منتديات بنات مصر

منتديات بنات مصر (https://forums.banatmasr.net/)
-   قصص - روايات - بقلم الاعضاء (https://forums.banatmasr.net/f248/)
-   -   الباص – نبضة وجدانية حزينة (https://forums.banatmasr.net/msryat607021/)

belly 05-31-2022 05:16 PM

الباص – نبضة وجدانية حزينة
 
الباص – نبضة وجدانية حزينة

جلست في ذلك الباص الكبير الذي يحوي 28 مقعداً ، و شعرت بذكري تخترق كل كياني ، ذكري بها برودة و دفئ ، سعادة و تعاسة ، ألم و بسمة ، ذكري جعلتني عاجزاً عن تحديد مسار مشاعري !

جلست في ذلك المقعد الأثير لديّ ، المقعد الأيمن في الجانب الأيمن بالصف الثالث من مقاعد الباص ، أحسست بوجود عم " جمال " ذلك الرجل الطيب الحنون ذو الشعر الأبيض و الصلعة الكبيرة و العوينات الثقيلة و البسمة التي تعلو شفتيه دوماً .

تذكرت أدبه الجم الفائق ، و إحترامه للجميع ، لدرجة أنه كان يقول للسائق :-

- يا أستاذ أحمد !

رغم أن أحمد هذا أصغر منه في الواقع بحوالي ثلاثين سنة ! ، و هو يعمل كسائق أما عم جمال فكان يشغل منصب رئيس قسم في الشركة !

كانت العلاقة بين و بينه طيبة للغالية ، و لأنني لا أجيد فن الكلمات و الحوار و التفاعل مع الآخرين فلقد دخلت إليه من الجانب الذي يحبه ألا و هو القراءة !

فكنت دوماً ما أعيره بعض الكتب - من مكتبتي المنزلية الضخمة – و ذلك لتمضية وقت الجلوس في الباص الطويل الذي يستغرق أكثر من الساعة في الذهاب و مثل ذلك في الإياب .

لكم تأملت – خلسة – ملامحه التي غضنها العمر و لعبت بساحتها الأيام لتجعله بهذه الصورة ، حينها كنت أتعجب من قوة و صبر الإنسان ، فهذا الشيخ الطاعن الذي جاوز الخامسة و السبعين يستيقظ كل يوم قبل الفجر لكي يذهب إلي شركة تبعد عن منزله بأكثر من 75 كيلومتراً ، و يتفاني في عمله .. سبحان الله !

" أنا أهين قرشي و ما أهينش نفسي ! "

قاطع أفكاري هذا الهتاف ، فنظرت إلي خلفي لأري عم " رمضان " ، ذلك العامل المهذب الخلوق ، الذي جاوز الستين ، و يحافظ علي عمله هو الآخر .. منحني بسمة كبيرة من شفتيه و تأملت شعره الأبيض مثل الثلج ! ، ذلك اللون الذي تعجبت من وجوده في الواقع ، دوماً ما نري برؤوس البشر الشعر الأبيض مختلط مع الأسود مثل الملح و الفلفل الأسود بصورة مقززة ! ، أما شعر عم رمضان فكان أبيض نقي للغاية مثل ثلج شديد البياض ...

لكم كان عم رمضان طيباً و حنوناً معي ! ، و لم أستمع منه كلمة نابية أو ساخرة في حقي قط ، و بالمثل كنت أعامله معامله حسنة تفوق معاملة أي موظف إداري – مثلي – لعامل إنتاج بسيط – مثله - .

نظرت بجواري علي اليسار لأري " عم خميس " ، ذلك الساعي النوبي البسيط الذي كان يهوي التدخين بشراهة منقطعة النظير ! ، البرودة تتجلي علي ملامحه الجامدة ، و مع ذلك فقلبه من أصفي و أنقي القلوب التي رأيتها و عرفتها خلال فترة حياتي ...!

تذكرت موقف طريف حدث مع عم خميس و ذلك بيوم مباراة لمنتخب مصر مع منتخب الكاميرون ، عندما قال له أحد كبراء الصيانة في المصنع :-

- أخبرني يا عم خميس ، من ستشجع اليوم ، الكاميرون أم مصر ؟

و ذلك في إشارة ساخرة إلي لون بشرته السوداء و أنه سوف يميل بسبب ذلك إلي تشجيع منتخب الكاميرون !

