عرض مشاركة واحدة
قديم منذ /11-25-2011, 01:49 PM   #1

ماسينيسا

عضو فضي

 

 رقم العضوية : 56226
 تاريخ التسجيل : Oct 2010
 العمر : 55
 الجنس : ~ رجل
 المشاركات : 682
 النقاط : ماسينيسا is a splendid one to beholdماسينيسا is a splendid one to beholdماسينيسا is a splendid one to beholdماسينيسا is a splendid one to beholdماسينيسا is a splendid one to beholdماسينيسا is a splendid one to behold
 درجة التقييم : 687
 قوة التقييم : 0

ماسينيسا غير متواجد حالياً

أوسمة العضو
ثورة المليون و نصف المليون شهيد




ثورة المليون و نصف المليون شهيد





المقدمة

إن الحملة الفرنسية على مدينة الجزائر ترعرعت في أذهان الملوك الفرنسيين ابتدءا من "هنري الرابع" مرورا بـ : " لويس 14 " ( 1643 – 1715 م ) و " نابوليون " ، فقد كانوا جميعا يرغبون في تأسيس إمبراطورية استعمارية مترامية الأطراف ، وهذا ما يفسر الإصرار الكبير لـ " نابوليون " لاحتلال الجزائر لما أوفد جاسوسه " بوتان " عام 1808 م بمهمة التجسس قصد إعداد تقرير لتحضير الترتيبات لاحتلال الجزائر ، وتمكن هذا الأخير من تقديم دراسة وافية ، حيث تكمن بدقة من معرفة وضع الداي وقوة الجيش العثماني .


و إذا كان الكذب رذيلة في جميع الشرائع و عند الأفراد فهو عند بعض الدول فضيلة ، حيث أن القادة الفرنسيون قالوا لشعبهم أنهم بذلك ينتقمون لشرفه المهان ، و قالوا للبابا أنهم سيرفعون الصليب و يخفضون الهلال فبارك و دعا بالنصر ، و قالوا لأوربا الاقتصادية أنهم سيقضون على القرصنة و يفرضون حرية التجارة فأطمأن قلبها و سال لعابها فباركتها بعض البلاطات الأوربية ، و منها بلاط روسيا ، إذ أن القيصر نيقولا الأول تبرع بأحد رعاياه المختصين في الشؤون الإسلامية ، و هو الضابط الكونت فيلوزولوف Filosolof ليكون ضمن الحملة على الجزائر و قالوا للجزائريين أنهم سيحررونهم من ( النير التركي ) فصدق بعض المغترين ، و شلت حركة بعض الغافلين .

أسباب الحملة الفرنسية على المدينة و بداية الحصار

السبب المباشر :

جل المؤرخين الأوربيين يتخذون من حادثة المروحة سنة 1827م ، السبب المباشر الرئيسي لاحتلال فرنسا للجزائر، وقبل الحديث عن هذه الواقعة ، نحاول العودة قليلا إلى الوراء لمعرفة هذه الحادثة والتي أدت إلى القطيعة التامة بين الطرفين فسبب القطيعة يعود إلى التواطوء اليهودي – الفرنسي .
حيث استطاع اليهوديان باكري و بوشناق إقناع المسؤولين الفرنسيين باستيراد القمح الجزائري من شركتهما و قد بلغت ديون الجزائر على فرنسا 24 مليون فرنك و التي قامت فرنسا بتخفيضها إلى سبعة ملايين ، ثم قرر البرلمان الفرنسي دفع مليون و نصف مليون فرنك المستحقة لليهوديين و الاحتفاظ بالباقي حتى تبرأ ذمة الشركة اليهودية من ديون الفرنسيين الذين رفعوا دعوة على الشركة اليهودية في المحاكم الفرنسية ، فقامت فرنسا بتجميد الديون و اعتبر الداي هذا العمل إهانة للجزائر ، و الحقيقة أن الشركة اليهودية كانت قد تواطأت مع قنصل فرنسا بالجزائر و وزير خارجيتها و قامت بمخادعة حكومة الجزائر ، و ناشد الداي حكومة فرنسا بعدم تجميد أموال الخزينة الجزائرية ، لكن فرنسا رفضت أن تدفع الأموال المستحقة بالرغم من الرسائل التي وجهها الداي إلى ملك فرنسا الذي لم يكلف نفسه مشقة الإجابة عليها ، و بمجرد افتضاح أمر اليهوديين فر باكري إلى ليفورن بايطاليا بعد أن قبض مبلغه ، و استقر بوشناق بباريس بعد حصوله على الجنسية الفرنسية .


