توأم الغربة

[بحر القمر]

سافر والدي وترك أمي الحامل بأختي إلى بلاد أخرى, قال أنه يريد متابعة دراسته ويجد عمل يحسن به وضعنا في نفس الوقت, وبعد سنتين عاد وعلى يده طفلة, قال إنها ابنته, وقد اضطر أن يتزوج هناك, وماتت أمها وهي تلدها, والطفلة لا ذنب لها, لماذا لا نربيها مع إخوتها, امتلأ قلب أمي بالقهر والذل, وخبأت ذلك في قلبها, حتى مرضت وبقيت طريحة الفراش لخمسة عشر سنة, حتى ماتت حزينة مقهورة, ولا أعرف ما الذي يخفيه والدي أكثر من ذلك لنا, بعد وفاة أمي بشهرين جرى حديث طويل وقاسي بيني وبينه, وتمنيت أني لم أسمع ولا أي كلمة مما قال, فقد أراد أن يتزوج لا بأس هذا حقه, لكن بعد قليل قال أنه سيحضر ابنته الأخرى لتعيش معنا, لم أصدق ما سمعته, لقد كان لأختي الصغيرة توأم, وقد تركها مع أمها وانتظر وفاة أمي ليحضرها إلى هنا, لتعيش تحت إشرافه, ولا يعرف أنه بفعلته تلك كمن يسلخ الجلد عن الجسد, أحضر الأولى وحرمها من أن تعرف أمها الحقيقية, والآن سيحضر الثانية ويحرمها من حياتها التي اعتادت مع أمها, بسبب أنانيته وحبه لنفسه, ولا يهمه ما قد يحدث للتوأم عندما يبعدها عن أمها, وماذا سيحدث للأم أيضاً, وبعدما تزوج فتاة أصغر منه بكثير, وأحضرها إلينا لنكون لعبة في يدها, أحضر أختي من عند أمها, وقد فرحت أختها التوأم بها كثيراً, لكن هي لم تفرح أبداً, وكما هو متوقع لم تستطيع التوأم الأجنبية التأقلم مع حياتنا, فقد كانت حياتها هناك مختلفة تماماً, كانت كالذي أخرج السمكة من مائها, وبعد فترة فهمت منها بعدما ترجمت كلامها, أن والدي أحضرها دون علم أمها, حتى أنها لم تراها عندما غادرت البلد, والآن تكون أمها تبحث عنها وهي لا تعرف أن والدها أخذها, لكن الجيران رأوه وأرجو أن يخبروها, وفعلاً بعد عدة شهور من معاناتها وهي تترجى والدي بأن يعيدها إلى أمها, وأختها تترجاها أن تبقى معها فلم تصدق أن رأتها, جاءت الأم وعندما علم الوالد أبعدها وهددها بالعودة لبلادها دون أي مشاكل, وعرفت أختي أن أمها هنا ولم يسمح لها والدها برؤيتها, هربت من البيت وهي لا تعرف أحد هنا ولا حتى الطرقات, وبعد اختفائها مرضت أختي وتوأمها بسبب شعورها بالذنب لما سيحدث لها, وجاءت الأم مرة ثانية وهذه المرة لم تسمح له بإبعادها عن توأمها, وبقيت قرب أختي المريضة, بينما والدي يبحث عن أختي الأخرى, وكأنها دوامة لا نهاية لها, وبعد أسابيع جاء الخبر اليقين لكنه ليس السعيد, وذهب والدي المشفى ليتعرف على جثة أختي, بينما أختي الأخرى ماتت بين يدي أمها, أختي التي لم ترى أمها إلا وهي تموت, أختي الأجنبية ميتة بين يدي والدي في المشفى, وأختي العربية ماتت بين يدي أمها على سريرها, وهي لم تكاد تراها وتشعر بعذوبة الأم وحنانها, ورغم أن لا ذنب لهما,,, ماتت التوأم الذي طالما تشاجر والدي مع أمهما بسببهما, والذي قهر بهما قلب أمي أليس كما تدين تدان, فلماذا لا تتعظ يا إنسان ....