رئيس البنك الأهلي الأسبق يكشف حقيقة صراعه مع مبارك وعائلته
عمر سليمان حذرني من مؤامرة تحاك ضدي
ونصحني بأن أنجو بنفسي وأستقيل
رئيس البنك المركزي خيرني بين الاستقالة
من البنك التجاري الدولي أو الاعتقال من
قبل أمن الدولة
عُرف عن محمود عبد العزيز، رئيس البنك
الأهلي الأسبق، صراحته التي كانت سببا في
إزاحته من البنك، وعُرف أيضا عن الرجل أنه
"مخزن" أسرار كان يتحاشي التحدث عنها خوفا
من "العواقب" لكن الرجل وبعد سقوط نظام مبارك
فسر للجميع معني هذه العواقب التي كانت تعني
وبوضوح القتل بدم بارد أو السجن في زنازين أمن
الدولة.
فجر عبد العزيز، رئيس اتحاد المصارف المصرية
والعربية الأسبق، مفاجآت مذهلة في شهادته علي
النظام السابق كاشفا مدي التدخل والتلاعب في
أموال البنوك والمودعين لصالح الكبار بداية من
جمال مبارك وليس انتهاء برؤساء حكومات مبارك
الذين يقتربون الآن من مكتب النائب العام
وكشف عبد العزيز للإعلامي جمال عنايت في
برنامج «علي الهواء» عن تعرضه لجميع وسائل
القهر والتنكيل، التي وصلت الي حد تهديده بالقتل
مرتين، الأولي من قبل المؤسسة الرئاسية والثانية
من الحكومة، علاوة علي تهديدات الاعتقال.
يروي عبد العزيز قصة خروجه من البنك
الأهلي في تسعينيات القرن الماضي بعد أن دخل
في العديد من الصدامات مع النظام وتحديدا مع
مبارك وعائلته، وبدأت أولي هذه الصدامات مع
جمال مبارك الذي أقحم نفسه في عالم البيزنس،
وهو الأمر الذي دفع عبد العزيز إلي الخروج من
البنك الأهلي عام 1999، ويقول عبد العزيز "جاء
جمال مبارك ليكون صندوقا نقديا في البنك،
وبذلت كل جهدي لمنعه لكني لم أفلح، ونقلت
اعتراضي لوالده الرئيس السابق حسني مبارك
ووالدته سوزان هانم وقلت لهما لا يجوز أن يعمل
جمال في البيزنس، مع العلم أنه في هذا التوقيت
لم يكن يتطلع الي وراثة السلطة، وردت سوزان
مبارك علي كلامي بقولها أولادي يريدون السفر
الي لندن وأنا أريدهم بجواري، قلت لها أتركيهم
ومصر تتسع لاي شخص يريد أن يعمل في مجال
البيزنس شريطة أن يكون بشكل علني ولا يعمل مع
الحكومة والقطاع العام".
لم يستمع جمال مبارك إلي نصيحة عبد العزيز
ووصل به الأمر الي أنه قدم نفسه، في ذلك
الوقت، علي شاشة التليفزيون المصري بوصفه
عضو مجلس إدارة شركة هيرمس، وهي الشركة
التي عانت في هذه الفترة من أزمة ما دفع
عبدالعزيز، بوازع وطني، إلي شرائها ودمجها
سريا، وعلي طريقة قهر الكبار، كما يصف عبد
العزيز، دخل جمال مبارك في هيرمس التي لا
يملك فيها حتي الان سوي من 20 - 25% فقط
وليس صحيحا أنه يملك 70% ، فجمال كان يملك
أقلية في الشركة ولكنها أقلية تفوق الأغلبية.