وبمناسبة عيد الفطر من عام 1828م جاء السيد "ديفال" عشية يوم العيد ليؤدي زيارته كما جرت العادة فأخبره الداي عن الرسائل التي بعث بها إلى ملك فرنسا في شأن أداء الدين الذي بقي في ذمة الدولة الفرنسية في خصوص قضية بكري و بوشناق .



فكان جواب القنصل في منتهى الوقاحة: « إن حكومتي لا تتنازل لإجابة رجل مثلكم » أراد القنصل من كلامه هذا استفزاز وتحقير الداي ، وهذا ما أكده القنصل الأمريكي " وليام شال " الذي كان من بين الحاضرين ، ويؤكد أن القنصل تعمد الوقاحة واستفزاز الداي لاستدراجه لإهانته وهذا ما مس كرامة الداي لدرجة انه لم يتمالك نفسه من الغضب وضربه بمروحته " منشة الذباب " و كانت بيده على وجهه ، وهذا ما يؤكده السيد "بوتان" في قوله : « ضرب الداي حسين السيد "ديفال" إلى وجهه بمروحية من ريش النعام » وهناك رواية أخرى تقول أن الضرب لم يقع أصلا ، ولكن الداي قام بتهديد القنصل بالضرب .

قام القنصل بعدها بتضخيم الأمر وخبر ملكه بما جرى ، فجاءه أمر أن يغادر الجزائر فغادرها و معه الفرنسيين المقيمين في مدينة الجزائر هذا هو السبب الظاهر للعيان، والذي اتخذته فرنسا كذريعة لاحتلال الجزائر تحت غطاء استرجاع كرامتها ، لكن ذلك لم يكن هو السبب الحقيقي في الاحتلال بشهادة أكبر الساسة الأوربيين محافظة و رجعية في ذلك الوقت : ميترنيخ رئيس وزراء النمسا الذي قال : انه لا يعرض أكثر من أربعين ألف رجل للموت و يُنفق أكثر من مليون من أجل لطمة مروحة



الأسباب الحقيقة للاحتلال :

ترتبط الحملة الفرنسية على الجزائر بعدة عوامل سياسية و عسكرية و اقتصادية و دينية صليبية موقوتة

1 - الأسباب السياسية :

تتمثل في اعتبار فرنسا حكومة الرياس في الجزائر تابعة للإمبراطورية العثمانية التي بدأت تنهار والدول الأوربية تتهيأ للاستيلاء على الأراضي التابعة لها ، وخاصة أن الفرنسيين كانوا يعتقدون أنهم سيحصلون على غنيمة تقدر بـ : 150 مليون فرنك توجد بخزينة الداي كما أن شارل العاشر ملك فرنسا كان يرغب في خلق تعاون وثيق مع روسيا في حوض البحر المتوسط حتى يتغلب على الهيمنة البريطانية في هذا البحر والتمركز في ميناء مدينة الجزائر الذي كان يعتبر في نظر الملك الفرنسي تابعا للإمبراطورية العثمانية المنهارة . ثم إنه في عام 1827 م وجد شارل العاشر معارضة داخل مجلس النواب تسببت في مشاكل كبيرة له ، وكادوا أن يطيحوا به ، ولتحويل أنظار الفرنسيين إلى الخارج اتخذ " شارل العاشر" الحملة على مدينة الجزائر وسيلة لحل مشاكله وإسكات المعارضة وكسب رضا الشعب الفرنسي ، وقد اعترف الملك شارل العاشر في قوله : « انه لشيء جميل أن نتقدم إلى برلمان ومفاتيح مدينة الجزائر بيدنا » .

