عفواً إنها أحداث تتكرر في اليوم ألف مرة

[قوقع النوتي]

عفواً هي ليست قصيدة عشق ولانغمة حب ولا حتى صوت أمان, إنها أحداث تتكرر في اليوم ألف مرة, حدثت ومازالت تحدث , ومازالنا نتجرع مرارتها بإستسلام
المكان: قريب مننا مش بعيد
الزمان: من زمااااااااااان أوي ولحد دلوقتي
المشهد :
- غرفة يسودها ظلام دامس يخيم عليه صمت يخترق الأجواء. أهي غرفة بحق أم زنزانة أم متجرمغلق ؟ لا أدري فالظلام حالك لا يخترقه إلا بصيص من ضوء مصباح متهالك يكاد يصرخ مستغيثاً من شدة التعب , عُلِّق بجوار صنبورمياه قديم قابع بأحد أركان الغرفة يعلوه الصدأ كما لو أنه نصباً تذكارياً أو شاهد عيان على ما يحدث في هذا المكان. تُرى ماذا يحدث فيه؟

- قطرات المياه تنساب من الصنبور واحدة تلو الأخرى تشبه دقات ساعة عتيقة تعلن عن إقتراب شئ ما.. ماهو؟
لا أدري.

- أقصى اليمين باب حديدي ضخم مزدوج داكن اللون.

- يُفتح الباب فجأة على مصرعيه مُصدراً صريراً يصم الآذان ليعلن عن قدوم .... !!!!, لا أعلم, أكاد أراه بصعوبة, أحاول جاهدةً أن أكشف النقاب عن تفاصيله..

إنه هزيل نحيل لا أستطيع أن أصفه بالجسد بل هو ما تبقى من جسد تعتليه خطوط حمراء منحنية تتوزع وتتفرق بعشوائية من أسفل الجسد لأعلاه , وأخرى صغيرة مماثلة ..

نعم هذا هو ياسر يحمله اثنان فاقوه حجماً وإن شئت فقل زادوه ضِعفاً , حملوه فألقوه أرضاً بجوار جسد آخر ليس بأسعد منه حظاً فهذا الأخير هو صديقه عمار .

كان ياسر قد عاد لتوه من من إجتماع عاجل مع بعض عظماء الدولة لاتدري ان كانوا انساً أو كانوا من الجِنَّة صِنفاً او كانوا من نوع آخر ..حتى وان كانوا إنساً فلن يحدث ذلك فرقاً ...

ارتمى ياسر في أحضان صديقه عمار وإن قلت أخيه فلا حرج , فنحن في الذلة إخوة, ونحن الهوة إخوة ,ونحن في الموتة إخوة , ونحن في الحق .......؟؟؟؟؟؟
لا أدري إن كنا في الحق فرادى او حتى في ذلك إخوة...
كما قلت في حديثي قبلاً لن يحدث في الغالب فرقاً ,فمازال الحق بلا قوة ومازالت في القلب الغصة..

- ردد ياسر بصوت يرتعش: ضربوني الأوغاد عذبوني الأشرار.

وصديقه في حيرة ودمار, هل يبكي عليه وبحرقة , أم يصمد ليداوي جرحه.. كل ما تمكن عمار فعله أن أخذ يربت على صدره ويقول كلام في تؤدة: يذكر قول نبي الأمة صلى الله عليه وسلم: (صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة) , ( صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة)...

- يتابع عمار الحديث مسترسلاً : اصبر يا ياسر فرجه قريب هممممممم وانتي كمان صبرِك.. فرجه قريب.

تُرى من التي يقول لها عمار: صبرِك فرجه قريب؟؟

هل من أحد يسمع لهما , هل من أحد بجوارهما.. تعالوْ لنسمع حديثهما كي نعلم من بخيالهما.

عمار: ياسر ما تنام .. عايزك تكون صاحي من غيرك هنا راح يسمع نواحي

ياسر: ولو عيوني بالكدب غمضوا.. عمر النعاس ما هييجي ولا يداعب جفوني اشكي يا خوي صحي دمعتي وألمي وشجوني

عمار: فاكر زمان .. كيف الطوفان..
غاروا علينا .. غموا عنينا ..
كتموا صراخنا.. وشلُّوا إيدينا..

زي العبيد سلسلونا في سجون حقيرة
بتشع ضلمة آآآه مش أي ضلمة ..

لون السواد مافي يوم فارقها..
ريحة الدماء والموت لسه بيشعوا في دروبها ..

خوفي لاييجي اليوم نبلى قبل ما تضمد جراحنا ..
خوفي لا ييجوا في يوم بطلق نارهم يخرسوا صواتنا ونواحنا..

فاكر يا صاحبي والدك وأخويا..
جارك وجاري عمك وأبويا..
بنتك وإبني خالك وعمي..
مش هم دول لحمك ودمي..

جم الأعادي نسفوا البلاد..
قتلوا الصبايا وذبحوا الولاد..
نشروا الفساد في كل ناحية وكل حين..
ورونا ويل ما يرضي حد في أي ملة ولا أي دين..

