الحقيقة تظهر مع ذلات اللسان ..!! مدخل:
إن اللسان يجرح الفؤاد كما يجرح السكين الجسد
الحقيقـــة تظهــــر مع ذلات اللســـــان..!!
لم يستطع الصديق أن يمنع لسانه من إطلاق
قذائفه على صاحبه الذي أغضبه ، كان كلامه حاداً
قاسياً ، حمل كل ما في نفسه من غضب وضيق
وحنق .
وعاد كل من الصديقين إلى داره ، الغاضب هدأ
وعاد لرشده ، والمغضوب عليه حزين غير مصدق
أن يؤلمه صديقه بهذه الكلمات القاسية الملتهبة .
وبعدما عاد للغاضب رشده ، ندم وتألم ، وضاقت
عليه الدنيا بما رحبت . إن كلامه كان جد قاسيا .
ليت الكلمات تعود مرة أخرى إلى جوف المرء
منا.. هكذا قال لنفسه ، وتمنى في ألم !
وقرر الصديق أن يعتذر لصديقه ويستسمحه ،
وبالفعل ذهب إليه معتذراً ومنكسراً ، طالباً منه
العفو والغفران ، وقبل الصديق اعتذر صاحبه ،
وغفر له قسوة كلامه وشدة عباراته الجارحه .
لكن الصديق المعتذر لم يسامح نفسه ، وأحس أن
هناك شيئاً قد انكسر في علاقته بأخيه ، حار فكره
في كيف يعيد الماء إلى مجاريها ، ويمزق تلك
الصفحة المؤلمة من دفتر علاقته بصديقه .
وذهب إلى رجل حكيم طالما كان يقصده طلبا
للمشورة والرأي السديد ، فقال له الحكيم :
طاوعني فيما أطلب منك ، ولك مني النصيحة
الصادقة .
فوافقه الصديق النادم بلا إبطاء ، فقال له الحكيم :
خذ هذا الكيس الصغير ، إن به عشرون ريشة من
ريش الدجاج ، ضع أمام كل بيت من بيوت حارتنا
واحدة ، ثم عد إلي ! .
لم يجادله الرجل في طلبه ، بل أجابه وأخذ منه
الكيس ، وفعل ما أمره به الرجل الحكيم .
وعندما عاد أدراجه قال له الحكيم : الآن إذهب
وعد إلي بالريش مرة أخرى ! .
فذهب صاحبنا وعاد والكيس فارغة ، فالريش قد
أطارتها الرياح بعيدا .
هنا ابتسم الحكيم قائلا :
وكلامنا كالريش ، يخرج منا ويطير أبعد مما كنا
نظن ، و لا نستطيع إرجاعه أو السيطرة عليه ما
دام قد فارق شفاهنا .
سهل جداً أن ننثر الريش هنا وهناك ، كما أنه
سهل كذلك أن نتفوه بالكلمات والعبارات القاسية ،
لكننا إذا أحببنا أن نعيد أي منهما مرة ثانية فالأمر
ليس بالسهل أو اليسير .
إن الحكمة التي عناها الحكيم هي أن التحكم في
السلوك على صعوبته ، أيسر مؤنة من إرجاع
الكلمة القاسية أو السلوك المندفع .
وأننا إذا أحببنا امتلاك أفئدة الناس ، فيجب أن
نمرن أنفسنا على ضبط النفس ، والتحكم في
المشاعر والأحاسيس المختلفة .
إن اللسان يجرح الفؤاد كما يجرح السكين جسد
المرء منا ، وكما أن التئام جرح البدن شيء غير
مستغرب ، فإن التئام جرح الفؤاد كذلك ممكنا
خاصة إذا صاحبه اعتذار جميل وصفح وقبول
للمعاذير ، بيد أن الجرح ـ سواء الجسدي أو
الحسي ـ حتى وإن اندمل ، ما يلبث يترك أثر
يدلل عليه حتى آخر العمر .
فما الذي يضطرنا إلى ترك آثار سيئة في أفئدة
الآخرين ، تخبرنا وإياهم كم كنا قساة مخطئين .
تعلم يا صديقي تلك الحكمة ، وتذكر الريش
المتطاير وصعوبة جمعه ، ولا تتفوه أو تفعل ما قد
تندم على فعله وتتمنى إرجاعه ..
إشراقة:
الحقيقـــة تظهــــر مع ذلات اللســـــان .
سيجموند فرويد
فليتنا نعتبر ..!
نغم الشام
|