2 - الأسباب العسكرية :

إن انهزام الجيش الفرنسي في أوربا وفشله في احتلال مصر والانسحاب منها تحت ضربات القوات الانجليزية في سنة 1801م ، قد دفع بنابليون بونابرت أن يبعث بأحد ضباطه إلى الجزائر في الفترة الممتدة من 24 ماي إلى 17 جويلية 1808م لكي يضع له خطة عسكرية تسمح له بإقامة محميات فرنسية في شمال إفريقيا تمتد من المغرب الأقصى إلى مصر ، وفي عام 1809م قام هذا الضابط العسكري "بوتان" بتسليم المخطط العسكري لاحتلال مدينة الجزائر إلى نابليون واقترح أن تحتل المدينة عن طريق البر ، وعند انهزام نابليون في معركة واترلو سنة 1815 وتحالف الدول الكبرى ضد الجيش الفرنسي في أوربا ، شعر ملك فرنسا انه من الأفضل أن يعتمد على سياسة التوسع في شمال إفريقيا ويعمل على إشغال الجيش بمسائل حيوية تتمثل في احتلال مدينة الجزائر وتحقيق انتصار باهر هناك ، وبالتالي يتخلص الملك من إمكانية قيام الجيش بانقلاب ضده في فرنسا .

3 - الأسباب الاقتصادية :

كانت أوربا بسبب ازدهارها تشعر بالحالة إلى التوسع واستغلال الآخرين من وراء البحار ، هذا التنافس عجل بعزم فرنسا على احتلال المدينة ومن ثم التوسع على باقي الأقطار والاستئثار بخيراتها ، فقبل الحملة بقليل سنة 1827م ، كتب وزير الحربية الفرنسي " كليرمون تاليران " تقريرا عن الأوضاع العامة في الجزائر و خص بالذات مدينة الجزائر حيث قال: « توجد مراسي عديدة على السواحل ، يعتبر الاستيلاء عليها فائدة كبيرة...، وتوجد في شواطئها ملاحات غنية ، والى كل هذا توجد الكنوز المكدسة في قصر الداي وهي تقدر بأكثر من خمسون مليون فرنك »
فالجوانب الاقتصادية كانت حافزا قويا في إقدام فرنسا على احتلال المدينة ، فكانت تطمح في خيراتها والبحث عن أسواق جديدة لترويج منتجاتها .

4 - الأسباب الدينية :

في الحقيقة أن الصراع الذي كان قائما بين الدول المسيحية الأوربية والدول العثمانية الإسلامية قد انعكس على المسلمين بمدينة الجزائر لأن الأسطول الجزائري يعتبر في نظر الدول الأوربية امتداد للأسطول العثماني ، قد دفع بالدول المسيحية في أوربا أن تتعاون فيما بينها لضرب المسلمين بمدينة الجزائر واستانبول ، وقد كان المسيحيون يتهمون الجزائريين بأنهم كانوا يقومون بالقرصنة في عرض البحر الأبيض المتوسط ، وسجن المسيحيين الذين يعملون في السفن إلى أن تدفع دولهم عنهم الفدية . وتظهر النية المبيتة من طرف فرنسا المسيحية لاحتلال مدينة الجزائر المسلمة في التقرير الذي رفعه السيد " كليرمون " وزير الحربية الفرنسية إلى مجلس الوزراء الفرنسيين المؤرخ في 14 أكتوبر 1827م والذي قال فيه : « انه من الممكن ولو بمضي الوقت أن يكون لنا الشرف في أن نمدنهم وذك بجعلهم مسيحيين » ، و نفس الاستنتاج نستخلصه من خطاب الملك الفرنسي شارل العاشر الذي أعلن أمام الجمعية الوطنية الفرنسية يوم 02 مارس 1830م بان « التعويض الهائل الذي أريد الحصول عليه وأنا اثأر لشرف فرنسا ، سيتحول بمعونة الله لفائدة المسيحية » ومن ثمة فإن الحملة العسكرية على مدينة الجزائر ونجاحها يعتبر انتصارا للمسيحية ، وهي استمرار للحروب الصليبية .


ومهما اختلفت الأسباب والذرائع يتبين لنا أن فرنسا كانت لها عزيمة قوية لاحتلال الجزائر، فأعدت العدة ، وحسبت لكل شيء وعندما تهيأت الظروف كانت الحملة على المدينة لتتوسع و تشمل كل البلاد الجزائرية .



