السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يحِبُّوْن اسْتِعْرَاض مَا يَمْلِكُوْنَه مِن عُلُوْم وَمَعَارِف هِي سَطْحِيَّة
بِالْنِّسْبَة لَهُم عَمِيْقَة وَمُتَمَكِّنَة تَصْلُح لِكُل زَمَان وَمَكَان
تُجْلِس مَع بَعْضِهِم لِتَسْمَع الْكَثِيْر مِن مَقَالَات وَهْمِيَّة
مُدَعَّمَة بِأَقْوَال أَصْدِقَائَهُم وَأَقَارِبِهِم وَمَن لَا عِلْم لَهُم
يَتَخَبَّطَوْن فِي الْعُلُوم بِأَنْوَاعِهَا يَسْتَدِلُّوْن بِمَا شَاهَدُوْه
مَن مَعْلُوْمَات قَيّمَة مِن مُسَلْسَل دِرَامي أَو قَنَاة أَجْنَبِيَّة
تُحَارِب مَبَادِئ الْإِسْلَام وَكَثِيْر مِنْهُم مَا يَسْتَخْدِمُوْن كَلِمَة شَرِيْعَة
لِتَوْثِيق بَيَانَاتِهِم وَيَدْعَمُون بِأَدِلَّة ضَعِيْفَة وَيَسْتَخْدِمُوْن الْأَلْفَاظ الْرَّكِيْكَة
أَلْسِنَتُهُم تَعْمَل أَكْثَر مِن آَذَانِهِم فَقَط لِأَنَّهُم يُفَضِّلُوْن الْظُّهُور
بِصُوْرَة الْمُثَقَّف الْمُتَمَكِّن عَلَى الْظُّهُور بِصُوْرَة الْجَاهِل الَّذِي لَا يَفْقَه شَيْئا .
هُم أَصْحَاب الْثَّقَافَة الْكَاذِبَة تَرَاهُم فِي كُل مَكَان فِي الْمَوَاقِع الْالِّكْتَرُوْنِيَّة
وَأَجْهِزِة الْبْلاك بِيْرِي وَفِي التِّلْفَاز وَالَإِذَاعَة صَار صِيَتُهُم أَكْبَر مِن عَدَد الْمَشَاهِد
حَتَّى أَن الْمُتَلَقِّي أَصْبَح يَقْرَأ بِلَا عَقْل فَيَسْتَقْبِل وَيَنْهَل
مِن مَوَارِدَهُم ثُم يُقَلِّدُهُم فِي نَشْر عُلُوْمِهِم
أَيُّهَا الْسَّادَة ، هُو لَيْس طَعْنَا فِي شَخْصِهِم وَلَا فِي أَخْلَاقِهِم
إِنَّمَا طَعَن فِي عِلْم لَا يَعْرِف مَصْدَرَه مِن أَيْن ؟
طَعَن فِي عِلْم لَيْس مِن تَخَصُّصِه فَيَتَحَدَّث فِيْه بِكُل انْسِيَابِيَّة
وَيُسَبِّب لِنَفْسِه حَرَجا أَمَام صَاحِبِه الْمُتَخَصّص أَو مَار عَلَى مَجْلِسِه
وَقَد جَاء فِي الْقُرْآَن الْكَرِيْم:
وَلَا تَقْف مَا لَيْس لَك بِه عِلْم إِن الْسَّمْع وَالْبَصَر وَالْفُؤَاد
كُل أُوْلَئِك كَان عَنْه مَسْئُوْلَا [الْإِسْرَاء: 36]
الْآَيَة وَاضِحَة ، فَإِذَا كَان أَصْحَاب الْثَّقَافَة الْكَاذِبَة
يَقْرَؤُوْن الْقُرْآَن لِخَتْمِه دُوْن تَدَبُّر أَو كَانُوْا مِن الَّذِيْن هَجَرُوا الْقُرْآَن
وَيَنْقُلُون أَحَادِيْث الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْهِم وَسَلَّم
فِي زِحَام مَا يُسَمَّى بِالْأَحَادِيْث الْمَكْذُوبَة فَلَا أَلَوْمُهُم
فِي نَشْر عِلْم دُوْن الْتَّحَقُّق مِن مَصْدَرُه فَعُقُولُهُم تَرِبَت عَلَى ذَلِك .
