عرض مشاركة واحدة
قديم منذ /12-03-2008, 06:17 PM   #23

همس الروح

|§| أداره الاقسام السابقة  |§|

 

 رقم العضوية : 3822
 تاريخ التسجيل : May 2008
 المكان : فى قلـــب نجمـــ في السما ــــمة
 المشاركات : 9,063
 النقاط : همس الروح has a spectacular aura aboutهمس الروح has a spectacular aura about
 درجة التقييم : 174
 قوة التقييم : 1

همس الروح غير متواجد حالياً

أوسمة العضو
افتراضي اليوم التامن ( يوم حنين )

اليوم الثامن

يوم حنين :

"أعجبتكم كثرتكم ، فلم تغن عنكم شيئا"


لعل اصدق وصف لهذا اليوم ان نقول انه كان "يوم الله" ..كان يوم آياته .. و يوم معجزاته.. و يوم التمحيص الذي رد المؤمنين الى ربهم خشعا عارفين . و"يوم الله" الذي تجلت فيه حكمته سبحانه و تعالى في اختيار "محمد بن عبد الله" للرسالة ، و لقيادة البعث الجديد و المجيد الذي اراده الله للعرب خاصة و للبشر كافة.


الى الجانب الشرقي من مكة ، كانت تقيم قبيلة من كبريات قبائل العرب ، و من أشدها بأسا و اكثرها تمرسا في الحرب و ضراوة في القتال .تلك هي قبيلة "هوازن" ..نادت اليها قبائل ثقيف و نصر و جشم ، و قرروا أن يبطشوا بالمسلمين بطشة كبرى ، ظانين أنهم اذا قدروا عليهم و انزلوا الهزيمة بهم ، فانهم يرثون كل امجاد مكة و قريش...

و تحت إمرة رجل طموح اسمه "مالك بن عوف النصري" خرجت تلك القبائل في اعداد لجبة هائلة من المقاتلين الأشداء و معهم اموالهم و نساءهم و ابناءهم ، ليوحي اليهم انها معركة مصير ...

و أرسل "الرسول" أحد أصحابه ليعرف له أنباء القوم و جدية استعدادهم و نواياهم. .و عاد رسوله بصورة واضحة عن الموقف كله وهو موقف قوم يصممون على شن حرب عاتية ضد المسلمين.

كان مع "رسول الله" عشرة آلاف ، هم الذين سار بهم الى فتح مكة ، و انضم اليهم ألفان من أهل مكة ، منهم من أسلم يوم الفتح و منهم من بقي على دينه ... كان تعداد الجيش اذن اثني عشر ألفا . عدد كبير يبعث الزهو ، لاسيما و المسلمون قد فتحوا بالامس القريب البلد الذي كان عاصمة الوثنية في الجزيرة كلها و مركز المقاومة الضارية للاسلام و جماعته . هنالك ازدهاهم النصر و العدد الكبير و قالوا :" لن نغلب اليوم من قلة" .

قلة و كثرة ، ما لجند الله و هذا الحساب ؟ لقد و ضعوا قوتهم لذاتية في الميزان ، بينما الميزان كله بيد الله ، وليس في كفته الراجحة سوى فضل الله على رسوله و على المؤمنين .

كان وادي "حنين" الذي دارت فيه المعركة كثير الأغوار و المضايق و المنحدرات . ولقد سبقت "هوازن" و حلفاؤها الى الوادي ، و كمنوا في شعابه . و جاء المسلمون ليحتلوا الوادي ، دون ان يعرفوا أن عدوهم قد سبقهم اليه . و حين بلغوه ، كان الصبح يتنفس و يبعث بشائر ضوئه في خفوت .

و بينما المسلمون ينسابون باعدادهم الكثيرة فوق منحدرات الوادي ، اذا النبال و الحراب و السيوف ترشهم في بغتة مزلزلة ، اوقعت في صفوفهم من الفزع و الهلع ما لم يصابوا به في "يوم احد" الرهيب . و هكذا اراهم الله الخبير العليم أن كثرتهم لم تغن عنهم شيئا و أنه ليس من حقهم أن ينسوا ما نزل به الوحي على رسولهم " و ما النصر الا من عند الله" .

