فما ولدت العرب أكرم منك ..!
-------------------------------
قال الأصمعي : قصدت في بعض الأيام رجلا كنت أغشاه لكرمه فوجدت على بابه بواباً
فمنعني من الدخول إليه، ثم قال : والله يا أصمعي ما أوقفني على بابه لأمنع مثلك الدخول إليه إلا رقه حاله
وقصور يده، فكتبت رقعة أقول فيها :
إذا كان الكريم له حجاب *** فما فضل الكريم على اللئيم
ثم قلت له : أوصل رقعتي هذه إليه ففعل، فعادت الرقعة وقد وقّع على ظهرها :
إذا كان الكريم قليل مال *** تستر بالحجاب عن الغريم
وأرسل مع الرقعة صرة فيها خمسمائة دينار، فقلت والله لأتحفن أمير المؤمنين بهذا الخبر، (فما مرَّ بي مثله)
فجئت إليه، فلما رآني قال لي : من أين يا أصمعي ؟ قلت من عند رجل أكرم الأحياء حاشا أمير المؤمنين. قال :
ومن هو ؟ قلت : رجل قراني علمه وماله، ثم دفعت إليه الرقعة والصرة (وأعدت عليه الخبر فلما رأى الصرة لبد
وجهه) فقال : هذا ختم بيت مالي، ولا بد لي من الرجل الذي دفعها إليك، فقلت والله يا أمير المؤمنين إني
لأستحيي أن أُروّعه برسلك، فقال لبعض خواصه : امض مع الأصمعي فإذا أراك الرجل فقل له : أجب أمير
المؤمنين من غير إزعاج ولا إظهار شدة، قال : فلما حضر الرجل بين يدي أمير المؤمنين قال : أما أنت بالأمس
الذي وقفت بموكبنا وشكوت إلينا رقة حالك وأن الزمان قد أناخ عليك بكلكله ؟ فدفعنا إليك هذه الصرة
لتصلح بها حالك، فقصدك الأصمعي ببيت شعر واحد فدفعتها إليه، فقال : والله ما كذبت فيما شكوته
الأمير المؤمنين من رقة الحال، وصعوبة الزمان، لكني استحييت من الله أن أعيد قاصدي إلا كما أعادني
أمير المؤمنين، فقال أمير المؤمنين : لله أنت فما ولدت العرب أكرم منك، ثم أمر له بألف دينار،
قال الأصمعي : فقلت ألحقني يا أمير المؤمنين فتبسم، وأمر أن تكمل لي ألف دينار .
وأعاد الرجل من جملة ندمائه.
|