ثم سمعت صوت بصاق من خلفي ، و عندما نظرت رأيت " أبو تفة " ، زميلي اللدود ، هذا الكائن الذي لم يكن يهوي في حياته شئ بأكثر من حبه و ولعه بالبصاق في كل موضع و كل مكان مهما كان .

لكم ذهبت معه إلي " الكانتين " لكي نتناول طعام شهي من عند المدعو " رمضان تلوث " ، ذلك الرجل الذي لا يراعي أي معايير في تحضيره لطعام زواره ، فتري الذباب يملأ المكان ، و لا تتعجب إن وجدت بطة صغيرة تنقر طرف سروالك و أنت تأكل طبق فول بالزيت البارد ، أو لو تمسحت بساقك الأخري هرة جائعة تتلمس كسرة خبز ! ، و لا تشرب من هذا " الزير " الضخم ، فمصدر مائه ماسورة صغيرة تقضي الحيوانات حاجاتها بقربها !

تذكرت مزاحي السمج معه و كيف أنني كنت أهوي لف أغلفة بسكويت " بيمبو " الذهبية – وقت أن يعبأ في أغلفة ورقية مذهبة - و صنع كرات لكي أقذف وجهه بها ، و لكنني كنت خائب و عاجز و لا أقدر أن أصيبه أبداً ، أما هو فكان يقذفني بالكرة في جبيني لكي تصدر طرقعة عالية تثير ضحكاته المجنونة !

و بمرات أخري كنت أحضر بكرة الإسكوتش – اللاصق – الفارغة و أضعها علي الأرض ، ثم أركض مثل المجنون و أركلها مثل " المعبوط " لكي تضربه الكرة – البكرة – و هو جالس علي المكتب أمام الحاسب يمارس لعبته السخيفة " سوليتير"!

أفقت من أفكاري علي صوت رفيع غريب يصدر من خلفي ناحية اليسار ، فنظرت لأري المدعو " حمادة متولي " و حمادة هذا قصة أخري .. إنه يشغل منصب مدير التعبئة و مع ذلك فهو يمتلك أكثر شخصية مهزأه قابلتها في حياتي ، لدرجة أن أحد "عمال" التبعئة الجدد – و أكر الجدد ! - كان يسخر منه و يجذبه من طرف قميصه كما لو كان مجرد شحاذ مجنون لا أكثر !

تأملت ملامح حمادة ملياً لكي أشعر بالدهشة ! ، فهذا الشارب الضخم الكث و تلك الملامح الصارم

ة الباردة و هذه الهيئة الجادة توحي بشخصية مرعبة تثير الخوف في أعتي القلوب القاسية الغليظة و لكن سبحان الله ! ، العقل هو الذي يمكن أن يجعل هذه الملامح مثيرة للخوف أو مثيرة للتهكم !

تركت أفكاري هذه لكي أتابع السائق " أحمد زكريا " ، ذلك الشاب الذي يصغرني بعام واحد ، لكم كانت لنا مغامرات و صولات و جولات في هذه الشركة ، فنظراً لأن طلبات مديرها كثيرة للغاية ، كنت كثيراً ما أجد نفسي في مأمورية داخلية مع هذا السائق و حينها كنا نفعل ما يحلو لنا ، فيمكن أن نذهب إلي معرض " فرج الله " لكي نشتري منه البضائع بمبالغ زهيدة للغاية ، مثل ذلك الكيس الذي كان يحوي عشرة قطع صغيرة من الكرواسون بسعر جنيهين فحسب ! ، أي أن القطعة ثمنها عشرون قرشاً ، و هذا ما جعلني أطلق عليه إسم " لقمة الغلبان " !

و كذلك يمكن أن نذهب إلي المعصرة نشتري زيتون أو فلفل مخلل من عند " عرب" المنطقة بأسعار شديدة الرخص ، فكيلو الزيتون الممتاز لم يكن يتعدي الثمانية جنيهات بينما كان نظيره في الأسواق يزيد علي الـ 24 جنيهاً !

و كنوع من الترفيه كنت أنفق قرابة الخمسة عشرة جنيهاً في كل يوم أذهب فيه مع أحمد زكريا علي شراء الكرواسون و الشيبسي و المياه الغازية و أكياس سناكس الوندوز التي كان يعشقها هو و زوجته !

