الحشمة، مش بس للناس الي تسموهم (مطاوعة)!ا
أنا سعودية مغتربة، صار لي عدة سنوات ادرس في الخارج، وكانت في مدينتي مجموعة سعوديات أخريات، اللي تدرس واللي ما تدرس، المتزوجة والغير متزوجة، اللي جاية مع زوجها مرافقة، أو المبتعثة اللي معها ابوها او اخوها، وطبعا زي ما حالاتنا الاجتماعية متنوعة، برضو طريقة لبسنا مختلفة وبدرجات متفاوتة، اللي تلبس جينز وبلوزة طويلة الأكمام وطرحة على راسها، واللي تلبس جلباب وخمار، واللي جاية بالعباية الملونة، واللي متنقبة، واللي تكشف شعرها وتلبس (كاجوال) لتمتزج مع المجتمع الغربي، يعني العامل الجامع الوحيد بيننا هو انه كلنا مغتربات سعوديات.
كنا نجتمع أحيانا في إحدى الصالات او بيوت بعض، وكنا نمزح مع المجموعة الملتزمة ونسميهم “الشلة المثالية”، لأنهم كانوا مرة ما شا الله محافظات من ناحية اللبس او مواضيع الكلام، وبرضهم كانوا ستات بيوت من الطراز الاول، يعني اذا جابوا طبق ما شا الله متقن وضيافة على أصولها. المهم الحمد لله كان في احترام متبادل بين الجميع ولا حد يتعدى على التاني. مرة واحنا جالسين في جمعتنا بدأت إحدى الأخوات المثاليات تلقي علينا كلام وتنصحنا عن طريقة لبسنا، سواء كانت في الخارج امام رجال او بالداخل أمام نساء. وانتقدت اللبس العريان مرة أو المحزق، حتى لو كان قدام بنات. المهم صار هرج ومرج، والبعض زعل، والمهم كلام طويل وانصرفت كل وحدة بيتها.
اجتمعنا بعدها بفترة نحتفل بالعيد في الصالة (طبعا كلنا كنا نساء). وجبنا (بيبي سيترز) أو مربيات كنديات عشان يمسكوا الاطفال، وناخذ راحتنا. المهم احدى البيبي سيترز كانت تطالع كلما دخلت احدى السعوديات من الشارع على الصالة، واول ما يدخلوا يشيلوا طرحهم وعباياتهم و(المنقبات طبعا يشيلوا نقابهم)، طبعا للآن الوضع عادي. لكن للآن اتذكر نظرة الدهشة على وجه هذه الكندية، لما كانت البعض (يشلحوا هدومهم) الخارجية ويبان لبسها عريان، ووجها طن مكياج، وطبعا (الكليفيج) أي (خط الصدر)، ويكاد صدرها أن يقفز من مكانه استعدادا للارضاع، وغيرهن من يكشف ظهره كله او فخوذه.احنا اتعودنا على الوضع دا في افراحنا بالسعودية، لكن الكندية كانت مصدومة، لأنه لما تشوفنا محشمات بالخارج، على طول يجي في بالها اننا متسترين بزيادة، بس لما شلنا العبايات وبان اللبس متناقض جدا، صارت البنت الكنديية تبلحق باستغراب او صدمة. وانا حسيت باحراج.
على اخر الحفلة جلست أتكلم مع الكندية، وصارت تسألني عن ليش احنا نتغطى كدة برة، وليش نلبس الطرحة والجلباب، المهم فهمتها الهدف من الحشمة أمام الرجال، لكي نضمن أن لا ينظروا الي اجسادنا بل الى شخصنا وعقلنا، مما يؤدي لاحترامهم لنا كانسان. وأتضح لي أنها عندها سوء فهم لأسلوب لبسنا المبالغ جدا في التعري امام (النسوان)، واضيفي للموضوع انه اول ما تدخل وحدة تبوس الجميع وتتعانق، ولما نرقص مصري نهزهز لبعض. يعني الأخت فهمت انه إحنا بنغري بعض. وينما نتحاور القت الكنديية سؤالا وقالت:
- يعني انتم “ليزبيان”؟
كلمة “ليزبيان” lesbian تعني البنت الشاذة.
