قوله تعالى :. {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
قوله تعالى :. {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
هذا قليل من كثير من مظاهر المحبة والرحمة فى الاسلام ... فأين تتواجد مثل تلك الأخلاق السامية والتوجيهات النبيلة والرحمات ... فالحمد لله على دين الإسلام العظيم دين الحب.. الرحمة.. الود والإخاء.
يقول الله عز وجل :. {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
ويقول الله عز وجل: .{ ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى } النحل 90.
عدل واحسان وايتاء ذي القربى.. فهل لاحظت كلمة يأمر؟
ويقول الله تبارك وتعالى: .{ والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين} آل عمران 134.
و:.{ ان رحمت الله قريب من المحسنين} الأعراف 56.
ويقول تعالى: .{واصبر فان الله لا يضيع أجر المحسنين} هود 115.
ويقول تعالى: .{ وهل جزاء الاحسان الا الاحسان} الرحمن 60.
ويقول تعالى: .{ ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} النحل 128.
سبحان الله!! المحسنون يشعرون يمعيّة الله...
ويقول تعالى:.{ للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} يونس 26. ان الزيادة هي رؤية الله تعالى.
ان الآيات السابقة أثرت في القلوب تأثيرا كبيرا.. لأنها قلوب طاهرة مؤمنة تقية موصولة بربها.
لقد تعارف الناس على أن الإحسان .. في عبادات الطاعات فقط، وليست العبادة بمفهومها الشامل الذي ذكرته الآية الخالدة:.
{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام: 162).
الإحسان: الإخلاص. والإحسان: المراقبة وحُسن الطاعة. والحسنة: ضدُّ السيئة. وهو يُحسِن الشيء إحسانًا، أي: يَعلَمه ويُتقِنه. والحُسن: ضدُّ القبح، وحَسَّن الشيء تحسينًا زيَّنه..
الإحسان.. هو الإطار الذي يستوعب أعمال الإنسان الحميدة، يقول نبي الرحمة - صلى الله عليه وسلم- عنه: .
(أن تعبُد الله كأنك تراه, فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
إن هذا الحديث يستطبن معنىً عميقاً لم يعد الناس يهتمون به من كثرة سماعهم لهذا الحديث، فإن الإحسان ليس أن تعبد الله وتدري أنه يراك،
بل أن تعبد الله كأنك أنت تراه، فإن هذا المعنى يولّد مجموعة عظيمة من المعاني..
يولد العمل مع حب الله سبحانه وتعالى؛ لأنك إذا رأيت الله، واستشعرت أسمائه وصفاته من الرحمة والعظمة، والحلم والعلم، والكرم والجود، والعفو والصفح، ولّد هذا حباً لله سبحانه وتعالى، وأوجد عندك التعظيم له..
لو عرف كل فرد منا أن معنى:. (كأنك تراه) هو:. "بأن تتأدب في عبادته كأنك تنظر إليه، فجمع بيان المراقبة في كل حال، والإخلاص في سائر الأعمال، والحث عليهما" كما يقول الإمام المناوي.
لو أدركنا أن معنى: .(فإن لم تكن تراه فإنه يراك):. "أي فاعلم أنه يراك في جميع الأحوال، فيجب عليك أن تحسن الأعمال" كما يقول الإمام القاري.
لقد قال الله تعالى:. "مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" (التوبة: 91)، يقول الإمام القرطبي في شرحها:.
"وهذه الآية أصل في رفع العقاب عن كل محسن".
النتيجة:. "فَآتَاهُمُ اللهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" .(آل عمران: 148).
يقول الإمام القرطبي في شرح قول الله تعالى:. {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (التوبة: 91): .
"هذه الآية أصل في رفع العقاب عن كل محسن"، فـإن الإحسان غاية رتب الدين وأعظم أخلاق عباد الله الصالحين!" كما يقول الإمام المناوي.