الحصار البحري ( 1827م – 1830 م )


اتخذت فرنسا من حادثة المروحة ذريعة لاحتلال الجزائر، هكذا أصبحت الظروف مناسبة لتطور الأزمة ، و رغم أن الداي أكد لبعض المقيمين بالجزائر انه لم يقصد إهانة فرنسا ، وانه مستعد للاعتذار عن الغضب ، إلا أن القنصل زاد الأوضاع تعقيدا فبمجرد وصوله إلى باريس جهزت فرنسا أساطيلها وبعثتها إلى المدينة تحت قيادة الأميرال " كوليت " يطالب الداي من وجوب تقديم اعتذار لقنصلها العام "ديفال" وكان الإنذار الذي قدمته فرنسا للجزائر بواسطة قنصل "ساردينيا" "دات لي" الذي أصبح يرعى المصالح الفرنسية بالمنطقة وتضمن الإنذار ما يلي :

1 - على كبار شخصيات الجزائر التوجه إلى السفينة وتقديم اعتذار إلى قنصلها.
2 - عند إعطاء الإشارة يجب رفع العلم الفرنسي فوق القصر وجميع حصون المدينة
3 - يمنع مصادرة الأموال العائدة إلى فرنسا وسفن الدول الصديقة .
4 - لا يحق للقراصنة تفتيش السفن التي تحمل العلم الفرنسي.
5 - الاعتراف بالامتيازات القائمة بين فرنسا والدولة العثمانية وتطبيق الامتيازات.

وأعطيت للداي مهلة 24 ساعة لتنفيذ هذه الشروط ، إلا انه رفض الصلح واعتبر هذه الشروط إذلالا له ولحكومته بالمدينة ، ويقول في هذا الصدد ابن أبي الضياف : " لكن الداي حسين رفض الصلح ، رغم أن بطانته كاملة ، نصحته بوجوب الصلح لكنه رفض" واشتد رفض الداي من خلال قوله : " لا نجعل الصلح بيني وبينكم فضلا على أن أعطيكم رجلا من عندي" وأمام هذا الرفض هدد الداي بأنه سيفرض حصارا بحريا ، فقامت السفن الفرنسية بالإقلاع من المياه الجزائرية من شهر جوان 1827م ومعها القنصل ، وبعض الفرنسيين المقيمين بالجزائر بينما بقيت بعض السفن لمحاصرة شواطئ المدينة .

شرع في تطبيق الحصار في 15 جوان 1827م ، وكرد فعل من الداي حسين على هذا الحصار أمر بهدم المؤسسات الفرنسية في القالة و عنابة وكان ذك في 26 جوان 1827م، ومهمة الحصار كانت سهلة لأنه لسوء الحظ كانت معظم وحدات أسطول البحري الجزائري في اليونان تشارك إلى جانب الدولة العثمانية في "معركة نافارين" في أكتوبر 1827 إذ لم تستطع السفن المتبقية أن تواجه الحصار.



وللعلم فإن فرنسا لم تكتفي فقط بهذا الحصار بل أقدم سفيرها في استانبول " فيومينو" « guiffominot » على تقديمه للمذكرة المترجمة التي سلمها لرئيس الكتاب العثماني في 2 أوت 1827م ، يطالب من خلالها الحكومة العثمانية على وجوب تدخلها لتأديب الداي حسين ، ولقد جاء فيها: " وحيث أن الداي زاد من تعدياته السابقة بتحقير قنصل فرنسا بالجزائر ، فإن جناب ملك فرنسا اضطر لطلب ترضية عالمية مهددا بإعلان الحرب في حالة رفض طلبه ، وحيث أن طلبه قد رفض وعليه فالحرب محققة " .

ولكن هذا لم يمنع من القيام بمحاولات لفك الحصار ، نذكر تلك المعركة التي كانت بين أسطول فرنسي بقيادة الأميرال "غولي " "gollet " والأسطول الجزائري المتكون من إحدى عشر سفينة ، تحاول فك الحصار ، ودامت المعركة عدة ساعات تراجع الفرنسيين أمام سفن الأسطول الجزائرية ، كما تكرر الصدام بين الطرفين في أكتوبر 1828م ، إذ حاول بعض الرياس مرة ثانية ، لكن لم ينجح فأضاعوا أربعة مراكب في نواحي " كاب كاسين " غرب مدينة الجزائر ، وقد دام الحصار لمدة 3 سنوات ، وكان الحصار طويلا وصعبا جدا ، تضرر منه الطرفان ، حيث كلف فرنسا حوالي 20 مليون فرنك كما تمكن جزائريون من اسر بعض رجال البحارة الفرنسيين وقتلهم أما مدينة الجزائر فالحصار أضر بها كثيرا ، فالتبادل التجاري للمدينة مع أوربا شل تماما ، وسجل ارتفاع في الأسعار داخل الأسواق المحلية للمدينة مما أدى إلى تدهور الأوضاع الداخلية للمدينة وهكذا أصبح الحصار يقلق الرأي العام

