عرض مشاركة واحدة
قديم منذ /04-04-2022, 05:09 PM   #12280

بحر القمر

مشرف التنميه البشـريه

 

 رقم العضوية : 102183
 تاريخ التسجيل : Dec 2016
 الجنس : ~ رجل
 المشاركات : 51,762
 النقاط : بحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond reputeبحر القمر has a reputation beyond repute
 درجة التقييم : 243349
 قوة التقييم : 122

بحر القمر غير متواجد حالياً

 

 

 

 

 

أوسمة العضو

نجم الهوايات تالت حمله الشخصيات التاريخيه مسابقه الكاتب المميز تاني مسابقه القلم المميز شاعر المنتدى 2 

افتراضي

والذين يتعاملون مع رمضانَ على أنَّهُ شهرُ الحقِّ هم الذين يستقبلونه على أنه مدرسةٌ لتجديد الإيمان، وتهذيب الخلق، وتقوية الروح، واستئناف حياةٍ أفضلَ وأكملَ، فهؤلاء هم الذين يستفيدون منه، هؤلاء هم الذين يجدون في نهاره لَذَّةَ الأبطالِ في المعركة، ويجدون في مسائه وفي ليله وفي سَحَره وفجره ..
الحمد لله المتفرد باسمه الأسمى، والمختص بالملك الأعز الأحمى، الذي ليس من دونه منتهى ولا وراءه مرمى، الظاهر لا تخيلاً ووهمًا، الباطن تقدُّسًا لا عُدْمًا، وسع كل شيء رحمة وعلمًا، وأسبغ على أوليائه نعما عُما.

وبعث فيهم رسولاً من أنفسهم عُربًا وعجمًا، وأذكاهم محتدًا ومَنْمَى، وأشدهم بهم رأفة ورُحمى، حاشاه ربه عيبًا ووصمًا، وذكَّاهُ روحًا وجسمًا، وآتاه حِكمة وحُكمًا، فآمن به وصدَّقه من جعل الله له في مغنم السعادة قسمًا، وكذّب به وصدف عنه من كتب الله عليه الشقاء حتمًا، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى، صلى الله عليه صلاة تنمو وتنمى، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.

معاشر الصالحين: رمضان شهر الحقِّ، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- رسول الحق، وكتابنا هو الحق، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ) [النساء:17]، كتابنا هو حق، ونزل بالحق، (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) [الإسراء:105].

والذين يتعاملون مع رمضانَ على أنَّهُ شهرُ الحقِّ هم الذين يستقبلونه على أنه مدرسةٌ لتجديد الإيمان، وتهذيب الخلق، وتقوية الروح، واستئناف حياةٍ أفضلَ وأكملَ، فهؤلاء هم الذين يستفيدون منه، هؤلاء هم الذين يجدون في نهاره لَذَّةَ الأبطالِ في المعركة، ويجدون في مسائه وفي ليله وفي سَحَره وفجره لَذَّة المنتصرين في المعركة في ساعاتها الأخيرة.

هؤلاء هم الذين تفتح لهم أبواب الجنان في رمضان، وتغلق عنهم أبواب النيران، وتتلقاهم الملائكة ليلة القدر بالبُشرى والسلام، هؤلاء هم الذين ينسلخ عنهم رمضان مغفورة لهم ذنوبهم، مكفَّرَةً عنهم سيئاتهم، مجلوَّة بنور الله قلوبهم، مجددة بقوة الإيمان عزائمهم.

هؤلاء هم الذين تصلح بهم الأوضاع، وتكسب بهم المعارك، وتسعَد بهم المجتمعات. وما أحوجنا إليهم اليوم ونحن في قلب المعركة مع الباطل والفساد والعناد والانحلال!.

أيها المؤمنون يا أبناء الأمة: خطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صحابته في مثل هذه الأيام في بدايات رمضان، فكان مما قال: "أيها الناس، جاءكم شهرٌ عظيمٌ مباركٌ، فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضةً، وقيام ليله تطوعا، مَن تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمَن أدَّى فريضةً فيما سواه، ومَن أدَّى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهرٌ يزداد فيه رزق المؤمن، مَن فطَّرَ فيه صائما كان مغفرةً لذنوبه، وعتقَ رقبتِهِ من النار، وكان له مثل أجره، من غير أن ينتقص من أجره شيء".

قالوا: يا رسول الله، ليس كلنا نجد ما يفطر الصائم! فقال -صلى الله عليه وسلم-: "يُعطي الله هذا الثواب مَن فطَّرَ صائما على تمرةٍ، أو شَربة ماء، أو مذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، مَن خفَّف عن مملوكه غفر الله له واعتقه من النار.

واستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضُون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما، فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه. وأما اللتان لا غنى بكم عنها: فتسألون الله الجنة، وتعوذون به من النار. ومن سقَى صائما سقاه الله من حوضي شَرْبَةً لا يظمأ حتى يدخل الجنة" رواه ابن خزيمة في صحيحه.

وفي حديث آخر: " أتاكم رمضان، شهر بركة، يغشاكم الله فيه، فينزل الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، وينظر الله -تعالى- إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله -عز وجل-" رواه الطبراني.

هذا ما كان يقوله رسولكم -صلى الله عليه وسلم- من معاني الحق يستحث فيه عزائم المؤمنين على للطاعة والعبادة، ويشرح صدورهم لما يتنزل عليهم في أيامه من بركة ورحمة، ويشوّق أرواحهم إلى ما يضفيه الصيام عليها من قوة وإشراق وقدسية.

