عبد الناصر والدين المسيحي

[سيفين]

عبد الناصر والدين المسيحي

ينسج كثير من رجال الكنيسة المصرية العديد من الحكايات الأسطورية، في محاولة روحية لفك طلاسم تلك العلاقة الخاصة التي ربطت بين الزعيم الخالد جمال عبدالناصر والبابا كيرلس السادس بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية السادس عشر بعد المائة، لكن تلك الحكايات على طرافتها لا تعدو أكثر من محاولات لسبر أغوار تلك العلاقة الفريدة التي ربطت بين الزعيم الكبير من جهة، وأحد أهم البابوات العظام الذين جلسوا على الكرسي البابوي في الكنيسة المصرية على امتداد تاريخها العريق.

ويتناسى كثيرون في خضم بحثهم المضني عن سر تلك العلاقة الحميمة التي ربطت بين الرجلين، أن الشفرة التي أرهق كثيرون أنفسهم في محاولاتهم الدائمة لفك طلاسمها، تكمن في شخصية الرجلين، فالأول بحكم ما أنجزه طوال سنوات عصره كان الأقرب بين حكام مصر فهما لروح الدين وما تنادي به الرسالات السماوية من قيم كبري مثل العدالة والمساواة، فضلا عن دورها الكبير الذي تلعبه في صناعة حضارة الإنسان وحياة الشعوب، والثاني بحكم طبيعته التي كانت تميل منذ أيام طفولته إلى التأمل والصلاة، كان رجلا بسيطا بلا أطماع، يعرف جيدا الحد الفاصل بين المكانة الروحية التي يجب أن يحظي بها رجل الدين، وبين انزلاقه إلى ألاعيب العمل السياسي، ويتمسك بالدور التاريخي الذي تميزت به كنيسة الإسكندرية على مر العصور وبه اختلفت عن كنيسة روما طوال العصور الوسطي عندما تصارع بابوات روما مع الأباطرة على من له حكم الشعوب.

الكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل يصف العلاقة التي جمعت بين الزعيم الراحل جمال عبدالناصر والبابا كيرلس السادس بأنها "علاقة ممتازة" فالرجلان كان يجمعهما إعجاب متبادل، بل إن البابا كان يستطيع مقابلة الرئيس في أي وقت يشاء، واستفاد كثيرا من تلك العلاقة الخاصة في حل العديد من المشاكل التي كانت تواجه الكنيسة الأرثوذكسية، فقد كان البابا الراحل حسبما يقول كثيرون ممن عايشوه وعملوا معه ومن بينهم المستشار زكي شنودة: "رجلا بسيطا ليست له مطالب ولا مطامع، وقد كان عبدالناصر يفهم ذلك جيدا ولذلك أحبه".

وربما تصلح قصة بناء الكاتدرائية الكبري بالعباسية للدلالة على حجم ومتانة العلاقة التي جمعت بين الزعيمين الروحي والسياسي، فقد تبرع الزعيم الراحل جمال عبدالناصر بمبلغ مالي من جيبه الخاص لبناء الكاتدرائية التي ساهمت الدولة في بنائها بمبلغ 167 ألف جنيه، وكان مبلغا كبيرا بحسابات هذا الوقت، بل وأمر بأن تتولي شركات المقاولات العامة التابعة للقطاع العام بعملية البناء للكاتدرائية الجديدة.

كان البطريرك كيرلس السادس يتوق لبناء كاتدرائية جديدة تليق بمكانة الكنيسة القبطية، لكنه ـ حسبما يقول الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في كتابه "خريف الغضب" ـ لم يكن يريد أن يلجأ إلى موارد من خارج مصر ليبني بها الكاتدرائية الجديدة، وفي الوقت نفسه فإن موارد التبرعات المحتملة من داخل مصر كانت قليلة، بعدما أثرت القرارات الاشتراكية على الأثرياء من الأقباط مثلما أثرت على أغنياء المسلمين ممن كانوا في العادة قادرين على إعانة الكنيسة بتبرعاتهم، في الوقت الذي لم يكن فيه المهاجرون الأقباط الجدد، في موقف يسمح لهم بمد يد المساعدة السخية.

