╚اساليب الشعر العربي الحديث╝
اقتفى طلائع شعراء هذا العصر أثر البارودي في احتذاء أساليب الأقدمين وسار على ذلك كبار الشعراء في كثير من قصائدهم، ولذا نرى القصيدة عندهم في الغالب تبدأ بالنسيب المنتهى بحسن التخلص إلى الغرض المقصود.
وقد يطوّف الشاعر بأغراض شتى في قصيدته،
ثم بدأت وحدة الموضوع تسيطر على جل شعرهم،
وبخاصة عند كبار الشعراء كحافظ، وشوقي، ومطران.
وأخذ الشعر العربي مكانه الرحب في أذهان الشعراء الذين خلفوا مدرسة شوقي فبدأوا يضيقون بوحدة الوزن والقافية، وكان لهم في نظام الموشحة متنفس، إلا أنهم خرجوا عليه وصاروا إلى الشعر المرسل حتى كان الواحد منهم ينظم كل بيت على قافية، ثم كان خروج أدباء المهجر الشمالي على نظام الوزن والقافية وذلك فيما سمو النثر الشعري أو
الشعر المنثور أو القصيدة النثرية.
وجاء (إيليا أبو ماضي) بما سماه مجمع البحور، ثم جاءت نازك الملائكة " وبدر السياب " و" محمد حسن عواد " بما سمو الشعر الحر، وتنافسوا على السبق فيه.
كل هذه أمور عرفتها في حديثنا عن التجديد في الشعر.
أما في اللفظ والعبارة والتأليف فإن الشعراء قد انقسموا في ذلك إلى أربع فرق:
أ- فريق حرصوا على الجزالة والفخامة فتوخوا أساليب العرب الأقدمين فجاء شعرهم مشتملاً برُدة امرئ القيس أو ملتفاً برداء الفرزدق، وأول من يمثل هذا الاتجاه الشيخ "محمد عبد المطلب " الذي لقب (شاعر البادية).
ب- وفريق لزموا الأصالة وحرصوا على أن يظل أسلوبهم قويا رصيناً وأن يكون بيانهم غاية في البلاغة، مع وضوح في اللفظ، وسلامة في التعبير، ومن هؤلاء جمهرة من فحول شعراء هذا العصر كالرصافي، والشبيبي، وشوقي، ومحمود غنيم.
ج- وفريق ثالث تأثروا بالآداب الغربية، فكان أن عنوا بالمعنى والفكرة أكثر من عنايتهم بالأسلوب؟ ولذا جاء تعبيرهم غائما حيناً وسطحياً حيناً آخر، وممن يمثل هذا الاتجاه " عباس محمود العقاد ".
د- وفريق رابع لم يعد يعنيهم من أمر الفصاحة شيء، ولم يهتموا بالأصالة، ولذا لم يجدوا حرجا في غشيان العامية عالم اللفظ في شعرهم، حتى اقتحمت الألفاظ الأجنبية لغتهم، فجاءوا بمثل (فستان) و(بالطو) ونحو ذلك.
كما صار ضعف التأليف، ودخول الألف واللام على [لا]، النافية، والتعمية والإلغاز مذهباً لهم يَدلُون به على قدرتهم الفنية حسبما يرون، وهذا باب ولج منه إلى عالم الشعر كثير من الأدعياء، واتخذه أعداء العربية منفذاً إلى أهدافهم المشبوهة التي تخفى على الكثيرين..