..{ فع‘ــآآليـآآت المنتــدى }..



آخر 12 مواضيع
واجب عزاء لاخونا كريم عاصم
الكاتـب : ^^khL oUD - آخر مشاركة : همس الحنين - مشاركات : 7 -
وجع لبنان
الكاتـب : ساحر الأحزان - آخر مشاركة : شاعر الحب الحزين - مشاركات : 2 -
هل انتصرت اسرائيل؟
الكاتـب : همس الحنين - آخر مشاركة : شاعر الحب الحزين - مشاركات : 4 -
حسن نصرالله راعب العدو
الكاتـب : ساحر الأحزان - آخر مشاركة : شاعر الحب الحزين - مشاركات : 4 -
الزمالك يهزم الأهلي ويتوج ببطولة السوبر الأفريقي
الكاتـب : 7laa - آخر مشاركة : Å Ṁ i ŗ â ® Ṁ ä r Ø - مشاركات : 7 -
صرخه ودمعه
الكاتـب : همس الحنين - آخر مشاركة : إيلاانا - مشاركات : 6 -
بعد شربة المباه نطق بالشهاده هل ستقتله
الكاتـب : كريم عاصم - مشاركات : 9 -
يا يومَ مولِدي ….
الكاتـب : إيلاانا - آخر مشاركة : همس الحنين - مشاركات : 6 -
حلا اهلا وسهلا بك في بنات مصر
الكاتـب : ساحر الأحزان - آخر مشاركة : 7laa - مشاركات : 13 -
اسرائيل والطوق الكبير
الكاتـب : ساحر الأحزان - آخر مشاركة : مهيب الركن . - مشاركات : 7 -
توقع من يفوز بكأس السوبر الافريقي الاهلي ام الزمالك
الكاتـب : ساحر الأحزان - آخر مشاركة : شاعر الحب الحزين - مشاركات : 17 -
متستغربش
الكاتـب : شاعر الحب الحزين - مشاركات : 8 -

الإهداءات


استنشاق صوت الكلام

صفحات مكشوفة


3611معجبون

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم منذ /04-04-2022, 12:11 AM   #12191

مشرف التنميه البشـريه

 

 رقم العضوية : 102183
 تاريخ التسجيل : Dec 2016
 الجنس : ~ رجل
 المشاركات : 51,762
 النقاط : بحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond repute
 درجة التقييم : 243349
 قوة التقييم : 122

بحر القمر غير متواجد حالياً

 

 

 

 

 

أوسمة العضو

نجم الهوايات تالت حمله الشخصيات التاريخيه مسابقه الكاتب المميز تاني مسابقه القلم المميز شاعر المنتدى 2 

افتراضي

الحمد لله الكبير المتعال، ذي العزة والجلال، نحمده سبحانه إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، إمام المتقين، وسيد الأولين والآخرين، صاحب المقام الموعود، والحوض المورود، عليه من الله أفضل صلاةٍ وأزكى تسليم، صلاةً وسلامًا دائمين وآله وصحبه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن الوصية المبذولة لي ولكم -عباد الله- هي تقوى الله -سبحانه-، إذ هي الأنس عند الوحشة، والقوة عند الضعف، والبركة عند المحق، والعلم عند الجهل: (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[البقرة: 282].

معاشر الصائمين: فإننا نتقلب بين منح الله -سبحانه وتعالى- ونعمه التي لاتعد ولا تحصى، وقد أكرمنا جل جلاله ومن علينا سبحانه وتعالى بأن بلغنا هذا الشهر العظيم، وهذا الموسم الكريم الذي فيه يقول الله -عز وجل- فيما يرويه عنه رسوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث القدسي: "قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ"[متفق عليه].

فاللهم كما بلغتنا الفرحة الأولى، فبلغنا الفرحة الثانية يا رب العالمين.

عباد الله: شهر رمضان شهر مبارك، مصداق ذلك في كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، ففي مسند الامام أحمد وغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-: "أَتَاكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مِرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ".

"أَتَاكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ" فرمضان -وفقني الله واياكم لصيامه وقيامه- بركاته كثيرة، ولعلنا في هذه الخطبة -إن شاء الله- نستعرض جملة من هذه البركات:

فأول بركات شهر رمضان: أن اختص الله -جل جلاله- وأعلى منزلته بين الشهور بأن فرض الله صيامه؛ كما قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه) [البقرة: 185].

بل إن صيام شهر رمضان هو الركن الرابع من أركان الإسلام؛ ففي الصحيحين من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبد الله ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت".

بل بشر بمغفرة الذنوب نبينا -صلى الله عليه وسلم- من صام رمضان ايمانا واحتسابا، فقال صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"[متفق عليه].

قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- المراد بالإيمان: الاعتقاد بفرضية صومه. وبالاحتساب: طلب الثواب من الله – تعالى -، فالمؤمن يصوم رمضان يرجو ما عند الله من الثواب، وهو يعلم يقينا أن من فرض الصوم هو الله -جل جلاله-.

أيها المسلمون: ومن بركات رمضان: أنه شهر تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا جاء رمضان فُتّحت أبواب الجنة، وغُلّقت أبواب النار، وصُفّدت الشياطين".

"إذا جاء رمضان فُتّحت أبواب الجنة، وغُلّقت أبواب النار".

أبواب الجنة تفتح تنشيطاً للعاملين، من المؤمنين ليتسنى لهم الدخول، وتغلق أبواب النار، لأجل انكفاف أهل الإيمان عن المعاصي، حتى لا يلجوا هذه الأبواب.

ومن بركات هذا الشهر العظيم: أنه شهر تصفد فيه الشياطين، قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- معلقا على هذا الحديث: "وصفدت الشياطين" يعني: المردة منهم، كما جاء ذلك في رواية أخرى.

والمردة يعني: الذين هم أشد الشياطين عداوة وعدوانا على بني آدم. والتصفيد معناه الغل، يعني تغل أيديهم حتى لا يخلصوا إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، وكل هذا الذي أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- حق أخبر به نصحا للأمة، وتحفيزا لها على الخير، وتحذيرا لها من الشر .

عباد الله: ومن أجل بركات هذا الشهر العظيم: أن الشهر الذي أنزل فيه القرآن على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة: 185].

وثمة علاقة وطيدة، ورباط متين بين القرآن وشهر الصيام، تلك العلاقة التي يشعر بها كل مسلم في قرارة نفسه مع أول يوم من أيام هذا الشهر الكريم، فيُقْبِل على كتاب ربه يقرأه بشغف بالغ، فيتدبر آياته، ويتأمل قصصه، وأخباره وأحكامه، وتمتلئ المساجد بالمصلين والتالين، وتدوي في المآذن آيات الكتاب المبين، معلنة للكون أن هذا الشهر هو شهر القرآن، ولقد كان جبريل -عليه السلام- يأتي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فيدارسه القرآن كل ليلة في رمضان - كما في "الصحيحين"-.

وكان يعارضه القرآن في كل عام مرة، وفي العام الذي توفي فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عارضه جبريل القرآن مرتين.

معاشر الصائمين: في الصحيحين عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليهم وسلم- أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان".

فمن بركات رمضان: أنه شهر الجود، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- هو أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، فقد كان صلى الله عليه وسلم كريماً معطاءً، يجود بالمال والعطاء بفعله وقوله، يعطي صلى الله عليه وسلم عطاء من لا يخشى الفقر، قال الله تعالى: (من ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً) [البقرة: 245].

حتى أنه صلى الله عليه وسلم عمق هذا المفهوم في نفوس أصحابه -رضوان الله عليهم- عملياً، سألهم مرة عن أحب المالين إلى الإنسان هل هو المال الذي بيده أو مال وارثه، ثم وضح لهم أنه ليس للإنسان إلا ما أنفق وقدم لآخرته.

وعمقه أيضاً صلى الله عليه وسلم بقوله في أحاديث كثيرة منها: قال صلى الله عليه وسلم: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفا"[متفق عليه].

وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: "انفق يا ابن ادم أنفق عليك"[متفق عليه].

وغيرها من الأحاديث التي تبين فضل وأجر هذه العبادة العظيمة.

من أنواع الجود المالي والذي هو من بركات هذا الشهر الكريم: تفطير الصائمين، قال صلى الله عليه وسلم مبشرا: "من فطر صائماً كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء"[رواه أحمد].

اللهم وفقنا لفعل الخيرات..

استغفر الله لي ولكم..







  رد مع اقتباس
قديم منذ /04-04-2022, 12:11 AM   #12192

مشرف التنميه البشـريه

 

 رقم العضوية : 102183
 تاريخ التسجيل : Dec 2016
 الجنس : ~ رجل
 المشاركات : 51,762
 النقاط : بحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond repute
 درجة التقييم : 243349
 قوة التقييم : 122

بحر القمر غير متواجد حالياً

 

 

 

 

 

أوسمة العضو

نجم الهوايات تالت حمله الشخصيات التاريخيه مسابقه الكاتب المميز تاني مسابقه القلم المميز شاعر المنتدى 2 

افتراضي

الحمد لله الذي هدانا للإسلام، ووفقنا لإدراك شهر الصيام والقيام، أحمده سبحانه وله الحمد في البدء والختام، والصلاة والسلام على خير من صلى وصام، وعلى آله وصحبه الكرام.

أما بعد:

فاتقوا الله -عباد الله-..

إخوة الإسلام: ومن بركات هذا الشهر المبارك شهر رمضان، ما نص عليه الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً"[رواه البخاري ومسلم].

فمن بركة السحور: التقوي على العبادة، والاستعانة على طاعة الله –تعالى- أثناء النهار.

ومن بركة السحور: أنه من السنة أن يكون في آخر الليل، وهذا الوقت هو وقت النزول الالهي، حينما يقول ربنا -جل في علاه-: "من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟".

أيها الصائمون: فشهرنا هذا كما نص النبي -صلى الله عليه وسلم- شهر مبارك، أيامه ولياليه مباركة، وأفضل أيامه ولياليه العشر الأواخر منه، وأعظم تلك الليالي بركة الليلة التي أنزل فيه القرآن، وهي الليلة التي هي خير من ألف شهر، إنها ليلة القدر، قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) [القدر: 1-5 ].

