هلمُّوا نؤمن ساعة

[بحر القمر]

الحمدلله الذي خلق فسوى وقدر فهدى و الصلاة والسلام على امام الورى والرسول المجتبى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على الآل الكرام ومن اقتفى


من يدين بالدين الحق دين الاسلام

متى يسمى مؤمنا؟ ومتى يسمى مسلما؟
هل الايمان والإسلام مترادفان بمعنى أن الإسلام هو الايمان والايمان هو الإسلام ؟ أم أن هناك فرق بينهما؟
اختلف العلماء على ثلاثة أقوال

القول الاول: ان الإسلام والايمان مترادفان بمعنى أن الإسلام هو الايمان والايمان هو الإسلام فالايمان الذي دعا الله عباده اليه هو الإسلام الذي ارتضاه لهم دينا وامرهم باتباعه وضده الكفر
القول الثاني ان هناك فرق بين الإسلام والايمان ويشهد لهذا الفرق نصوص الكتاب والسنة
١-كقوله تعالى"إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ " (١)فالعطف هنا بحرف الواو يفيد المغايرة وهي احدى مراتب العطف
اذاً الإسلام غير الايمان فهما مختلفان

٢-وقوله تعالى " قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ "ۖ(٢)
فنفى تعالى عن الاعراب الايمان واثبت لهم الإسلام فدل ذلك على اختلافهما

٣- وكقوله صلى الله عليه وسلم"اللهم لك اسلمت وبك آمنت.."(٣)
القول الثالث:
ان لفظ الإسلام والايمان متلازمان اذا اجتمعا في الذكر يعني في نصوص الكتاب والسنة افترقا لان لكل منهم معنا لغويا واصطلاحيا
واذا افترقا اجتمعا اذا بينهما علاقة متلازمة فهما يكملان بعضهما فلاوجود لاحدهما بدون الاخر
وهذا هو الرأي الراجح في هذه المسألة لموافقته لنصوص الكتاب والسنة (٤)




وحتى تكون هذه المسألة الجليلة من مسائل العقيدة أكثر جلاء فاعلموا رعاكم الله أن
مراتب الدين ثلاثة
الإسلام
الايمان
الاحسان

اعلاها الاحسان
وهو ان تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك

أدلته: من الكتاب قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}(٥)
ومن السنة ما جاء في حديث جبريل عليه السلام أنه سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم فقال: أخبرني عن الإحسان. فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن تكن تراه فإنه يراك» (٦) .




فالايمان
وهو عند جمهور اهل السنة والجماعة
تصديق بالقلب"الجنان" وقول باللسان وعمل بالجوارح"الأركان" يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية
أركان الإيمان ستة يدل عليها قول الله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} (٧)
ومن السنة ما جاء في حديث جبريل عليه السلام عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «أخبرني عن الإيمان، قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت» . . . إلخ) (٨) .


ثم الإسلام
هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له تعالى بالطاعة والخلوص من الشرك ومعاداة أهله. قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (٩) . وقال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (١٠)

ومن السنة مثل حديث جبريل وفيه أنه قال: «يا محمد! أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال: صدقت» . . . إلخ) (١١) ..
والخلاصة:
أولا:أن الاحسان اعم من جهة نفسه
اذ يشمل الاحسان الايمان والإسلام
واخص من جهة أهله فأهل الاحسان في الناس قليل فكل محسن هو مؤمن ومسلم وليس العكس

وكذلك الايمان اعم من جهة نفسه فهو يشمل الايمان والإسلام
وأخص من جهة أهله فأهل الايمان في اهل الإسلام قليل فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمن فالإيمان مرتبة أعلى من الاسلام

واخير الإسلام يقتصر على الإسلام وهو اصل الايمان والحد الأدنى الذي ليس بعده الا الكفر وأهل الاسلام في الناس كثير

وفي ضوء ماسبق اذا ذكرت هذه الأمور الثلاثة [الاحسان والايمان والإسلام ] مجتمعة كان لكل واحد منها معنى خاص،
فيقصد بالإسلام الأعمال الظاهرة –[اركان الإسلام]-
ويقصد بالإيمان الأمور الغيبية.-[اركان الايمان]-
ويقصد بالإحسان أعلى درجات الدين وإذا انفرد الإسلام دخل فيه الإيمان وإذا انفرد الإيمان دخل فيه الإسلام وإذا انفرد الإحسان دخل فيه الإسلام والإيمان.كما تقدم (١٢)





وعودا على بدء اذاًمن هو المسلم؟ومن هو المؤمن ومن هو المحسن؟

المرتبة الأولى: الإسلام
وتسمى(أصل الإيمان) :
ويسمى أيضاً (الإيمان المجمل) أو (مطلق الإيمان) .الذى هو الإسلام
وهذه المرتبة من الإيمان غير قابلة للنقصان ؛وهي الحد الفاصل بين الايمان والكفر فليس بعد الإسلام الا الكفر


وهذا الإيمان يتحقق بالتصديق والانقياد المجمل، وتوحيد الله تعالى في ذاته وصفاته وأفعاله، واستحقاقه - سبحانه - وحده للعبادة، واتباع أوامره ونواهيه، واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم. ويدخل في هذه المرتبة من قصر في بعض الاوامر واقترف المحرمات فأصحاب الكبائر داخلون في هذه المرتبة فينتفي في حقهم الايمان الكامل ويبقى لديهم اصل الايمان اذا ماتوا عليه كانو تحت مشيئة الله ان شاء غفر لهم ابتداء وان شاء عذبهم لكن مصيرهم الى الجنة برحمة الله اذ لايُخلّدون في النار ان دخلوها.

