من يعيد الحقوق المسلوبة؟ من يعيد الحقوق المسلوبة؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد
فللمسلم مسلمات وثوابت أخذها من دينه لا يداخله فيها شك أو ارتياب فمهما تداخلت القضايا وادلهمت الأمور وتأثرت الأوضاع، يبقى موقف المسلم المستند إلى تلك الثوابت لا يعتريه شك أو ارتياب أو تنازل، ومن خلال هذا يكون عمله منتجا محققا للمقصود الذي يحبه الله ورسوله وإن لم يحدث ذلك إلا بعد فترة من الزمن قد تطول وقد تقصر حسب تقدير الله تعالى، وانطلاقا من ذلك فإنه يصر على مواقفه المبنية على الحق الذي جاء في كتاب ربه وسنة رسوله مهما كلفه ذلك من مقابل ولا يقدم تنازلات يأباها الشرع بحجة أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان
لنا نحن معاشر المسلمين في العصر الحاضر عدد من القضايا المهمة منها قضية فلسطين، البلد المسلم الذي اغتصبه مجموعات من اليهود تحت سمع العالم (المتمدن المحب للعدل والسلام!) وبصره، وبوعد من بريطانيا وبموافقة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي (روسيا حاليا) وغيرهم من البلدان غير المسلمة، وقد بدا لفريق من الناس أنه من الممكن حل هذه المعضلة بعيدا عن سنة المدافعة بين أهل الحق وأهل الباطل-تلك السنة التي لم تتغير على مر الزمن ولن تتغير-فراحوا يبحثون عن الحلول التفاوضية، مع من اغتصبوا الأرض وقتلوا أهلها وبرعاية من أعطاهم إياها ومن أمدهم بأسباب البقاء وشجعهم على ذلك بكل سبيل، وفي كل جولة تفاوضية تبرز المعادلة الواضحة التي لا يستراب فيها وهي أن من اغتصب الحقوق لم يكن ليعطيها أهلها مختارا، وأن من أعانهم على الغصب والظلم ما زال على موقفه مدافعا ومعينا بل ومشاركا رغم ما يطلقه عليه التفاوضيون من أنه الشريك والحليف والراعي الأساس لحل هذه المشكلة ورجوع الحقوق إلى أهلها.
والذي لا شك فيه أنه لا رجوع للحقوق إلا من خلال ديننا الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبسواعدنا نحن، فمهما ابتغينا العز في غيره أذلنا الله ومهما وضعنا من آمال في غيرنا فلن يكونوا لنا إلا كما قال عنهم ربنا، وقد اتبع الظلمة والطغاة مع من يفاوضونهم سياسة الموافقة على الاقتطاع والهضم خطوة خطوة، فتبدأ المفاوضات وتنعقد ثم تنفض عن الموافقة عن التخلي عن بعض الحق أملا في تحصيل بقيته وتمضى الأيام وتنعقد الجلسات ولا تنفك هذه الجلسات عن الاتفاق على شيء سوى الإقرار بما تم التخلي عنه ولا شيء في مقابل ذلك، ثم يفتعل تعقد المسائل وتحتاج بعد أمد إلى عودة أخرى لطاولة المفاوضات وفيها يتم التخلي عن جزء آخر، وهكذا تمتد المفاوضات ويكثر التخلي عن أجزاء من الحق حتى يصبح الباقي من الحقوق شيئا هزيلا لا قيمة له ولا مقدار، وهذا يفسره إصرار العدو على إطالة أمد المفاوضات وعلى عدم الوصول إلى ما يسمونه مفاوضات الحل النهائي، إلا وقد أنهك قوى التفاوضيين حتى يقبلوا ويسلموا بما ينبذ إليهم من الفتات أو الحطام.