فيعمل المؤمن وهو يحب الله ويرجوه، ويخافه ويعظمه، ويتذلل لله؛ لأنه يستشعر ضعفه أمام الله وحاجته في كل ذرة ونفس من كيانه في كل لحظة من عمره، وأنه يفتقر أشد الفقر لله سبحانه..
وإذا عمل المؤمن بهذا الشعور، وطلبه بهذا المستوى فإنه سيؤدي العمل والعبادة على أكمل وجه؛ لأن جميع الطبائع البشرية وجميع المشاعر تتحرك في جسده لله عز وجل، فهو بالله يأكل ويشرب، ويعمل ولله يفعل، (فإن لم تكن تراه فإنه يراك): لا أحد يرى الله سبحانه في الدنيا، ولا أحد يستطيع ذلك، ولكن إن لم تستطع أن تكون كأنك ترى الله فلا يفوتنك أن تشعر برؤية الله لك ومراقبته.
هذا هو أعظم الإحسان وأساسه، ومنه تنبثق فروع الإحسان؛ الإحسان إلى: الخلق، إلى الوالدين "وبالوالدين إحساناً"، وإلى القريب والجار، والصديق والعشرة الزوجية والناس، بل حتى الطلاق يحتاج لإحسان "فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ"..
والتشريع الإسلامي يذهب إلى أبعد من هذا؛ إلى الإحسان في القتل أيضاً!، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:. (إن الله كتب الإحسان إلى كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحدّ أحدكم شفرته ويرح ذبيحته).رواه مسلم وأصحاب السنن.
قال الإمام الآبادي في "عون المعبود":. "(كتب الإحسان على كل شيء): على بمعنى في، أي أمركم به في كل شيء".
فالإحسان، إحسان القلب يحب الله وخوفه ورجاءه، وإحسان الجوارح بعبادة الله، وإحسان اللسان بطيب الكلام، إحسان إلى الأقربين والأبعدين، وإحسان إلى الأصدقاء والأعداء، وإلى المؤمنين وغير المؤمنين..
يقول الله عز وجل:. "وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً"، قال ابن عباس: الناس: المؤمن والكافر واليهودي والنصراني..
عمر بن الخطاب يحسن إلى قبطي، ويرد إليه حقه، وقال لعمرو بن العاص: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهم أحراراً؟
فهذه النماذج وغيرها سيرة حياتية عملية مطبّقة لم تكن شعارات ترفع، بل كانت ممارسة حقيقة عفوية تنطلق من قلوب صادقة؛ أحسنت بالإيمان بالله سبحانه وتعالى، فأحسنت إلى عباد الله.
ووجوه الإحسان هي بحسب الإنسان، وبحسب موقعه، وبحسب قدرته، وبحسب اهتمامه، إحسان بالمال والجهد والعلم والعمل والجاه والمنصب، والشفاعة والمشورة والنصيحة والتوجيه، وبذل الوقت والمؤانسة والكلام الطيب..
فأحسنوا إن الله يحب المحسنين.
وإن كل إحسان يقدمه المرء فهو لنفسه، وعائد عليه بالحسنى والتفضل، يقول الله عز وجل: "إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ"..
ولن يعدم المحسن عرفاناً بالجميل في الدنيا أو الآخرة..
عليك أن تحسن في كل شيء في حياتك وليكن شعارك:...
' واحسن كما أحسن اليك'..
ويقول الله عز وجل:.{ الله أنزل الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعرّ منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر الله، ذلك هدى الله يهدي به من يشاء، ومن يضلل الله فما له من هاد} الزمر 23.
انه معنى عظيم، فانه الذي نزل علينا أحسن ما نزل من الكتاب. فلقد أحسن الله خلق الكون.. واحسن خلقتك.. واحسن الكتاب المنزل عليك..
يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.
وفقنا الله والمسلمين لكل خير وجعلنا وإياكم من الْمُحْسِنِينَ ..نسألك اللهم حسن الخاتمة وأحشرنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين يارب يارب يارب يارب آمين ....لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. وصلي الله علي سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم.
د. سلمان بن فهد العودة .
|