وقال سبحانه وتعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) [الدخان: 3].

اللهم أعز الاسلام والمسلمين...







  رد مع اقتباس
قديم منذ /04-04-2022, 12:12 AM   #12193

مشرف التنميه البشـريه

 

 رقم العضوية : 102183
 تاريخ التسجيل : Dec 2016
 الجنس : ~ رجل
 المشاركات : 51,762
 النقاط : بحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond repute
 درجة التقييم : 243349
 قوة التقييم : 122

بحر القمر غير متواجد حالياً

 

 

 

 

 

أوسمة العضو

نجم الهوايات تالت حمله الشخصيات التاريخيه مسابقه الكاتب المميز تاني مسابقه القلم المميز شاعر المنتدى 2 

افتراضي

الْحَمْدُ للهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ؛ يَعْلَمُ مَا فِي الْقُلُوبِ، وَمَا تُخْفِيهِ الصُّدُورُ، وَهُوَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، نَحْمَدُهُ عَلَى رَحْمَتِهِ بِنَا، وَنِعْمَتِهِ عَلَيْنَا، وَلُطْفِهِ فِينَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ لَهُ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ مِنَحٌ وَعَطَايَا، وَهِبَاتٌ وَهَدَايَا لَا يَتَعَرَّضُ لَهَا إِلَّا الْمُوَفَّقُونَ، وَيُصْرَفُ عَنْهَا الْمَخْذُولُونَ، فَاللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الْمُوَفَّقِينَ، وَجَنِّبْنَا طُرُقَ الْمَخْذُولِينَ.

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ «كَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ، حَتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، "كَانَ أَجْوَدَ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ» صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاعْمُرُوا هَذِهِ اللَّيَالِيَ وَالْأَيَّامَ بِطَاعَتِهِ، وَاشْتَغِلُوا بِذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ؛ فَإِنَّكُمْ تَسْتَقْبِلُونَ أَفْضَلَ اللَّيَالِي، فُضِّلَتْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَهِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ.

فَمَنْ ذَا الَّذِي يُعْطِي لَيْلَةً بِثَلَاثِينَ أَلْفَ لَيْلَةٍ إِلَّا الْجَوَّادُ الْكَرِيمُ، الرَّبُّ الرَّحِيمُ، وَحَرِيٌّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أَنْ يُدْرِكَهَا وَهُوَ خَالِي الْقَلْبِ لَهَا، وَلَنْ يَكُونَ الْقَلْبُ خَالِيًا لَهَا إِلَّا إِذَا اشْتَاقَ إِلَيْهَا، وَلَنْ يَكُونَ الْقَلْبُ مُشْتَاقًا إِلَيْهَا إِلَّا إِذَا تَطَهَّرَ مِنْ أَدْرَانِهِ، وَلَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إِلَّا بِتَرْوِيضِ الْقَلْبِ وَالنَّفْسِ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ مِنَ الْآنَ، فَلَا تَأْتِي الْعَشْرُ عَلَى الْعَبْدِ إِلَّا وَشَوْقُهُ لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ شَدِيدٌ، وَرَغْبَتُهُ فِيهَا عَظِيمَةٌ، وَلَنْ يَخْذُلَ اللهُ تَعَالَى عَبْدًا مَا دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ إِلَّا وَهُوَ يَطْلُبُهَا، وَيَشْتَاقُ إِلَيْهَا، وَيُرَوِّضُ نَفْسَهُ الشَّهْرَ كُلَّهُ عَلَى إِدْرَاكِهَا وَالْعَمَلِ فِيهَا.

وَلَوْ قِيلَ لِلْعَبْدِ: شَهْرٌ بِأَلْفِ شَهْرٍ لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الرِّبْحِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بِثَلَاثِينَ أَلْفَ لَيْلَةٍ، فَلْنُوَطِّنْ أَنْفُسَنَا عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ مِنَ الْآنَ، وَنُجَانِبْ مَجَالِسَ اللَّهْوِ وَاللَّغْوِ وَالْخُسْرَانِ (وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران: 185].

أَيُّهَا النَّاسُ: صِيَامُ رَمَضَانَ شَعِيرَةٌ مِنَ الشَّعَائِرِ، وَالشَّعَائِرُ هِيَ الْأَعْلَامُ الظَّاهِرَةُ، وَظُهُورُ الْعِبَادَاتِ فِي رَمَضَانَ لَا يَخْفَى حَتَّى عَلَى الْكُفَّارِ؛ إِذْ يَعْلَمُ النَّاسُ كُلُّهُمْ بِدُخُولِ رَمَضَانَ؛ لِمَا يَحْتَفَّ بِهِ مِنَ الشَّعَائِرِ، سَوَاءً فِي تَرَائِي الْهِلَالِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ، أَوْ فِي مَظَاهِرِ الْإِفْطَارِ الْجَمَاعِيِّ، أَوْ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَعْظَمِ شَعَائِرِهِ، أَوْ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ الَّتِي يَرَى النَّاسُ فِيهَا أَطْعِمَةَ الْفِطْرِ تَمْلَأُ الْأَسْوَاقَ.

وَكَوْنُ كَثِيرٍ مِنْ عِبَادَاتِ رَمَضَانَ ظَاهِرًا أَوْجَدَ حَرَجًا فِي نُفُوسِ بَعْضِ الْمُخْلِصِينَ مِنْ إِظْهَارِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ مَعَ أَنَّ إِخْفَاءَهُ أَكْثَرُ إِخْلَاصًا، وَأَوْجَدَ أَيْضًا طَرِيقًا لِلْمُرَائِينَ بِمَا يَتَكَلَّفُونَهُ مِنْ إِظْهَارِ أَعْمَالِهِمْ وَإِحْسَانِهِمْ.

وَمَنْ تَأَمَّلَ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ فِي هَذَا الْبَابِ الْعَظِيمِ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ يَجِدْ أَنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ عَلَى نَوْعَيْنِ: نَوْعٍ يُظْهَرُ وَنَوْعٍ يُخْفَى، وَالنَّوْعُ الَّذِي يُظْهَرُ هُوَ شَعَائِرُ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةُ الَّتِي قَصَدَ الشَّرْعُ إِظْهَارَهَا؛ تَعْظِيمًا للهِ تَعَالَى، وَتَكْبِيرًا لَهُ، وَهِيَ الْعِبَادَاتُ الَّتِي يُشْرَعُ الِاجْتِمَاعُ لَهَا، سَوَاءً عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ كَصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ أَوْ عَلَى وَجْهِ السُّنِّيَّةِ كَصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ، فَلَا يُهْجَرُ الْمَسْجِدُ بِحُجَّةِ أَنَّ هَاجِرَهُ يُرِيدُ أَنْ يُخْفِيَ عَمَلَهُ؛ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ يَسْتَوِي فِي إِظْهَارِهَا جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ فِي مَنْزِلِهِ لِئَلَّا يُرَائِيَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا شَعِيرَةُ رَمَضَانَ الظَّاهِرَةُ، الَّتِي شَرَعَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنَ الظُّهُورِ، وَأَحْيَاهَا عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

وَمِثْلُ ذَلِكَ كُلُّ شَعِيرَةٍ ظَاهِرَةٍ يُجْتَمَعُ لَهَا. وَعَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يُجَاهِدَ نَفْسَهُ عَلَى الْإِخْلَاصِ فِي الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ.

وَيُشْرَعُ إِظْهَارُ الْعَمَلِ، وَقَدْ يَجِبُ أَوْ يُنْدَبُ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ مِنْ وَرَاءِ إِظْهَارِهِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ؛ كَتَعْلِيمِ الْعِلْمِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِإِظْهَارِهِ وَإِفْشَائِهِ، وَكَشَخْصٍ يُقْتَدَى بِهِ لِمَنْزِلَتِهِ بَيْنَ النَّاسِ فَيُظْهِرُ الْعَمَلَ لِيُقْتَدَى بِهِ فِي الْخَيْرِ. وَعَلَيْهِ إِذَا أَظْهَرَهُ أَنْ يُجَاهِدَ نَفْسَهُ عَلَى الْإِخْلَاصِ فَإِنَّ مَدْخَلَ الشَّيْطَانِ هُنَا بِالرِّيَاءِ أَوْسَعُ مِنْ دُخُولِهِ عَلَيْهِ فِي الشَّعَائِرِ الظَّاهِرَةِ. وَضَابِطُ ذَلِكَ: أَنْ يَسْتَوِيَ فِي قَلْبِهِ عِلْمُ النَّاسِ بِعَمَلِهِ وَعَدَمُ عِلْمِهِمْ بِهِ.

وَدَلِيلُ مَشْرُوِعِيَّةِ إِظْهَارِ الْعَمَلِ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ»؛ قَالَهُ لَمَّا دَعَاهُمْ إِلَى التَّبَرُّعِ، فَجَاءَ رَجُلٌ بِصُرَّةٍ كَبِيرَةٍ فَقَلَّدَهُ النَّاسُ وَتَتَابَعُوا عَلَى الصَّدَقَةِ.

وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنِ الْعَمَلُ مِنَ الشَّعَائِرِ الظَّاهِرَةِ، وَلَا مَصْلَحَةَ فِي إِظْهَارِهِ؛ فَإِنَّ كَمَالَ الْإِخْلَاصِ فِي التَّخَفِّي بِهِ؛ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة: 271] أَيْ: فَإِخْفَاؤُكُمْ إِيَّاهَا خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِعْلَانِهَا.

وَذَكَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ «وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ» وَهَذَا مِنْ أَبْلَغِ أَوْصَافِ التَّخَفِّي بِالصَّدَقَةِ، وَهِيَ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ.