قــــــــــول يا زمـــــــــــن ايه العمـــــــل؟؟؟!!!

لما ندافع عن بلادنا نبقى شعوب إرهاب مجرمين
لكن رصاصهم في قلوب ولادنا بيبقى عادي, طيب يرضي مين؟؟!!

ياسر متألماً: مممممم أصل الدمار عندهم بقى شيء طبيعي شيء مباح

عمار متعصباً: لازم الكفاح..
شوف ها الحجر..
بإذن ربي راح يكون أول سلاح ..
سلاح الكلام ..
بإيديا دول على الجدار راح يتحفر..
لأي حدا ييجي هنا من بعدنا راح يتذكر..

تناول عمار قطعة حجرية وظل يكتب بها على الجدار بحركات هستيرية قائلاً:
راح اقوله قوم...
أغضب وثور..
زيل التراب...
شيل القنابل والبارود..
رجعلي نصري في عين جالوت..

فين العزيمة ..فين الجلد
فين الإيمان..
فين الصلابة تمحي الشيطان..

ويجذب عمار يد صديقه قائلاً:
ياسر ياسر ايدي في ايدك حلقات غضب نصنع سلاسل من حديد..
تقطع رقابهم .. تحرق جلودهم..
أوعلى الأقل تِـيَـتِّـم ولادهم..
أيوه ايدين .. هما صحيح قليلين..
اصبر وشوف..
بكرة الحجارة في أربع كفوف ..
تصبح أيادي تهزم أعادي..
شوف لما تيجي باقي الأيادي ..
راح نبقى عزوة ما تقولش قِلة..
ما هو يا ما كثرة غُلِبوا بقلائل ..

عارف السبب؟؟؟

ربك بعت ألوف ملايكة من السما..
لأجل ما تنصر قلة قليلة مؤمنة

وليه نروح بعيد؟!!!
تذكر جيوش أبرهه؟؟ مين صدها؟؟؟
أبابيل طيور.. جات من العلا
بحجارة جمرة نار عصفت جيوش
علشان كده اي سجون وقيود عن حلمنا ماراح تحوش

بس المهم أو الأهم
نسيب الأمل حر وطليق
نسيب الإيمان بنوره وقوته يشق لقلوبنا الطريق
ولو يفوت من العمر شهر ولا سنين
اياك تكون للخوف وليأسك أخ وصديق

همممممممممممممممممم

فرجه قريب يا قدس
ماراح يصيبك يأس
بقى أنا اللي هاجي أفكرك مين حررك؟؟؟!!!

نسأل زمانك مفتاح بيبانك كان مع مين؟؟
عمر الفاروق ثاني خليفة للمسلمين
نشر السماحة والعفة والأخلاق
وبعد منه اتحرر ترابك على ايد صلاح الدين

بكره نجيلك وقصاد عينيكي نكسر الأغلال
فوق قبة الصخرة هنعيد كلام الله بنبرتك يا بلال

ولو توهنا عنك وخدتنا منك بعيد خطاوينا
اوعي تقولي ولادي فاتوني ولا يوم تلومينا

ماهو في النهاية نرد ليكي ومن تاني ليكي نعود
يجذبنا ليكي شوقنا إليكي وأورحنا لينا تعود

إذا كنا من أرضك أو حد فينا غريب
بصوت يجلجل
راجعين نقولك
يا قدس
صبرِك فرجه قريب


وبعد أن هدأت ثورة عمار أدار عينيه تجاه ياسر وتبادل الصديقان نظرات تعلوها إبتسامة كليهما كما لو كانت تلك النظرات تنم عن كلمة سر بينهما وما إن نظرا لبعضمها وتبسما حتى أنشدا سوياً هذه الكلمات التي طالما كانا يرددناها لحظات تأملهما أيام الصبا:

ياقدس يا محبوبتي ها قد أتــــــيت من الركــــام
ها قد أتيت أفل أشرعتي وأقتات الظـــــلام
ها قد أتـــــــــيت ها قد أتـــــــــــــيت
حدائي الآهات من شعب يضام

صوتين منهكين مستسلمين لقدر الله تعالي ظلا ينشدا وينشدا وينشدا وينشدا حتى خارت قواهما وأصبح الصوت صوتاً واحداً هو صوت عمار... حول عمار بصره إلى صديق عمره ,وأراق أدمعه على وجنتيه فقد علم أن ياسر قد أُختير لملاقاة ربه, ضمه إلى صدره ضمةً قويةً عاصرة كضمة الأم لوليدها مهدهداً إياه ,ثم أخذ يردد وحده:

ياقدس يا محبوبتي ها قد أتيت من الركام

ياقدس يا محبوبتي ها قد أتيت من الركام

ياقدس يا محبوبتي ها قد أتيت من الركام

ياقدس يا محبوبتي ها قد أتيت من الركام

يا قدس يا محبوبتي ها قد أتيت من الركام