كما صار الحديث عن حل هذه المشكلة لدى السياسيين من الدول الكبرى وإسهامهم فيه وسيلة فجة لتمرير مشاريعهم التوسعية للسيطرة على أجزاء شاسعة من العالم ونهب ثروات شعوبه والنيل من حرياتهم وثقافاتهم، فمنذ ما يقارب من سبع سنوات عندما أرادت أمريكا محاربة الإسلام والنيل منه بحسبانه هو العقبة الرئيسة التي تحول بينهم وبين طموحاتهم في الاستيلاء على البلاد الإسلامية ونقل خيراتها إلى بلادهم وتغريب شعوبهم وصبغهم بصبغة مخالفة لدينهم جرى الإعلان عن ذلك تحت مسمى محاربة الإرهاب والترويج له إعلاميا بصورة قل نظيرها وفي سبيل ذلك ظهر الحديث بقوة عن ضرورة حل المشكلة الفلسطينية لأن وجودها بدون حل يغذي-من وجهة نظرهم-الإرهاب وجرى الكلام بتأكيد شديد لدرجة أنه قد تحدد موعد إعلان الدولة الفلسطينية وهو عام 2005م وفرح التفاوضيون لذلك، وقدحوا فيمن شكك في نزاهة هذا الإعلان، واليوم وبعد مرور ما يقرب من السبع سنوات وفي أوائل عام 2008 أي بعد الموعد المحدد مسبقا بثلاث سنوات يفاجأ الفلسطينيون بأهازيج إعلامية تصاحب زيارة رئيس أمريكا للمنطقة تعيدهم إلى مستويات سفلى أدنى بكثير مما يتخيله أكثر الناس معارضة للمسلك التفاوضي
فعندما وطئت أقدامه أرض مطار بن جورين الأرض المغصوبة من أصحابها والتي ليست ملكا للضيف! ولا ملكا لمن استضافه، أعلن أنه ينبغي ضمان أمن إسرائيل كدولة يهودية، وهذا يعني أمرين أولا: إسقاط حق الفلسطينيين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم بقوة البطش والظلم من العودة إلى ديارهم، ثانيا: تهديد العرب الباقين في حدود 48 في بقائهم مما يحولهم إلى مواطنين من الدرجة الثانية.
وذرا للرماد في العيون أعلن أنه ينبغي تعويض اللاجئين عن ديارهم وممتلكاتهم، أي يبيعون وطنهم وممتلكاتهم من أجل إقرار الغاصب على غصبه، وكأنه يرى أن الأوطان تباع بالدينار والدولار(ومن أين تأتي هذه التعويضات؟ لعلها تجمع لهم من بعض الدول العربية فيدفع العرب أموالهم للعرب ليفوز اليهود بفلسطين)، وهذا ليس بغريب على أناس قامت دولتهم على أساس إبادة أهل البلد الأصليين، ويتعجب المرء من ضعف رد بعض المسئولين الفلسطينيين على ذلك حيث يعلق أحدهم على اقتراح التعويض المادي والرضا بعدم العودة إلى البلاد وابتلاع اليهود لها إلى الأبد بأن الموافقة على هذا العرض قرار فردي يرجع إلى كل لاجئ وهو الذي يقرر ذلك بنفسه، بينما يقول البعض الآخر إن هذا الاقتراح ربما لإقناع الإسرائيليين وجذبهم لمائدة المفاوضات (فبعدما كان العرب يرفضون التفاوض في عهد اللاءات الشهيرة: لا صلح لا تنازل لا تفاوض لا اعتراف، صار الكثير يهرول للمائدة المستديرة ويصر على التفاوض ويطالب به)
ولما كان إسقاط حق اللاجئين في العودة لديارهم التي أخرجوا منها بغير حق مخالفا للقرارات الدولية كالقرار رقم 194 الصادر عن الأمم المتحدة في 11/12/1948م، الذي ينص على حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم نجد أن الضيف الزائر يصرح ويقول: إن الأمم المتحدة أخفقت في إيجاد حل كما أن هذه القرارات قديمة وينبغي الاعتراف بما هو على الأرض ، وهذا الكلام يمثل استهانة كبرى بما يقال عنه المجتمع الدولي والقرارات الدولية، بل إن مثل هذا الكلام هو من السخرية بمكان إذ كيف يقول ذلك وهو يعلن أنه جاء لتحقيق اتفاق سلام قبل انتهاء ولايته يتيح إقامة الدولة الفلسطينية ، كما أنه في الوقت نفسه استهانة بالعرب كافة وبحقوق الفلسطينيين خاصة إذ كيف يطلق هذه التصريحات وهو قادم لزيارة كثير من البلاد العربية فكأنه يقول أعلنها وأنا في عقر داركم وهو مدعاة حقيقية لعدم الثقة في كل ما يصدر عن هؤلاء، فهم كما قال الله تعالى عنهم: "لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر" ويعقب الله تعالى بعد هذا البيان بقوله: "قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون"
ومما يبين أنه ماض في طريقه وأنه يعي ما يقول ويقصده وأنه ليس مجرد سقطة كلام-كما حاول بعض الناس الاعتذار بذلك عندما أعلن أنه سيشن حربا صليبية-فهو يبين أنه لا يتوقع من (إسرائيل) أن تتخلى عن الأراضي التي احتلتها عام 1967 كلها وأن على الجانبين اليهودي والفلسطيني تقديم حلول وسط تعكس الواقع الحالي بما في ذلك تعديل الحدود وعدم الالتزام بخط الهدنة، ويجعل ذلك التنازل والتغيير في خطوط الهدنة والإقرار بعدم أحقية اللاجئين في العودة إلى ديارهم هو المهر المقدم لإقامة الدولة الفلسطينية (الدولة الكرتونية التي لا حقيقة لها إلا في الأوراق) وهو ما يعني الموافقة على ابتلاع اليهود لأجزاء أخرى من فلسطين، والتنكر لحقوق الفلسطينيين الثابتة أصلا بامتلاكهم لأرضهم وديارهم والمؤكدة بالقرارات الدولية المؤيدة لذلك الحق .