لم تكن العلاقة بيني و بينه علاقة إداري بسائق و لكنها علاقة صداقة و محبة أخوية ، علي الرغم من إختلاف طباعنا ، فأحمد زكريا هذا تبدو سيماء السكينة و الطيبة مرسومة في ملامحه و لكن بأوقات غضبه يتحول إلي شيطان مريد ، و مع زوجته يتحول إلي وحش كاسر رهيب !

لا أنس يوم أن قص عليّ أحد الشجارات مع زوجته ، عندما حملها عالياً – مثل حركة إنهاء المصارع باتسيتا الشهيرة – و هوي بها علي قطعة من رخام لكي تتحطم تماماً – قطعة الرخام لا زوجته ! - ، و عندما ظن أنها قد ماتت ، وطئها بحذائه في لا مبالاة ثم ترك المنزل ، و لقد شعر بدهش عاتية عندما رجع ووجدها حية و تبكي !

أغمضت عيني و تركت كل هذه الذكريات تنساب إلي ذهني مختلطة بأصوات الزملاء المازحة الساخرة و تفكرت في حالي ، إن طلبات المدير مرهقة للغاية ، فأنا أشغل منصب أمين الخزينة و موظف شئون العاملين و محاسب الشركة !

و يُطلب مني أكثر من عشرة تقارير كل يوم و أجد نفسي صاعد نازل علي الدرج أكثر من سبع مرات ، و رغم ذلك فأنا أحب عملي .. أحب عملي بسبب وجود هؤلاء الناس الذين أكن لهم كل تقدير و مودة ...

عند هذه النقطة من الأفكار فتحت عينيّ لكي أرمق عم جمال و لكنني وجدت مقعده فارغ ! ، فأبعدت نظري في جزع لكي أتابع عم رمضان ، و لكنني وجدت شخص قبيح الخلقه يجلس مكانه !

صعقت و نظرت إلي الجميع لكي أنتبه إلي أن الجميع مختلفين ، حتي السائق أصبح مجرد شخص بدين يشبه الممثل " خالد صالح " عندما أدي شخصية " خنزيرة " !

أحسست بخفقات قلبي تتصاعد و كل الوجوه تختفي و تتفسخ و تتمسخ ...

عم خميس تغير لونه للأبيض و حمادة متولي تحول إلي شخص كريه يشبه الخرتيت و أبو تفة إختفي تماماً .. الكل إما تحول إلي أشكال بشرية بشعة أو تلاشي ..

ثم أدركت الحقيقة ...

هذه هي شركتي الجديدة و هؤلاء هم عمالها و موظيفها الجدد ، و أنا لست سوي أمين مخزن نكرة الكل يتكبر و يتعالي عليه ... لقد ذهب كل شئ .. ذهبت الوجوه الطيبة و القلوب المنيرة لكي أجد نفسي وسط هذه الغابة البشعة !

و لم يتبقي لي سوي غصة عالقة في القلب بلا زوال !

تمت بحمد الله سبحانه و تعالي

الإثنين 5 / 3/ 2018

ملحوظة

هذا العمل يمثل مشاعر حقيقية مررت قبلاً بالفعل و ذلك بعد تصفية شركتي السابقة و إنتقالي للشركة الحالية و عندما ركبت الباص لأول مرة أحسست بأن أرواح الشخوص السابق ذكرهم تحيطني بالفعل لكن دون وجود الأجساد و هذا أصابني بغم و ألم مضاعفين ، و أحب التنويه بأنه علي الرغم من مرور أكثر من أربع سنوات علي كتابة هذا الكلام لكن هذا لا ينفي حصريته ، فلم أنشره قبلاً قط

بحر القمر 05-31-2022 06:20 PM

وصف جميل لبعض احوال انسان اصيل
اسعدك الله اخي
تقبل مروري

ساحر الأحزان 05-31-2022 06:21 PM

مذكرات جميله منك لاشخاص كان بينك وبينهم

عشره واخوه

لم تنسي من طرفك

فقد نسجت الاحداث بكل احترافيه

تدل علي مدي مهاره وتميز قلم اخي العزيز

جميل ما سردت وجميل ما اتيت به علينا

احسنت مع تمنياتي لك بدوام التوفيق

حـيـــــآة ❤ 05-31-2022 06:29 PM

وانا يقرأ
حسيت اني بقرأ روايه بجد
اسلوبك جميل ❤️

belly 05-31-2022 09:37 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ياسر عبد الباقي (Post 5287512)
وصف جميل لبعض احوال انسان اصيل
اسعدك الله اخي
تقبل مروري

