التحقيق في مسألة التزويج :
يقول صاحب الرحيق المختوم :" ولما رجع صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة، ورأت خديجة في مالها من الأمانة والبركة ما لم تر قبل هذا، وأخبرها غلامها ميسرة بما رأي فيه صلى الله عليه وآله وسلم من خِلالٍ عَذْبة، وشمائل كريمة، وفكر راجح، ومنطق صادق، ونهج أمين، وجدت ضالتها المنشودة ـ وكان السادات والرؤساء يحرصون على زواجها فتأبي عليهم ذلك ـ فتحدثت بما في نفسها إلى صديقتها نفيسة بنت منبه(4) . ويتمم صاحب أسد الغابة المشهد بقوله :" فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أني قد رغبتُ فيك، لقرابتِك مني، وشرفِك وأمانتِك، وحسن خلقك، وصدق حديثك "، وصاحب الرحيق المختوم يقول :" ونفيسة بنت منبه؛ هذه ذهبت إليه صلى الله عليه وآله وسلم تفاتحه أن يتزوج خديجة، فرضى بذلك، وخبر السيدة نفيسة بنت منبه جاء في طبقات ابن سعد وسيرة ابن هشام(5) .
صاحب الرحيق المختوم يذكر عن نفيسة بنت منبه أنها قالت:" كانت خديجة بنت خويلد امرأة حازمة شريفة مع ما أراد الله لها من الكرامة والخير وهي يومئذ أوسط قريش نسباً وأعظمهم شرفاً وأكثرهم مالاً وكان كل قومه حريصاً علي نكاحها لو قدر علي ذلك قد طلبوها وبذلوا لها الأموال، وهذا ما ذكره صاحب الروض الأنف :" ثُمّ عَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، وَكَانَتْ خَدِيجَةُ يَوْمئِذٍ أَوْسَطَ نِسَاءِ قُرَيْشٍ نَسَباً، وَأَعْظَمَهُنّ شَرَفاً، وَأَكْثَرَهُنّ مَالًا، كُلّ قَوْمِهَا كَانَ حَرِيصًا عَلَى ذَلِكَ مِنْهَا لَوْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ . " فأرسلتني دسيساً إلي محمد بعد أن رجع في عيرها من الشام فقلت :" يا محمد ما يمنعك أن تتزوج ؟"، فقال :" ما بيدي ما أتزوج به! " . فقلت : "فإن كفيت ذلك ودعيت إلي المال والجمال والشرف والكفاءة ألا تجيب ؟" قـال :" فمن هي ؟ " قـلت :" خديجة" . قـال : " وكيف لي بذلك ؟ " قلت :" عليّ ". قال :" فأنا أفعل " . فذهبت فأخبرتها، قالت :" فأرسلت إليه أن ائت الساعة كذا وكذا فحضر وأرسلت إلي عمها عمرو بن أسد ليزوجها فخرج أبو طالب مع عشرة من قومه حتي دخلوا علي عمها فخطبها منه، ثم قال :" الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضي معد (6) وعنصر مضر وجعلنا حضنةَ بيته وسوّاس حرمه وجعل لنا بيتاً محجوجاً وحرماً آمناً وجعلنا حكام الناس ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبدالله لا يوزن به رجل إلا رجح به شرفاً ونبلاً وفضلاً وعقلاً وإن كان في المال قلاً (قلة) فإن المال ظل زائل وأمر حائل وعارية مسترجعة وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل، وقد خطب إليكم رغبة في كريمتكم خديجة وقد بذل لها من الصداق عاجله وآجله اثنتي عشرة أوقية ونشا، فقال عمرو بن أسد عمها : هو الفحل لا يقدع أنفه(7).
****
|