فالرئيس يقول إنه يجب اتخاذ قرارات صعبة وتقديم تنازلات مؤلمة من الجانبين، أما القرار الصعب والتنازل المؤلم من جانب اليهود-إن حدث في الواقع-فهو لا يعدو أن يكون تنازل السارق عن بعض ما سرقه، وأما القرار الصعب والتنازل المؤلم من جانب الفلسطينيين فهو التسليم للسارق بسرقته وللغاصب بما اغتصب،
وهو يطالب في مقابل اللاشيء الذي يقدمه للفلسطينيين الالتزام الصارم بمنع المقاومة ومواجهة من سماهم الإرهابيين وتفكيك البنية التحتية لهم ويدخل في كل هذه التعبيرات الفصائل الفلسطينية الرافضة للاستسلام وعلى رأسها الفصائل الإسلامية والالتزام الصارم معناه في هذه الحالة قيام الاقتتال الداخلي بين الفلسطينيين
والكل يعلم بما فيهم الأمريكان واليهود أن الإدارة الأمريكية أضعف من أن تكون قادرة على تحريك شيء على الأرض، فكأن الزيارة فيما يخص اليهود لم تكن إلا لتأكيد وتثبيت الأوضاع القائمة والبناء عليها فيما بعد، فكيف برئيس أمضى سبع سنوات في الحكم لم يتقدم خطوة في الاتجاه الصحيح بينما هرول وقطع مسافات طوال في الاتجاه الخاطئ كيف به يزعم أن في الإمكان أن يحقق في السنة الباقية (والتي يطلق فيها على الرئيس بطة عرجاء لضعفه وعدم قدرته ) ما لم يمكن تحقيقه في سبع سنوات.
ومن غريب ما تمخضت عنه الزيارة أن الرئيس الأمريكي قفز على كل مجهودات العرب فبعد عقود من التحركات الحربية أو السلمية توصل العرب إلى ما يعدونه خيارا استراتيجيا بالنسبة لهم وأجمعوا عليه إجماعا قل لهم نظيره وهو المبادرة العربية التي انطلقت منذ ما يقارب عقدين من الزمان والتي ما زال العرب يلتزمون بها لا نجد لها ذكرا أي ذكر في خطابات وتصريحات الرئيس الأمريكي، مما يعد تجاهلا تاما لأمة كاملة فلا يعيرها اهتماما ولا يلتفت إلى إجماعها ولو من باب المجاملة.
والشيء اللافت للنظر أن هذا المشهد سبق إخراجه أواخر أيام حكم كلينتون بحيث يصح أن يقال إنه (سيناريو) مكرر ومعاد ولا اختلاف في المضمون وإنما الاختلاف في أشخاص القائمين بالأدوار
واليهود بدورهم ماضون في خططهم وسياساتهم لا يعتدون بما يقال هنا أو هناك وليس عندهم أكثر من الكلام والتصريح الذي لا يأخذ منه فائدة بينما لا يوجد تغيير على الأرض فبناء المستوطنات لم يتوقف وهناك مناقصات تطرح لبناء مستوطنات جديدة وتوسيع أخرى قائمة، وانتزاع الأراضي من أيدي أهلها الفلسطينيين مستمر، بل حتى المستوطنات التي قامت بالمخالفة لقانونهم (وهي التي يدعونها بالمستوطنات العشوائية) ما زالت قائمة لم تزل
وهذا الكلام قد لا يكون جديدا بل قد قيل من كثير من الناس منذ زمن وأمد لكن الذي ينبغي قوله والتأكيد عليه أن الحقوق المغتصبة لا يمكن أن يأتي بها من هو عون الظالمين وملاذهم والمدافع عنهم والمتبني لكل تصرفاتهم وأقوالهم، ولن تعود هذه الديار إلا كما عادت يوم أن استعادها صلاح الدين ممن اغتصبوها منذ قرون مضت والسبيل هو السبيل والعمل هو العمل الإيمان بالله والاستعانة به والالتزام بشرعه، واجتماع الكلمة وتوحد الصفوف وإعداد العدة اللازمة وبناء القوة التي ينفع الله بها يوم النزال، وحفظ الأموال وإنفاقها في ذلك، فلا ينبغي إضاعة الزمان والأعمار والأولاد وإهدار الأموال في التعلق بسراب لا حقيقة له، وترك العمل على تحقيق ما وعد الله به فوعد الله حق وتحقيقه حق قال الله تعالى: "ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز" وقال تعالى: "إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده" اللهم أجمع كلمة المسلمين على طاعتك وطاعة رسولك، والانتصار لدينك ولعبادك المستضعفين
بقلمى: صاحب القلم الحزين
|