ونتيجة لهذا قررت فرنسا التفاوض من جديد مع الداي حسين ، فأرسلت " دينرسيا " على شريطة انه عندما يصل إلى الجزائر يكون التفاوض بين الداي حسين والضباط " لابروتينير " « la broténniere » وتم اللقاء بين الطرفين في 30 جويلية 1829م ، واجتمع الوفدان بالقصبة لمدة ساعتين ، ونوقشت خلالها الشروط التالية:

1 - إفادة شخصية جزائرية تعبر عن رغبة الداي في إبرام صلح مع فرنسا .
2 - يتعهد الداي بإطلاق سراح أسرى السفن البابوية .

ولكن الداي حسين رفض وطلب من الضابط مغادرة المدينة فورا ، وحدد الأجل بساعتين ، لكن الضابط لم يستطع الخروج بسبب الرياح ولم يقدر على السفر، وكان الباشا "الداي" قد أمر كل من وكيل الخرج ، وباش طبجي ، أن يضربوا السفينة إذا انتهت الساعتين ، فلما انتهت الساعتان ضربوه فقام في ذلك الوقت وخرج وهم يضربونه ، ولما وصل "لابروتنير" إلى فرنسا ، كتبوا للسلطان محمود، واخبروه بما فعل معهم .

فقام محمود بإرسال رسولين إلى مدينة الجزائر، ينصحان الداي بالاعتدال وعدم الوقوع في الشَرَكْ الفرنسي ، فلم يستمع الداي لهما لشدة ثقته في الانتصار .

فاجتمع البرلمان الفرنسي واتفق مع جميع الوزراء أن يستعد لغزو مدينة الجزائر واعتقد رئيس الحكومة الفرنسية " بولونياك " انه سيجد الحل لإسقاط المدينة وغزوها، عن طريق تحريض محمد علي ، فاستقبل وفدا قادما من مصر يحمل أراء عرفت فيما بعد باسم "مشروع محمد علي" لحل الخلاف الدائر بين البلدين ، وبناءا على المشروع فقد عرض محمد علي على فرنسا أن تساعده في أن يصبح حاكما على طرابلس وتونس والجزائر ، واقترح أن يمر جيشه بالساحل الإفريقي الشمالي المحمي بالأسطول الفرنسي البحري ، وقد قال محمد علي للقنصل الفرنسي بالقاهرة عندئذ انه قادر على إنهاء المشكلة الجزائرية بتجنيد 68 ألف رجل و 23 سفينة وتوفير 100 مليون فرنك لتغطية نفقات الحملة ، ولكن في الأخير عارض كل من وزير الحربية "ديبورمون" و وزير البحرية " دي هوسي" مشروع " محمد علي " عند مناقشته في مجلس الوزراء ، واعتبر المشروع إهانة للشرف الفرنسي في نظرهما.

فـ " محمد علي " لم يكن يختلف في نظرهما كثيرا عن "حسين باشا" ، وأمام إصرار "بوليناك " في استخدام مسلما ضد مسلم عدل المشروع المقترح عدة مرات إلا انه لم يلقى تأييد من طرف مجلس الوزراء الفرنسي وتعارضت المصالح بين محمد علي وفرنسا أدى إلى قطع المفاوضات نهائيا .
وهكذا ففي جلسة 30 يناير 1830م قرر مجلس الوزراء الفرنسي ، بعد دراسة استغرقت أربع ساعات ، القيام بحملة ضد مدينة الجزائر. وفي 7 فبراير أقر الملك شارل العاشر مشروع الحملة و أصدر مرسوما ملكيا بتعيين الكونت " ديبورمون" قائدا عاما للحملة والأميرال " دوبيري" قائدا للأسطول البحري ، وقد بدأت الاستعدادات الحثيثة لتنفيذ المشروع .