لقد لقنهم هذا الدرس في أوانه ، وانتقل بهم في نفس اللحظة الى درس آخر جديد .ذلك أنه حين اضطربت صفوفهم ، و ولوا راجعين بعيدا عن المنحدر العريض الذي فاجأتهم "هوازن" من مكامنه ، وقف "الرسول" و حده في ثبات يصعب تصوره ، و قف ينادي بأعلى صوته غير محاذر أن يدل الصوت اعداءه عليه : "الى أين أيها الناس ، هلموا الي ، أنا رسول الله ، أنا محمد بن عبد الله ، أنا النبي لاكذب أنا بن عبد المطلب" .لم يكن معه و لاحوله آنئذ سوى "أبي بكر" و "عمر بن الخطاب" و "عمه العباس" و ابن عمه "علي" و "اسامة بن زيد" و "أبي سفيان بن الحارث" و "ابنه" و "الفضل بن العباس" و أخيه "قثم" و "ربيعة بن الحارث" و "أيمن بن عبيد".

أجل بقي الرسول وحده ، وسط هؤلاء العشرة او الاحد عشر من اصحابه ، في قلب المنحدر الرهيب الذي برزت منه فجأة مئات المحاربين من هوازن تخفق فوق رؤوسهم راياتهم السوداء ، و تمتلىء أيديهم بسيوف الموت و حراب المنايا .

ثبت "الرسول "في الموقف الرهيب ليكون ثباته آية يزجيها القدر على انه في كل غزواته ، لم يكن يستمد شجاعته من جيشه ، بل الجيش هو الذي يستمد الشجاعة و الثبات منه.هذه الحقيقة التي عبر عنها أصدق تعبير الامام "علي " كرم الله و جهه حين قال :" كنا اذا اشتد القتال و حمي الوطيس ، احتمينا" برسول الله" .

و أمر "الرسول "عمه "العباس" و كان جسيما جهوري الصوت أن ينادي ، فصاح : "يا معشر الأنصار ، يا اصحاب البيعة" . و صدحت نداءات "الرسول "و عمه في آذان الذين شتتهم مفاجاة هوازن ، فانقلبوا راجعين كالجبال يطحنون المنحدر طحنا ، و راحت سيوفهم و نبالهم و رماحهم تحاصر هوازن و حلفاءها بالموت و الاسر ، و صاح "الرسول " في حماس و ابتهاج :" الآن حمي الوطيس" .

و راحت خيل الله تصهل و هي تطا بأظلافها القاهرة خيل االلات و خيل هوازن.و تم الدرس الثاني من دروس "حنين" بنجاح .. و بعد حين قريب سيسجل الوحي ببعض أياته هذه الظاهرة فيقول :" و يوم حنين ، اذ اعجبتكم كثرتكم ،فلم تغن عنكم شيئا، و ضاقت عليكم الأرض بما رحبت ، ثم وليتم مدبرين . ثم انزل الله سكينته على رسوله ، و على المؤمنين ، و انزل جنودا لم تروها ، و عذب الذين كفروا ، وذلك جزاء الكافرين" .

لقد تجلى في هذا المشهد من أي جوهر فريد يختار الله رسله.. و يتجلى ثبوت الإلهية و عملها .. فمن ذا الذي عصم "رسول الله" من موت محقق و قد صارو حيدا بين مئات السيوف و النبال و الرماح؟...

لقد أسفر القتال عن كثرة كاثرة من قتلى المشركين و ستة آلاف اسيرو بحر زاخر من الغنائم و الأسلاب و فر قائد الجيش ومعه مجموعة من المنهزمين حيث احتموا وراء حصون الطائف ، فلحق بهم جيش الإسلام و ضرب حول الطائف حصارا محكما ...

و لم يكد "الرسول يدرك انهم قد ملوا سلاحهم ، و أمسوا اعجز من ان يعودا للقتال حتى اتخذ موقفا جديدا ينقلنا الى المكرمة الثالثة من مكارم "يوم حنين "و دروسه و امجاده..لقد أمر برفع الحصار عن الطائف بعد ان لبث قرابة عشرين يوما ...

اهذا رسول حرب و عنف ؟ إن "يوم حنين " يعطينا أصدق تبيان و تفسير لقضية الإسلام و الحرب و لأخلاقيات الإسلام في الحرب ، ليس فقط لما شهده ذلك اليوم من مشاهد الصفح و النبل و السمو ، بل قبل ذلك لموقف المشركين في ذلك اليوم المثير..

