مَثلُ من أعرض عن المواعظ والنُّذُر :
قال تعالى : ﴿ فَمَا لَهُمْ عَنْ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49)كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) ﴾ [المدثر:49-51] .
هذا مثلٌ ضربه الله عزَّ وجلَّ في أولئك الغافلين الصادِّين عن المواعظ والنُّذر، حيث شبَّههم في نفرتهم وإعراضهم عن الحق بحُمُر الوحش إذا فرَّت ممن يريد صيدها من صائد، أو من أسد ونحوه، وهذا من أعظم ما يكون من النُّفور عن الحق([20]). قال ابن القيِّم رحمه الله : " وهذا من بديع القياس والتمثيل، فإنَّ القوم في جهلهم بما بعث الله به رسوله كالحُمُر، وهي لا تعقل شيئاً، فإذا سمعت صوت الأسد أو الرَّمي نفرت منه أشدَّ النُّفور، وهذا غاية الذمِّ لهؤلاء، فإنهم نفروا عن الهدى الذي فيه سعادتهم وحياتهم كنفور الحُمُر عن ما يُهلِكُها ويَعقِرُها . وتَحتَ المُستَنْفِرَة معنى أبلغ من النَّافِرَة؛ فإنها لشدة نفورها قد استنفر بعضها بعضاً وحضَّه على النُّفور، فإنَّ في الاستفعال من الطلب قدراً زائداً على الفعل المجرَّد، فكأنها تواصت بالنُّفور، وتواطأت عليه، ومن قرأها بفتح الفاء فالمعنى أنَّ القسورة استنفَرَها وحملها على النُّفور ببأسه وشدَّته "([21])
|