قِيلَ : أَوْحَشُ مَا يَكُونُ ابْنُ آدَمَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ ، فَسَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ وَحْشَتِهَا ،
**
ثُمَّ قَالَ ﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ﴾ [«مريم:15»]؛ هَذِهِ الْأَوْقَاتُ [« الثَّلَاثَةُ »] أَشَدُّ مَا تَكُونُ عَلَى الْإِنْسَانِ ؛ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ فِي كُلٍّ مِنْهَا ، مِنْ عَالَمٍ إِلَى عَالَمٍ آخَرَ فَيَفْقِدُ الْأَوَّلَ بَعْدَ مَا كَانَ أَلِفَهُ وَعَرَفَهُ ، وَيَصِيرُ إِلَى الْآخَرِ وَلَا يَدْرِي مَا بَيْنَ يَدَيْهِ ؛ وَلِهَذَا يَسْتَهِلُّ صَارِخًا إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْنِ الْأَحْشَاءِ وَفَارَقَ لِينَهَا وَضَمَّهَا ، وَيَنْتَقِلُ إِلَى هَذِهِ الدَّارِ لِيُكَابِدَ هُمُومَهَا وَغُمُومَهَا ، وَكَذَلِكَ إِذَا فَارَقَهَذِهِ الدَّارَ ، وَانْتَقَلَ إِلَى عَالَمِ الْبَرْزَخِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ دَارِ الْقَرَارِ ، وَصَارَ بَعْدَ الدُّورِ وَالْقُصُورِ ، إِلَى عَرْصَةِ الْأَمْوَاتِ سُكَّانِ الْقُبُورِ ، وَانْتَظَرَ هُنَاكَ النَّفْخَةَ فِي الصُّوَرِ لِيَوْمِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ ، فَمِنْ مَسْرُورٍ وَمَحْبُورٍ ، وَمِنْ مَحْزُونٍ وَمَثْبُورٍ ، وَمَا بَيْنَ جَبِيرٍ وَمَكْسُورٍ ، وَفَرِيقٍ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٍ فِي السَّعِيرِ . وَلَقَدْ أَحْسَنَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ حَيْثُ قَالَ :
وَلَدَتْكَ أُمُّكَ بَاكِيًا مُسْتَصْرِخًا * * وَالنَّاسُ حَوْلَكَ يَضْحَكُونَ سُرَورًا
فَاحْرِصْ لِنَفْسِكَ أَنْ تَكُونَ إِذَا بَكَوْا * * فِي يَومِ مَوْتِكَ ضَاحِكًا مَسْرُورًا
وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمَوَاطِنُ الثَّلَاثَةُ أَشَقَّ مَا تَكُونُ عَلَى ابْنِ آدَمَ سَلَّمَ اللَّهُ عَلَى يَحْيَى فِي كُلِّ مَوْطِنٍ مِنْهَا ، فَقَالَ : ﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ﴾ [آية 15؛ سورة مريم : 19].
**