وَقَدْ يَكُونُ الْإِنْسَانُ غَنِيًّا، وَمُنْفِقًا فِي الْخَيْرِ كُلَّ أَوَانٍ، فَهَذَا يَعْسُرُ عَلَيْهِ التَّخَفِّي بِالصَّدَقَةِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ مَقْصِدًا لِلْفُقَرَاءِ وَالْمُحْتَاجِينَ، وَقَدْ أَثْنَى اللهُ تَعَالَى عَلَى مَنْ كَانَ كَذَلِكَ فِي ثَلَاثِ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ، مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة: 274]، وَكَوْنُهُمْ يُنْفِقُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَسِرًّا وَعَلَانِيَةً يَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ إِنْفَاقِهِمْ، بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُونَ إِخْفَاءَ كُلِّ إِنْفَاقِهِمْ مِنْ كَثْرَتِهِ. وَفِي آيَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ (وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً) [الرعد: 22] [فاطر: 29]، بَلْ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِذَلِكَ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ) [إبراهيم: 31].

وَيُلَاحَظُ فِي كُلِّ هَذِهِ الْآيَاتِ تَقْدِيمُ إِنْفَاقِ السِّرِّ عَلَى إِنْفَاقِ الْعَلَانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنِ الرِّيَاءِ، فَعَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَجْعَلَهُ أَصْلاً فِي نَفَقَاتِهِ، وَمَا ظَهَرَ مِنْهَا لَا يَضُرُّهُ إِذَا لَمْ يُرَاءِ بِهِ.

وَلَيْسَ كُلُّ نَفَقَةٍ يَسْتَطِيعُ الْمَرْءُ أَنْ يُخْفِيَهَا؛ فَنَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ تَدْخُلُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَانِيَةً، وَمَدْخَلُ الرِّيَاءِ فِيهَا مَعْدُومٌ أَوْ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ يُنْفِقُونَ عَلَى أَهْلِهِمْ وَعِيَالِهِمْ. كَمَا أَنَّ زَكَاةَ الْفَرْضِ مَدْخَلُ الرِّيَاءِ فِيهَا ضَعِيفٌ، وَكَذَلِكَ زَكَاةُ الْفِطْرِ.

وَفِي إِظْهَارِ الصَّدَقَةِ أَوِ النَّفَقَةِ عَلَى ذَوِي الْقُرْبَى وَالْجِيرَانِ وَعُمُومِ الْفُقَرَاءِ أَذًى لَهُمْ؛ لِأَنَّهَا تُظْهِرُ فَاقَتَهُمْ، وَتُهْدِرُ كَرَامَتَهُمْ، وَتَدُلُّ النَّاسَ عَلَى ذُلِّهِمْ؛ فَكَانَ إِخْفَاؤُهَا مُتَأَكِّدًا؛ لِئَلَّا تَتَحَوَّلَ إِلَى صَدَقَةِ مَنٍّ وَأَذًى.

هَذَا؛ وَالْمُبَالَغَةُ فِي إِخْفَاءِ كُلِّ نَفَقَةٍ قَدْ تُؤَدِّي إِلَى عَدَمِ إِظْهَارِ نِعْمَةِ اللهِ تَعَالَى عَلَى الْعَبْدِ، كَمَا أَنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي إِظْهَارِهَا تُؤَدِّي إِلَى الرِّيَاءِ.

وَمِنْ آكَدِ أَعْمَالِ رَمَضَانَ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَالْأَصْلُ الِاسْتِخْفَاءُ بِهِ كَمَا جَاءَ عَنْ عَدَدٍ مِنَ السَّلَفِ، فَرَوى أَحْمَدُ عَنْ سُرِّيَّةِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، قَالَتْ: «كَانَ عَمَلُ الرَّبِيعِ كُلُّهُ سِرًّا، إِنْ كَانَ لَيَجِيءُ الرَّجُلُ وَقَدْ نَشَرَ الْمُصْحَفَ فَيُغَطِّيهِ بِثَوْبِهِ».

وَقَالَ الْأَعْمَشِ: كُنْتُ عِنْدَ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَهُوَ يَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ، فَاسْتَأْذَنَ رَجُلٌ فَغَطَّى الْمُصْحَفَ، وَقَالَ: "لَا يَظُنُّ أَنِّي أَقْرَأُ فِيهِ كُلَّ سَاعَةٍ".

فَإِذَا كَانَ يَسْتَطِيعُ الْقِرَاءَةَ حَيْثُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ فَذَلِكَ أَخْلَصُ، وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ خَلْوَتُهُ بِنَفْسِهِ تُصِيبُهُ بِالسَّأَمِ حَتَّى يَتْرُكَ الْقِرَاءَةَ؛ لَزِمَ الْمَسْجِدَ مَعَ النَّاسِ لِيَنْشَطَ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَلَا يَتْرُكَهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ كَمَالَ الْإِخْلَاصِ فَيَتْرُكُ كُلَّ الْعَمَلِ، وَلُزُومُ الْمَسْجِدِ أَحْفَظُ لِلصَّائِمِ، وَأَنْشَطُ لَهُ عَلَى الْعِبَادَةِ، كَمَا وَرَدَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُمْ يَلْزَمُونَ الْمَسْجِدَ وَيَقُولُونَ: نَحْفَظُ صِيَامَنَا.

وَمِنْ أَعْمَالِ رَمَضَانَ: صَلَاةُ التَّطَوُّعِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ تَكُونَ فِي الْمَنْزِلِ إِلَّا مَا شُرِعَ لَهُ الْجَمَاعَةُ كَالتَّرَاوِيحِ؛ لِعُمُومِ قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ أَفْضَلَ الصَّلاَةِ صَلاَةُ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا المَكْتُوبَةَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ: صَحِبتُ مُحَمَّدَ بنَ أَسْلَمَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِيْنَ سَنَةً لَمْ أَرَهُ يُصَلِّي حَيْثُ أَرَاهُ رَكْعَتَيْنِ مِنَ التَّطَوُّعِ إِلاَّ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَسَمِعتُهُ كَذَا وَكَذَا مَرَّةً يَحْلِفُ: لَوْ قَدِرتُ أَنْ أَتَطَوَّعَ حَيْثُ لاَ يَرَانِي مَلَكَايَ لَفَعَلْتُ خَوْفًا مِنَ الرِّيَاءِ... وَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخرُجَ غَسَلَ وَجْهَهُ، وَاكتَحَلَ، فَلاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ البُكَاءِ.

وَأَمَّا إِنْ كَانَ فِي مَنْزِلِهِ مِنَ الصَّوَارِفِ مَا يَصْرِفُهُ عَنِ التَّطَوُّعِ بِالصَّلَاةِ، فَيُصَلِّي مَا شَاءَ مِنْ تَطَوُّعٍ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ إِظْهَارَ الْعَمَلِ مَعَ الِاجْتِهَادِ فِي الْإِخْلَاصِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ خَوْفًا مِنَ الرِّيَاءِ، قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: «تَرْكُ الْعَمَلِ لِأَجْلِ النَّاسِ رِيَاءٌ، وَالْعَمَلُ لِأَجْلِ النَّاسِ شِرْكٌ».

نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَرْزُقَنَا الْإِخْلَاصَ فِي أَعْمَالِنَا كُلِّهَا، وَأَنْ لَا يَجْعَلَ فِي عَمَلِنَا شَيْئًا لِأَحَدٍ سِوَاهُ، وَأَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا وَمِنَ الْمُسْلِمِينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ...







  رد مع اقتباس
قديم منذ /04-04-2022, 12:12 AM   #12194

مشرف التنميه البشـريه

 

 رقم العضوية : 102183
 تاريخ التسجيل : Dec 2016
 الجنس : ~ رجل
 المشاركات : 51,762
 النقاط : بحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond repute
 درجة التقييم : 243349
 قوة التقييم : 122

بحر القمر غير متواجد حالياً

 

 

 

 

 

أوسمة العضو

نجم الهوايات تالت حمله الشخصيات التاريخيه مسابقه الكاتب المميز تاني مسابقه القلم المميز شاعر المنتدى 2 

افتراضي

الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ وَاقْتَفَى أَثَرَهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ فَإِنَّكُمْ فِي قُبَالَةِ عَشْرٍ مُبَارَكَةٍ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم «إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ»، وَكَانَ يَخُصُّهَا بِالِاعْتِكَافِ تَحَرِّيًا لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَحَقُّهَا أَنْ يَتَفَرَّغَ الْمُؤْمِنُ لَهَا تَفَرُّغًا كَامِلاً، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الِاعْتِكَافِ فَهُوَ الْأَفْضَلُ، وَإِلَّا قَضَى أَكْثَرَ وَقْتِهِ فِي مَسْجِدِهِ، فَنَشَرَ مُصْحَفَهُ، وَأَسْبَلَ دَمْعَهُ، وَأَلَحَّ فِي دَعْوَتِهِ، وَعَلَّقَ قَلْبَهُ بِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: تَنْتَشِرُ فِي رَمَضَانَ مَظَاهِرُ الْإِحْسَانِ، وَيَتَسَابَقُ النَّاسُ إِلَى الْقُرْآنِ، وَيَحْرِصُونَ عَلَى التَّرَاوِيحِ، وَلَكِنْ يَشُوبُ بَعْضَ أَعْمَالِهِمْ شَوَائِبُ يُخْشَى عَلَى الْعَمَلِ مِنْهَا:
فَأُنَاسٌ يُفَاخِرُونَ بِمَوَائِدِ إِفْطَارِهِمُ الَّتِي يَمُدُّونَهَا، وَرُبَّمَا وَضَعُوا عَلَيْهَا لَافِتَاتٍ تَدُلُّ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا قَدْ يُنَافِي الْإِخْلَاصَ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ مَصْلَحَةٌ، وَقَدْ يُصَاحِبُهَا سَرَفٌ فِي تَقْدِيمِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى إِهْدَارِ النِّعَمِ وَرَمْيِهَا؛ فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ أَنْ تَنْقَلِبَ مَوَائِدُ الْإِفْطَارِ مِنْ مَجَالِ الْإِحْسَانِ إِلَى الرِّيَاءِ وَالْكُفْرَانِ.

