منذ /08-02-2013, 03:29 PM
|
#290 |
مبدعي المنتدى
| وَقِسْمًا لِائْتِلاَفِهِمْ وَإِصْلاَحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ، كَنَهْيِهِ عَنْ الْغَضَبِ، وَالْغَلَبَةِ، وَالظُّلْمِ، وَالسَّرَفِ الْمُفْضِي إلَى الْقَطِيعَةِ، وَالْبَغْضَاءِ. وَقِسْمًا لِحِفْظِ أَنْسَابِهِمْ وَتَعْظِيمِ مَحَارِمِهِمْ، كَنَهْيِهِ عَنْ الزِّنَا وَنِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ. فَكَانَتْ نِعْمَتُهُ فِيمَا حَظَرَهُ عَلَيْنَا كَنِعْمَتِهِ فِيمَا أَبَاحَهُ لَنَا، وَتَفَضُّلُهُ فِيمَا كَفَّنَا عَنْهُ كَتَفَضُّلِهِ فِيمَا أَمَرَنَا بِهِ. فَهَلْ يَجِدُ الْعَاقِلُ فِي رَوِيَّتِهِ مَسَاغًا أَنْ يُقَصِّرَ فِيمَا أَمَرَ بِهِ وَهُوَ نِعْمَةُ عَلَيْهِ، أَوْ يَرَى فُسْحَةً فِي ارْتِكَابِ مَا نَهَى عَنْهُ وَهُوَ تَفَضُّلٌ مِنْهُ عَلَيْهِ ؟ وَهَلْ يَكُونُ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِنِعْمَةٍ فَأَهْمَلَهَا، مَعَ شِدَّةِ فَاقَتِهِ إلَيْهَا، الا مَذْمُومًا فِي الْعَقْلِ مَعَ مَا جَاءَ مِنْ وَعِيدِ الشَّرْعِ ؟ ثُمَّ مِنْ لُطْفِهِ بِخَلْقِهِ وَتَفَضُّلِهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ جَعَلَ لَهُمْ مِنْ جِنْسِ كُلِّ فَرِيضَةٍ نَفْلاً، وَحَمَلَ لَهَا مِنْ الثَّوَابِ قِسْطًا، وَنَدَبَهُمْ إلَيْهِ نَدْبًا، وَجَعَلَ لَهُمْ بِالْحَسَنَةِ عَشْرًا لِيُضَاعِفَ ثَوَابَ فَاعِلِهِ، وَيَضَعَ الْعِقَابَ عَنْ تَارِكِهِ. وَمِنْ لَطِيفِ حِكْمَتِهِ أَنْ جَعَلَ لِكُلِّ عِبَادَةٍ حَالَتَيْنِ: حَالَةُ كَمَالٍ وَحَالَةُ جَوَازٍ، رِفْقًا مِنْهُ بِخَلْقِهِ لِمَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّ فِيهِمْ الْعَجِلَ الْمُبَادِرَ وَالْبَطِيءَ الْمُتَثَاقِلَ، وَمَنْ لاَ صَبْرَ لَهُ عَلَى أَدَاءِ الاكْمَلِ لِيَكُونَ مَا أَخَلَّ بِهِ مِنْ هَيْئَاتِ عِبَادَتِهِ غَيْرَ قَادِحٍ فِي فَرْضٍ، وَلاَ مَانِعٍ مِنْ أَجْرٍ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ نِعَمِهِ عَلَيْنَا وَحُسْنِ نَظَرِهِ إلَيْنَا. وَكَانَ أَوَّلُ مَا فَرَضَ بَعْدَ تَصْدِيقِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم عِبَادَاتِ الابْدَانِ، وَقَدْ قَدَّمَهَا عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالامْوَالِ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ عَلَى الامْوَالِ أَشَحُّ وَبِمَا يَتَعَلَّقُ بِالابْدَانِ أَسْمَحُ، وَذَلِكَ الصَّلاَةُ وَالصِّيَامُ. فَقَدَّمَ الصَّلاَةَ عَلَى الصِّيَامِ؛ لِأَنَّ الصَّلاَةَ أَسْهَلُ فِعْلاً، وَأَيْسَرُ عَمَلاً، وَجَعَلَهَا مُشْتَمِلَةً عَلَى خُضُوعٍ لَهُ وَابْتِهَالٍ إلَيْهِ. فَالْخُضُوعُ لَهُ رَهْبَةٌ مِنْهُ، وَالابْتِهَالُ إلَيْهِ رَغْبَةٌ فِيهِ. وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: {إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إلَى صَلاَتِهِ فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ فَلْيَنْظُرْ بِمَا يُنَاجِيهِ}. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ صَلاَةٍ اصْفَرَّ لَوْنُهُ مَرَّةً وَاحْمَرَّ أُخْرَى فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: أَتَتْنِي الامَانَةُ الَّتِي عُرِضَتْ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالارْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلْتهَا أَنَا فَلاَ أَدْرِي أَأُسِيءُ فِيهَا أَمْ أُحْسِنُ. ثُمَّ جَعَلَ لَهَا شُرُوطًا لاَزِمَةً مِنْ رَفْعِ حَدَثٍ، وَإِزَالَةِ نَجَسٍ؛ لِيَسْتَدِيمَ النَّظَافَةَ لِلِقَاءِ رَبِّهِ، وَالطَّهَارَةَ لِأَدَاءِ فَرْضِهِ. ثُمَّ ضَمَّنَهَا تِلاَوَةَ كِتَابِهِ الْمُنَزَّلِ لِيَتَدَبَّرَ مَا فِيهِ، مِنْ أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ، وَيَعْتَبِرَ إعْجَازَ أَلْفَاظِهِ وَمَعَانِيهِ. ثُمَّ عَلَّقَهَا بِأَوْقَاتٍ رَاتِبَةٍ، وَأَزْمَانٍ مُتَرَادِفَةٍ؛ لِيَكُونَ تَرَادُفُ أَزْمَانِهَا وَتَتَابُعُ أَوْقَاتِهَا سَبَبًا لِاسْتِدَامَةِ الْخُضُوعِ لَهُ وَالابْتِهَالِ إلَيْهِ، فَلاَ تَنْقَطِعُ الرَّهْبَةُ مِنْهُ وَلاَ الرَّغْبَةُ فِيهِ، وَإِذَا لَمْ تَنْقَطِعْ الرَّغْبَةُ وَالرَّهْبَةُ اسْتَدَامَ صَلاَحُ الْخَلْقِ. وَبِحَسَبِ قُوَّةِ الرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ يَكُونُ اسْتِيفَاؤُهَا عَلَى الْكَمَالِ أَوْ التَّقْصِيرِ فِيهَا حَالَ الْجَوَازِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {الصَّلاَةُ مِكْيَالٌ فَمَنْ وَفَّى وُفِّيَ لَهُ وَمَنْ طَفَّفَ فَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا قَالَ اللَّهُ فِي الْمُطَفِّفِينَ}. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {مَنْ هَانَتْ عَلَيْهِ صَلاَتُهُ كَانَتْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَزَّ وَجَلَّ أَهْوَنَ}. يتبــــــــــــــــــــــــــع
|
| |