كانت أوقاف الأديرة القبطية قد تأثرت بشدة في ذلك الوقت في أعقاب صدور قوانين إلغاء الأوقاف، لكن البابا كيرلس السادس الذي كانت تراوده أحلام بناء الكاتدرائية الكبري لم يفاتح الرئيس جمال عبدالناصر على نحو مباشر في هذا الشأن برغم العلاقة الوطيدة التي جمعت بينهما، ويضيف هيكل: اعتقد البابا كيرلس انه ليس من المناسب أن يفاتح جمال عبدالناصر مباشرة في مسألة بناء الكاتدرائية، فلقد تصور في الموضوع أسبابا للحرج، وهكذا فقد تلقيت شخصياً دعوة من البطريرك لزيارته، وذهبت فعلاً للقائه بصحبة الأنبا صموئيل الذي كان أسقفاً بدار البطريركية".

في هذا اللقاء تحدث البطريرك مع هيكل عن المشكلة، وأظهر تحرجه من مفاتحة الرئيس مباشرة في أمر بناء الكاتدرائية حتى لا يكون الأمر سبباً في إثارة حساسيات من أي نوع، ثم سأل مضيفه ما إذا كان باستطاعته مفاتحة الرئيس في الموضوع دون حرج، ويقول هيكل: "عندما تحدثت مع الرئيس عبدالناصر في هذا الموضوع كان تفهمه كاملا".

كان عبدالناصر يري أهمية وحقوق أقباط مصر كمواطنين في التركيب الإنساني والاجتماعي لشعبها الواحد، ثم إنه كان يدرك المركز الممتاز للكنيسة القبطية ودورها الأساسي في التاريخ المصري، واعياً بمحاولات الاستقطاب التي نشط لها مجلس الكنائس العالمي، وهكذا فإنه، حسبما يقول هيكل في شهادته، قرر على الفور أن تساهم الدولة بنصف مليون جنيه في بناء الكاتدرائية الجديدة، نصفها يدفع نقداً ونصفها الآخر يقدم عينا بواسطة شركات المقاولات التابعة للقطاع العام، والتي يمكن أن يعهد إليها بعملية البناء.

طلب الرئيس جمال عبدالناصر من هيكل أن يبلغ البطريرك بقراره، ويقول هيكل عن ذلك: "كان الرجل شديد السعادة عندما قمت بإبلاغه إلى درجة أنه طلب إلى اثنين من الأساقفة أحدهما الأنبا صموئيل، أن يقيما قداسا في بيتي، وكان بالغ الرقة حين قال إن بركات الرب تشمل الكل أقباطا ومسلمين".

علي مدي سنوات توطدت العلاقة بين الزعيم جمال عبدالناصر والبابا كيرلس السادس، حتى إن البابا كان يذهب في أوقات كثيرة لزيارة الرئيس في منزله، بعيدا عن عدسات المصورين وبروتوكولات الزيارات الرسمية، ويروي الكاتب الراحل محمود فوزي في كتابه "البابا كيرلس وعبدالناصر" أن البابا كيرلس فوجئ في أثناء إحدي زياراته للرئيس عبدالناصر في منزله، بأبناء الرئيس يقفون أمامه وكل منهم يحمل حصالته في يده، وعندما اندهش البابا من المشهد فوجئ بالرئيس يقول له: "أنا علمت أولادي وفهمتهم أن اللي يتبرع لكنيسة زي اللي يتبرع لجامع، والأولاد لما عرفوا إنك بتبني كاتدرائية صمموا على المساهمة فيها، وقالوا ح نحوش قرشين، ولما ييجي البابا كيرلس حنقدمهم له، فلا تكسفهم وخذ منهم تبرعاتهم".

لحظتها لم يكن من البابا إلا أن أخرج منديله ووضعه على حجره، ليضع أبناء عبدالناصر تبرعاتهم فيه، قبل أن يلف المنديل ويشكرهم ويباركهم، وقد كان هذا المبلغ وغيره من المبالغ الصغيرة التي كان الناس يتبرعون بها للبابا، ثمن أرض دير مارمينا بمريوط.