المرتبة الثانية الايمان
وتسمى(الإيمان الواجب) :
ويسمى أيضاً (الإيمان المفصل) أو (الإيمان المطلق) أو (حقيقة الإيمان) .
وهذه المرتبة تكون بعد مرتبة الإسلام ويكون صاحبها ممن يؤدي الواجبات ويتجنب الكبائر والمنكرات، ويلتزم بكل تفصيلات الشريعة؛ تصديقاً والتزاماً وعملاً، ظاهراً وباطناً؛ حسب استطاعته،
، وبقدر ما يزيد علمه وعمله يزداد إيمانه، وإذا ارتكب بعض الصغائر؛ يكفر عنه حسناته واجتنابه للكبائر، ولكن المتورع عن الصغائر أكمل إيماناً ممن يقع فيها.
وصاحب هذه المرتبة؛ موعود بالجنة بلا عذاب؛ وينجو من الدخول في النار؛ إن مات على ذلك، ويدخل في عداد المؤمنين الأبرار الذين قال الله تبارك وتعالى فيهم:
{أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} سورة الأنفال، الآية: 4. وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}(١٣)


المرتبة الثالثة الاحسان
وتسمى(الإيمان المستحب) :
ويسمى أيضاً (الإيمان الكامل بالمستحبات) .
وهذه المرتبة تكون بعد مرتبة الايمان هي مرتبة (الإحسان) وصاحبها لا يكتفي بعمل الواجبات وترك المنكرات؛ بل يضيف إلى ذلك فعل المستحبات، واجتناب المكروهات والمشتبهات؛ بقدر ما ييسر الله تعالى له ذلك.
ويتفاوت أصحاب هذه المراتب، بقدر تفاوتهم بالعلم والعمل، ويقابل ذلك تفاوتهم في درجات العلى من جنة الخلد.(١٤)
قال الله - سبحانه وتعالى - في كتابه العزيز عن هذه المراتب:
{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ {32} جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}(١٥)
السابق بالخيرات:
هو المحسن الذي عبد الله كأنه يراه، وهو الفاعل للواجبات والمستحبات، التارك للمحرمات، والمتورع عن المكروهات، والمتجنب للمحظورات والمشتبهات، وهو صاحب (الإيمان الكامل المستحب) .
المقتصد:
المكتفي بفعل الواجبات، واجتناب المحظورات، وإن لم يحافظ على المسنونات، ولا تورع عن المكروهات، وهو صاحب (الإيمان الواجب) .

(الظالم لنفسه:
هو المفرط في بعض الواجبات، والمرتكب لبعض المحرمات والمعاصي التي لا تصل إلى الكفر، أو الشرك الأكبر، وهو صاحب (الإيمان المجمل) .
قال الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:
(السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله، والظالم لنفسه وأصحاب الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم).(١٦)

وفي نهاية رحلتنا نسأله تعالى ان يرزقنا ايمانا كاملا في حسن خلق ويقينا صادقا وان نلقاه تعالى وهو راض عنا
طِبتم وطابت أيامكم بطاعته تعالى ورضاه


ــــــــــــــــــــــــــ
(١)سورة الأحزاب آية(٣٥)

(٢) سورة الحجرات آية (١٤)

(٣) رواه مسلم كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار باب التَّعَوُّذِ مِنْ شَرِّ مَا عُمِلَ وَمِنْ شَرِّ

(٤) انظر كتاب الايمان لابن منده ١٤٢،وانظر شرح العقيدة الطحاوية لابن ابي العز الحنفي ٢ /
(٥) سورةالنحل اية (١٢٨ ) .
(٦) رواه البخاري رقم ٥٠، ومسلم رقم ٨

(٧ ) ) سورة البقرة: آية(١٧٧] .

(٨) متفق عليه: صحيح البخاري حديث برقم (50) ، وصحيح مسلم حديث برقم (8)

(٩) سورةالأنعام آية ١٦٢ - ١٦٣]
(١٠) سورة آل عمران اية (٨٥)
(١١) متفق عليه: رواه البخاري حديث برقم (8) ، و مسلم حديث برقم (8)
(١٢) كتاب أصول الايمان في ضوء الكتاب والسن١/٢٦٣
(١٣) سورة الحجرات، الآية: (١٥).

(١٤) انظر كتاب مسألة الايمان ،عبد الله الغليفي ص٢٣-٢٥

(١٥) سورة فاطر، آية (٣٢-٣٣)
(١٦) انظر: (تفسير الطبري)١/ ١٨٩
و (تفسير ابن كثير)ص ٤٣٨مشروع المصحف الاكتروني جامعة الملك سعود.