نقطة صوتـ ،، اعتاد رائحة المستكة ، واللبان ، والبخور المغمور بالوهم ، فهذه جلسة خميسية قبل غروب الشمس ،، يلاحظ تمتماتهم ، وتمايلهم المصطنع ، ويفهم أن هذا كله تمثيل ودجل ، فمشاعرهم باردة .. برودة زجاج المستشفى الكبير وسط البلد حيثُ يُلصق وجهه بالزجاج ليراقب الجالسين في الجهة المقابلة ، والذين تبدو عليهم عاهاتٍ ، لم يدرك لمَ هو معهم ! · رقم ( 65 ) .. منذ ثلاث سنوات ورقمهم في ترتيب الدخول ( 65 ) لم يذكر اسمه مرة واحدة .. ولم يسمع أسماء البشر في هذا الممر المزروع بالزجاج الكاتم .. فقط أرقام ! تدلف أمه من الباب وهي ممسكة بيده وتبدأ دون مقدمات بإعطاء الطبيب – نعم أعرف أنه طبيب ، لكنه من نوع خاص – ملخص الشهر ، وأعرف تفاصيل كلامها وحتى التفاصيل التي نستها ، لكنها للأسف ترى التفاصيل من زاوية أخرى غير التي أراها ، تُفسّر ( كل ) المشاهد بشكل غير طبيعي وغير منطقي .. لا ينظر لي الطبيب ، ولا يلتفت حتى نحو جهتي ، حتى أني أحرّك يدي باتجاهه لأشعره بوجودي ، فتقفز أمي مشيرة إلي وتقول : هاه شوفت يا دكتور ! شاف إيه ؟ وماذا اكتشفت أمي في حركتي هذه من دليل لإثبات ما أنا فيه ؟ العالم كله يتحرّك نحوي باتجاهـ غير صحيح ، ابتسامات الناس السامجة ، ومسحة أيديهم على رأسي تشعرني بالقرف من المجاملات العابرة .. أدركتُ منذ سنوات أنهم يتحدثون عني كثيراً ، ثم بدأ هذا الحديث يقلّ .. والآن يتجاهلون وجودي .. إلا أمّي ! فأنا قضيتها الكبرى ، وشغلها الشاغل .. لم تترك برّا ولا فاجراً إلا وزوّرتنا مكانه ، سواء كان في كهف أو مسجد أو حتى خرابة ، إلى أن أقنعها خالي المتأمرك بإعمال العقل والمنطق وترك حالتي – نعم حالتي – للطب والتجربة ، فبدأ مشوار الدكاترة ، ومن عيادة لمستشفى .. كل هذا لأجل ماذا ؟ أنا إنسان عادي ، على الأقل أشعر أني عادي .. لكن دائرة البشر حوّلي تلفّ باتجاه، غير صحيح من ناحيتي ، أقف أمام المرآة فلا أرَ فرقا بيني وبين بقية أقراني .. أتحرك مثلهم .. ورغم أني لم أدخل المدرسة ، لكني أدرك مثلهم .. وأفهم مثلهم .. لماذا لم أدخل المدرسة ! كنتُ أتمنى أن يكون لي دفاتر وأقلام وكراريس .. مثل أخي ، أخي الذي سفّروه إلى بلدِ أخرى ليعيش بعيدا عني حتى لا تنتقل العدوى ! لما دخلتُ مرحلة البلوغ ، انتشر الخبر بسرعة ، وكأن بلوغي مرحلة تأريخية !! وأصبحتُ خطراً حقيقياً على كل أنثى ، لذلك تلاشت من أمامي ومن حولي كل الإناث .. وفجأة لم أستطع النظر لبنت الجيران ، ولا حتى أختي المتزوجة !! رغم سوء الأمور وضبابية الموقف ، وضياع الأسباب .. كانت عجلة الحياة ماشية .. حتى جاء ذاك اليوم الذي قررتُ فيه أن أتكلّم ، أعبّر عن رأيي فيما يحدث .. : انتو ليه تعملوا كذا ؟ أنا إنسان عادي . تدرّبت على هذه الجملة فترة طويلة ، لم يكن تدريبي للنطق لكن للموقف ، لأني ولأول مرة سأبدأ معهم حديثاً .. فأنا طوال 25 سنة مستمع ، اغتنمت اجتماع العائلة الكريمة ، ووقفت بينهم .. وفعلا سألتهم : أنا شخص عادي ، انتو ليه تعاملوني وكأني مختلف ؟ أنا قلت هذه الجملة أم لم أقلها ! تغيرت كل خطوط الطول والعرض في حياتي .. فجأة لفّوني بشرشف ثقيل ، ووالدي يقرأ الفاتحة وينفخ ، وأمي انهارت ، ولم أشعر إلا ببرودة المكان فعلمتُ أني في المستشفى إياها .. أم زجاج ثخين .. وقد أجمع الأطباء التسعة أن حالتي وصلت إلى مراحل ( صعبة ) ! ولابد من الحجر ، والتدخّل الكيميائي والعضوي والنفسي و .. الخ من قائمة الفزلكات الطبية . وكانوا فعلا جادين في التدخلات إياها .. وكلما حاولت ( التعبير ) كلما زادوا الجرعات .. وازداد الهلع في ملامح قسم الكونسولتو كلو ، حتى أنهم قرروا أن حالتي فريدة من نوعها .. فأصبحتُ بسبب – ندارة حالتي – أنموذجا مختبرياً لكل الوفود الطبية الزائرة ، هذا غير طلاب وطالبات الدكتوراه والماجستير ، وللحقيقة كانوا محترمين معي جدا ، صحيح حذرين .. ويتواجدوا معي بصحبة حماية وحرس ! لكني وجدتها فرصة للتعرف على ملامح البشر .. وأصبحتُ أمارس هواية التعبير مع كل وجه .. فكلما دخل عليّ وجه جديد .. أبدأ معه بتعبير أشعرُ أنه يناسبه ، فتختبص الغرفة بمن فيها ، والمختبر المجاور ، وتشتغل الأقلام تسجيلاً ، وأسمع هناك مشادّة بين الأطباء .. فهم منقسمون بين مؤيد ومعارض ، فهناك من يقول حرام عليكم تجعلوه كفأر المختبرات ، والآخرون يقولون في سبيل العلم كل شيء ممكن .. ويبدأ سيل الفلسفات والقيم والفتاوى .. كل هذا لأني تكلّمت ، أو بالأصح حاولتُ أوصل فكرتي للآخر .. قد أكون فقدتُ جزءً من الحرية ، لكني عرفتُ أن لي صوتاً ، صحيح صوتي سبب البلاوي المتعاقبة .. لكنه صوتي ، ولم أطالب بشيء أكثر من معرفة سبب تعاملهم معي بشكل مختلف ، كيف لو طالبتهم بقائمة الحقوق التي شرعها الله لي ! ماذا لو قلت أريد أتعلّم ، ألعب ، أتزوج ، … الخ و .. ماذا لو اشتكيت ؟ لو صرخت وقلت : تعبت ! ،، ، الناس ينظرون إلينا من ثقب إبرة ، لا يرون إلا جزء متناهي في الصغر من شخصياتنا ، ولا يريدون أن يروا أصلا إلا هذا الجزء .. ،، التعبير هو الوجه القبيح الذي يقلبهم علينا .. ،، دائما التأخر في المواجهة والتعبير يعقّد الأمور ، ويقنع الآخرين أننا كما يظنون ،،، ،، إذا سلّمت نفسك للآخرين .. ستكون في النهاية فأر أو قرد تجارب – حسب حجمك وقدراتك – ! ،، لا تتعوّد الصمت .. تكلّم مباشرة ، وأبدي رأيك ، .. نعم ، لا تكن متعجلاً فتندم .. لكن لا تسكت .. ،، لا تظن دائما أن الخطأ في الآخرين .. وأن من حولك لا يفهموك .. فقد تكون أنت غير المفهوم ، ودورانك عكس دوران البشر .. ،، |
الساعة الآن 04:53 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 RC 1
منتديات بنات مصر . منتدى كل العرب