سبحان الله شئ كتبه الله على بنات آدم! توضيح المسألة : فـ نستعن بالله تعالى ونرجو منه سبحانه التوفيق والهداية والتيسير ؛ ونقول تبياناً لقوله عليه السلام :" إِنَّمَا ذَلِكَ شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ "... هَذَا تَسْلِيَةٌ لَهَا ؛ وَتَخْفِيفٌ لَهَا . وَمَعْنَاهُ أَنَّكِ لَسْتِ مُخْتَصَّةً بِهِ بَلْ كُلُّ بَنَاتِ آدَمَ يَكُونُ مِنْهُنَّ هَذَا كَمَا يَكُونُ مِنْهُنَّ ؛ وَمِنَ الرِّجَالِ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَغَيْرُهُمَا . وَاسْتَدَلَّ الإمام الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ بِعُمُومِ هَذَا عَلَى أَنَّ الْحَيْضَ كَانَ فِي جَمِيعِ بَنَاتِ آدَمَ وَأَنْكَرَ بِهِ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ الْحَيْضَ أَوَّلَ مَا أُرْسِلَ وَقَعَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ . وَمَا قِيلَ : إنَّهُ أَوَّلُ مَا أُرْسِلَ الْحَيْضُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ [*] فَقَدْ رَدَّهُ الْبُخَارِيُّ ـ كما ذكرتُ آنفاً ـ بِقَوْلِهِ وَحَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْبَرُ ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ :" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَيْضِ [ هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ ] ". قَالَ النَّوَوِيُّ : أَيْ إنَّهُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ بَنَاتِ آدَمَ ". ـــــــــــــــــــــــــــــــ [*] كتب ابن حجر العسقلاني :" قَوْلُهُ : ( وَقَالَ بَعْضُهُمْ : كَانَ أَوَّلُ ) بِالرَّفْعِ ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ كَانَ وَالْخَبَرُ " عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ " أَيْ عَلَى نِسَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُالرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ :" كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُصَلُّونَ جَمِيعًا ، فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَتَشَرَّفُ لِلرَّجُلِ ، فَأَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِنَّ الْحَيْضَ وَمَنَعَهُنَّ الْمَسَاجِدَ وَعِنْدَهُ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوُهُ . قَوْلُهُ : ( وَحَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُ ) قِيلَ مَعْنَاهُ أَشْمَلُ ؛ لِأَنَّهُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ بَنَاتِ آدَمَ ، فَيَتَنَاوَلُ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ وَمَنْ قَبْلَهُنَّ ، أَوِ الْمُرَادُ أَكْثَرُ شَوَاهِدَ أَوْ أَكْثَرُ قُوَّةً . وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ لَيْسَ بَيْنَهُمَا مُخَالَفَةٌ فَإِنَّ نِسَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ ، فَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ بَنَاتُ آدَمَ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ . قَال العسقلاني : وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا مَعَ الْقَوْلِ بِالتَّعْمِيمِ بِأَنَّ الَّذِي أُرْسِلَ عَلَى نِسَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ طُولُ مُكْثِهِ بِهِنَّ عُقُوبَةً لَهُنَّ لَا ابْتِدَاءُ وُجُودِهِ . وَقَدْ رَوَى الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ :" وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ " أَيْ حَاضَتْ . وَالْقِصَّةُ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِلَا رَيْبٍ . وَرَوَى الْحَاكِمُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ ابْتِدَاءَ الْحَيْضِ كَانَ عَلَى حَوَّاءَ بَعْدَ أَنْ أُهْبِطَتْ مِنَ الْجَنَّةِ " ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَبَنَاتُ آدَمَ بَنَاتُهَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ " .
|