اتخيلي الصفعة دي على وجهي، وقمة الإحراج، يعني مفهوم العباية والمبالغة في الاحتشام أمام الرجال أمامهم للحماية من نظراتهم وتحرشاتهم وشهواتهم، ما ركبت معاها مع موضوع قمة عدم الاحتشام والهزهزة والرقص المغري أمام النساء. تقول البيبي سيتر الكندية انها اشتغلت قبل كدة لناس مسلمين عرب وغير عرب، منهم السوريين والباكستانين وغير ذلك من الجنسيات، و عمرها ما شافت حاجة زي اللي عندنا. وكانت تقول انه كثير من الأحيان تدخل المسلمة ولا تشيل جلبابها أو طرحتها، وكانت طريقة لبسهم غاية في الأناقة والتناسق لونا وشكلا. انا بعدها فكرت، وقلت أي والله، ليش احنا السعوديات كدة؟ ليش لازم الجمال عندنا مقترن بالتعري؟ طب الدنيا مليانة موديلات تجنن وماهي عريانة. ليش لازم يبان ظهرنا وصدرنا عشان نرى نفسنا حلوين؟
لما حكيت لصحبتي السعودية عن دي الحادثة (بدون ذكر كلام الكندية عن الشذوذ)، قالتلي، “أنت متأكدة انها كانت تبحلق عشانها مندهشة، يمكن تكون معجبة؟” معجبة ايش انت التانية؟؟ لهده الدرجة وصلنا الغرور انه بحلقة الناس من الفجعة فينا صار اعجاب؟
وعشان لا تقولوا تبغي تعقدينا وخلينا نلبس كأننا (قراوى أو مطاوعة)، ولمن عنده عقدة نقص ولازم يتبع الغرب حذو القدة بالقدة، طالعوا لأميرات أوروبا الارستقراطيات، طالعوا للطبقات الراقية الأمريكية في حفلاتهم، هل هم بيلبسوا ملابس زي المغنيات؟ لو تطالعي ملابس الأغنياء الراقيات في البلاد الغربية، في المناسبات الرسمية او حتى أفراحهم، دائما فيها شيء من المحافظة، عمره ما في صدر ولا كليفيج ولا ظهر، ومافيها أي ابتذال، ولا طن مكياج، ولا حواجب رفيعة مرة كأنها شيطان. بالعكس، مكياجهم طبيعي جدا، انثوي، حواجبهم معتدلة و(طبيعية) حتى انه احيانا بعض المسلسلات الامريكية اللي تصور الوسط الراقي في حفلاتهم الرسمية، لما تجي تدخل عليهم وحدة لابسة مرررة مفصخ او شفاف او ملابسها الداخلية باينه، ونظرتهم اليها على أنها حثالة رخيصة تغري الرجال.
أما احنا عندنا حتى العجائز واللي جسمهم ما يؤهل صاروا يتفسخوا ويلبسوا عريان وطايرين بنفسهم.
اتذكرت كلام صاحبتنا الملتزمة، صحيح انها كانت على حق، بس انه لما جات منها، قلنا عليها مطوعة، وما اتقبلنا. بس لما جات الكلمة من وحدة غير مسلمة، والله كانت صفعة قوية وصحتني. من يومها صرت ما أحب البس عريان حتى لو كانوا قدام البنات، وصرت أحاول أكون أنيقة بطريقة مسترة، يعني ما أقول انه مرة صرت زي الشلة المثالية، لكن برضو صرت احب اكون مسترة ومحتشمة قدر الامكان.
إحنا قومنا الدنيا وقعدناها على فضايح الكاميرات الخفية في الأفراح، وكاميرات الجوال، ولا عمره أحد فكر انه ممكن يكون عقاب من ربي على تعرينا في الأفراح، سوينا المستحيلات عشان نقلل من إمكانية دخول جوال الكاميرا، شددنا الأنظمة، لكن ما فكرنا نعالج اساس المشكلة، وهي أنفسنا، وعقدة النقص اللي فينا.