وَآخَرُونَ يُفَاخِرُونَ بِعَدَدِ خَتَمَاتِهِمْ لِلْقُرْآنِ، وَيُخْبِرُونَ غَيْرَهُمْ بِهَا تَصْرِيحًا أَوْ تَلْمِيحًا، مَعَ أَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ فِي الْأَغْلَبِ، وَالْقَارِئُ يَجِبُ أَنْ يَقْرَأَ للهِ تَعَالَى لَا لِلنَّاسِ. وَرُبَّمَا كَانَتْ قَِرَاءَتُهُ هَذًّا لَا خُشُوعَ فِيهَا وَلَا تَدَبُّرَ، وَهَؤُلَاءِ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ.

وَآخَرُونَ يَتَلَمَّسُونَ الصَّلَاةَ مَعَ مَشَاهِيرِ الْقُرَّاءِ، لَا طَلَبًا لِلْخُشُوعِ وَالتَّدَبُّرِ، وَإِنَّمَا لِيُخْبِرَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ فُلَانٍ، وَتَمُرُّ عَلَيْهِ لَيَالِي رَمَضَانَ وَهُوَ لَمْ يَسْمَعِ الْقُرْآنَ مِنْ قَارِئٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا فِي كُلِّ لَيْلَةٍ لَهُ مَسْجِدٌ.

وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يُخْفِيَ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ، وَأَنْ يُجَاهِدَ نَفْسَهُ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْهَا، وَأَنْ يَتَرَقَّى فِي دَرَجَاتِ الْإِخْلَاصِ حَتَّى يَسْتَوِيَ فِي قَلْبِهِ عِلْمُ النَّاسِ بِعَمَلِهِ وَعَدَمُ عِلْمِهِمْ بِهِ، وَيَتَرَقَّى أَكْثَرَ وَأَكْثَرَ حَتَّى يَبْلُغَ دَرَجَةً مِنَ الْإِخْلَاصِ يَسْتَوِي فِي نَفْسِهِ مَدْحُ النَّاسِ وَذَمُّهُمْ؛ لِأَنَّهُ يُعَامِلُ اللهَ تَعَالَى وَلَا يُعَامِلُ الْخَلْقَ، وَيَرْجُو أَجْرَهُ مِنْهُ سُبْحَانَهُ لَا مِنْهُمْ (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة: 5] .

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...







  رد مع اقتباس
قديم منذ /04-04-2022, 12:13 AM   #12195

مشرف التنميه البشـريه

 

 رقم العضوية : 102183
 تاريخ التسجيل : Dec 2016
 الجنس : ~ رجل
 المشاركات : 51,762
 النقاط : بحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond repute
 درجة التقييم : 243349
 قوة التقييم : 122

بحر القمر غير متواجد حالياً

 

 

 

 

 

أوسمة العضو

نجم الهوايات تالت حمله الشخصيات التاريخيه مسابقه الكاتب المميز تاني مسابقه القلم المميز شاعر المنتدى 2 

افتراضي

الحمدُ للهِ ربنا على نعمة الإسلام والقرآن, ثم الحمد لله ربنا على أن بلغتنا شهرَ رمضانَ، شهر الرحمة والغفرانِ، وشهر التوبة والرضوان, وشهر العتق من النيران, الشهر الذي تتنزل فيه الرحمات, وتتضاعف فيه الحسنات, وتغفر فيه الخطيئات.
وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ, وأشهدُ أن محمدَّاً عبدهُ ورسُولهُ، صلّى اللهُ عليه وعلَى آلِهِ وأصحابِهِ وسلّم تسليمًا كَثيرًا.
أما بعد,,,
فإن من أعظم النعم التي يُنعم الله بها على عباده, أن يبلغهم أيام الطاعات, ومواسم الخيرات, ونزول الرحمات, ليتزودوا من الحسنات, ويستغفروا عن ما بدر منهم من الذنوب والسيئات, ويتعرضوا للنفحات فلعلها تصيبهم نفحة فلا يشقوا بعدها أبدأ.

التجارة الرابحة...
أهل التجارة في الدنيا يستعدون لموسم البيع والربح, ويجتهدون قبله بأيام بل أشهر, لكي لا يفوتهم الربح, لأنهم يعلمون أن التعب سيعوض, وأن المشقة ستزول, فما بال الذين يتاجرون مع الله لا يستعدون ولا يتأهبون, وعن الفضائل غافلون, يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف:10-11] ويقول سبحانه: { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ } [فاطر: 29-30]

أمنية أهل القبور...
كم يتمنى أهل القبور أن يعودوا إلى الدنيا ليدركوا هذه الأيام المباركات, فيعمروها بطاعة الله, لترفع درجاتهم, وتمحى خطيئاتهم, ويعتقون من النار, وكم من مؤمل منا لبلوغ شهر رمضان حان أجله وقبضت روحه قبله بليال, فيا لله كم فاته من الخيرات, اللهم لا اعتراض, وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

فاق أجر الشهيد...
ومن أشهر الأحاديث الدالة على عظم نعمة إدراك هذا الشهر المبارك, ما رواه ابن حبان في صحيحه عن طلحة بن عبيد الله أن رجلين قدما على رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وكان إسلامهما جميعا، وكان أحدهما أشد اجتهادا من صاحبه، فغزا المجتهد منهما، فاستشهد، ثم مكث الآخر بعده سنة، ثم توفي، قال طلحة: فرأيت فيما يرى النائم كأني عند باب الجنة، إذا أنا بهما وقد خرج خارج من الجنة، فأذن للذي توفي الآخر منهما، ثم خرج فأذن للذي استشهد، ثم رجعا إلى، فقالا لي: ارجع، فإنه لم يأن لك بعد، فأصبح طلحة يحدث به الناس، فعجبوا لذلك، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "من أي ذلك تعجبون؟ " قالوا: يا رسول الله، هذا كان أشد اجتهادا ثم استشهد في سبيل الله ودخل هذا الجنة قبله؟ فقال: "أليس قد مكث هذا بعده سنة؟ " قالوا: بلى، "وأدرك رمضان فصامه"؟ قالوا: بلى، "وصلى كذا وكذا سجدة في السنة؟ " قالوا: بلى، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فلما بينهما أبعد ما بين السماء والأرض"([1]).
الله أكبر.. الله أكبر .. يا لها من نعمة عظيمة أن ندرك هذا الشهر, وأن ندرك الليلة العظيمة التي قال عنها ربنا: { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } [القدر:3] فكيف نعجب من هذا الحديث وهذا فضل الله الكريم في ليلة واحدة, وكيف نعجب ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن لله عتقاء في كل يوم وليلة لكل عبد منهم دعوة مستجابة )([2]), فاللهم لا تحرمنا فضلك يا كريم, ونسألك أن تعيننا على طاعتك, وأن ترزقنا البركة في أعمارنا, وأن توفقنا لنجتهد فيها بفعل الخيرات ونتنافس بالطاعات, ونبادر بالأعمال الصالحات, ونتسابق إلى مرضاتك, وشعارنا قول ربنا: { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى } [طه:84].

أجورٌ لا حد لها...
ومن كرم الله أنه لم يجعل لثواب الصوم حدا من الأجور, فهو الذي يثيب عليه, والكريم إذا أعطى أدهش, فعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله، يقول الله: إلا الصوم؛ فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه, ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك "([3]).

أسباب مغفرة الذنوب...
إدراك شهر رمضان من أعظم أسباب مغفرة الذنوب, عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر، فقال: «آمين آمين آمين» قيل: يا رسول الله، إنك حين صعدت المنبر قلت: آمين آمين آمين، قال: «إن جبريل أتاني، فقال: من أدرك شهر رمضان ولم يغفر له فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين، ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما، فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين، ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين»([4]), وفي الحديث دلالة على سعة رحمة الله وعظيم كرمه في هذا الشهر, وعلى تفريط من فاتته المغفرة, لأنه حرم نفسه من الخير العظيم والثواب الجزيل, بإعراضه وإهماله.
ومن عجيب ما جاء في فضل الصيام, عن أبي أمامة، قال: أنشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا، فأتيته، فقلت: يا رسول الله، ادع الله لي بالشهادة. قال: "اللهم سلمهم وغنمهم". فغزونا، فسلمنا وغنمنا، حتى ذكر ذلك ثلاث مرات. قال: ثم أتيته، فقلت: يا رسول الله، إني أتيتك تترى ثلاث مرات، أسألك أن تدعو لي بالشهادة، فقلت: "اللهم سلمهم وغنمهم"، فسلمنا وغنمنا يا رسول الله، فمرني بعمل أدخل به الجنة، فقال: "عليك بالصوم، فإنه لا مثل له". قال: فكان أبو أمامة لا يُرى في بيته الدخان نهارا إلا إذا نزل بهم ضيف، فإذا رأوا الدخان نهارا، عرفوا أنه قد اعتراهم ضيف([5]).

نعمة تستحق الشكر...
إن بلوغ شهر رمضان نعمة عظيمة من أعظم النعم التي تستحق الشكر, قال تعالى في آخر آيات الصيام: { وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة:185] اللهم اجعلنا من الشاكرين, والله تعالى يقول: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ } [إبراهيم:7] اللهم زدنا من فضلك وبلغنا رمضان أعواما عديدة وأزمنة مديدة, واجعلنا من الشاكرين لهذه النعمة ووفقنا لاستغلاها بطاعتك ومرضاتك, واغفر ذنوبنا, وارفع درجاتنا, واستجب دعواتنا, إنك جواد كريم.

