| تنكيس الآيات والسور السؤال:
سمعت أن من يقرأ القرآن على غير ترتيبه أي ينكس في ترتيب السور ينكس الله قلبه, فهل هذا صحيح؟
الجواب:
التنكيس نوعان:
النوع الأول: تنكيس الآيات, وهو أن يقرأ الآيات بقلب ترتيبها, فتكون الآية رقم (2) قبل الآية رقم (1) وهكذا, كأن يقرأ: مالك يوم الدين الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين.
وهذا التنكيس لا يجوز إطلاقاً, ومن قرأ به فهو منكوس القلب؛ لأنه يخلُّ بالقرآن وبمعانيه.
وعلى هذا يحمل الأثر الوارد عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنه سئل عن رجل يقرأ القرآن منكوساً, فقال: «ذلك منكوس القلب», أخرجه عبدالرزاق في مصنفه , وابن أبي شيبة في مصنفه , وأبو عبيد في فضائل القرآن , والطبراني في المعجم الكبير , والبيهقي في شعب الإيمان.
النوع الثاني: تنكيس السور, وهو أن يقرأ السور خلاف ترتيبها في المصحف, فيقرأ سورة الناس, ثم الفلق, ثم الصمد, وهكذا.
وقد حمل بعض العلماء أثر ابن مسعود -رضي الله عنه-السابق على تنكيس السور, ولكن الذي يظهر أن كلام ابن مسعود - رضي الله عنه- عن الذي ينكس الآيات لا الذي ينكس السور, خصوصاً إذا علم أن ترتيب مصحف ابن مسعود- رضي الله عنه- لم يكن كالترتيب الذي استقر عليه المصحف العثماني, وهذه المسألة تحتاج إلى نظر وبحث.
ثم إنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران, فقد روى مسلم في صحيحه عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنه- قال: « صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح بالبقرة, فقلت: يركع عند المائة, ثم مضى, فقلت: يصلي بها في ركعة, فمضى, فقلت: يركع بها, ثم افتتح النساء فقرأها, ثم افتتح آل عمران فقرأها, يقرأ مترسلاً, إذا مر بآية فيها تسبيح سبّح, وإذا مر بسؤال سأل, وإذا مر بتعوذ تعوّذ».
وعمل النبي صلى الله عليه وسلم يدل على جواز التنكيس بين السور, وقد حمله بعض العلماء على أنه قبل أن يستقر الترتيب في العرضة الأخيرة, وهذا يعني أن هذا مما نسخ, وهذا غير سديد, لأنه لو كان الأمر كذلك لجاء من النص الصريح ما يدل على ذلك, فلما لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باتباع ترتيب السور, ولا ورد عنه صلى الله عليه وسلم نهي عن أن يخالف الترتيب, فإن الأمر يبقى على الجواز, خصوصاً مع وجود عمله كما في هذا الحديث, وكذا تقريره لهذا في الحديث الذي ورد عن أنس بن مالك قال: « كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء, وكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح: {قل هو الله أحد} حتى يفرغ منها, ثم يقرأ سورة أخرى معها, وكان يصنع ذلك كل ركعة..., فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر ,فقال: ما حملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة؟ فقال: إني أحبها, قال النبي صلى الله عليه وسلم: « حبُّك إياها أدخلك الجنة » , ذكره البخاري تعليقاً في كتاب الأذان باب: الجمع بين السورتين في الركعة والقراءة بالخواتيم وبسورة قبل سورة, ورواه الترمذي والحاكم وغيرهم موصولاً.
ولا شك أن التزام الرجل بسورة الإخلاص في كل ركعة يلزمه أن يقرأ بعدها سورة متقدمة عليها, وفي هذا الحديث تقرير النبي صلى الله عليه وسلم لهذا العمل, فهو دليل على جواز تنكيس السورة أيضاً.
ثم إن عمل المسلمين منذ القديم في تعليمهم للصبيان جاء على تنكيس السور, حيث يبدؤون بهم من آخر القرآن, ولو كان لا يجوز لما أطبق عليه المسلمون كما ترى.
ومن حمل أثر بن مسعود-رضي الله عنه- على عدم جواز تنكيس السور فإن ذلك يلزم منه لوازم, منها:
1) أنه يجب وجوباً عينياً معرفة ترتيب السور.
2) أن المسلمين لم يكونوا يعلمون بهذا الترتيب حتى كتب عثمان-رضي الله عنه- المصاحف؛ لأن قراء الصحابة لم يكن كلهم على علم بهذا الترتيب, كما لم يكونوا على علم بما نسخ وما لم ينسخ, فكانوا يقرؤون بما قرؤوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولم يَدَعُوه إلا في عهد عثمان-رضي الله عنه- حيث أجمعوا على التزام مصاحف عثمان-رضي الله عنه-, وتركوا ترتيب السور الذي كان في مصاحفهم, كما تركوا المنسوخ من الآيات, وهذه المسألة تحتاج إلى بسط ليس هذا محله , والله الموفق .
3) والمقصود أن تنكيس القرآن جائز بالدلائل السابقة , والله أعلم.
|