صحيح اللي قال:
Beauty is in the eyes of the beholder
الجمال هو ما تجسده عين الناظر. اتغير مفهومي للجمال، الجمال عمره ما كان مقترن بالعريان الا في وقتنا الحال، للأسف دا مفهوم جديد من غسيل المخ حق الفيديو كليبات انه لااااازم نصير زي حثالة الغرب، بدل ما نصير زي الطبقة الراقية حق الغرب (ان كان ولابد نقلد الغرب، بس اتمنى ماحد يفهم الكلام انه انا بأشجع نقليد الغرب، مرة أخرى انا اوجه الكلام للي ما عندهم ثقة في مجتمعنا وملابسنا وذوقنا المسلم)
لما رجعت على السعودية الصيف الماضي، كنت ما زلت في نفس ‘طريقة التفكير “المينتاليتي” mentality. وحسيت بأزمة لما كنت بأدور فستان لفرح اقاربي، وقررت انه يكون جميل وانيق بس مو عريان. المهم قريباتي وصحباتي صاروا يقولوا علي مطوعة: “ليش لابسة كدة؟ ايش قلبتي مطوعة؟ يبغالنا نحصلك واحد مطوع دقنه قد كدة عشان تتزوجيه.”
أتمنى من الجميع ما يفهم إنني أؤيد مثل هذه الكلمات أو التريقة على الملتزمين، وتسميتهم مطاوعة، لأنها كلمة كبيرة انذكرت في القران
((الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين ….. فيسخرون منهم سخر الله منهم)) سورة التوبة آية 79
بالعكس دا شرف انه يكون الإنسان ملتزم إن كان الالتزام نابع من قلبه وليس رياء
ثانيا الالتزام مو معناه بس عباية راس او لحية، هو جوانب كثيرة جدا جدا ان وفقنا لتحقيق احدها يمكن ما نقدر نحقق غيرها.
ولكن عندنا في السعودي التصنيف السائد للناس نوعين، يا أنك ملتزم، تنظر لغيرك انه صايع، أو انك كوول، وتنظر لغيرك انه مطوع. يعني انت تصنف حسب مظهرك فقط، والله يعلم ايش في القلوب.
أنا مش فاهمة ليش كدة العنصرية. الملتزمين في السعودية يجلسوا يزعقوا على الغير ملتزمين، والمتحررين يجلسوا يتمسخروا على الملتزمين. ليه كدة ؟ ليه مافي تناصح بأسلوب لبق جميل وتقبل للنصح؟ ليش ما نكون أمة وسط؟ مو إحنا كلنا مسلمين؟ ((هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذا)) ((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)) ((وجعلناكم أمة وسطا)) ((وادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة))
وللأسف يمكن الكثير ما حيفهمني، لأنه ما عاش التجربة دي. بعد كم سنة قضيتها في الغرب وأنا متسترة، في الجامعة وفي السوق وفي كل خرجاتي، اتعودت، صرت أحس انه صعب علي أتعرى، حتى لو كان قدام بنات. ويا ريت كل وحدة تحط نفسها في هدا الموقف، يومها فهمت حقيقة معنى الحديث الكريم ((إن الله أحق أن يُستحى منه من الناس)) وأنه ((كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها))
في ناس تقول انه الحياء من يوم يضيع، عمره ما راح يرجع. لكن أنا عشت التجربة، وتجربتي الشخصية تقول عكس كدة. صرت أحس بالإحراج لو لبست عريان، بعدما كنت امشي به وانا فرحانة بنفسي كأني أحلى وحدة في الحفلة.
أنا عارفة أنه قصتي ماهي حاجة “سبايسي” ولا فيها بهارات، انها قصة عادية جدا، لكنها قصتي أنا الواقعية، وأحيانا كلمة واحدة، ممكن تغير أسلوب حياة شخص كاملة. وأحيانا بعض الناس تخش أذانهم كلمة وكلمات وموشحات وتخرج من الإذن الثانية، وما يصحيهم الا حادث موت قريب أو مصيبة كبيرة.