في 25 يونيو من العام 1968 احتفلت مصر بافتتاح الكاتدرائية الكبري بالعباسية، ونظمت في ذلك احتفالا رسميا مهيبا دعا الزعيم جمال عبدالناصر لحضوره إمبراطور (إثيوبيا) الحبشة في ذلك الوقت هيلاسيلاسي، وألقي الزعيم جمال عبدالناصر كلمة في هذا الاحتفال أكد فيها على قيم العدالة والمساواة التي قامت عليها ثورة يوليو، وأن الثورة قامت أصلا على المحبة، ولم تقم أبدأ بأي حال من الأحوال على الكراهية والتعصب، مشيرا إلى أن تكافؤ الفرص من أول المبادئ التي نادت بها الأديان السماوية، لأننا بالمحبة والمساواة وتكافؤ الفرص نستطيع أن نبني المجتمع الصحيح، المجتمع السليم الذي نريده والذي نادت به الأديان.
وكان
جمال عبد الناصر هو الذى سأل البابا كيرلس السادس عن عدد الكنائس التى يرى من المناسب بناؤها سنويا ، وكان رد البابا ( من عشرين إلى ثلاثين ) ، وكان الرئيس عبد الناصر هو الذى أمر بأن يكون عدد الكنائس المبنية سنويا خمسا وعشرين كنيسة ، وأن يكون التصريح بها بتوجيه من البابا نفسه إلى الجهات الرسمية.
وعندما طلب البابا كيرلس السادس من الرئيس عبد الناصر مساعدته فى بناء كاتدرائية جديدة تليق بمصر ، وأشتكى له من عدم وجود الأموال الكافية لبنائها كما يحلم بها ، قرر الرئيس عبد الناصر على الفور أن تساهم الدولة بمبلغ 167 ألف جنيه فى بناء الكاتدرائية الجديدة ، وأن تقوم شركات المقاولات العامة التابعة للقطاع العام بعملية البناء للكاتدرائية الجديدة.

كما أنه بناء على أوامر الرئيس جمال عبد الناصر كان يعقد اجتماع أسبوعى كل يوم اثنين بين السيد/ سامى شرف - وزير شئون رئاسة الجمهورية - والأنبا /صمويل - أسقف الخدمات وسكرتير البابا - لبحث وحل اى مشاكل تطرأ للمسيحيين . كما أولى الرئيس جمال عبد الناصر اهتماما شديدا بتوثيق العلاقات بينه وبين الإمبراطور هيلاسيلاسى حاكم الحبشة ( أثيوبيا ) مستغلا فى ذلك كون مسيحيي أثيوبيا من الطائفة الأرثوذكسية ، ودعا الإمبراطور هيلاسيلاسى لحضور حفل إفتتاح الكاتدرائية المرقسية فى العباسية عام 1964 ، كما دعم وحيد الكنيستين المصرية والأثيوبية تحت الرئاسة الروحية للبابا كيرلس السادس ، كان الرئيس عبد الناصر كعادته بعيد النظر فى ذلك فقد أدرك أن توثيق الروابط بين مصر وأثيوبيا يضمن حماية الأمن القومى المصرى لأن هضبة الحبشة تأتى منها نسبة 85% من المياه التى تصل مصر. للأسف الشديد بعد وفاة الرئيس عبد الناصر والانقلاب على الثورة فى 13 مايو 1971 وما أعقب حرب أكتوبر 1973 من ردة شاملة على سياسات عبد الناصر ، تدهورت العلاقات المصرية الأثيوبية فى عهد الرئيس السادات ،ومازالت متدهورة حتى الآن وقد أنفصلت الكنيسة الأرثوذوكسية الأثيوبية عن الكنيسة المصرية ،وأستطاعت إسرائيل أن تحتل مكانة مصر فى أثيوبيا ، وفى أفريقيا كلها .0
وفى عهد جمال عبد الناصر لم تقع حادثة واحدة طائفية بين المسلمين والمسيحيين، ولم تنتشر دعاوى تكفير الأخر ومعاداته. كان هناك دور واحد معروف ومحدد هو الاستعمار الأمريكى وذيله الصهيونى فى الوطن العربى وكان هناك مشروع قومى يوحد طاقات الأمة كلها يجمعها لتحقيق أهدافها فى التقدم والنهوض. لم يكن جمال عبد الناصر معاديا للدين ولم يكن ملحدا ، بل كان أقرب حكام مصر فهما لروح الدين ودوره فى حياة الشعوب وأهمية إضفاء المضمون الاجتماعى فى العدالة والمساواة عليه