كتبه/ عيسى بن علي العنزي
غفر الله له ولوالديه

-----------------------------------
1) مسند أحمد, طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه, حديث رقم 1403, (2/182).[1](
2) مسند أحمد, أبو هريرة, حديث رقم 7743, (2/254).[2](
3) سنن ابن ماجه, كتاب الصيام, باب ما جاء في فضل الصيام, حديث رقم 1638, (1/525).[3](
4) صحيح ابن حبان, كتاب الرقائق, باب الأدعية, حديث رقم 907, (3/188).([4])
5) صحيح ابن حبان, كتاب الصوم, باب فضل الصوم, حديث رقم 3425 (8/213), وإسناده صحيح على شرط مسلم.[5](







  رد مع اقتباس
قديم منذ /04-04-2022, 12:14 AM   #12196

مشرف التنميه البشـريه

 

 رقم العضوية : 102183
 تاريخ التسجيل : Dec 2016
 الجنس : ~ رجل
 المشاركات : 51,762
 النقاط : بحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond repute
 درجة التقييم : 243349
 قوة التقييم : 122

بحر القمر غير متواجد حالياً

 

 

 

 

 

أوسمة العضو

نجم الهوايات تالت حمله الشخصيات التاريخيه مسابقه الكاتب المميز تاني مسابقه القلم المميز شاعر المنتدى 2 

افتراضي

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى له الملك كله وله الحمد كله وإليه يرجع الأمر كله(إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ) وأشهد أن لا إله إلا الله لارب غيره ولا إله سواه لواء وشعار ودثار أهل التقوى وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله بلغ عن الله رسالاته ونصح له في برياته رفع الله له ذكره وشرح الله له صدره ووضع الله عنه إزره وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره اللهم صلي وسلم وبارك وأنعم عليه اللهم وعلى آله الأخيار وأصحابه الأبرار وعلى من سلك مسلكهم واقتفى آثارهم إلى يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار.

أما بعد:
أيها المؤمنون فهذه بشائره قد أطلت وهذه أنواره قد حلت شهر ولات الشهور شهر أوجب الله صيامه وشرع الله قيامه نصر الله فيه جنده وأنزل الله فيه كتابه وأعز الله فيه الإسلام وأهله.
عباد الله:
إن رمضان شهركم أهل الإسلام وفخركم يا أمة القرآن قدمتم اليوم تتساءلون عن حال المسلم فيه وتتساءلون ما ينبغي أن يكون عليه المؤمن في نهار رمضان ولياليه.
عباد الله:
وهل حال المسلمين في رمضان إلا قلوب مشتاقة ودموع مُهراقَه وأعين إلى لقيا ربها جل جلاله مشتاقة حال المسلمين في رمضان دعاء وصلاة صدقات وزكاة حال المؤمنين فيه توبة واستغفار وتهليل وذكر للواحد القهار وسير على منهج وهدي سيد الأخيار صلوات الله وسلامه عليه.
عباد الله:
لقد شرع الله لكم صيام رمضان وقيامه وللمؤمنين مع هذا الشهر أحوال خاصة ينجيهم الله بها ويرشدهم الله إليها ويجزيهم تبارك وتعالى عليها فأول ماينبغي علمه أن يعلم المؤمن أن أعظم أحوال المؤمنين مع رمضان التدبر والتفكر في عظمة الخالق جل جلاله فكم مر على من كان قبلنا من الناس رمضانات عديدة وأزمنة مديدة منذ أن خلق الله آدم إلى اليوم وسيبقى الأمر كذلك إلى قيام الساعة سنن لا تتبدل وصبغة لا تتغير تنبئ عن عظمة الجبار وعن عظمة وملكوت الواحد القهار( إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) فسبحان مصرف الليالي والأيام ومكور الليل والنهار اللهم بلغنا رمضان وأعنا على صيامه وقيامه.

عباد الله:

ألا وإن من أحوال المسلم في رمضان أن يعلم يقينا أن هذا الشهر الكريم مظهر من مظاهر رحمة الله تبارك وتعالى بعباده ففيه ترفع الدرجات وتكفر السيئات وتضاعف الحسنات وتفتح أبواب الجنات ففي المسند من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعطيت أمتي في رمضان خمس خصال لم تعطهن أمة من الأمم قبلها خلوف فم الصائم أطيب عند الله من رائحة المسك وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا ويزين الله لهم كل يوم جنته يقول يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المئونة والأذى ويصلوا إليك وتصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصون في رمضان إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره ويغفر لهم في آخر ليلة قيل يا رسول الله أهي ليلة القدر ؟ قال: لا إنما يوفى الأجير أجره إذا قضى عمله ".
ففي رمضان تتجلى رحمات رب العالمين جل جلاله أيام معدودات كم فيها من النفحات الربانية وكم فيها من الرحمات الإلهية فقل للمعرضين عن الله ورحمته من سيُآنس غدا في القبور وحشتكم ومن سيرحم غدا تحت الثرى غربتكم اللهم بلغنا رمضان وأعنا على صيامه وقيامه.
عباد الله:
هذا وإن من أحوال المسلم في رمضان أن يعلم أن شهرا كرمضان لا يستقبل بالقناديل المضيئة ولا بالمسابقات السنوية ولا بالبرامج الدعائية ولكن شهرا كرمضان لا يستقبله المسلم بأعظم من توبة صادقة نصوح وأوبة خالصة إلى رب الملائكة والروح فالتوبة أيها المؤمنون وظيفة العمر أمر الله بها عباده ونعت الله بها أوليائه ووصف الله بها أصفيائه فقل للجامعين المال من غير حله كفاكم ما جمعتم فإن الله مطلع عليكم وقل للعاكفين على الزنا والفجور والفحشاء توبوا إلى الله فإن الله يعلم ما أسررتم وما أعلنتم وقل لمن ملئت قلوبهم حقدا وحسدا وبغضاء توبوا إلى الله فقد كفاكم ما أفسدتم وقل للشباب الذين يؤذون المؤمنات ويلمزون الغافلات إن الموت يطلبكم والله جل جلاله سيسألكم وقل للمؤمنات الغافلات عن الله وذكره والعاكفات على ما حرم الله جل وعلا وحرم رسوله صلى الله عليه وسلم قل لهن صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " سبحان الله ماذا أنزل الليلة من الفتن وما فتح من الخزائن أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها أيقظوا صواحب الحجرات فرب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة " وصح عنه صلى الله عليه وسلم قوله: " صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات عليهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ".

عباد الله:

أيها المؤمنون هذا شهر التوبة فإن لم نتب في شهر رمضان فمتى نتوب وإن لم نرجع إلى الله في مثل هذا الشهر فمتى نؤوب فالله الله يا أخي ويا أختاه ولنتذكر جميعا وليتذكر كل فرد منا غدا إذا ذهبت لذته وبقيت حسرته إذا انقطع أمام الله جوابه وشهدت عليه جوارحه بما قدم وأخر.

ورد في بعض الآثار أنه يؤتى بالرجل العاصي يوم القيامة يؤتى بالعاصي يوم القيامة رجلا كان أو امرأة فتغلب عليه شقوته, فيقول يا رب لا أقبل شاهدا إلا من نفسي, فيختم الله على لسانه, فتنطق جوارحه بما صنع, تقول العين: أنا إلى الحرام نظرت وتقول الأذن وأنا إلى الحرام استمعت وتقول اليد وأنا إلى الحرام تناولت حتى تقول القدم وأنا إلى الحرام مشيت ويقول الفرج عياذا بالله وأنا فعلت وفعلت وفعلت فيقول الملك الذي على اليسار وأنا اطلعت وكتبت فيقول الملك الذي على اليمين وأنا اطلعت وشهدت فيقول رب العالمين جل جلاله وأنا اطلعت وسترت.

ثم يقول يا ملائكتي خذوه ومن عذابي أذيقوه فقد اشتد غضبي على من قل حياؤه مني أعوذ بالله من الشيطان الرجيم( وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ)
اللهم بلغنا رمضان وارزقنا فيه توبة خالصة نصوح.

عباد الله:

ألا وإن مما شرعه الله لكم في رمضان صيام نهاره فلقد ناداكم ربكم في كتابه نداء كرامة لا نداء علامة فقال جل جلاله( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ).

والصيام في ذاته من أعظم القربات وأجل الطاعات فلقد صام نبي الله موسى أربعين يوما وهو يتهيأ للقاء ربه جل جلاله وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تعالى " كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به " " والصوم جنة فإذا كان يوم صيام أحدكم فلا يرفث ولا يسخط فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم للصائم فرحتان فرحة إذا أفطر يفرح بفطره ويفرح إذا لقي ربه بصومه ". وفي رواية لمسلم " كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به " وفي الحديث المتفق عليه أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان إيمانا وإحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه" فصوموا شهركم -أيها المؤمنون- إستجابة للأمر الرباني العظيم وتقربا إلى الله وزلفى بهذا العمل الصالح الذي دأب عليه نبينا صلى الله عليه وسلم.

وأعلموا -عباد الله- أن فئاما من الناس اليوم يقضون نهارهم في نوم متواصل ويقضون ليلهم في لهو وعبث وتكاسل وأمثال هؤلاء لم يعرفوا من رمضان إلا تبدلا وتغيرا في جدول حياتهم اليومية وكفى بذلك إثما وخطيئة وبعدا عن منهج الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم اللهم بلغنا رمضان وأعنا على صيامه وقيامه.

عباد الله:

وكما شرع الله لكم صيام رمضان ندبكم ربكم جل وعلا إلى جملة من الأعمال الصالحة من نوافل الطاعات التي هي في رمضان أوكد وأعظم أجرا ولعل أظهر ذلك أن الله تبارك وتعالى جعل لليل مزية على النهار فأسرى الله جل وعلا بنبينا إلى المسجد الأقصى ليلا ونجى الله موسى وقومه ليلا ونجى الله لوطا وبنتيهما مع فلق السحر وقيام الليل أمر مندوب إليه في رمضان وفي غيره (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً (65) إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً ) أما قيام رمضان فقد قال صلى الله عليه وسلم:"من قام رمضان إيمانا وإحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ".

ولقد سن لكم نبيكم صلى الله عليه وسلم أنه خرج في أول ليلة من رمضان فصلى, فصلى وراءه جمع من الصحابة فلما كان في اليوم الثاني اجتمعوا عليه أكثر ثلاث ليال أو أربع وكان من حدبه وشفقته صلى الله عليه وسلم على الأمة خاف أن يفرض عليها قيام ليل رمضان فامتنع عن الخروج وقال لهم علمت الذي صنعتم ولكني خفت أن تفرض عليكم ثم مكث الناس بقية عهد النبوة وفي عهد الصديق يصلون أرسالا وفرادا وجماعات.

حتى كانت في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فأمر أبي بن كعب وتميم بن أوس الداري رضي الله تعالى عنهما أمرهما أن يصليا بالناس إحدى عشر ركعة.
ثم مضت صلاة التراويح سنة مرضية منذ ذلك العصر الراشد إلى يومنا هذا فقيام رمضان.