ويوشك "يوم حنين "ان يشارف نهايته التي نلتقي عندها بعجيبة أخرى من عجائبه العظام .

لقد كان "الرسول "مصمما ان يجعل من هذا اليوم "يوم الله" .لقد رأى نصر الله يتجسد امام عينيه فلم يدركيف يشكر ربه العلي الكبير .لقد انتهت معركة حنين بنصر و كل حرب تنتهي بنصر تطرح على الفور مشاكل السلام و أولى هذه المشاكل " غنائم الحرب" ... و كان هناك آلاف من الإبل و الغنم ، تملا الاعين وتسيل اللعاب ..

و بينما المسلمون الاوائل يتطلع كل منهم الى قسمه و نصيبه اذا "برسول الله" ينادي المؤلفة قلوبهم من مسلمة الفتح الذين لا يزال إسلامهم على شفة المنفعة والنكوص، فيعطيهم من الغنائم بغير حساب ، حتى اذا بقي منها القليل ،راح يوزعها على فقراء المهاجرين .

اما الأنصار و المسلمون الأوائل و الكبار ، فقد فوجئوا بالغنائم تزاور عنهم الى الآخرين.وكانت مفاجأة لم يعودهم "الرسول" على مثلها من قبل، و في زحمة النصر و الناس و الغنائم، لم تأت الفرصة ليـعطي تفسيرا لما حدث ،فكان طبيعيا ان يكون الموقف موضع تساؤل ،بل و احساس بالأسف و المرارة لاسيما من الأنصار الذين لم تصب الغنائم منهم أحدا ...

ودخل زعيم الأنصار"سعد بن عبادة" خيمة "رسول الله" فقال :" يا رسول الله ، ان هذا الحي من الأنصار قد و جدوا عليك في انفسهم لما صنعت في هذا الفيء" .قال الرسول :" فأين أنت من ذلك يا سعد ؟" قال سعد : " ما أنا الا من قومي ". فأمره "الرسول ان يجمع له الأنصار ، فجمعهم "سعد "حيث خرج اليهم "الرسول" و قام فيهم يحدثهم ، فحمد الله و أثنى عليه ، ثم قال : "يا معشر الانصار ، مقالة بلغتني عنكم ، وجدة و جدتموها علي في أنفسكم ؟ .. الم آتيكم ضلالا ، فهداكم الله ، و عالة فأغناكم الله ، و أعداء ، فألف الله بين قلوبكم ؟ "أجاب الأنصار هاتفين :" بلى الله و رسوله امن و أفضل " و استأنف "الرسول" حديثه فقال :" ألا تجيبوني أيها الأنصار ؟ "قالوا و قد بلغهم الحياء : "بماذا نجيبك يا رسول الله ؟ فلله و لرسوله المن و الفضل " قال "الرسول " : "أما و الله ، لو شئتم لقلتم ، فلصدقتم و وصدقتم ، أتيتنا مكذبا ، فصدقناك ، و مخذولا ، فنصرناك ، و طريدا ، فآويناك ، و عائلا ، فآسيناك.

اوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم من أجل لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا و وكلتكم الى اسلامكم ؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة و البعير ، و ترجعوا أنتم الى رحالكم برسول الله ؟ . فوالذي نفس محمد بيده ، لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار . و لو سلك الناس شعبا ، و سلكت الأنصار شعبا ، لسلكت شعب الأنصار . اللهم ارحم الأنصار ، و ابناء الأنصار ، و ابناء أبناء الأنصار.."
لم يكد الأنصار يستمعون الى هذه التحية الماجدة ، ينثر عليهم زهورها الصادق الأمين عليه صلاة الله و سلامه ، حتى فاضت أعينهم من الدمع ،و علا نشيبهم و بكاؤهم...




وهكذا ، ترك الغنائم التي تفتن الألباب تذهب الى المؤلفة قلوبهم من حديثي الإسلام ، بينما ترك للسابقين الاولين من المهاجرين و الأنصار مثوبة الله و رضوانه ، و فردوس الإيمان و جنانه...


نهاية اليوم الثامن







  رد مع اقتباس