كراكيب .. قصة قصيرة

[المهاجر 2]

نظرات كارهه رمقنى بها الرجل ضخم الجثه الجاسم على طاولته وعلى أنفاسى أيضاَ
حين ألقتنى والدتى بعد أن إختارتنى من بين إخوتى السبعة لأعمل فى أجازة الصيف.
رغم أن عمرى لم يتخطى العاشرة إلا أنى إكتشفت بعد مدة قصيرة أن إهتزاز يد الرجل وشفتيه
لم يكن جراء مرض عصبى .. إنما كان من تكرار " عد " النقود مرات ومرات .
كان المعلم " توفيق " بخيلاَ مقتراَ ، يملك عيوناَ جاحظة متورمة ليست من كثرة السهر
بل من حسد الناس ومراقبة المارين أمام " دكانه " القديم الممتلئ بكل أنواع الخردة
والكراكيب .

تفحصنى الرجل كما لو كان يفحص قطعة حديد ينوى شراءها يمعن فى تفحصها
..كان يريد التأكد أننى قادر على تحمل العمل الشاق مع صبيانه قبل أن يوقع صك
إنضمامى إلى قطيعه المتهالكون .. المنهكون فى تنظيف حديده وزبالته .
يخرج فى الصباح ليعود بعد الظهر ملقياَ أمام دكانه كميات هائلة من الخردة التى جمعها
من كل حدب وصوب ..وعلينا إدخالها لدكانه الكئيب ..

كنت أراقب بعينى الصغيرتين هذا الرجل الضخم وكرشه المتدلى أمامه ليس بسبب نهمه فى
الأكل بل من جشعه وطمعه فى جمع كل شئ وأى شئ من هذه الخردة والأموال .. معاَ
بدا لى الرجل من أول وهلة أننى أمام كائن اّخر لا يمت للإنسان بصلة .. فهو لا يعرف
طريق الأستحمام ، فرائحته النتنة المختلطة برائحة الزيوت وشحوم حديد الخردة الملقى فى
كل مكان تجعلك تتقيئ ما فى جوفك مضطراَ من هيئته .
لا يتوقف المعلم " توفيق " من تكرار عد الحديد كتكراره عد النقود .. حتى المسامير الصدأه
لا تسقط من حساباته .
.
لن أنسى عندما أمرنى بحمل قطعة حديدية ضعف وزنى فسقطت من يدى وأخذتنى معها
إلى الأرض فأسرع وكاد ينكفئ على وجهه محاولاَ الإمساك بالحديدة وليس لمساعدتى
وإنقاذى من أن أدفن تحتها .. ساعتها لطمنى وسبنى وسب والدى وأهلى أجمعين .
أستمر فى تنظيف كراكيبه وأنظر بحقد إليه وهو يرمقنى بغيظ ويعرف أننى أكرهه لكنه
لا يستطيع فعل أكثر مما فعل ...

فى نهاية العمل الشاق لم أكن أعرف لماذا كان يتفحص جيوبى بيديه ، فقد كان يشك فى كل
صبيانه أن يسرقوه .. وكيف يسرقوه وهو يجذب مقبض درج طاولته القديمة المتهالكة
عشرات المرات من حالة الوسوسة التى سيطرت عليه .. فعندما يسقط من أحدنا مسمار يجرى
للحاق به خوفاَ من ضياعه وسط الركام .

كنا نسمع شخيره وهو قابع على كرسيه القديم بعد الغداء فنتعمد إسقاط الحديد بجواره لنقلقه
فيفتح جزء من عينيه ليعود لنومه من جديد ونعود نحن أيضاَ إلى " خبط " الحديد بجواره
فيستيقظ ويصرخ " لاعناَ اّبائنا " جميعا متوعداَ بعظائم الأمور .
كلما وقع نظر الرجل على يجدنى أرمقه فتزداد كراهيته لى وحقده وكأننى سأسرق كل أمواله
التى جمعها ييخله وتقتيره .

صرخة عالية أطلقها بجوارى محاولاَ إيقاظى من غفوتى الطفولية .. فقد أرهقنى عمله الشاق
وأنا أدور كالنحلة فى ورشه هذا الرجل الذى يشبه المرجل الذى لا يتوقف عن الغليان .
أقوم مفزوعاَ مرتعداَ من هول صوته .. أقف مزعوراَ باحثاَ عن أقرب قطعة حديد أتظاهر بتنظيفها
وقتها صفعنى بكل قوة صفعة أسالت الدماء من أنفى عقاباَ لنومى وهو يتمتم نادماَ على الجنيه
الذى يعطينى إياه كأجر عن أعماله الشاقة المؤبدة
.
كان الرجل يجلس متكوماَ مكرراَ " كعادته " عدد قطع الحديد التى نظفناها .. متلفظاَ بأبشع السباب
لى ولأمى التى أحضرتنى إليه .. كنت لحظتها ممسكاَ بمفك حديدى أنظفه .. فتزلت به على رأسه
وأطلقت ساقى للريح .

لم أسمع سوى صراخه .. تجمع الصبيان حوله والمارة الذين سارعوا على صرخاته التى لم تتوقف .
جلست والدتى على سريرى المواجه لسرير المعلم وقد لفت رأسه بضماضة كبيرة .
قال الطبيب : معقول هذا الطفل أحدث بك إصابة بهذا الحجم .. غير معقول يا معلم
قالها الطبيب متعاطفاَ معى وهو يحاول إيقاف النزيف من إنفى ..
يصرخ المعلم .. أيوه إبن ال .....هو الذى فعلها

ينظر المعلم " توفيق " لى بكل كراهية وحقد .. عاضاَ على أصابعه من الغيظ
ولم ينطق فقد نصحه الطبيب بعدم الكلام أو الإنفعال ..
قالت أمى : متزعلش يا معلم .. " سعد " مثل إبنك وهو صغير لا يدرك عواقب أفعاله

أنظر إليه .. نفس نظراتى الكارهه الحاقدة .. لكن هذه المرة .. ضاحكة من هذه
العمامة البيضاء التى تغطى رأسه .. ومن لسانه الذى " خرس " لأول مرة .. فى مواجهتى ... !!َ

[احساس العالم]

مشكور المهاجر2 على القصه وتسلم على الجهد المبذول تحيتي لك

[doiss]

جزاك الله خيراا

علي القصة الخفيفة

في انتظار جديدك دائمااا

احترامي وتقديري """