أسباب عدة كانت سببا في خروج عبد العزيز
من رئاسة مجلس إدارة البنك الأهلي دون التجديد
له، وهو ما وصفه بلي الذراع الذي وصل الي حد
تهديده بالقتل مرتين من جانب الحكومة والرئاسة،
فقد تعرض عبد العزيز لمؤامرة قبل خروجه من
منصبه بستة أشهر من د.كمال الجنزوري رئيس
الوزراء وقتها بالاشتراك مع نائبه المشرف علي
الإدارة المالية، حيث تجاوز رئيس الوزراء
اختصاصه لمدة 48 ساعة بأن سحب 5.3 مليار
جنيه من سيولة البنك الأهلي، وهي السيولة التي
تغطي كل البنوك المصرية، وذلك لإخفاء اخفاقات
الاستثمارات الكبري التي قامت بها الحكومة،
حيث تلقي محافظ البنك المركزي ووزير المالية
اتصالا من رئيس الوزراء دون طلب رسمي لسحب
هذا المبلغ لتغطية عوراتهم في المشروعات
الحكومية الكبري كمشروع توشكي وأبو طرطور،
وهي المؤامرة التي اكتشفها عبدالعزيز عندما سأل
عن مركز السيولة فأخبروه بما حدث.
لم يصمت عبد العزيز علي ما فعله الجنزوري
وذهب للنائب العام ماهر عبد الواحد ليقدم بلاغا
ضده بشأن المبلغ الذي سحبه، فأبلغه النائب العام
أنه سحب الأموال بتعليمات من "فوق"، ورد عبد
العزيز "أتقي الله وأنا لن أذهب إلا بعد أن أقدم
بلاغي، وتتم محاسبة محافظ البنك المركزي ووزير
المالية"، ولم يعلق النائب العام سوي بقوله إن
الاستيلاء علي المال العام حبسه وجوبي. ترك عبد
العزيز مكتب النائب العام متوجها إلي رئيس
المخابرات عمر سليمان الذي نصحه بترك منصبه
"لأن هناك مؤامرة تدبر ضده".
محمود عبد العزيز إذن كان يمثل صداعا في
رأس السلطة فالجميع كان يعلم أنه لا يخشي أحدا
وأنه لا يسكت علي فساد، ولا يخشي أن يشكو
للرئيس السابق من أي مضايقات أو قهر يمارس
ضده، فالرئيس - طبقا لكلام عبد العزيز- كان
يستمع ويتحاور في الـ10 سنوات الأولي له من
الحكم وكان يجتمع بالمصرفيين ورجال البنوك
ليستمع لهم ويتحاور معهم، لكن في الـ20 عاما
الأخيرة تسلط عليه رجال الحزب الوطني وكهنوته.
عبد العزيز لم يصمد طويلا أمام كل هذه
التجاوزات بعد أن علم بأن هناك مؤامرة أخري
ضده تهدف الي قتله، بل إنه علم طريقة الاغتيال
أيضا حيث تم اخباره بأن سيارة ستصدمه في
الطريق، وهي المؤامرة التي كشفها له اللواء عمر
سليمان رئيس جهاز المخابرات العامة من دون أن
يخبره عن تفاصيلها، ونصحه بأن يطلب من
الرئيس مبارك الخروج قبل أن تنتهي مدته الفعلية
بثلاثة أشهر، وبالفعل أتيحت الفرصة لمحمود عبد
العزيز عندما كان يحضر مؤتمرا لعيد المصرفيين
خارج مصر، وأثناء المؤتمر أتصل به مبارك وكانت
حالته المزاجية جيدة فطلب منه عبدالعزيز إعفاءه
من مهامه في البنك الأهلي بحجة إصابته بمرض
السرطان، وبالفعل أبلغ الرئيس كلا من محافظ
البنك المركزي اسماعيل حسن، ووزير المالية
بطرس غالي، ووزير قطاع الأعمال عاطف عبيد،
وقال لهم "عبد العزيز مش عايز يكمل" فردوا عليه
"ولا أحنا عاوزينه"، فطلب مبارك من عاطف عبيد
أن يصدر له قرارا ليتولي رئاسة بنك الـ cib، لكن
عبدالعزيز رفض لتأكده من انه معرض للاقالة في
أي وقت وفضل أن يكون ممثلا للمساهمين.
