كل المسافات القريبة امتدت ..وكل الطرق قُفلت أصبحت مدينتها مدينة مُوحشة ..تسكنها خفافيش الوجع مدينة لا نهار فيها ..ليلها دامس سماؤها معتمة .. نجومها باهتة ..القمر استدار خلف غيوم الأسى .. لا نسمع فيها غير أصوات رياح الخوف وهي تصفق أبواب ونوافذ الرجاء .مدينة هجرها سكونها الفرح
والأمل والرقص والغناء الأحلام والأمنيات .. لتظل هي وحيدة بها منع عنها حظر الخروج منها اغُلقت ابوابها عليها لتكون سجينة الذكريات ..ذهبت تسير
أماكن فرحها أماكن رقصها أماكن ركضها وشقاوتهها ..فكلها رحلت جلست على عتبة الصمت تذرف دموع الوجع تتحسس بطنها بأنأمل ترتعش وهي تحدث نفسها الملكومة بحقيقة كم حاولت أن تنكرها ..أن تكذبها ..أن لا تعترف بها وهي تتحس بطنها وهي تقول بصوت باكي تقطعه أنفاسها التي تماد تشق صدرها .. هنا كُنتُ سأحمل ُ طفلتي هنا كُنتُ سأتحسس نبضها ..هُنا كُنتُ سأشاهد نموها وهي تكبر هنا كنت سأتنتظر طفلتي منهُ ..تلك الطفلة التي حلما بها سويًا ..طفلة تشبهُ أمها عنيدة كأبيها ..طفلة تخطف قلب أمها وأبيها تسرق منها حضن أبيها تركضُ نحوه قبلها تُسابقها لفتح البابَ لهُ
وتتعلق في عنقه طفلة ترافقه وهي تنتظر قدومهما بشوقِ وحنان وحين تعود تعود حاملة بيدها قطعًا من الحلوى ..تنام على حكاية الحب والشوق ..طفلة نمت في رحم أمنياتها حتى أنها أحست بوجودها تحس بدفء أنفاسها تسمع صوتها تناديها متى تأتي أنتِ وأبي كي تأخذيني ..وفجأة انقطع ذاك الصوت ماتت تلك الطفلة ..ماتت قبل أن تُلد حينما علمت أنها لن تكون أم ما عاشت لن تكون أنثى كاملة فقد حُرمت من أن تكون أم من أن تسمع كلمة (ماما)كم تألمت كم توجعت ولطمت وجه قلبها وشقت قميص صدرها كم من الأيام والشهور التي صارعت الموت كم ماتت قهرًا وهي تشاهد أحلامها تحتضر حتى نُزعت روحها وماتت فحُملت كي تُدفن في مقابر الأسى والحرمان .هُنا فقط حزمت حقائبها وقررت الرحيل بصمت وأقسمت أن لا تبني سعادتها على تعاسة غيرها ..لعله ينعتها أو يتهمها بالخيانة لعلهُ يكرهها رحلت بصمت لتمضي لقدرِ مجهول .
إيلانا
|