ربنا يكرمك اخي الغالي
اكيد نورني وجودك
و لو تكلمنا عن الاصالة
اكيد حضرتك هاتكون عنوانها الرئيسي
الله يوفقك لكل خير
و يارب تكون عند حسن ظنك دايما
شرفني مرورك الاطيب العطر

belly 05-31-2022 09:41 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ساحر الأحزان (Post 5287513)
مذكرات جميله منك لاشخاص كان بينك وبينهم

عشره واخوه

لم تنسي من طرفك

فقد نسجت الاحداث بكل احترافيه

تدل علي مدي مهاره وتميز قلم اخي العزيز

جميل ما سردت وجميل ما اتيت به علينا

احسنت مع تمنياتي لك بدوام التوفيق

علي الرغم من اني اعمل بشركتي الحالية منذ ٧ اعوام
لكن لا اقدر علي نسيان رققاء الشركة السابقة
فقد كانوا عشرة عمر بحق
و لا يوجد من يساوي اقل واحد منهم بالشركة الحالية
انا عاجز عم الشكر اخي امجد
دايما تسعدني و تتحفني بردودك الجميلة المميزة
و اتا لا استحق كل هذا المديح
انا كاتب علي قد حاله اوي
ده لو كنت استحق لقب كلمة كاتب من الاصل
وفقك الله لكل خير
و دمت بحفظ الرحمن

belly 05-31-2022 09:48 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حـيـــــآة ❤ (Post 5287516)
وانا يقرأ
حسيت اني بقرأ روايه بجد
اسلوبك جميل ❤️

الله يخليكي يا رب يا حياة
ده بس من ذوقك و كرم اخلاقك
و انا يعني كتاباتي متواصعة جدا
وبالنسبة للاسلوب فهو التلقائي
من غير تصنع او تكلف و يمكن ده بيخليه يوصل للمتلقي
بكل اريحية و سلاسة
نورني وجودك اختي القاضلة
و يارب يعجبك كل جديد باذن الله
و دمتي بحفظ الرحمن

دمعه حائره 05-31-2022 10:38 PM

اسلوبك شيق وروائي مميز
القصه تحمل مشاعر قليل اللي يتمسك بيها الايام دي
ربنا يوفقك في حياتك ولازم تستمر في الكتابه
في انتظار كل جديدك

Lamees 05-31-2022 10:55 PM

اكتر شخصية لفتت نظري احمد زكريا
السائق زعلت اوي عليه مرتبه كله رايح على الرخام
ومراته المسكينة الله يرحمها بقى لو كانت لسه عايشة
مهي الرحمه بتجوز على الأحياء بردوا
الشعور بالحنين والاحتفاظ بالعشرة الطيبة وتذكرها
من شيم ولاد الأصول استاذ belly
رائع كنت في سردك وروحك المرحة في الوصف
اسعدني كثيرا التواجد بين سطورك استاذنا
تحيتي

belly 05-31-2022 11:24 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة دمعه حائره (Post 5287672)
اسلوبك شيق وروائي مميز
القصه تحمل مشاعر قليل اللي يتمسك بيها الايام دي
ربنا يوفقك في حياتك ولازم تستمر في الكتابه
في انتظار كل جديدك

الله يخليكي اختي الكريمة منه
كلماتك وسام علي صدري بجد
لكن الحقيقة اني متوقف عن الكتابة بقالي اكتر من سنتين
النفس مش جايه كتابة خالص
و انا سعيد ان كلماتي المتواضعة البسيطة دي
نالت اعجابك
الله يسعدك و يوفقك يارب
و يارب يعحبك كل جديد - مكتوب سلفا -
و باعتذر لكل شخص بعت ليا رسالة زائر
و مقدرتض ارد عليه عشان فيه مقدار معين من المشاركات مبلغتوش لحد دلوقتي
وفقك الله و دمتي بحفظ الرحمن


الساعة الآن 06:28 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 RC 1
منتديات بنات مصر . منتدى كل العرب

a.d - i.s.s.w