وفي كلمته قال الزعيم جمال عبدالناصر:

علي هذا الأساس سارت الثورة وكنا نعتقد دائماً أن السبيل الوحيد لتأمين الوحدة، ولتأمين الوحدة الوطنية هي المساواة وتكافؤ الفرص، إن المواطنين جميعاً لا فرق بين مواطن ومواطن، في المدارس الدخول بالمجموع، مش ابن فلان ولا ابن علان ولا مسلم ولا مسيحي أبدا. في الجامعة الدخول بالمجموع، اللي بيجيب مجموع بيدخل، إن شاء الله يطلعوا تسعين في المية منهم أولاد خفر ولا أولاد فلاحين أو أولاد عمال، ده موضوع مش بتاعنا أبداً، إحنا عندنا مساواة، ما فيش فرق عندنا بين ابن الغفير ولا ابن الوزير، ده متساوي مع ده، مافيش تمييز بين مسلم ومسيحي، إللي بيجيب النمر بيدخل، بيدخلوا 10% مسيحيين، 50% مسيحيين موش موضعنا أبدأ، بيدخلوا كلهم مسلمين مش موضوعنا أبداً، بيدخلوا كلهم مسيحيين مش موضوعنا أبداً، المهم اللي بيجيبوا أحسن نمر هم اللي بيدخلوا، كلهم مسيحيين موش موضوعنا، ودي بنعتقد أنها شريعة العدل وشريعة المساواة.

التعيينات في الحكومة في القضاء بالأقدمية، اللي بيجيب نمرة أحسن بيروح القضاء ـ ما نعرفش ابن مين ولا ده ابن مين ولا ده دينه إيه، في كل الوظائف نسير على هذا المنوال، في الترقي جميع الترقيات في الدولة بالأقدمية لغاية الدرجة الأولي، كل واحد بياخد دوره بالأقدمية، مافيش فرصة للمتعصبين أنهم يتلاعبوا، طبعاً سبيلنا وده سبيل الثورة، ودي الناحية المعنوية اللي أنا جيت أبينها لكم بمساهمة الحكومة وحضوري معكم النهارده في إرساء حجر الأساس.

إحنا ـ كحكومة ـ وأنا كرئيس جمهورية مسئول عن كل واحد في هذا البلد، مهما كانت ديانته ومهما كان أصله أو حسبه أو نسبه.

[عذب المشاعر]

طرح مميز سيفين واستفدت كتير من المعلومات القيمه دى
تاريخ عبد الناصر معروف بعلاقاته الطيبه مع الديانه المسيحيه
والشفافية فى حزم الامور
فى انتظار جديدك
دمتى متالقه تم التقييم
مع تحياتى

[بسمة العمر]

معلومات جميلة خالص
يسلمووووووووو

[سيفين]

شكرا علي المرور

[Lost Pearl]

بجد مشكور علي المعلومات القيمة
و طبعا عبد الناصر كان بيعامل الكل علي انهم مصريين

ماكانتش الديانة بتفرق معاه

ف انتظظار جديدك و تم التقييم

[سيفين]

شكرا علي المرور

[بنات وسط البلد]

بارك الله فيك يارب

[۩۩ سيد الشرقاوي ۩۩]

الله ينور عليك وعلي مجهودك
القيم دي معلوماات قيمه جدااا
واكيد عبد النااصر كانت علاقته
طيبه

[Samo Lion Hammad]

موضوع جميل جدا تسلم الايادى

[سيفين]

شكرا علي المرور