منذ /06-21-2014, 03:32 PM
|
#713 |
مبدعي المنتدى
| | | | | لذة الصوم و وسائل تحصيل ثمرته وهذا من أعجب الأسرار، ولم أجد أحدًا تكلم فيها بما يشفي، والمقصود أيها السالك: إيقافك على أسرار العبادة وجمال الخدمة وشرف القيام بالأمر، فالعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، ومقتضى قيامك بأداء العبادة أن تجد ثمرتها، وثمرة العبادة تكليف شرعي، فمثلاً: يقول عن الصلاة: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} أي الصلاة الصحيحة الكاملة، ولكنه لم يتكلم عن لذة العبادة والمناجاة والخطاب وحلاوة القيام بتلك الصلاة وكذلك الصوم حين قال: {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} فالتقوى أيضًا كالانتهاء من الفحشاء والمنكر كلاهما مأمور به.
وسر عدم التعرض للذة العبادة وجعلها مقصودًا وغاية مباشرة أن هذه اللذة والحلاوة هي من صميم مقام الإحسان "أن تعبد الله كأنك تراه" ولو جُعلت مقصودًا وغاية لعَجَزَ جمهور المكلفين عن أن يحصّلوا هذه اللذة ليتأكدوا من حصول ثمرة العبادة، وليأس كثير من السالكين حيث يجتهدون ولما يأتهم المدد، فكان تكليفهم بالقريب الملموس والسهل اليسير لأن علامات التقوى والانتهاء عن المنكر واضحة، أما باطن هذه الغايات وجوهرها فهو الالتذاذ بالخدمة والشعور بالنسبة (نسبة العبد لربه) كما قال r بعد رجوعه من الطائف وأذيه أهلها له وإهانتهم لشخصه، قال: "إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي" وهذا من أجمل الألفاظ النبوية الجامعة الخارجة من مشكاة خليل رب العالمين، ولذلك كان سيد الاستغفار سيدًا لما فيه من الشعور بالنسبة ولذة الخطاب: "أنت ربي.. خلقتني وأنا عبدك.. فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت". وممـا زادنـي شـرفًا وتيـهًا وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولـي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيًا وكذلك الصوم تتحصل اللذة فيه من الشعور بالنسبة والالتذاذ بالخدمة قال تعالى في الحديث القدسي: "الصوم لي وأن أجزي به…" هذه هي النسبة، وقال: "ترك طعامه وشهوته من أجلي" وهذه هي حقيقة الالتذاذ بالخدمة.
ولذلك كان يبس الشفاة من العطش، وقرقرة البطون من الجوه: أهنأ ما لاقاه الصائمون وأمرأ ما ظفر به أولئك الجياع العطشى.
فبينما هو يتألم – وقد تلوى من جوع البطن- يتوارد على فؤاده خاطرة: أن هذا الألم يصبر عليه تعظيمًا لحق الله ومهابة لنظره وإطلاعه فيرضى عن حاله ويشبع من رضا الله عنه ولا يطمع في أي نعمة تحول بينه وبين لذة هذا الألم.
لكنه سرعان ما يطأطئ منكسرًا وجلاً، خائفًا لئلا يقبل الله منه فيتضافر ألم البطون مع ألم القلوب ويتعاظم هذا الألم حتى تتداركه عناية الله وإمداداته فيفيض عليه من جميل لطفه وإنعامه فيسكن هذان الألمان المتضافران وينقلبان حلاوة غامرة ولذة عامرة بل وشوقًا للقاء الله حتى تتم فرحته التي أخبر عنه النبي r "وفرحة عند لقاء ربه".
وإذا تأملت هذه المعاني أدركت سر قوله r: "رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع" رواه ابن ماجة (صحيح الجامع)
وقوله r: "رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش" رواه الطبراني في الكبير وغره (صحيح الجامع)
وربما ضربت كفًا على كف من اجتماع هذه المتناقضات، ألم، ولذة، وجوع، وشبع، وعطش، وريٌّ، ولا يمنعنك هذا العجب من ولوج هذا الطريق والسير فيه، فمن سلكه رأى من آيات ربه الكبرى.
فأحسن القصد، وولّد العزم، وتسلح بالهمة، وابدأ السير، وِجدَّ في الترّحال، واطلب الراحة في العناء، وارض عن نفسك إذا كان مسعاها في المعالي، ولا تركن إلى غبن أهل الدنيا، ومنِّ نفسك بالفوز الربيح، وادخر الثمن الغالي لسلعة الله "ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة" | | | | |
|
| |