التهديدات بالقتل لم تكن الوحيدة لكن عبدالعزيز
تم تهديده أيضا بالاعتقال من قبل أمن الدولة. يقول
عبد العزيز "أثناء رئاستي البنك التجاري الدولي،
استدعاني محافظ البنك المركزي محمود أبو العيون
من إجازة وأخرج لي ورقة تخص البنك التجاري
الدولي ـ سرقت منه بطريقة أو بأخري ـ ووضعوا بها
استقالتي وقال لي وقع عليها، فرفضت وطلب منه
الاتصال برئيس الوزراء فقالي لي إنه لا يعلم شيئا
لان الأمر جاء من سلطة الرئاسة، فقلت له أنا
موافق بشرط أن تقول لصديق لي بالتليفون أنك
تأخذ تعليمات وليس لك قيمة، وذلك ليكون هناك
شاهد عيان علي ما يحدث، فقال لي إما أن توقع
علي الاستقالة أو أن تذهب لغرفة أخري تجلس
فيها 8 أيام دون دواء، وكان يقصد بها جهاز أمن
الدولة، فحاولت الاتصال بصديقي وهو د. إبراهيم
كامل والمعروف عنه قربه من الرئيس مبارك، لكن لم
أجده، فاتصلت بنائبي محمود هلال وأبلغته أنه
مطلوب مني التقدم باستقالتي، فأخذ مني المحافظ
الهاتف وقال لمحمود: أنا عندي تعليمات من فوق
ومش قدهم وأنا مليش صفة وأنا مش محافظ،
فقال لي محمود هلال وقَّع علي الاستقالة وأنا
سأوقع بعدك بعد ثلاثة شهور، كان الهدف من ذلك
هو الاطاحة بي حتي يأتي وزير من الحكومة ليتقلد
منصب رئاسة البنك".
ينتقل عبد العزيز بحديثه إلي فترة تولي عاطف
عبيد منصب رئاسة الوزراء وهي الفترة التي
أضيرت فيها البنوك ليكون خلفا للجنزوري، يقول
"عندما توليت مهامي في بنك الـ cibكان عاطف
عبيد وقتها رئيسا للوزراء وبدأت تنهال عليه
مغريات الفساد وبدأ يفكر في أن يأتي برئيس بنك
يعطيه 60 ألف دولار وبالفعل جاء بأحمد البردعي
لبنك القاهرة، وأخبر عبيد الولايات المتحدة
الامريكية انه يرغب في الاستعانة برجال بنوك من
ذوي الخبرات، لكنه لا يملك الأموال الكافية،
فأعطته أمريكا مبلغ 40 مليون دولار كصندوق
نقدي تولته فايزة أبو النجا، لكن أمريكا اكتشفت
أنه استعان بمستشاريه ومستشاري الخصخصة
ورؤساء البنوك، مثل أحمد البردعي ومحمود
عبداللطيف رئيس بنك الاسكندرية، اللذين
استفادا من هذه الاموال، فعبيد أستورد قيادات
للبنوك وأهدر الخبرات الموجودة بحجة التطوير،
ومن هنا حدثت الفجوة في الاجور، فالنائب في
القطاع العام يتقاضي 6 آلاف ومني ياسين التي
استوردها عبيد لتكون نائبة الاحتكار تأخذ 50
ألفا. بعد أن اكتشفت أمريكا هذا الامر شكلت
صندوقا مختلفا سمي صندوق تطوير البنوك
العامة الذي يمول من تحصيل 5% من أرباح البنوك
العامة، وهو ما أطلق عليه بعد ذلك الصنودق
الأسود، وهو الخاص بقيادات البنوك الذين وصلت
مرتباتهم الي ما يزيد علي مليون جنيه".
ينتقل عبد العزيز للحديث عن سوزان مبارك
ويقول جاءت الهانم الي الدويقة قبل أحداث انهيار
صخرة الدويقة وقالت إن البنوك عليها لوم فيما
يتعلق بإقراض الاموال لبناء المساكن، فقلت إنه لابد
من تعديل مادتين من القانون تضمن حقوق البنوك
مثلا إذا تأخر مالك الشقة عن السداد 6 أشهر
متتالية يمكن ان يرد البنك له الاموال التي سبق ان
دفعها إضافة إلي فوائدها مقابل سحب الشقة منه
ومنحها لغيره، لكن طلعت مصطفي "الأب" تطوع
بالرد عليها، وبعدها هاتفني د. أحمد فتحي سرور
وسألني عن الحديث الذي دار بيني وسوزان
مبارك، وأبلغني أن د. الجنزوري توعدني بأن هذا
المشروع لن يري النور، رغم أن هذا القانون هو
الوحيد الذي يمكن البنوك من الدخول في تمويل
هذه المشروعات.