فأعدوا أنفسكم بمعاني الحق، وتخلقوا بأخلاقه، واستفيدوا من حكمه وأحكامه، ولا يصرفكم عن ذلك عب العابثين، ولهو اللاهين، الذين أعدوا العدة لصرْفكم عن نفحاته، ومنعكم من أسراره وبركاته، (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) [النساء:27].

أيها الأحباب الكرام: قد كان يكفينا في الحث على الصيام والدعوة إليه أن نقول للمسلم: إن الله يأمرك بالصيام، دون ذكر فوائد الصيام وأسراره؛ ولكننا مضطرون لبيان ذلك لأن الله تعالى علّمنا في كثير من الآيات أسرار تشريعه وفوائده، شحْنَاً لأذهاننا أن نفكر ونعمل، وإيماء إلى أن هذا التشريع الإلهي لم يقم إلا على ما يحقق للناس المصالح ويدفع عنهم المضار.

انظر إلى قوله -تعالى- حين يعلمنا آداب الاستئذان في البيوت كيف يختم ذلك بقوله: (هُوَ أَزْكَى لَكُمْ) [النور:28]، وحين يأمر المؤمنين بغض الأبصار كيف ينبهنا للفائدة الاجتماعية من ذلك فيقول: (ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ) [النور:30].

بل الله -تعالى- حين أمرنا بالصيام ذكر حكمته وفائدته بكلمة واحدة من كلامه الـــمُعجز الخالد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183]، فالحكمة من تشريع الصيام -كما ينبهنا الله إليها- هي التقوى، أو الاتقاء.

والتقوى هي فعل كل خلق يحبه الله، وترْك كل ما يُغضب الله، والاتقاء -أي: الوقاية- هي الوقاية من كل خلق ذميم يؤذي المجتمع والأفراد.

ومن أقوال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنما الصوم جُنَّةٌ -أي: وقاية-، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب"، فقد بين الحكمة من الصيام، ثم بينها لنا ليكون أوقع في النفس وأعمق أثراً، وليكون المؤمن أكثر اطمئناناً إلى العبادة حين يؤدِّيها، وإلى التشريع حين ينفذه.

ولقد سبقنا إلى ذلك سيدنا إبراهيم الخليل عليه صلوات الله حين سأل ربه أن يريه كيف يحيي الموتى، فقال الله له: (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) [البقرة:26].

فليس في تعليل الأحكام وبيان أسرارها ما ينافي الإيمان أو يدل على ضعف اليقين، ولقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعدل الأحكام ويبين الحكمة بها في كثير من أحكام التشريع.

والآن: ما هي حكمة الصوم؟ وما هي فوائدة؟ أما الآن -أيها الأحباب- فلن نتكلم عن فوائدة الصحية، فذلك أولى بطبيبٍ مسلم يتناول ذلك بالشرح والإيضاح، والله -تعالى- أمرنا أن نسأل أهل الذكر.

وإنما شأننا هنا أن نتحدث عن فوائد الصيام النفسية والروحية والخُلقية، ومن أهم ما ينطوي عليه الصوم من تربية اجتماعية في نفوس الصائمين أنهم يثبتون في الإيمان بالحق، ويمنحهم الثبات عليه، والدعوة إليه، والتخلق به.

والحق له في ديننا منزلة كبرى، فمن أسماء الله "الحق": (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ) [الحج:6]، والحق هو ما يرتضيه الله، أو يصدر عنه قوله الحق، وله الحكم.

ولذلك كانت رسالات الأنبياء دعوة إلى الحق، وإقرارا له في عالم الناس: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ) [البقرة:213].

وكانت رسالة الإسلام -وهي خاتمة الشرائع- دعوة إلى الحق، وتثبيتا لمعالمه، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ) [النساء:17].

وإذا كان الحق هدف رسالة الإسلام، فان من أول الحق أن تذكر عبوديتك لله الذي خلقك وأنشأك، وأمدك بالنعم التي لا يحصى لها عدد، ولا يعرف لها حد.

والباطل -الذي ليس بعده باطل- أن ينسى الإنسان عبوديته، وسلطان الله عليه، وما يناله المتألهون من البشر، ولا يطغى الطغاة، ولا يظلم الظالمون إلا حين ينسون عبوديتهم، فيزعمون لأنفسهم من صفات الله ما يستبيحون به سفك الدماء، وإزهاق الأرواح، والتكبر في الأرض، والإفساد فيها، واستعباد جماهيرها، وإذلال كرامتها.

وفي الصوم يذكر الإنسان انه إنسان، أي أنه عبد محتاج إلى الطعام والشراب، مجرد من كل قوة، يستوي مع الناس في قوام الحياة من غذاء وسكن ولباس.

في الصوم يكون الملوك والرؤوس والقادة والأقوياء والأغنياء وكل ذي سلطان كالشعب في الحاجة إلى الطعام، وأنه كالفقراء والضعفاء جوعا وضعفا حين يحال بينه وبين الغذاء والماء. فلماذا يمنعون عن الشعوب المعونات والغذاء؟ لماذا يمنعونها حقها؟ ولو منعهم الله أسباب القوة لكانوا مستضعفين في الأرض أذلة صاغرين!.

في الصيام تذكير لهم بحقيقتهم، وأنهم مهما علوا وتكبروا وتجبروا فلن يتجاوزوا مرتبتهم، وهي العبودية، العبودية اختيارا أو اضطرارا.

جعلني الله وإياكم ممن ذكر فنفعته الذكرى، وأخلص عمله لله سرا وجهرا، آمين! آمين! والحمد لله رب العالمين.







  رد مع اقتباس