مراحل الحملة على المدينة

استعدادات المدينة لمواجهة الحملة


بينما كانت فرنسا تستعد للقيام بحملة عسكرية ضد مدينة الجزائر كانت هذه تستعد أيضا لمواجهة الحملة ، حيث أقدم الداي حسين باشا على تخصيص مرتبات لعدد من الجواسيس في كل من ايطاليا ومرسيليا وطولون وباريس ، فنقلوا إليه خبر استعداد فرنسا لغزو المدينة وإنها أعدت أسطولا رهيبا لإرساله ، وقد أكد هذا الخبر سفينتان جزائريان استطاعتا أن تتسللا ليلا بين السفن الفرنسية المحاصرة ، كانت أحداهما تحمل العلم الانجليزي والأخرى العلم الايطالي ويتألف هذا الأسطول ، من حوالي مائتي سفينة حربية و 500 سفينة تجارية ، ومن ضمن الأخبار التي نقلت أن الأسطول سيبلغ الشواطئ الجزائرية في شهر ماي 1830، وأنه سيرسو على الأرجح غرب المدينة في شبه جزيرة سيدي فرج .

ولهذا كان حسين باشا على علم بتفاصيل الحملة قبل وقوعها، وتبعا لاطمئنانه الوهمي أن هذه الحملة لن تتعدى الضرب من البحر شأنها شأن الحملات الأوربية السابقة ، ففاته أن يعد جيشا ليتمركز حول المدينة ، وترك تلك الفرق التي كانت عليها أن تقاتل الفرنسيين عند نزولهم إلى البر تقيم على مسافة من المدينة ، وكان ذلك من حسن حظ الفرنسيين عند نزولهم إلى البر كما سنرى فيما بعد ، أما الاحتياطات الوحيدة التي اتخذت على الجانب البري ، هي أن الآغا إبراهيم أمر بإضافة المدافع إلى حامية سيدي فرج ، وأرسل إليها بضع مئات من الجنود ، كما أقام مخازن للحبوب من القمح والشعير في المدينة وما حولها تتسع لحوالي ( مئة وثمانين ألف مد ) ، أما الجهة البحرية فقد حظيت بعناية أكثر ، وخاصة الميناء ، فقد كانت الحاميات والمواقع الدفاعية تمتد على بضعة آلاف من المدافع الثقيلة ، وكانت مزودة بكل ما يلزم من الرجال والذخيرة ، أقيمت كذلك ثلاث سلاسل قوية متينة قرب الساحل داخل الميناء ، وكانت السفن الحربية راسية خلفها ، وأمامها خمسون زورقا ، ثمانية منها مزودة بالقذائف والباقية بالمدافع ذات العيار الثقيل .




كما سمح الداي لجميع العرب والقبائل بحمل السلاح الذي كان محرم عليهم سابقا ، وأخبرهم أيضا بأنه سيأمر بمجرد مشاهدة الأسطول الفرنسي بان تطلق المدفعية طلقتين اثنتين ليسرعوا إلى الحيلولة دون نزولهم إلى البر أو إعاقتهم عن ذلك على الأقل .

و أرسل حسين باشا المراسيل إلى الداخل يدعون إلى الجهاد ضد الفرنسيين ، فوعده الحاج احمد باي قسنطينة بـ : 30 ألف محارب ، ووعد حسن باي وهران بـ : 6 آلاف محارب ، و وعد مصطفى بومرزاق باي التيطري بـ : 20 ألف محارب ، وجمع شيوخ جرجرة بين 16 و 18 ألف محارب ، وجمع أهالي ميزاب حولي 4 آلاف محارب .

ورغم هذه الاستعدادات الظاهرية ، لم تستطع قوات حسين باشا من صد الهجوم وحماية المدينة .




سير الحملة إلى المدينة :


تدهورت الأوضاع كما ذكرنا سابقا وحدثت القطيعة التامة بين فرنسا والجزائر ، فقررت أن تغزو مدينة الجزائر باعتبارها مقرا للسلطة ، بقوات ضخمة ، وقد أعدت الحملة إعداد محكما ، فقد كان "بوتان" منظما دقيقا ، أتى بجميع الترتيبات لاحتلال المدينة .