أَمَّا إِذَا فَهِمُوْا مَغْزَى الْآَيَة وَاسْتَمَرُّوا عَلَى حَالِهِم فِي الْنَّشْر وَالْقَوْل وَالْإِفْتَاء
فَعُذْرَا لَهُم ، فَهُم زَائِدُوْن عَلَى الْدُّنْيَا وَيَا لَيْتَهُم يُزِيْحُون أَنْفُسَهُم قَلِيِلَا لْنَتَنَفْس
فَالْأَمَانَة فِي الْعِلْم نَقْلا وَقُوَّلا وَعَمَلَا مِن شِيَم عَصْر الْصَّحَابَة وَمَن تَبِعَهُم
وَقَد حَث الْسَّلَف عَلَى الْبَحْث وَتَصَيَّد الْحَقِيقَة
وَهَذَا هُو الْأَصْل فِي طَلَب الْعِلْم وَنَقَلَه
نَنْتَقِل لِفِئَة الْثَّقَافَة الْكَاذِبَة وَقَد وَصَفَهُم الْلَّه بِقَوْلِه :
يَا أَيُّهَا الَّذِيْن آَمَنُوْا لِم تَقُوْلُوْن مَا لَا تَفْعَلُوْن
كَبُر مَقْتا عِنْد الْلَّه أَن تَقُوْلُوْا مَا لَا تَفْعَلُوْن [الْصَّف: 2 - 3 ]
فُقْدَان الْأَمَانَة فِي تَقَصِّي مَصْدَر الْحَقَّائِق لَمُصِيبَة
وَالْدَّعْوَة بِالْقَوْل دُوْن الْعَمَل لَه لِأَكْبَر عَار لِحَامِل عِلْم لَا يَعْمَل بِمَا تَعَلَّمَه
فَكَيْف أَثِق بِفَرْد يَقُوْل أَمْرا وَيَفْعَل ضِدَّه أَو يَدْعُو لِعَمَل وَيَقُوْل بِضِدِّه
وَهَذِه كَبِيْرَة وَدَلِيْل عَلَى ضَعْف الْشَّخْص وَوَازِعُه الْدِّيْنِي
فَعَن أَنَس بْن مَالِك رَضِي الْلَّه عَنْه :
أَن الْنَّبِي - صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم قَال:
مَرَرْت لَيْلَة أُسْرِي بِي عَلَى قَوْم تُقْرَض شِفَاهُهُم بِمَقَارِيْض مِن نَار
فَقُلْت: مَّن هَؤُلَاء يَا جِبْرِيْل؟! قَال: خُطَبَاء مِن أُمَّتِك
يَقُوْلُوْن مَا لَا يَفْعَلُوْن حَدِيْث مَرْفُوْع
لِذَا أَدْعُو أَصْحَابِنَا إِلَى الْتَّثَبُّت عِنْد الْنَّقْل
وَأَن تَكُوْن ذَات جَوْدَة عَالِيَة
فَنَحْن قَد خُلِقْنَا لأهْدَاف سَامِيَّة وَأَخْلَاق رَفِيْعَة
دُسْتُوْرَنَا كِتَاب الْلَّه وَسُنَّتُه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم
فَلَا مَجَال لِتَصْحِيْح غَيْرِنَا فَلْنَبْدَأ بِأَنْفُسِنَا
فَالَوَقْت الَّذِي نَمْلِكُه سَنُحَاسِب عَلَيْه
فَانْتَبِهُوْا مِن تَصُدّر الْلِّسَان الْمَقَام الْأَوَّل
وَاجْعَلُوْا الْصَّمْت أَمَام الْتَفَاهِة الْحَل الْأَمْثَل