أيها المؤمنون:

تراويح و غيرها من أعظم القربات وأجل الطاعات كما أن قيام العشر الأواخر منه أعظم أجرا وأكثر فضلا لأن فيها ليلة توازي عبادتها عبادة ألف شهر قال جل جلاله (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ(2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ )اللهم بلغنا رمضان وأعنا على صيامه وقيامه.

عباد الله:

ألا وإن مما شرعه الله لكم وشرعه رسوله صلى الله عليه وسلم في رمضان الإنفاق من المال ابتغاء ما عند الله من الرضوان ولقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عباس عند مسلم وغيره كان نبينا أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان إذا لقيه جبريل يدارسه القرآن كان صلى الله عليه وسلم أجود من الريح المرسلة وكم لله في أرضه من عباد بيوتهم مستورة وقلوبهم بائسة مكسورة لا يعلم حالهم ولا ما هم فيه إلا الله تبارك وتعالى وإن قيام الدولة وفقها الله بواجبها تجاه أهل الفقر والمسكنة لا يعفي أبدا أهل الثراء والمال والجاه والغنى من أن يقوموا بواجبهم تجاه الفقراء والمساكين وذوي الحاجات فهنيئا لمن عرف تلك الدور وأعطاها هنيئا لمن خاف الله فيها فأطعمها فسقاها هنيئا لمن دل عليها وأرشد إليها وجلاها دخل رجل على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال:
يا عمر الخير جزيت الجنة *** اكسي بنياتي وأمهن
وكن لنا من الزمان جنة *** أقسمت بالله لتفعلنه
فقال عمر: وإن لم أفعل يكون ماذا؟ قال: إذا أبا حفصة لأمضينه ،قال عمر وإن مضيت يكون ماذا؟ قال:
إذا أبا حفص لتسألنه *** يوم تكون الأعطيات جُنة
وموقف المسئول بينهن *** إما إلى نـار وإما جَنــة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً(10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) .
اللهم بلغنا رمضان وأعنا على صيامه وقيامه.

عباد الله:

ألا وإن من المشروع في رمضان أن يأتي المسلم فيه بالعمرة فإن العمرة في أصلها أمر محمود من كفارات الذنوب ومزيلات الخطايا والمعاصي ولقد ثبت عن رسولنا صلى الله عليه وسلم أنه لما قدم المدينة بعد حجة الوداع سأل امرأة من الأنصار ما منعك أن تحجي معنا فشكت إليه المرأة قلة الزاد قلة الرحالة والزاد فقال صلى الله عليه وسلم وهو أعلم الناس بالشرع وأنصح الخلق للخلق قال فإذا كان رمضان فاعتمري فإن عمرة في رمضان تعدل حجة معي صلوات الله وسلامه عليه فتقربوا إلى الله جل وعلا بهذا العمل الصالح تقربوا إليه بنية خالصة وقلوب مقبلة على الله ترجوا ثوابه وتخشى عقابه جل جلاله ألا وإن مما شرعه الله لكم في رمضان وفي غيره الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومساعدة رجال الحسبة في تنبيه الغافل ورد الباطل فإن إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم شعائر الدين التي أمر الله بها( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ )

بلغنا الله وإياكم رمضان وأعاننا على صيامه وقيامه اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك ومن فجاءة نقمتك ومن تحول عافيتك ومن جميع سخطك أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم"

الخطبة الثانية

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله ..... أما بعد

أيها المؤمنون:

فلئن كان معروفا لدى المؤمنين أن رمضان مضمار للخيرات ومجال للتنافس في الطاعات ولئن كان من البدهي أن رمضان منبع للفضائل ومنهل للصالحات فإن ممن لا شك فيه ولا مرية أبدا أن رمضان في المقام الأول شهر القرآن ففي هذا الشهر أيها المؤمنون أنزل الله خير كتبه على خير رسله صلى الله عليه وسلم بواسطة خير ملك في خير ليلة ( وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ) فأقبلوا على القرآن أيها المؤمنون ليلا ونهارا سرا وجهارا.

وأعلموا أن من دأب سلف الأمة الصالح أنهم كانوا يخصصون جل وقتهم في رمضان لقراءة القرآن؛ فقد كان مالك رحمه الله على جلالة قدره وحاجة الناس إلى علمه كان إذا دخل رمضان ترك الحديث وترك مجالس العلم وأقبل على قراءة القرآن فأقبلوا على قراءة كتاب ربكم تبارك وتعالى.

واعلموا أن نبي الله داوود كان يقرأ كلام ربه في الزبور فتجيبه الشم الشوامخ والجبال الرواسخ وتردد الطير بترديده قال جل جلاله: ( إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ)

والعزاء كل العزاء لقلوب تقرأ القرآن فلا تخشع وعيون يتلى عليها القرآن فلا تدمع ( قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً (108) وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً )

وإن البكاء حال قراءة القرآن من أعظم من مناقب الصالحين فإن الله ذكر جملة من عباده الأخيار ثم أردف بقوله ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً)ولقد ثبت في الصحيح أن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قرأ آيات من سورة النساء على رسولنا صلى الله عليه وسلم فقال له صلى الله عليه وسلم: حسبك قال عبد الله فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان.

عباد الله:
ألا وأعلموا أن الناس اليوم وللأسف استبدل كثير منهم كتاب ربهم تبارك وتعالى بأغاني ماجنة ذات كلمات بذيئة ومعان مبتذلة كم هدمت من القيم وكم أضعفت من الأخلاق وكم أنكرت من مبادئ الشرع يردده الشباب والفتيات صباح مساء لا يعون ما فيها ولا يدركون ما يحيط بها (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ) فتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون واغتنموا بلوغ رمضان في الاستمرار في الطاعات والمنافسة في الخيرات وأعلموا أن ربكم تبارك وتعالى أرحم الراحمين وخير الغافرين يبسط يده في النهار ليتوب مسيء الليل ويبسط يده في الليل ليتوب مسيء النهار أخرج الترمذي من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن ابن عمر قال: إن نبينا صلى الله عليه وسلم حدثنا بحديث لم أسمعه مرة ولا مرتين ولا سبع مرات بل سمعته أكثر من ذلك ثم قال ابن عمر: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كان الكفل في بني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا على أن يطأها فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرعدت وبكت فقال لها ما يبكيك أأكرهتك على ذلك؟ قالت: لا ولكنه عمل ما عملته قط وما دفعني إليه إلا الحاجة فقال: أتفعلين هذا ولم تزنين قط فقام عنها وأعطاها المال وقال: والله الذي لا إله غيره لا أعصي الله بعدها أبدا فمات من ليلته فلما أصبح وجدوا مكتوبا على قبره إن الله قد غفر للكفل والكفل هذا غير ذي الكفل المذكور في القرآن فإن هذا رجل عابد والذي في القرآن نبي مرسل.

ألا وصلوا أيها المؤمنون وسلموا على صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر خير من صلى وصام وضحى وزكى وأفطر فقد أمركم الله بذلك في كتاب يتلى إلى يوم المحشر ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) اللهم صل على محمد ما ذكره الذاكرون الأبرار وصلى على محمد ما تعاقب الليل والنهار وأرضى اللهم عن أصحاب محمد من المهاجرين والأنصار اللهم وارحمنا معهم بمنك وكرمك يا عزيز يا غفار اللهم اغفر لنا في جمعتنا هذه أجمعين,,







  رد مع اقتباس
قديم منذ /04-04-2022, 12:15 AM   #12197

مشرف التنميه البشـريه

 

 رقم العضوية : 102183
 تاريخ التسجيل : Dec 2016
 الجنس : ~ رجل
 المشاركات : 51,762
 النقاط : بحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond repute
 درجة التقييم : 243349
 قوة التقييم : 122

بحر القمر غير متواجد حالياً

 

 

 

 

 

أوسمة العضو

نجم الهوايات تالت حمله الشخصيات التاريخيه مسابقه الكاتب المميز تاني مسابقه القلم المميز شاعر المنتدى 2 