كما عمل "دي بورمون" منذ تعيينه قائدا على الحملة في التفكير وجمع المعلومات اللازمة لمهمته من الوثائق و المحفوظات و التقارير و كتب التاريخ و الرحلات ، و طلب من اسبانيا أن تطلعه على وثائق حملة 1775م و ألّف من كل ذلك كتيبا صغيرا أسماه : لمحة تاريخية و إحصائية و طوبوغرافية عن دولة الجزائر و ضمّنه عددا من اللوحات و الخرائط من تقرير بوتان السابق .

وفي 20 مايو 1830م أذاع " دي برومون" بيانا على ضباط الحملة والجنود حثهم فيه على حسن الاستعداد ، وفي يوم 25 مايو 1830غادرت الحملة الفرنسية ميناء طولون الحربي
وهي تتألف من :

64000 رجل حسب غرينيفيل و 37000 رجل حسب جليان ، و أسطولا جرارا ( 675 سفينة ) ، من الرجال 31000 خيالة ( فنطازية ) إضافة إلى 2300 من المدفعية و كذلك 40 مترجما ، أما السفن فمنها 103 سفن حربية من الملكية و الباقيات و هي ( 572 ) سفن تجارية من كل نوع و حجم و كانت الحملة تضم على الأقل 4546 حصانا و بغلا .

و وصلت طلائعها إلى شاطئ الجزائر في أوائل شهر جوان و تقرر إنزال الجنود عند شبه جزيرة سيدي فرج غربي مدينة الجزائر بـ 28 كلم ، والزحف برا صوب المدينة والسيطرة على قصر الداي وكذا ضرورة محاصرة المدينة بالسفن الحربية ومنع وصول المؤونة إليها.





نزلت أول هذه القوات يوم 13 جوان 1830 بميناء سيدي فرج وكأنهم جراد منتشر، ولم يكن هناك لا مدافع ولا خنادق سوى حوالي 12 مدفعا صغيرا وضعها الآغا يحي عند بداية الحصار .

ولم يكن لدى الأغا إبراهيم أكثر من 3000 فارس ، وكان باي قسنطينة لا يملك إلا عددا قليلا من المحاربين ، أما باي التيطري فلم يصل إلا بعد عدة أيام من نزول الجيش الفرنسي. أما جيش إقليم وهران فلم يكن بعيدا عن سيدي فرج ، وكان باي التيطري قد وعد الباشا بـ : 20 ألف فارس ولكنه حين وصل إلى الميدان لم يأتي سوى بـ 1000 رجل .

هذه القوات كانت مجتمعة في معسكر " اسطاوالي " ، وكان الداي حسين ينتظر النصر في معركة اسطاوالي ، وفي بداية المعركة كانت الكفة لصالح قوات الداي ، فأمر القائد "دي بورمون" بزيادة المدد والمؤونة ، فقام بهجوم مضاد ، هكذا تغلب الجيش الفرنسي وتمكنوا من السيطرة على المنطقة .
عند الهزيمة في اسطاوالي في 19 جوان 1830 هرب إبراهيم من الميدان وترك وراءه الجيش ، وبعد هذه الهزيمة استولى الفرنسيين على قلعة مولاي الحسن ، وشيئا فشيئا بدأت روح الهزيمة تدب في أوصال الجهاز الإداري والاجتماعي أيضا للمدينة، فجمع الداي حسين أعيان المدينة ورجال القانون والدين وشرح لهم الوضع الذي أمامهم وطلب منهم النصيحة فيما يفعل لمواجهة الموقف. وقد وضع أمامهم السؤال التالي: هل من الصواب مواصلة المقاومة ؟ أو يجب تسليم المدينة والتوقيع معهم على معاهدة الاستسلام ؟ وبعد تقليب الموضوع من عدة أوجه أجابوه بجواب غامض ، وهو أنهم على استعداد لمواصلة الحرب، ولكن إذا كان رأية غير ذلك فهم يطيعون الأوامر ، وقد كان للبيان الذي وزعه الفرنسيون بمهارة تأثير على المجتمع ، مقتنعين بأن الفرنسيين قد جاؤوا حقا محررين من سلطة الأتراك ، وكانوا يعتقدون أن فرنسا المتحضرة لا يمكن أن تعد بشيء إلا إذا كانت راغبة في التنفيذ ، فأصبح هؤلاء من أنصار الحل السلمي ، وقد تسبب هذا البيان في شل الطاقة المحاربة .




