مُصْطَفَى مَحْمُوْد وَالْوُجُودِيَّة
يَتَزَايَد التَّيَّار الْمَادِّي فِي الْسِتِّينَات وَتُظْهِر الْفَلْسَفَة الْوُجُوْدِيَّة، لَم يَكُن (مُصْطَفَى مَحْمُوْد) بَعِيْدَا عَن ذَلِك التَّيَّار الَّذِي أَحَاطَه بِقُوَّة، يَقُوْل عَن ذَلِك: "احْتَاج الْأَمْر إِلَى ثَلَاثِيْن سَنَة مِن الْغَرَق فِي الْكُتُب، وَآَلَاف الْلَّيَالِي مِن الْخَلْوَة وَالتَّأَمُّل مَع الْنَّفْس، وَتَقْلِيْب الْفِكْر عَلَى كُل وَجْه لَأَقْطَع الْطُّرُق الْشَّائِكَة، مِن الْلَّه وَالْإِنْسَان إِلَى لُغْز الْحَيَاة وَالْمَوْت، إِلَى مَا أَكْتُب الْيَوْم عَلَى دَرْب الْيَقِيْن" ثَلَاثُوْن عَاما مِن المُعَانَاة وَالْشَّك وَالْنَّفْي وَالْإِثْبَات، ثَلَاثُوْن عَاما مِن الْبَحْث عَن الْلَّه!، قَرَأ وَقْتِهَا عَن الْبُوَذِيَّة وَالْبَرَاهمّيّة وَالزَرادْشِيْتّة وَمَارَس تَصَوَّف الْهِنْدَوْس الْقَائِم عَن وَحْدَة الْوُجُوْد حَيْث الْخَالِق هُو الْمَخْلُوْق وَالْرَّب هُو الْكَوْن فِي حَد ذَاتِه وَهُو الْطَّاقَة الْبَاطِنَة فِي جَمِيْع الْمَخْلُوْقَات. الثَّابِت أَنَّه فِي فَتْرَة شَكُّه لَم يُلْحَد فَهُو لَم يَنْف وُجُوْد الْلَّه بِشَكْل مُطْلَق؛ وَلَكِنَّه كَان عَاجِزا عَن إِدْرَاكِه، كَان عَاجِزا عَن التَّعَرُّف عَلَى الْتَّصَوُّر الْصَّحِيْح لِلَّه، هَل هُو الْأَقَانِيم الْثَّلاثَة أُم يَهْوَه أَو (كَالِي) أَم أُم أَم.... !
لَاشَك أَن هَذِه الْتَّجْرُبَة صَهَرَتْه بِقُوَّة وَصَنَعْت مِنْه مُفَكِّرَا دِيْنِيّا خَلَاقْا، لَم يَكُن (مُصْطَفَى مَحْمُوْد) هُو أَوَّل مَن دَخَل فِي هِذِه الْتَّجْرِبَة, فَعَلَهَا الْجَاحِظ قَبْل ذَلِك, فَعَلَهَا حُجَّة الْإِسْلام أَبُو حَامِد الْغَزَالِي، تِلْك الْمِحْنَة الْرُّوحِيَّة الَّتِي يَمُر بِهَا كُل مُفَكِّر بَاحَث عَن الْحَقِيقَة، ان كَان الْغَزَالِي ظَل فِي مِحْنَتِه 6 أَشْهُر فَان مُصْطَفَى مَحْمُوْد قَضَى ثَلَاثِيْن عَاما !
ثَلَاثُوْن عَاما أَنْهَاهَا بِأَرْوَع كَتَبَه وَأَعْمَقَهَا (حِوَار مَع صَدِيْقِي الْمُلْحِد)، (رَحِلْتَي مِن الْشَّك إِلَى الْإِيْمَان)، (الْتَّوْرَاة)، (لُغْز الْمَوْت)، (لُغْز الْحَيَاة)، وَغَيْرِهَا مِن الْكُتُب شَدِيْدَة الْعُمْق فِي هَذِه الْمِنْطَقَة الْشَّائِكَة..الْمُرَاهَنَة الْكُبْرَى الَّتِي خَاضَهَا لَا تَزَال تَلْقَى بِآْثَارِهَا عَلَيْه حَتَّى الْآَن كَمَا سَنَرَى لَاحِقَا.
وَمِثْلَمَا كَان الْغَزَالِي كَان مُصْطَفَى مَحْمُوْد؛ الْغَزَالِي حَكَى عَن الْإِلْهَام الْبَاطِنّى الَّذِي أَنْقَذَه بَيْنَمَا صَاحِبُنْا اعْتُمِد عَلَى الْفِطْرَة، حَيْث الْلَّه فِطْرَة فِي كُل بَشَرِي وبَديهَة لَا تُنْكَر, يَقْتَرِب فِي تِلْك الْنَّظَرِيَّة كَثِيْرا مِن نَظَرِيَّة (الْوَعْي الْكَوْنِي) لِلْعَقَّاد. اشْتَرَى قِطْعَة أَرْض مِن عَائِد أَوَّل كَتَبَه (الْمُسْتَحِيْل)، وَأَنْشَأ بِه جَامِع مُصْطَفَى مَحْمُوْد بِه 3 مَرَاكِز طِبِّيَّة وَمُسْتَشْفَى وَأَرْبَع مَرَاصِد فَلَكِيَّة وَصُخُوّرا جْرَانْيتيَّة.