افتراضي

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70، 71].
أيها الناس، لا أظن أحدا منا يحب أن يفني جهده ويبذل وسعه في عمل تكون عاقبته الفشل والخسارة. تصور أنك ساهمت بمائه ألف ريال في مشروع تجاري ثم لم تلبث أن خسر المشروع، وذهبت أموالك أدراج الرياح، فإن كنت ممن يحزن ويضجر لفوات ماله وتجارته وضياع ربحه وصفقته فاحزن على فوات رمضان، وما خلفه من ربح وخسارة وسعادة وشقاوة.
أيها الإخوة، إن فترة رمضان كانت تجارة عظيمة ومشروعا ناجحا وثروة كبيرة، لا تُضاهَى ولا تجارَى، فتأملوا أحوالكم وأحوال الناس في رمضان.
في هذا الشهر الكريم ظهر رابحون وخاسرون وناجحون وفاشلون، فلقد أدرك الرابحون أهمية رمضان وفضله وجلالته، فعمروه بالخيرات والصالحات، وتقاعس الخاسرون فأرهقوه بضروب اللهو والسفه والضياع، فحصدوا الخيبة والندامة والحرمان.
لما سمع الرابحون: ((إذا جاء رمضان فُتِّحت أبواب الجنة)) سبحت أرواحهم في الطاعة والخير، فتوّجوها بمحاسن الخصال وفضائل الأعمال. ولما سمع الخاسرون ذلك حجبت غشاوة الباطل سرج النور، فمرّ كأي حديث عابر لا تفكُّرَ ولا تفكير.
هل يتجاهل الرابحون: ((رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ فلم يغفر له))؟! كلا، وهم أرباب التلاوة والخشوع والجود والخضوع. بينما الخاسرون طفحت بهم حلاوة الأسمار والأوتار، فباتوا على جيفة حمار، حالت دون ولوج الخير والأنوار.
أيقن الرابحون أن عمر رمضان عمر من أعمارهم، بفوزه يدركون شأن من سبقهم، ويعوّضون شيئا مما فاتهم. وغفل الخاسرون فالتهمتهم أسباب الغواية ومشاهد الخنا والخلاعة، فها هم يقلبون أكّفهم ويطوون باطلهم، مرضى القلوب، سود الوجوه، صفر الأجور، والعياذ بالله من ذلك.
باختصار، قفَل رمضان فكان الرابح هم أهل الذكر والقرآن والصلاة والإنفاق، وكان أهل الخسر أهل اللعب واللهو والسفه والباطل. ربح خاتمو القرآن ختمات ومُديمو الذكر والصلوات وباذلو الخير والصدقات، خسر أهل النوم والغفلات وحارقو الشهر بالسهرات وهاجرو الذكر والخيرات.
الرّابحون تنعّموا بلذة القرآن وحلاوة الصلاة وأنوار الصدقات، فما شغلهم عنها مال يجمعونه ولا شغل يصنعونه، فها هو سيد الرابحين الفائزين نبينا ، كانت الصلاة أنسَه وميدانَه، والذكر نزهته وبستانه، يقول: ((أرحنا بها يا بلال))، وكان إذا حزبه أمر صلى، ويقول: ((وجُعلت قرة عيني في الصلاة)). يصلي ركعات فلا تسأل عن حُسْنهن وطولهن، وكان أجود الناس بالخير، فلرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة.
وفي ترجمة تميم الداري رضي الله عنه، قال محمد بن سيرين: كان يقرأ القرآن في ركعة، وقال مسروق: قال لي رجل من أهل مكة: هذا مقام أخيك تميم الداري، صلى ليلة حتى أصبح أو كاد، يقرأ آية يرددها ويبكي: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [الجاثية:21]. وقال مجاهد: كان ابن الزبير إذا قام إلى الصلاة كأنه عود، وحدّث أن أبا بكر رضي الله عنه كان كذلك. وفي السير في ترجمة سُهيل بن عمرو خطيب قريش رضي الله عنه، قال الذهبي: "لما أسلم كان كثير الصلاة والصدقة، وخرج بجماعته إلى الشام مجاهدا، ويقال: إنه صام وتهجد حتى شحب لونه وتغير، وكان كثير البكاء إذا سمع القرآن".
ومن خبر سيد التابعين سعيد بن المسيب رحمه الله، السيد في العلم والعمل، فقد كان كاسمه بالطاعات سعيدا، ومن المعاصي والجهالات بعيدا، متمكّنا من الخدمة، حافظا للحرمة، قال أبو حرملة عن سعيد قال: "ما فاتتني الصلاة في جماعة منذ أربعين سنة". وعن عثمان بن حكيم: سمعت سعيدًا يقول: "ما أذن المؤذن منذ ثلاثين عاما إلا وأنا في المسجد".
وفي ترجمة أبي إسحاق السبيعي أنه قال: "يا معشر الشباب، اغتنموا"، قال: ما مرت بي ليلة إلا وأقرأ فيها ألف آية، وإني لأقرأ البقرة في ركعة، وإني لأصوم الأشهر الحرم وثلاثة أيام من كل شهر والإثنين والخميس".
وفي ترجمة عثمان رضي الله عنه الإمام القانت الجواد أنه اشترى للمسلمين بئر رومة بأربعين ألف درهم، وأنفق في جيش العسرة عشرة آلاف درهم. ويروى أنه كان لعثمان على طلحة رضي الله عنه خمسون ألف درهم، فخرج عثمان يوما إلى المسجد فقال له طلحة: قد تهيأ مالك فاقبضه، فقال له عثمان رضي الله عنه: هو لك ـ يا أبا محمد ـ معونة على مروءتك.
وفي ترجمة طلحة الفياض رضي الله عنه قال الحسن: باع طلحة أرضا له بسبعمائة ألف، فبات ذلك المال عنده ليلة، فبات أرِقًا من مخافة المال حتى أصبح ففرقه.
وفي ترجمة علَم المجاهدين وأبي المساكين جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، قال أبو هريرة: كنا نسمي جعفر أبا المساكين، كان يذهب بنا إلى بيته، فإذا لم يجد لنا شيئا أخرج إلينا عكة أثرها عسل، فنشقّها ونلعقها. وفيه يقول أبو هريرة كما عند أحمد والترمذي بسند جيد: ما احتذى النعال ولا ركب المطايا بعد رسول الله أفضل من جعفر بن أبي طالب، يعني في الجود والكرم.
وقال الذهبي في ترجمة الأمير المجاهد قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما سيد الخزرج وابن سيدهم، قال: "وجود قيسٍ يُضرَب به المثل، قال يحيى بن سعيد: كان قيس بن سعد يطعم الناس في أسفاره مع النبي ، وكان إذا نفد ما معه تدين، وكان ينادي في كل يوم: هلموا إلى اللحم والثريد، وقيل: وقفت مع قيس عجوز فقالت: أشكو إليك قلة الجُرذان، فقال: ما أحسن هذه الكناية! املؤوا بيتها خبزا ولحما وسمنا وتمرا. وروي أنه مرض رضي الله عنه، فاستبطأ إخوانه عن عيادته، فسأل عنهم فقيل: إنهم يستحيون مما لك عليهم من الدَين، فقال: أخزى الله مالاً يمنع الإخوان من الزيارة، ثم أمر مناديا فنادى: من كان لقيس عليه دَين فهو في حلّ منه، فكُسرت درجته بالعشي لكثرة من عاده".
لو كان يَقعدُ عند الشمس من كرمٍ قوم بآبائهم أو مجدهم قعدوا
ومن جود بعض الأمراء الكبار الذين قيل فيهم: "والله، إن كانت السفن لتجري في جوده"، ومن أخباره أنه مر في طريق البصرة بأعرابية، فأهدت إليه عنزا فقبلها، وقال لابنه: ما عندك من نفقة؟ قال: ثمانمائة درهم، قال: ادفعها إليها، قال: إنها لا تعرفك يرضيها اليسير، قال: إن كانت لا تعرفني فأنا أعرف نفسي، وإن كان يرضيها اليسير فأنا لا أرضى إلا بالكثير. وكان يقول: إن خير المال ما قضيت به الحقوق وحملت به المغارم، وإنما لي من المال ما فضل عن إخواني. وحكي أنه قدم عليه قوم من قضاعة من بني ضِنّة فقال رجل منهم:
والله مـا نـدري إذا مـا فاتنـا طلب إليـك من الذي نتطلّبُ
ولقـد ضربنـا في البلاد فلم نجِدْ أحدًا سواك إلى الْمكارم يُنسَبُ
فــاصبر لعادتنـا التي عوّدتنـا أو لا فأرشدنا إلى مـن نذهبُ
فأمر له بألف دينار، فلما كان في العام المقبل وفد عليه فقال:
مـا لي أرى أبـوابهـم مهجـورةً وكأنَّ بابَك مجمعُ الأسواقِ
حابوك أم هابوك أم شـاموا الندى بيديك فاجتمعوا من الآفاق
إنـي رأيتـك للمكـارم عاشقـا والمكرمات قليلةُ العشـاقِ
ولّيـت أنعمـكَ البلاد فأصبحت تُجبى إليك مكارمُ الأخلاقِ
مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261]، فأمر له بعشرة آلاف درهم.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت بعبادتك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين. اللهم أعزنا بطاعتك، ولا تذلنا بمعصيتك، اللهم وفقنا للخيرات، وجنبنا الغفلة والحسرات.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.







  رد مع اقتباس
قديم منذ /04-04-2022, 12:15 AM   #12198

مشرف التنميه البشـريه

 

 رقم العضوية : 102183
 تاريخ التسجيل : Dec 2016
 الجنس : ~ رجل
 المشاركات : 51,762
 النقاط : بحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond repute
 درجة التقييم : 243349
 قوة التقييم : 122

بحر القمر غير متواجد حالياً

 

 

 

 

 

أوسمة العضو

نجم الهوايات تالت حمله الشخصيات التاريخيه مسابقه الكاتب المميز تاني مسابقه القلم المميز شاعر المنتدى 2 

افتراضي

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الصائمون، ما مضى من أخبار هي نماذج ربح وفلاح، حازها الرابحون المفلحون الذين قدَّروا الوقت والزمان، وحفظوا النفس والجنان، فضرب كل واحد منهم في باب يقربه إلى الله، فمنهم رابح في التلاوة، وآخر في الصلاة، وآخر في الجود والصدقة، طرقوا محاسن الأمور فبقيت محاسن لهم تحتذى وتروى.
أما القائمة الأخرى السوداء فهي بمثابة العار والشنار والمصائب على أربابها. أما يحزنكم إعراض صائم عن ذكر الله والتفاته إلى ما يغضب الله؟! أما يحزنكم أن بعضهم لم يصل التراويح، وفي وقت القيام تجده في مقهى أو ملعب أو سفاهة كأنه لا يعرف رمضان، ولا يعرف فضله وثوابه؟! ألم ير هؤلاء مصائر الناس، وكيف تخطفهم المنايا والنكبات؟! نعم صدق من قال:
الناس في غفلاتهم ورحى المنية تطحَنُ
وقول ربنا أبلغ وأجل: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُم وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ [الأنبياء:1]. وفقنا الله وإياكم للخيرات، وجنبنا الغفلة والحسرات.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد مطمئنا وسائر بلاد المسلمين...







  رد مع اقتباس
قديم منذ /04-04-2022, 12:16 AM   #12199

مشرف التنميه البشـريه

 

 رقم العضوية : 102183
 تاريخ التسجيل : Dec 2016
 الجنس : ~ رجل
 المشاركات : 51,762
 النقاط : بحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond repute
 درجة التقييم : 243349
 قوة التقييم : 122

بحر القمر غير متواجد حالياً

 

 

 

 

 

أوسمة العضو

نجم الهوايات تالت حمله الشخصيات التاريخيه مسابقه الكاتب المميز تاني مسابقه القلم المميز شاعر المنتدى 2 

افتراضي

للاسف فيه بعض الناس !
يخشى إبتلاع قطرة ماء فتفسد عليه صيامه ،،
ولا يخشى من إبتلاع حقوق الناس
فتفسد عليه آخرته . الله يهدي







  رد مع اقتباس
قديم منذ /04-04-2022, 12:17 AM   #12200

مشرف التنميه البشـريه

 

 رقم العضوية : 102183
 تاريخ التسجيل : Dec 2016
 الجنس : ~ رجل
 المشاركات : 51,762
 النقاط : بحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond repute
 درجة التقييم : 243349
 قوة التقييم : 122

بحر القمر غير متواجد حالياً

 

 

 

 

 

أوسمة العضو

نجم الهوايات تالت حمله الشخصيات التاريخيه مسابقه الكاتب المميز تاني مسابقه القلم المميز شاعر المنتدى 2 

افتراضي

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله وصفيه من خلقه وخليله صل الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70،71].