ففي ليلة 2 جويلية عام 1830م أي قبل ثلاثة أيام من دخول الجيش الفرنسي للمدينة ، اجتمع عدد من أعيان مدينة الجزائر ، في قلعة باب البحرية ، لقد كان هؤلاء يمثلون التجار وأرباب المال ، وقرروا أن ضياع المدينة أصبح أمرا محتما، وأنه إذا ما دخلها الفرنسيون عنوة فإنهم سيبيحونها وينهبون ثرواتها ويعتدون على النساء ويقتلون الأطفال ، ورأوا تفاديا لذلك قبول اقتراح الباشا الثاني الذي ينص على الاستسلام بعد توقيع معاهدة ، وأن الفرنسيين سيتركونهم يتمتعون بدينهم وتقاليدهم وسيتركون لهم أملاكهم ومساجدهم وزواياهم. فلماذا إذن يقاومون الجيش الفرنسي ويزهقون الأرواح بدل التوقيع على معاهدة الاستسلام ؟ وفي النهاية قرروا عدم مقاومة الفرنسيين عند دخول المدينة وأرسلوا وفدا عنهم إلى القصبة لمقابلة الباشا واطلاعه على ما اتفقوا عليه. وقد أجابهم الباشا بأنه سينظر في القضية خلال اليوم التالي . وفي اليوم المعين 4 جويلية 1830 أرسل حسين كاتبه مصطفي مصحوبا بالقنصل الانجليزي إلى مقر القيادة الفرنسية للتفاوض مع "دي برومون"، ومع المذكور ذهب أيضا احمد بوضربة وحسن بن عثمان خوجة ، وبعد التفاوض ومراجعة الباشا، وقعت معاهدة الاستسلام يوم 05 جويلية 1830 .




معاهدة الاستسلام وسقوط المدينة

وقعت هذه المعاهدة بين القائد العام للجيش الفرنسي الكونت دي برومون ، وصاحب السمو داي الجزائر (حسين باشا) وهي تنص على ما يلي:
يسلم حصن القصبة ، وكل الحصون التابعة للجزائر، وميناء هذه المدينة إلى الجيش الفرنسي صباح اليوم على الساعة العاشرة ( بالتوقيت الفرنسي)
يتعهد القائد العام للجيش الفرنسي تجاه صاحب السمو ، داي الجزائر، بترك الحرية له ، وحيازة كل ثرواته الشخصية . سيكون داي الجزائر حرا في أن ينصرف هو وأسرته وثرواته الخاصة إلى المكان الذي يعينه ، وإذا بقي في الجزائر سيكون هو وعائلته تحت حماية القائد العام الفرنسي ، وسيتولى حرسه ضمان أمنه الشخصي وأمن أسرته.


يضمن القائد العام لجميع جند الانكشارية نفس الامتيازات ونفس الحماية.
ستبقى ممارسة الديانة المحمدية حرة ، ولن يلحق أي مساس بحرية السكان من مختلف الطبقات ، ولا بدينهم ، ولا بأملاكهم ، ولا تجارتهم وصناعتهم، وستكون نساؤهم محل احترام والقائد العام يلتزم على ذلك بشرفه .
سيتم تبادل هذه المعاهدة قبل الساعة العاشرة ، وستدخل الجيوش الفرنسية عقب ذلك حالا إلى القصبة ، ثم تدخل بالتتابع كل الحصون المدنية والبحرية .

وفي يوم 06 جويلة 1830م دخل الجنود الفرنسيين مدينة الجزائر من الباب الجديد بأعلى المدينة وأنزلت أعلام دولة الداي من جميع القلاع والأبراج وارتفعت في مكانها رايات الاحتلال الفرنسي ، وأقيمت صلاة للمسيحيين وخطب فيها كبير قساوسة الحملة ، فقال مخاطبا قائد الحملة الفرنسية: " لقد فتحت بابا للمسيحية على شاطئ إفريقيا " وبعزل الداي عن مدينة الجزائر من طرف الجيش الفرنسي وجبره على الاستسلام، انتهى العهد التركي بمدينة الجزائر الذي دام 326 سنة









  رد مع اقتباس