منذ /03-25-2014, 12:09 AM
|
#1 |
| تأملات فى سورة الدخان " حم " الدخان. بدأت السورة بقسم بالقران الكريم " والكتاب المبين " ، أى الواضح الجلى " إنا أنزلناه في ليلة مباركة " ، هى يقينا ليلة القدر من ليالى رمضان. وأخطأ المفسرون الذين جوزوا أن تكون ليلة النصف من شعبان! وإنما بوركت الليلة بما نزل فيها من الوحى الخاتم، فهو وحى عامر بالحكمة والنور والخير الكثير " كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته... " . " وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه... " . وبركة هذا الكتاب أنه يصنع من البشر ملائكة، وأنه صنع من العرب الهمل أمة ذات حضارة لا تغيب عنها الشمس. " إنا كنا منذرين " للطغيان السائد، وهادمى قواعده، وهذا من قبيل التخلية قبل التحلية، فما قامت عدالة الإسلام إلا بعد الإجهاز على الممالك الظالمة التى سبقته. ومضت الآيات تؤكد عقيدة التوحيد وحاجة الأولين والآخرين إليها. ومعروف أن العرب قاوموا أول أمرهم دعوة الإسلام، وأحرجوا حملتها وأخرجوهم من ديارهم، فدعا النبى ربه " اللهم أعنى عليهم بسبع كسبع يوسف". فأجدبت الأرض وانقطع المطر وجاع المشركون وأظلمت الدنيا فى عيونهم فكأن الجو غطاه الدخان، وملأته غبرة. فذهب ناس إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسألونه أن يعفو عن قومه! ولكنهم بعد العفو عنهم وعودة العافية لهم نكثوا!! " إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون * يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون " . وقد انتقم الله منهم يوم بدر فأهلك رؤساء الكفر وألحق بهم هزيمة مخزية. ذلك تفسير الجمهور للآيات . ص _385 وهناك رأى آخر أنا إليه أميل. ربما كان الدخان آية يكشف عنها الغد؟ وكما يوجل العالم الآن من ثقب " الأوزون " وخطره على الناس، قد تتمخض الآفاق عن مصيبة داهمة وعذاب أليم لما شاع فى الأرض من إلحاد وفسوق، ولما يلقاه الإسلام من خصومة وجفاء، ولما يوجه إلى شخص الرسول من مفتريات. عندئذ يجأر الناس إلى الله طالبين الرحمة، ونادمين على موقفهم الخائن من الرسالة الخاتمة. فهل يصدقون؟ أيا ما كان الأمر، فإن الحساب الجامع عند اللقاء الأخير، يومئذ توفى كل نفس ما قدمت وأخرت!! وقد بينت السورة أن حملة الوحى الأول مستهم البأساء والضراء، فإن موسى ناشد فرعون أن يطلق سراح قومه، وأن يتركهم ينطلقون معه إلى بلد آخر ولكن فرعون أبى إلا حبسهم على الأذى، فماذا كانت عاقبته ومن معه؟ أهلكوا جميعا " كم تركوا من جنات وعيون * وزروع ومقام كريم * ونعمة كانوا فيها فاكهين * كذلك وأورثناها قوما آخرين " . والتاريخ يعيد نفسه، وعاقبة الظلمة فى كل عصر واحدة. والمهم أن أصحاب الدعوات يرتفعون إلى مستواها وتصدق أعمالهم أقوالهم، فإذا آل الأمر إليهم كانوا نماذج للعدل والطهر! والمحزن أن الصلاح قصير الأجل فى حياة أغلب المتدينين. فسرعان ما تغلبهم أهواؤهم ويحيدون عن تراث أنبيائهم. يقول تعالى فى اليهود " ولقد اخترناهم على علم على العالمين * وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين " . فماذا فعلوا بعدما تحرروا وملكوا؟ أظهروا فى الأرض الفساد فمزقهم القدر الساهر.. واختار القدر بعدهم العرب، وأورثهم القرآن العظيم، فساروا به أشواطا ثم تخفوا عنه إلا قليلا، فأدركهم العقاب العتيد المرصد لكل منحرف، فهم الآن شراذم يلغ فى دمها كل جبار! إن الذين يخلصون للوحى يرثون خير الدنيا والآخرة. ذلك هو وعد الله للمؤمنين الصالحين. وأصحاب الحضارة الحديثة على قدر كبير من الذكاء، بيد أنهم لا يلتفتون للحياة الآخرة، ولا يخطر ببالهم أنهم ملاقو الله يوما، وهم يشبهون أهل الجاهلية من عرب الجزيرة الذين كانوا يسخرون من الحياة بعد الموت، ويعدونه حديث خرافة . . ص _386 " إن هؤلاء ليقولون * إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين * فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين " . وسيجمع الله الآباء والأبناء ، ويحاسب كلا على ما قدمت يداه، وإلا كانت الحياة عبثا باطلا، وكفاحا فارغا هازلا " وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين * ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون * إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين " . والحق الذى خلقت به السموات والأرض يظهر فى القوانين الدقيقة التى تحكم الذرة والمجرة، والنملة والفيل، والسهول والغابات، والبر والبحر! وهناك علوم جادة تبحث فى هذه الأرجاء كلها، وتعود بالعجائب الهاتفة بعظمة الخالق.. وكذلك يظهر هذا الحق فى حساب أخير يفصل بين المسلمين والمجرمين، والذاكرين والغافلين، وذوى الضمائر الحية والضمائر الميتة! ويمتاز القرآن الكريم بأنه غلب ضجيج الحياة البشرية بوعده ووعيده، وأثبت من صور الدار الآخرة ما ينفى الغرور بهذه الدار الدنيا . وقد ختمت سورة الدخان بأحد هذه النماذج " إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين * يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون " . ماذا ينتظر الأشرار؟ " إن شجرة الزقوم * طعام الأثيم * كالمهل يغلي في البطون * كغلي الحميم " . وماذا ينتظر الأخيار؟ " إن المتقين في مقام أمين * في جنات وعيون * يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين " . "إن الله أنزل القرآن على محمد ليوقظ الغافلين ويصنع به أمة ذات رسالة عظيمة " فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون * فارتقب إنهم مرتقبون " . ص _387 مأخوذ من كتاب نحْوَ تفسير مَوْضوعيّ. الشيخ محمد الغزالي. |
|
| |