أما بعد.. فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدي محمد رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.. أجارني الله وإياكم من البدع والضلالة والنار.

عبــاد الله: يحل شهر رمضان المبارك ضيفاً على أمة الإسلام في أصقاع المعمورة وينتظره المسلمون صغاراً وكباراً رجالاً ونساءً كل عام بلهفة وشوق؛ لينهلوا من بركاته، ويغترفوا من خيراته، ويرتشفوا من ضفافه فهو المعين الدافق، والنهر الخافق، وهو شهر النفحات والرحمات الربانية، وهو شهر تجديد الإيمان وصقل الشخصية وهو شهر المغفرة والتوبة والعتق من النار وهو شهر التآلف والتراحم والبذل والعطاء وهو شهر توحيد القلوب وصفاء النفوس..

فما أحوجنا إلي هذا الشهر وإلى فضائله ومنحه في حياتنا اليوم، وفي هذا الزمان الذي ضعف فيه الإيمان، وفسدت فيه الكثير من القيم والأخلاق، وقست القلوب وزاد القلق وكثرت الهواجس، وضعف اليقين بما عند الله وما أعده لعباده!!

ما أحوجنا إلى هذه النفحات الربانية؛ لننجو بها من شقاء الدنيا وتعاسة الآخرة.. عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله؛ فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم وأن يؤمن روعاتكم" (حديث حسن، انظر الصَّحِيحَة للألباني: 1890).

والنفحة: هي الدفعة من العطية.. وقد أجمل ربنا –سبحانه- نفحات هذا الشهر بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183]... إنها التقوى والتي هي خير زاد، وخير زينة يتزين بها العبد وهي خير لباس قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) [الأعراف:26].

إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى *** تقلب عريانا وإن كان كاسيا
وخير لباس المرء طاعة ربه *** ولا خير فيمن كان لله عاصيا

إن رمضان فرصة لتعمير القلوب بالتقوى والعمل الصالح، وهو ميدان للتنافس في جميع ميادين البر والخير والعطاء، والمحروم من حرم فيه الخير ولم يتزود منه ولم يعمل فيه أعمالاً تقربه من ربه وتسعده في دنياه وآخرته.

عبـــاد الله: لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبشر أصحابه بقدوم رمضان فعن أبى هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك افترض الله عليكم صيامه، يفتح فيه أبواب الجنة، ويغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم" (صححه الألباني كما في صحيح النسائي).

وكان السلف: "كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلّغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم".

وقال يحي بن أبي كثير: "كان من دعائهم؛ اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه منى متقبلاً"

وفي الصحيحين قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دخل رمضان فُتّحت أبواب الرحمة، وغُلقت أبواب جهنم، وسُلسلت الشياطين وفُتحت أبواب الجنة".

وكان السلف يدعون الله أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه أن يتقبله منهم.... فإذا أهل هلال رمضان دعوا الله كما علمهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الله أكبر، اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى، ربي وربك الله" (رواه الترمذي والدارمي وصححه ابن حبان)..

فأقبلوا عليه "وخذوا منه الصحة لأجسامكم، والسمو لأرواحكم، والعظمة لنفوسكم، فهو فرصة لمن أراد النجاح في الدنيا والآخرة، وغنيمة لمن أراد جمع الحسنات ليوم تكون فيه الحسرات على ضياع الأعمار والأوقات والسنوات الأوقات، فيا سعادة من أحسن استغلال هذا الشهر! ويا تعاسة من أساء استغلاله ولم يخرج منه فائزا منتصرا ظافرا بمغفرة الله..

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كل عمل ابن آدم له؛ الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي. للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه. ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" (رواه البخاري ومسلم).

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه" (أخرجه البخاري ومسلم)..

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قام رمضان إيمانا و احتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه" (البخاري).

عبـاد الله: إن علينا أن نستعد لاستقبال شهر رمضان بالأعمال الصالحة، وبالتوبة النصوح، وبترك الآثام والمحرمات، والعزم على الاستقامة في هذه الحياة على الدين والخير والحق، والثبات على ذلك؛ لعل الله -سبحانه وتعالى- أن يرفع عن هذه الأمة آلامها ومصائبها وفتنها التي تعيشها اليوم في كثير من بلاد المسلمين، فالدماء تُسفك، والأرواح تُزهق، والحروب تشتعل، والخلافات تتأجج، والقلوب تتنافر بين أبناء المسلمين، وعجلة الحضارة والبناء تتوقف.

والأعداء الذين أشعلوا هذه الفتن وزرعوا هذه الخلافات يتربصون بهذه الأمة من كل جانب؛ ليجهزوا على ما تبقى لديها من قدرات وإمكانيات ومقومات للحياة؛ حسداً من عند أنفسهم، وقد أدركوا جيداً أن الحرب المباشرة على هذه الأمة لا يمكن أن تفت في عضدها أو توهن قوتها، بل إن ذلك يزيدها قوة وعظمة وبهاءً وثباتًا؛ لأنها أمة جهاد وأمة بطولة وشجاعة وفداء.. فلجئوا إلى زرع الخلاف والوقيعة بين أبنائها تارة باسم العصبيات القومية، وأخرى باسم النعرات المذهبية أو الطائفية، وتارة بالصراع على الحكم والملك والسلطان وغير ذلك.

ووجد كثير من المسلمين من يتعاطى معهم، وينساق نحو مشاريعهم جهلاً وضعفاً وفساداً في القيم والأخلاق، وتناسى الكثير دينهم ورسالته العظيمة التي تدعو إلى التعاون والإخاء والتراحم والتعاطف والتسامح، وتحكيم الشرع في جميع مجالات الحياة حتى في حال الخلافات والنزاعات.. لا أن نحتكم إلى الأهواء والمصالح الضيقة والعصبيات الجاهلية.. قال تعالى: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) [المؤمنون: 52]، وقال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46]..

وإن رمضان فرصة لإصلاح نفوسنا وأوضاعنا بما فيه من منح ربانية ونفحات إيمانية؛ فهو ينفث في المسلمين روح الأمة الواحدة، والمصير الواحد، والمصلحة الواحدة والدين الواحد، والقبلة الواحدة، والتعاليم والتوجيهات الواحدة .. فلماذا إذاً نفسد حياتنا بأيدينا؟ ولماذا نبحث عن تعاستنا وشقائنا بسوء أعمالنا؟ ولماذا لا ننظر إلى أمم الأرض من حولنا وكيف تعلمت ثقافة الحوار والتعايش وحل المشاكل وتغليب مصالح الدين والأوطان على مصالح الأفراد والجماعات والأحزاب؟

فعودوا إلى ربكم وثقوا به سبحانه، وأخلصوا أعمالكم، وتآلفوا وتراحموا وتسامحوا فيما بينكم، ولن يضيع الله جهودكم، ولن يرد دعاءكم، واستفيدوا من شهر رمضان في جميع جوانب حياتكم، وارتشفوا من معينه، واغترفوا من نفحاته فربما لا يعود إلى قيام الساعة..
أطلق الأرواح من أصفادها *** في بهيج من رياض الأتقياء
إنها يا شهر ظمأى فاسقها *** مشتهاها من ينابيع الصفاء
شهوة الأجساد قد ألقت بها *** في قفار ليس فيها من رواء
يا ربيع الروح أقبل وأعطها *** صولجان الحكم في دنيا الشقـاء
كي يعيش الناس من آلائها *** في رفاء وازدهار وارتقاء
هل درى أهل الحجا أن الذي *** شيطن الإنسان في الأرض اشتهاء
زورق الشيطان في وجدانه *** طعمه فيها من الإفراط داء
ما ارتقت إلا بزهر أنفس *** في طعامي عنه عاشت في غناء
واطمأنت في حياة الروح لا *** تبتغي إلا لقيمات وماء
إنما سلطانها من دونه *** كل سلطان به الإنسان باء
حسبه أن أخضع النفس التي *** تسترق الناس حتى الأقوياء
أي سلطان يكفّ النفس عن *** موبقات غير قيد كالوجاء
إنه الصوم الذي أوصى به *** رحمة بالناس رب الحكماء
فيه ترويض لطبع جامح *** فيه روض فيه للمرض شفـاء

اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً ... قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.







  رد مع اقتباس
إضافة رد

« آنآ مش آنطوآئى آنتم متتعآشروش | can 7lm »

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 24 ( الأعضاء 0 والزوار 24)
 

Posting Rules
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فـوائد استنشاق هواء الفجر ۩۩ سيد الشرقاوي ۩۩ منتدى الاسلاميات والقرأن الكريم 8 04-26-2012 09:08 AM
فوائد استنشاق هواء الفجر بحبك حبيبي مواضيع عامة - ثقافة عامة 0 12-27-2010 04:33 PM
فوائد استنشاق هواء الفجر .. ؟؟ احمد العليمي صحة - طب بديل - تغذية - ريجيم 2 11-22-2010 03:06 PM
استنشاق زيت النعناع ميدو العثل صحة - طب بديل - تغذية - ريجيم 4 10-25-2010 08:33 AM
استنشاق الورد يقووي الذاكـره الملكة كيلوباترا صحة - طب بديل - تغذية - ريجيم 6 11-27-2009 05:07 AM


الساعة الآن 04:20 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 RC 1
منتديات بنات مصر . منتدى كل العرب

a.d - i.s.s.w


elMagic Style.Design By:۩۩ elMagic ۩۩