╚معاني الشعر العربي الحديث╝
ترد المعاني على ذهن الشاعر كما ترد على ذهن أي إنسان غير أن استقبالها عند الشاعر وانفعاله بها
وتفاعلها في حسه وشعوره يختلف اختلافاً كبيراً عنه عند الآخرين..
إن تعبيرِ الأديب عنها يختلف كذلك عن تعبير الآخرين، لأنه بحسه وذوقه يستطيع أن يلبسها
من حلل الجمال ما يعجز عنه سواه، وإنما يتم له ذلك من طريق القدرة على اختيار اللفظ المناسب
والتأليف الملائم للمقام، وهذا ما يؤكد صدق قول الجاحظ من" أن المعاني مطروحة في الطريق
وإنما الشأن في صوغ القالب اللفظي المعبر عنها"
ولقد ورث شعراء العصر الحديث تركة شعرية مهدمة البناء فنزعوا عنها إلى تراث الأسلاف في العصور الأولى واستعان متأخروهم بمعاني ما قرأوه من آداب الأمم فجاءت معانيهم غاية في الجودة والجمال.
وليس بالمهم أن تكون معانيهم جديدة بل يكفي أن يتناول أحدهم المعنى القديم فيجلوه في ثوب جديد.
وربما تناول أحدهم المعنى التافه أو المبتذل فأبرزه في معرض كله جدة وجمال .
وهذا مألوف في شعر " إسماعيل صبري " و " شوقي " و أمثالهما، ومثاله قول مطران في وصف فراشات افتقدت زهرة سقطت واختفت تحت الأعشاب فصرن يحمن حول مكانها بحثاً عنها:
مَا الذِي تَبْغِين مِنْ جَوْبِكِ يَا
شُبُهاتِ الطَّيْر؟ قَالَتْ وأباَنَتْ
نَحْنُ آمَالُ الَصِّبا كَانَتْ لَنَا
هَا هُنَا محبوبةٌ عاشَتْ وَعَانَتْ
كَانَت الوَردةُ فِي جَنتنَا
مَلَكَتْ بِالحَق والجنةُ دَانَتْ
مَا لَبِثْنَا أنْ رَأينَاهَا وَقَد
هَبَطتْ عَنْ ذَلِكَ الْعَرْشِ وَبَانَتْ
فَتَراَنا نَتَحَرى أبَداً
إثرها أوْ نَتَلاقَى حَيْث كَانَتْ