لقد اعتاد الناس أن يزوروا بعضهم بعضاً في المناسبات الدينية والوطنية ، وفي الحالات العادية ، يتزاورون في البيوت والمنازل والمتاجر وأماكن العمل وفي المؤسسات والوزارات وفي غيرها . وفي الغالب يخبر بعضهم بعضاً بأمر الزيارة قبل حدوثها بوقت كافٍ ، حتى يستعد الإنسان المزور لاستقبال الزائر إلا .. هذا الزائر فإنه لا يخبر أحداً عن زيارته ولا يُعلمه متى تكون الزيارة ، فقد يأتي بالليل وقد يأتي بالنهار، وقد يأتي الناس في حال أفراحهم أو في حال أتراحهم ودون أن يشعرهم بموعد الزيارة ، متى وأين ؟
غير أن هذا الزائر الأخير تعتبر زيارته في غاية الخطورة .. بل الخطورة نفسها ، فإن رؤيته على الحال التي هو فيها تحدد مصير الإنسان .. كل إنسان على هذه المعمورة ، في الماضي والحاضر والمستقبل .ولم يستأذن ـ قط ـ إلا عدداً محدوداً من البشر، هم خير البشر على الإطلاق .
هذا الزائر الأخير هو ملك الموت عليه السلام الذي يزور الناس .. كل الناس بلا مواعيد محددة أو معروفة .غير أن زيارته تحدد مصير الإنسان .. كل إنسان . إما إلى الجنة وإما إلى النار. والعياذ بالله.
زار هذا الزائر الأخير، أمير المؤمنين (عمر بن عبد العزيز) في آخر أيام خلافته المباركة ، وهو على فراش الموت بعد أن دُسَّ له السم في شرابه .
تقول زوجته(فاطمة) يوم وفاته : كنت خلف الباب فجعلت أسمعه يقول :
ـ مرحباً بهذه الوجوه التي ليست بوجوه إنس ولا جان ، مرحباً برسل ربي ، ثم قرأ :{تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين ) [القصص : 83].
ثم لبث طويلاً لا يُسمع له حسّ ، ثم دخلت عليه فوجدته ميتاً قد أقبل بوجهه نحو القبلة ووضع إحدى يديه على فمه والأخرى على عينيه ، لقد زاره الزائر الأخير، وهو في هذه الحالة من التجلي والخشوع لله تبارك وتعالى .
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته .
وزار الزائر الأخير شيخ الإسلام (أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية) وهو مسجون في سجن القلعة بدمشق ، وقد ختم القرآن (81) مرة ومات وهو يتلو الآية الكريمة : (إن المتقين في جنات ونهر* في مقعد صدق عند مليك مقتدر )[القمر: 54 ، 55]
وهو القائل عندما سجنوه : (ماذا يصنع أعدائي بي ؟ إن سجني خلوة ، ونفيي سياحة ، وقتلي شهادة ، إن إيماني في قلبي ، وقلبي بيد ربي) .. مات شيخ الإسلام عام 728 هـ .
وقصص (الزائر الأخير ) مع الناس حين وفاتهم عجيبة وغريبة ، والله نسأل أن يزورنا (الزائر الأخير) ونحن في طاعة الله ورضوانه .. اللهم آمين .