وسط حشود تقدر بمليوني شخص في حديقة "ناشونال مول" بواشنطن ، أدى الرئيس المنتخب باراك أوباما القسم الدستوري أمام رئيس المحكمة الدستورية العليا ليصبح أول شخص من أصول إفريقية يعتلي كرسي الرئاسة في الولايات المتحدة. وفي خطابه بعد تنصيبه ، أكد أوباما أن أمريكا هي صديق لكل بلد وشعب يسعى من أجل الحرية والصداقة ، ورغم أنه أكد أن أمريكا لن ترضخ لمن أسماهم بالإرهابيين وستهزمهم ، إلا أنه طمأن العالم الإسلامي ، قائلا :" سنسعي إلي طريق جديد قائم على المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل، نحن ننكر الخيار الزائف بين أمننا ووجودنا" وذلك في رفض للشعار الذي رفعه سلفه بوش حول أن الذي لايقف مع أمريكا يكون في محور الشر ويهدد وجودها . وفيما يبدو أنه رفض أيضا لنهج بوش الدموي القائم على شن الحروب ضد الدول التي تسميها واشنطن بالمارقة ، قال أوباما :" أجيالنا واجهت الفاشية والشيوعية بالمبادىء والتحالفات لا بالدبابات والصواريخ". وحذر من أسماهم بالحكام الديكتاتوريين في العالم ، قائلا :" للأنظمة القائمة على الفساد والخديعة وإسكات المعارضة ، أنتم تسيرون ضد التاريخ وضد قيم الحرية والديمقراطية".
وفيما يتعلق بالعراق وأفغانستان ، قال أوباما :" سنعيد العراق إلى شعبه وسنحقق السلام صعب المنال في أفغانستان".
أما بالنسبة للداخل الأمريكي ، لم ينس أوباما الإشارة إلي التغيير الذي تشهده الحياة السياسية الأمريكية التي كانت قائمة قبل تنصيبه على حكم البيض ، حيث توجه للأمريكيين ، قائلا :" أبي لم يسمح له بدخول مطاعم البيض قبل 60 عاما ، أما اليوم فإن ابنه قد أقسم اليمين الدستورية كرئيس لأمريكا ، نحن نتذكر الرئيس الأسبق ابراهام لنكولن وأولئك الأمريكان الشجعان الذين غيروا البلاد لأنهم يجسدون روح أمتنا ، يجب إنهاء الانقسام السياسي والاجتماعي داخل الولايات المتحدة ".
ورغم أن الأمريكيين يعقدون آمالا كبيرة عليه للتخلص من إرث بوش الكارثي ، إلا أن أوباما حذر من الإفراط في التفاؤل ، وطالب الأجيال المقبلة بتخفيض توقعاتهم في المستقبل ، قائلا :"البلاد في خضم أزمة، اقتصادنا أُضعف بشكل كبير نتيجة الطمع وعدم المسئولية من قبل البعض ، كذلك بسبب فشلنا الجماعي لاتخاذ قرارات صعبة وتحضير الأمة لعصر جديد". وتعهد بمحاسبة أياً ممن يتلاعب بأموال دافعي الضرائب من الشعب الأمريكي ، قائلا :" وهؤلاء ممن يتعامل مع الأموال العامة سيحاسب، الإنفاق بحكمة وإصلاح العادات السيئة وإنجاز أعمالنا في وضح النهار لأنه فقط عندها يمكننا إعادة الثقة الحيوية بين الشعب وحكومتهم".
واختتم خطابه بتأكيد أن القيم الإنسانية المشتركة هي التي يجب أن تسود وأن تقوم علاقات أمريكا مع دول العالم على أساس الاحترام المتبادل ، قائلا :" نتعهد للشعوب الفقيرة بأننا سنساعدهم بقدر الإمكان ، العالم قد تغير وسنمضي إلى الأمام". واشنطن الأكثر أمنا في العالم
وكان أوباما وعقيلته قد توجها قبل حفل التنصيب إلى البيت الأبيض للاجتماع مع الرئيس المنتهية ولايته جورج بوش وعقيلته ، حيث انضم لهم نائب الرئيس الجديد جو بايدن وعقيلته أيضاً قبل توجههم جميعاً إلى مبنى الكابيتول لبدء حفل تنصيب الرئيس الـ44 وبدء فصل جديد في التاريخ السياسي للولايات المتحدة.
وبالنظر إلى تعدد محاولات اغتياله من قبل اليمين المتطرف خلال الحملة الانتخابية ، فقد صاحب حفل تنصيب أوباما إجراءات أمنية غير مسبوقة في تاريخ الولايات المتحدة لدرجة دفعت البعض للقول إن واشنطن هى الأكثر أمنا في العالم في 20 يناير ، موعد تنصيب الرئيس الجديد .
وقد أحيط أوباما بأكبر قدر من الزجاج المضاد للرصاص لم يسبق وأن أقيم حول سياسي أمريكي، كما فاقت أعداد العناصر الأمنية التي وفرت له الحماية أي إجراءات أمنية اتخذت لمسئول أمريكي في التاريخ ، حيث نشرت السلطات الأمريكية عشرات الآلاف من قوات الشرطة والعملاء الفيدراليين والحرس القومي في البر والبحر والجو، في سياق جهود أمنية غير مسبوقة لضمان مراسم تنصيب آمنة لأول رئيس أمريكي أسود.
ورغم أن التقديرات أشارت إلى أن عدد المشاركين في الفعاليات المختلفة لمراسم تنصيب الرئيس الـ44 للولايات المتحدة تتراوح ما بين مليون إلى مليوني شخص، فشل المسئولون في تحديد الأرقام الفعلية ، بعد مشاركة حشود هائلة في تلك اللحظات التاريخية ، بجانب مشاركة أبرز رؤساء أمريكا السابقين ومنهم جورج بوش الأب وبيل كلينتون ، فيما شارك نائب الرئيس الأمريكي السابق ديك تشيني في مراسم التنصيب من على كرسي متحرك بعد أن أصيب بشد عضلي في الظهر.
تركة ثقيلة
ويرث الرئيس الأمريكي الجديد تركة ثقيلة تتمثل في أزمات الشرق الأوسط والعراق وأفغانستان والأزمة الاقتصادية الطاحنة ، ورغم أنه رفع شعار التغيير وتعهد بالانسحاب من العراق وتحدث عن طريق جديد في التعامل مع العالم الإسلامي ، إلا أن الأمور السابقة لا تعني أنه سينجح في إدخال تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأمريكية لعدة أمور من أبرزها أن أمريكا لها سياسة كونية تقوم على تفوق الرجل الأبيض والتوسع وضمان أمن إسرائيل ، ولا يستطيع أوباما أو غيره الانحراف كثيرا عن تلك السياسة ، وبالتالي لا توقعات كبيرة بتحقيق اختراق جوهري لقضايا الشرق الأوسط ، خاصة في ظل التردي في الواقع العربي والذي ظهر بوضوح في محرقة غزة.