرفت عليه في باريس وهي من بنات الأرياف جامعة عين شمس ؛ وهو قابلها مرة واحدة وانتهى المقابلة إلى الأبد ؛ علمته سرقة الحليب من حانوت البقالة في شوارع باريس في الصباح الباكر وبعض الخبزات كــفطور مجاني على حساب رئاسة جمهورية فرنسا التي فك علمائها رموز حجر رشيد ... وهي ارادت أن يرافقها عند ذهابها إلى بيت شاب لبناني يريد أن يضيفها فأحضرته معها حفظاً على نفسها وخوفا من نزوة الشباب في مسكن شاب بمفرده . ثم بدء يتعرف على جراءات أنثوية عربية من خلال الشبكة العنكبوتية ورحلاته الكثيرة .


فيلم :" عذاب وآلام السيد المسيح " ... يحكي لي - رفيقي - كيف أنه كان ينظر إلى أحداث الفيلم على أنها إنتاج هوليودي ؛ بمعنى لم يتأثر كثيراً بالأحداث ... إلا أنه حين تم القبض عليه وإعتقاله إثناء نشاطه الطلابي في الجامعة ؛ وحبس أنفرادياً ؛ بتهمة محاولة فاشلة لــ :" قلب نظام الحكم في مصر " .. بدأت أحداث الفيلم تعود إليه كأنه يعيشها من جديد وللمرة الأولى.


هكذا اختلط الخيال بالواقع؛ والصناعة السينمائية بالحقيقة .. فصار رفيقي نموذجاً لما يحمل المجتمع من تناقضات صارخة في وجه الشباب ... وما يحدث اليوم في الشارع المصري تحديداً والعربي عموماً نتيجة تربية سنوت عجاف وغربة عن المجتمع من خلال الشاشة الفضية اثرت في نخاعه قبل ان تتركه رجلاً يعرف الأن ما يريد .